رفض الافراج عن سنية الدهماني    بودربالة يوجه الى نظيره الايراني برقية تعزية في وفاة إبراهيم رئيسي    فلاحون يستغيثون: فطريات ألحقت اضرارا فادحة بالطماطم المعدة للتحويل    الهلال الأحمر الإيراني يكشف تفاصيل جديدة حول تحطّم المروحية الرئاسية    أبطال إفريقيا: الكشف عن مدة غياب "علي معلول" عن الملاعب    وزيرة السعادة تحافظ على مركزها ال9 في التصنيف العالمي    تونس: عقوبات تصل إلى 3 سنوات سجنا لكل من يعتدي على أملاك الدولة    تقرير يتّهم بريطانيا بالتستر عن فضيحة دم ملوّث أودت بنحو 3000 شخص    مختص في الموارد المائية : تحلية مياه البحر هو خيار ضروري    تزامنا مع عيد الاضحى : منظمة ارشاد المستهلك توجه دعوة لقيس سعيد    كرة اليد: الهلالي يرفض تأجيل نهائي كأس كرة اليد ويحمل المسؤولية لجامعة كرة القدم    الرابطة المحترفة الاولى (مرحلة تفادي النزول): برنامج مباريات الجولة الحادية عشرة    صفاقس اليوم الجهوي للحجيج    الشاعر مبروك السياري يتحصل على الجائزة الثانية في مسابقة أدبية بالسعودية    سيدي بوزيد: تواصل فعاليات الدورة 15 لمعرض التسوق بمشاركة حوالي 50 عارضا    نحو الترفيع في حجم التمويلات الموجهة لإجراء البحوث السريرية    فظيع: غرق شخص ببحيرة جبلية بجهة حمام بورقيبة..    القيروان: إنتشال جثة سبعينية من فسقية ماء بجلولة    قبلي: الإطاحة بمروج مخدرات وحجز كمية من المواد المخدرة    حاول سرقة محل تجاري بأسلحة بيضاء ...فوقع في قبضة أمن قرطاج    الجنائية الدولية تطلب إصدار مذكرة اعتقال ضدّ نتنياهو    الشاعر مبروك السياري والكاتبة الشابة سناء عبد الله يتألقان في مسابقة الدكتور عبد الرحمان العبد الله المشيقح الأدبية    وزارة التشغيل تمدّد في آجال التسجيل في برنامج مساندة المؤسسات الصغرى المتعثرة إلى غاية يوم 16 جوان القادم    البرلمان يعقد جلسات عامة للنظر في عدد من مشاريع القوانين    تونس : أنواع و أسعار تقويم الأسنان    غوارديولا يثير الشكوك حول مستقبله مع مانشستر سيتي على المدى الطويل    اشادات دولية.. القسّام تتفاعل وإعلام الكيان مصدوم...«دخلة» الترجي حديث العالم    هام/ هذه نسبة امتلاء السدود..    الأولمبي الباجي أمل جربة ( 2 1) باجة تعبر بعناء    انطلقت أشغاله الميدانيّة: التعداد السكاني دعامة للتنمية الاقتصادية    دول إفريقية مستعدّة لتنظيم عودة منظوريها طوعيا من تونس    فقدان 23 تونسيا في سواحل قربة ما القصة ؟    فيديو وصور يوثّقان المشاهد الأولى لحطام طائرة الرئيس الإيراني    تونس تقدم التعازي في وفاة الرئيس الايراني    استدعاء ثلاثة لاعبين لتشكيلة البرازيل في كوبا أمريكا واستبدال إيدرسون المصاب    سمير ماجول : ''القطاع الفلاحي هو مستقبل البلاد''    تونس تتوج ب 26 ميداليّة في المسابقة العالميّة لجودة زيت الزيتون في نيويورك    بداية من اليوم : إنطلاق تحيين السجل الإنتخابي للتونسيين المقيمين بالخارج    بينهم زعيم عربي.. زعماء دول قتلوا بحوادث تحطم طائرات    هذه أول دولة تعلن الحداد لمدة 3 أيام على وفاة الرئيس الايراني..#خبر_عاجل    عاجل/ وفاة رئيس ايران تنبأت به الفلكية ليلى عبد اللطيف قبل شهرين..وهذا ما قالته..!!    تحذير من موجة كورونا صيفية...ما القصة ؟    القصرين : الوحدات العسكرية تشارك أبناء الجهة احتفالاتها بالذكرى ال68 لإنبعاث الجيش الوطني التونسي    نهائي "الكاف": حمزة المثلوثي رجل مباراة الزمالك ونهضة بركان    البرلمان : يوم دراسي حول انضمام تونس إلى بروتوكول اتفاقية المنظمة العالميّة للتجارة بشأن حقوق الملكيّة الفكرية المتصلة بالتجارة    التوقعات الجوية لهذا اليوم الاثنين 20 ماي..    المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بسيدي بوزيد تستعد للموسم الثقافي والصيفي 2024    من هو المرشح الأول لخلافة الرئيس الإيراني؟    4 تتويجات تونسية ضمن جوائز النقاد للأفلام العربية 2024    في عيده ال84.. صور عادل إمام تتصدر مواقع التواصل    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    دار الثقافة بمعتمدية الرقاب تحتفي بشهرث الثراث    نحو 20 % من المصابين بارتفاع ضغط الدم يمكن علاجهم دون أدوية    إرتفاع قيمة صادرات المواد الفلاحية البيولوجية ب 24.5 بالمائة    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نحن دعاة مصالحة و وئام ولسنا قضاة نحن مواطنون لنا حقوق وواجبات لا رعايا


بسم الله الرحمان الرّحيم
من فرج على مؤمن كربة فرج الله عليه كربة من كرب يوم القيامة
(حديث شريف)
الحرية لسجين العشريتين الدكتور الصادق شورو وللصحافيين توفيق بن بريك وزهير مخلوف
ولضحايا قانون الإرهاب
نحن دعاة مصالحة و وئام ولسنا قضاة نحن مواطنون
لنا حقوق وواجبات لا رعايا.
من اجل فتح صفحة جديدة للتامّل و المراجعة و المحاسبة فيما بيننا
بقلم : عبد السّلام بو شدّاخ،
احد مؤسسي الحركة الاسلامية في تونس
باريس في 22 ديسمبر 2009
لقد توقّع الكثير من الملاحظين ان البلاد قادمة على انفراج سياسي. ولقد تأكّد لدينا عدم إطلاق العديد من السجناء السياسيين إلى حدّ الآن في مقدّمتهم الد. الصادق شورو الرئيس السابق للحركة و انّ معاناته لا تزال متواصلة منذ ما يقارب العشريتين ، فضلا عن عدم الإفراج عن مئات من السجناء السياسيين المُحاكمين بمقتضى قانون مكافحة الإرهاب ، مع ملاحظة تواصل إعتقالات عديدة في الأيام الماضية لعدد كبير من الشباب التونسي بمقتضى هذا القانون دون أن يثبت عليهم أي فعل موجب للمؤاخذة .
ان هذه الاشارة الايجابية ليست على مستوى الحدث. اذ ان استمرارهذه الحالة المتأزمة لا تخدم الا الاستئصاليين الذين يتمعّشون من دوام الازمة السياسية في البلاد. هؤلاء هم الذين وضعوا ايديهم على جهازي الدولة والحزب الحاكم . وكذلك نأسف ان يلتجئ الى الاضراب على الطعام من اجل الحصول على جواز سفر الذي حقّ لكلّ مواطن بلا منّ واستجداء من احد و انا من المحرومين من هذا الحقّ منذ 19ماي 1990 الا وهو حق السفر و التنقل داخل البلاد و خارجها و من الخارج إلى تونس.
و بالمناسبة فانّي اعلن المطالبة بهذا الحقّ الدستوري المضمون لجميع المواطنين في العالم و كذلك جميع المحرومين من هذا الحقفي داخل البلاد وخارجهاّ. و انّي تقدّمت بأوّل طلب للحصول على جواز السفر منذ 19ماي 1990 على اثر نشر نتائج الانتخابات العامة المعلوم نتائجها للعموم التي وقعت في افريل1989 و انا محروم من حق السفر و التنقل داخل البلاد و خارجها و من الخارج إلى تونس الى يوم النّاس هذا. انّ العديد من المحرومين من حق السفر و التنقل داخل البلاد و خارجها و من الخارج إلى تونس لأسباب تتعلق بآرائهم عزمهم في حوض الاضراب عن الطعام بشكل جماعي من داخل البلاد وخارجها تضامنا مع المضربين على الطعام
التغييروالتذكير . : انّ كلمات " لاظلم بعد اليوم" و " لارئاسة مدى الحياة" هذه الكلمات كانت من اجمل ما سمعناه فجر السّابع من نوفمبر 1987 . اذ هذا اليوم يذكرنا بيوم الاعلان عن قيام الجمهورية في 25 جويلية 1957. و قد تبعت هذا الاجراء خطوات جريئة الا ان هذه الحالة لم تدم طويلا. اذ دامت ثلاثة سنوات من الربيع في تونس الذي تميّز بالانفتاح السياسي والحراك الوطني ثمّ تراجعت مساحة الحرية وامال كلّ من ساند التغيير الحاصل في نوفمبر1987.
وكان هذا الوضع نتيجة اخطاء ارتكبها العنصرين الهاميين و الفاعلين في الساحة السياسية التونسية وهما بعض الاطراف من الوسط الاسلامي المعارض غرورا منهم من جهة. وبعض الاطراف من داخل السلطة الذين دفعوا نحو تحويل مقاليد الدولة الى ادارة القمع البوليسي نتيجة جهلها للعمل السياسي واصوله فكرا و ممارسة وتجربة الذي يعتمد على الحوار و الوفاق بين الفرقاء والشركاء في الوطن.
وسرعان ما أدرك من هلّل للحدث ودفعته المطامع و سوء التقدير إلى الاعتقاد خطأ بأنّه سيوجد لنفسه دورا سياسيا داخل السلطة أو خارجها. و استولت آلة القمع على مقاليد السلطة فمنهم من وجد الفرصة سانحة ليسوّق لسياسة تجفيف ينابيع التديّن في البلاد. والحال أنّ سبب المعضلة ومولدها يكمن في إلغاء الوظيفة السياسية "للدولة" والذي نتج عنه تأزّم بقيّة المجالات وتدهور أوضاعها.
وللمتابع السياسي أن يلاحظ ما آلت إليه حال أحزاب "الإدارة" وما تردّى فيه حال الاتحاد العام التونسي للشغل وعن أزمة الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وعن حال جمعية القضاة التونسيين وعن حال الإعلام، حتى أنّ المشهد العام يوحي بأنّ مستقبل البلاد مفتوح على المجهول يتهدّده العنف المضادّ والتدخّل الخارجي
وأنّ طبيعة الحلول التي بوسع السلطة أن تقدّمها وهي القائمة على القمع و"التسويات المؤقتة" لن تجدي نفعا في معالجة أزمة سياسية شاملة اذ هي تتطلّب حلولا جذرية تعيد للسياسي اعتباره ودوره في بناء الدولة وتحقيق إدماج القوى الحيّة بكلّ مكوّناتها السياسية والعقائدية داخلها، لانّ الحال الآن شبيه بمن يعتقد بأنّ الجسم المريض يعالج بدواء جلدي بسيط والذي قد يسّرع في انهيار البناء باكمله وهو الذي باتت عناصره الداخلية متصدّعة وتنذر بالتفكك.
التغييروالمعاناة : لقد استشرت ظاهرة الفساد المالي والثراء الفاحش داخل السلطة وبطانتها وهو ما جعل القمع يجد مبرّرا اضافيّا استوجب منها ضخّ المزيد من شحنات التخويف والترويع عبر تكميم الافواه وتجويع البطون ومحاصرة الاعلام المحترف و الهادف بكلّ الوسائل و انتهاءا باحكام القبضة على القضاء.
لقد طالت المحنة التي لم تنته المحنة بقضاء العقوبة بل اتبعتهم عقوبات اخرى اشدّ على النفس في خارج السجن اذ تتعدد الإنتهاكات والاعتداءات الى ما بعد السجن بداية بالحدّ من حرية التنقل و الحرمان من الشغل و قطع الأرزاق و المراقبة الإدارية و تكثيف المتابعة الأمنية .
أما في أواسط التسعينات فقد كان ما يفوق 10.000 حالة لتصل إلى الحرمان من كسب الرزق و بعضهم من اتمام دراستهم و من حرمانهم من جوازات سفرهم و من الوثائق الإدارية و من العلاج المجاني٬ اذ أدّى ذلك إلى وفاة بعضهم بعيد خروجه من السجن لقلّة المال و وثائق العلاج المجاني .
و بالمناسبة لا يمكنا ان ننسى انّ لنا اخوان نقاسمهم نفس العقيدة و اللغة مشرّدين او مسجونين او مسرّحين ولكن محرومين من ابسط الحقوق الاساسية للانسان من حقّ الشغل او التنظّم او حتّى حقّ السفر و التنقّل في داخل اوطانهم او خارجها لا لشيء سوى انّهم لا يفكّرون مثل حكّامهم, ولا ننسى المسرّحين منهم الممنوعين من العمل و من السفر‘ وكذلك المشردين في جميع اصقاع العالم‘ نسال الله تعالى ان يجمعنا و اياهم على ارض الخضراء الحبيبة‘
انّ ضريبة النضال التي دفعها اخواننا بلا منّ صابرين محتسبين اجرهم الى الله تعالى تفوق ما دفعه غيرهم اذ نصبت لهم محاكمات أجمع المراقبون أنها جائرة و تفتقر إلى أبسط قواعد المحاكمات العادلة حيث انتهك فيها حقوق المتهمين و الموقوفين و ذلك باعتماد التعذيب و المعاملة القاسية و تدليس المحاضر و تواريخها و تجاوز المدد القانونية للإحتفاظ و الإحتجاز خارج نطاق القضاء و رفض العرض على الفحص الطبي و عدم سماع المتهم و عدم تمكينه من الدفاع عن نفسه و عدم الإعلام بالإيقاف
أما في السجون فقد لاقى المساجين المعاملة القاسية و المهينة للكرامة البشرية و شتى صنوف التعذيب و الإجراءات الإنتقامية كالعزل و النُقل التعسفيّة إلى آخره و سوء المعاملة فضلا عن الإهمال الصحي و الحرمان من الرعاية الطبية٬ و قد توفي من جراء ذلك 9 سجناء. 7 متوفين في ظروف غامضة ينتظرون فتح تحقيقات للكشف عن سبب و طريقة وفاتهم. 13 متوفى تحت التعذيب بشهادة المنضمات الإنسانية ينتظرون من السلطة فتح التحقيقات للغرض.4 متوفين فقط وقع التحقيق من طرف السلطة المختصّة للغرض. 3 أفراد وقع إعدامهم شنقا يوم 9 أكتوبر 1991. 12 مختل عقليّا ينتظرون المساعدة والمعالجة. حوالي 350 مريض بمرض مزمن أو مقعد لا يقدر على العمل أو مصاب بعاهات دائمة. 3 حالات انتحار بعدما ان فقدوا عقلهم. 9 وفايات في السجن نتيجة الإهمال الصحي بحسب شهادات زملائهم. 2 من المتوفين لم تسلّم جثثهم حسب شهادة عائلاتهم و لم يُفتح تحقيق في سبب وفاتهم. 12 حالة وفاة خارج السجن بسبب الإهمال الصحي وانغدام المعالجة. 5 خالات وفاة اعفي عنهم لاسباب صحيّة .حوالي 350 سجين حوكموا بأحكام متكررة و لم يسعفوا باتصال القضاء و قضوا سجنهم بتهم متكررة 10 منهم مازالوا في السجن إلى حدّ يوم 2 نوفمبر 2007.
وقع إطلاق سراح البعض منهم و هم منهكين صحيّا ليقضوا خارج السجن. نذكر منهم : الحبيب الردادي٬ نقل إلى المستشفى يوم 10 مارس2003 و دخل في غيبوبة يوم 15 مارس و متع بعفو يوم 19 مارس و هو في غيبوبته و توفي يوم 22 مارس 2003 و السجين لخضر السديري من غار الدماء متع بعفو خاص و توفي يوم 30 مارس 2002 في مستشفى فرحات حشاد بسوسة و السجين الهاشمي المكي الذي متع بعفو ليتوفى بعد 3 أشهر من إطلاق سراحه عانى فيها ويلات المرض الخبيث في جوان 2006 .
و قد اعتمدت اساليب اخرى من اجل تحطيم الروح المعنوية العالية للمساجين بتدمير كيانهم الأسري والضغط على بعض النساء بتطليق أزواجهن كرها . 21 سجين أكرهت زوجاهم على تطليقهم.
على سبيل المثال نذكر حالة السجناء رضا البوكادي٬ كمال بسباس٬ معتوق العير٬ محمد العيادي٬ حسونة النايلي٬ جلال مزغيش٬ فيصل قربع٬ عبد الله المسعودي٬ كمال الغضباني٬ فرج الجامي٬ عبد اللطيف الوسلاتي٬ خالد الكواش٬ حاتم زروق٬ الطاهر الحراثي٬ سامي القرقني٬ و غيرهم ... و قد استعاد أكثر هؤلاء المساجين زوجاتهم بعد خروجهم من السجن لبطلان طلاقهم بوقوعه كرها. 90 سجينة من النساء 9 في ولاية نابل 45 في تونس الكبرى و البقية في باقي ولايات الجمهورية
إن الاسلوب الامني في التعامل مع الاسلاميين قد ثبت فشله اذ ان جملة الاحكام التي صدرت ضد الاسلاميين تعدّ مئات القرون .ممّا أدّى إلى وفايات تحت التعذيب في السجون و مراكز الإيقاف ٬ كانت حصيلتها قائمة طويلة من الشهداء الذين قضوا و التي تأبى السلطة فتح تحقيق فيها. بل تحاكم كل من يظهر هذه الحقائق متهمة إياه بشتى التهم كنشر الأخبار الزائفة التي من شأنها تعكير صفو النظام العام٬ ثم تحرك آلة القضاء لتكمل الدور .
و لا بد من الإشارة في هذا المقام إلى أن عدد الوفايات التي حصلت في المعتقلات و السجون و التي بقي يكتنفها الكثير من الغموض و لم تفتح في شأنها تحقيقات جديّة يؤكد شهود عيان أنهم توفوا تحت التعذيب و قد بلغ عددهم 13 حالة. و رغم هذه المعانات التي لا يتحمّلها الكثير من البشر دون السقوط في ردود الفعل اليائسة هي دليل على طبيعة الحركة الدعوية الرّافضة للعنف.
التطلعات للمستقبل : من المستفيد من اطالة محنة الاسلاميين في تونس ؟
ان المستفيد الاوّل هو من لا يريد للاسلاميين مكان في الساحة السياسية التونسية لانّه باطالة محنة الاسلاميين يبقى الحزب الحاكم وحده يصول و يجول وحده في الساحة في غياب الخصم ذا الوزن في الساحة. ثمّ بعد ذلك الاستئصاليين الذين لا يرغبون في المصالحة الوطنية و اخيرا اولائك الذين لا يرغبون في المحاسبة.
هذا ولقد جاء في الخطاب الرئاسي بتاريخ 7 نوفمبر2007" فلا مجال للإقصاء والتهميش ولا مجال لبقاء أي كان، متخلفا عن مسيرة النماء والتقدم " كما جاء خطابه من السنة الفارطة ما يدعم تطلّعات الشعب التونسي بكلّ اطيافه و مكوّناته على اختلافها اذ قال رئيس الدولة حينها و - وعد الحرّ دين - أنّ الذكرى العشرين للتحوّل ستكون فرصة للانتقال بالحياة السياسيّة في البلاد إلى مرحلة جديدة، كما ورد في نفس الخطاب تأكيده على دور ومنزلة المعارضة في العمليّة الديمقراطيّة: «إنّ المعارضة والحزب الحاكم طرفا المعادلة في العمليّة الديمقراطيّة التعدّديّة».
أهدرت السلطة خلال 22 سنة طاقات مالية وفكرية وسياسية وأمنية واعلامية في غير وجهتها الحقيقية أمام منطق الحلول المستندة الى الهواجس والاقصاء السياسيين. هذه المعركة الأمنية لم تجن تونس من ورائها الا رداءة اعلامية وانغلاقا سياسيا وسوء سمعة حقوقية , واحتقانا اجتماعيا في ظل شعور الالاف من التونسيين بالهضم والضيم.
بعد كلّ هذا ندعو النظام الحاكم في تونس من منطلق المصلحة الى تغيير المنطق والاليات , بل ندعو التجمع كحزب حاكم الى ارجاع الاليات الأمنية الى اصلها وهي حفظ أمن المواطن والتصدي للجريمة الفردية والمنظمة , وفض النزاعات بين المواطنين تحت اشراف سلطة القضاء المستقلّ ...
ان تونس اليوم تقف أمام معركة تحديات جديدة تختلف اطلاقا عن تحديات مرت بها البلاد في حقبة تاريخية مضت وطويت , وليس أمامها الا الحوار الوطني .
وليس من المستحيل على حزب عريق بحجم التجمع الديمقراطي الدستوري ورئيس دولة قوي يحكم بلدا ناميا ومستقرا , أن يفكرا في ترتيب أوضاع عامة وسياسية جديدة يدشنانها بمرحلة حوار وطني موسع تكون مبشّراته ايقاف حملات الاعتقال على خلفية الاشتباه واطلاق سراح من تبقى من معتقلي الرأي ,وتدشين حقبة اصلاحية جادة.
و بالمناسبة فلا يسعنا الا ان نذكّر ببعض المبادئ التي لا حياد عنها وهي غيرة منّا على مصير الصحوة الاسلامية و الدّفاع عن بيضة الاسلام و ما الحركة الاسلامية الا وسيلة من اجل اصلاح ما فسد على مرّ العقود من الاستعمار و التغريب و انتهاءا بتجفيف ينابيع التديّن من طرف الحاقدين و تصرّف بعض المراهقين الذين استدرجوا نحو طريق مسدود . لقد دفع هؤلاء السنين العديدة من اعمارهم في السجن او في بلاد الغربة متشرّدين انهكهم التجويع و المضايقات.
لقد طالت المحنة حتّى كاد الياس يدبّ في صدور المؤمنين بالقضية حتّى جاءت حادثة حمّام الشطّ الاليمة التي كانت دليلا قاطعا على انّ الوضع لا ينبغي ان يستمرّ على هذا النحو اذ ان غياب الاعتدال و التعامل العقلاني لا سبيل الا ان يفتح الطريق للياس و التطرّف و هذا ما نكرهه لشعبنا و لبلادنا التي لا نتمنّى لها الا الامن و الاستقرارو السلامة و التنمية و الرقي حتّى تنافس بلادنا بقية الشعوب المتقدّمة حضاريّا و تقنيّا .
و نتمنّى على الله ان يفرّج عن بقية اخواننا القابعين في السجون و لسان حالهم يقول ما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم و هو راجع من الطّائف اذ قال : { اللهمّ الليك اشكو ضعف قوّتي‘ و قلّة حيلتي‘ وهواني على النّاس‘ يا ارحم الراحمين‘ انت ربّ المستضعفين‘ و انت ربّي‘ الى من تكلني‘ الى بعيد يتجهّمني ‘ ام الى عدوّ ملّكته امري‘ ان لم يكن بك غضبٌ عليّ فلا ابالي ‘ غير ان ّعافيتك هي اوسع لي} نسأل الله تعالى ان يجمعنا و اياهم في رحاب البلاد في اهليهم الذين هم اشدّ شوقا اليهم.
مع العلم خطوة الانفراج السياسي هذه بين السلطة وقيادة الحزب الديمقراطي المعارض وحلفائه في وقت بدأت بمناسبة احتفالات كبيرة في تونس بمناسبة ذكرى استلام الرئيس التونسي زين العابدين بن علي لرئاسة الدولة في تونس نوفمبر1987.
و قد تبعت هذا الاجراء خطوات جريئة الا ان هذه الحالة لم تدم طويلا. اذ دامت ثلاثة سنوات من الربيع في تونس الذي تميّز بالانفتاح السياسي والحراك الوطني ثمّ تراجعت مساحة الحرية وامال كلّ من ساند التغيير الحاصل في نوفمبر1987.
وفي الاخير و ليس آخرا و بعد عشرين سنة من ازاحة الرئيس الاوّل للجمهورية بعد ان تقدّم في السنّ بحيث لا يتمكّن من القيام وتسيير شؤون الدولة مما ادّى الى وجوب ازاحته حفاظا على القاعدة الاجتماعية و استمرار الاستقرار السياسي الذي تتميّز به البلاد.
لقد تمكّن النظام من اعادة الاتحاد العام التونسي للشّغل الذي كان يلعب دور القوة المُوازية للسلطة في وقت من الاوقات بازاحة زعيمه التاريخي الحبيب عاشور عن قيادة الحركة النقابية، في مؤتمر سُوسة في ربيع 1989، الذي أعاد التحالف الاستراتيجي بين النظام والحركة النقابية.
أما في الساحة الطلابية التي كانت مصدر إزعاج مستمر للسلطة ومخبرا مُهما لمَد الحركات السياسية والمجتمع المدني بالكوادر الشابة والمناضلة، فقد قصم ظهرها بعد تصفِية الإتحاد العام التونسي للطلبة، في حين استمرت مجموعات من اليسار تتقاتل على بقايا "الاتحاد العام لطلبة تونس" بدون منافس.
امّا الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وبقية مكوِّنات الحركة الحقوقية، التي وجدت نفسها نتيجة تراجع دور الأحزاب والنقابات وغياب حركة اجتماعية قوية تلعب دورا سياسيا في بعض الأحيان، فقد تعرّضت بدورها لمجموعة ضربات متتالية كادت أن تجهز عليها و استبعادها عن دورها الاصلي باختلاق قضايا واهية لتلهيتها، لولا صمودها الرمزي.
وبذلك، انهزم الجميع بالضربة القاضية ولم يبق في الساحة السياسية إلاّ السلطة وحدها، و بهذا الاَعتبار أن قوّتها ناشئة من ضُعف الآخرين ومن انتِهاجها لسياسة أمنية قاسية، لكنها عمليا، بقيت قادرة على الاستمرار ولا تزال تشكِّل الضامن لتلاحم دولة قوية ومجتمع لا مبالي بالشان العام.
وحذّر الاتحاد الدولي لحقوق الانسان على لسان سهير بلحسن ان على البلاد ان لا تخاطر بالسقوط في براثن العنف اذا لم تسمح بحرية أكبر للتعبير وتعزيز حقوق المعارضين. وتقول سهير بلحسن من الاتحاد الدولي لحقوق الانسان "وضع حقوق الانسان في تونس مقلق ...وبلا مجتمع مدني حر ستواجه (تونس) المزيد من احداث العنف مثلما حصل في ضواحي العاصمة." وعكر هدوء تونس في اوائل هذا العام تبادل نادر لاطلاق النار بين قوات الامن واسلاميين سلفيين متطرفين مما اسفر عن مقتل 14 مسلحا.
وتحظر الحكومة الاحزاب الاسلامية لان تسييس الدّين يؤدي الى صراع واراقة دم في نهاية الامر. وتصر الحكومة على انها ملتزمة بنشر مزيد من الديمقراطية والحرية وتقول ان اقلية من المعارضين اعتادت محاولة تشوية سجل حقوق الانسان في البلاد.
ولقد بدأ تطبيق نظام التعددية الحزبية في اوائل الثمانينات وانها بدأت في الاونة الاخيرة تمنح دعما ماليا للمجموعات المعارضة المشروعة لدعم الديمقراطية.
ويقول عزام محجوب الاقتصادي والاستاذ بجامعة تونس "حاليا تونس في مفترق الطرق ... حققت نسب نمو معقولة وحافظت على مردودية اقتصادية جيدة لكن لا يمكننا الحصول على نمو مستديم اذا اوصدت المجالات السياسية." وتابع "يجب ان يكون المناخ مناسبا للتطور مما يعني الشفافية ونشر المعلومة ونظام قضائي ناجع. لكن يوجد لدينا نقص في الحكم الرشيد ونحتاج للاسراع بالاصلاحات للمحافظة على التقدم."
لقد اصاب النظام التونسي في المجال الاقتصادي وخيّب الآمال في الجانب السياسي باستعماله اليد الحديدية في هذا المجال. امّا في المجال الاقتصادي فقد نجح بالاستنجاد باهل الخبرة والنجاعة و بمتابعته للملفات الاقتصادية وهو محقّ في ذلك وكذلك بتدخّله من اجل الحراك الاجتماعي كلّما اقتضت الحاجة الى ذلك.
السؤال المطروح الآن هو كيف يمكن إعادة الإعتبار للسياسة من جديد؟
للاجابة على هذا السؤال المحيّر وقع الاتصال بالدكتور. عزام محجوب،وهو خبير اقتصادي لدى عديد المنظمات الدولية والإقليمية أكّد بدوره المكاسب التي تحققت في المرحلة الماضية، مبرزا أن بداية المنعرج الاقتصادي، كانت مع تبنّي برنامج الإصلاح الهيكلي في عام 1986.
وقد لاحظ أن تونس حافظت على نَسق نُمو متواصل منذ الستينات، الذي كان ولا يزال في حدود خمسة بالمائة، وعلى نسق استثماري بنسبة 27 بالمائة، ووصف ما تم إنجازه بأنه وليد عملية تراكمية تواصلت لمدة 40 عاما، التي انطلقت منذ الستينات لتصل نسبتها اليوم في حدود 1,5 بالمائة، ممّا حسّن بوضوح في نصيب الدخل الفردي.
خلافا لما كان يتوقّعه البعض، يُمكن القول بأن الرئيس بن علي لم ينجح فقط في البقاء في السلطة لمدّة عشرين عاما دون منازع، بل نجح في أن يحكم البلاد بيُسر وأن يضمن حالة من الاستقرار الاجتماعي تُعتبر نادرة في تاريخ البلاد وفي المنطقة أيضا.
وفي المقابل، أخفق خصومه، سواء في أن يزيحوه أو أن يشكِّلوا قوة ضغط حقيقية تُجبره على أن يأخذ وجودهم ومَطالبهم بعين الاعتبار و على راسهم حركة النهضة، التي كانت تُعتبر القوة السياسية الرئيسية في البلاد بعد الحزب الحاكم، اذ انّها توقّعت بأنها قادِرة على ان تفرض شروطها.
كما كان يتغنّى بعض قادتها في مطلع التسعينات غرورا بأنهم، كما وفّروا المناخ المناسب لوصول بن علي إلى دفّة الرئاسة، فإنهم سيكونون قادرين على إزاحته أو تهديده، لكنهم لم يتمّكنوا من الصمود لاكثرمن بضعة اشهر ولا سيّما بعد ان اختارت قيادتهم الهروب من السّاحة لتامين سلامة القيادة الرّاشدة و الملهمة.
ان هذه القيادة هي التي كانت تتوهّم انها سوف ترجع غانمة بعد ان ينتصر جيرانهم و نسوا او تناسوا ان النضال لا يكون الا على الساحة و ليس بالوكالة مع العلم ان الشعب التونسي لا ولن يقبل بقيادات من وراء البحار مهما كانت كفائتهم و موهبتهم و قدراتهم .ان القيادة التي من المفروض ان تعطي المثال في الصبر والمصابرة وبعد مواجهة لم تدُم سوى بضعة أشهر وجدوا أنفسهم خارج اللعبة تماما منذ مطلع التسعينات اذ انهم خيّروا الهروب على الصّمود.
و الخلاصة فان النموّ الاقتصادي لا يكفي وحده للشعور بالاطمئنان على مستقبل البلاد، حيث يجب العمل على توفير الراحة لبال المواطن و اطمئنانه، وهذه الراحة لا تتحقّق إلا عندما يسود حكم القانون، ولا تكون القوانين خاضعة لإرادة أشخاص متنفّذين يكيفونها حسب مصالحهم.
وهذا يؤكِّد على أهمية التقيد بالآليات الديمقراطية، مثل تنظيم انتخابات نزيهة وشفافة وعدم تزوير إرادة المواطنين، مع العلم ان ذلك هو جزء من آليات الديمقراطية، وليس جوهرها.اذ ان جوهر الديموقراطية يكمن في احترام الحريات الاساسية وفي مقدّمتها حرية التعبير حتّى يشعر المواطن بالامان و كذلك حرية الصحافة المقروئة و المكتوبة و المرئية وننسى وجوب مراقبة اجهزة الامن للاحالة دون هيمنتها على بقية اجهزة الدولة. ثمّ لا بدّ من تحييد الادارة التونسية محليّا و جهويّا ووطنيّا.
ايمانا منّا و اقتناعا بارساء الديمقراطية في بلادنا عبر التوافق و الحوار و اثراء القواسم الوطنية المشتركة. وامّا مجال الاختلاف مع السلطة السياسية فهوواضح وواسع في مجالات حقوق الانسان السياسية و الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية.
ذلك اننا نؤمن في المستوى السياسي بضرورة حياد الادارة حيال كل الاحزاب السياسية لان المنطق الذي يجب ان يقود الادارة هو منطق الجدارة و الكفاءة و ليس منطق الانتماء الذي يحرك الحياة الحزبية و السياسية.
ولذلك نرى ضرورة مراجعة المجلة الانتخابية بحيث لا يسمح لاي حزب سياسي أي كان لونه ان يحصل على اكثر من ثلث المقاعد النيابية.
ان مطالب المرحلية في الايام القليلة المقبلة هي الاصلاحات السياسيّة التي تساهم لامحالة في فتح صفحة جديدة في التعامل السياسي فيما بين المتشاركين في الوطن وهي تقتضي اساسا القطع نهائيّا مع رؤى الفكر الواحد والحزب الأوحد .
ان هذه المرحلة تستلزم تجسيدا حقيقيّا للمشاركة الجماعيّة في مؤسّسات الحكم ، أي لكلّ الأطراف والألوان، بعيدا عن منطق الوصاية و الاحتكار للسلطة والتداخل بين أجهزة الدولة وهياكل الحزب الحاكم .هذا الحزب الذي ليس له رائحة و لا طعم ولاسياسة واضحة المعالم الايديولوجية.
فقد بدأ تحت عنوان " حزب الدستور" على يد الشيخ عبد العزيز الثعالبي لمقاومة الحضور العسكري الفرنسي و مطالبة تمثيل الشعب داخل "برلمان تونسي" ثمّ تحوّل الى "الحزب الحرّ الدستوري التونسي" نتيجة انقلاب مجموعة مخضرمة متأثّرة بالثقافة الغربية عموما والفرنسية بصفة اخصّ تتنازعها تيّار فرنسي يقوده الزعيم الحبيب بورقيبة و تيّار عروبي بزعامة صالح بن يوسف.
فكانت الغلبة للزعيم الاوّل بتواطئ مع المستعهر الفرنسي الذي سلّمه مقاليد البلاد الذي تعمّد تصفية غريمه جسديّا بعد ان اقامسنة 1957 نظاما جمهوريّا حسب مقاسه.
وفي سنة 1964 بمناسبة مؤتمر بنزرت تحوّل الى "الحزب الاشتراكي الدستوري التونسي" تحت تأثير الزعيم احمد بن صالح الذي انقلب عليه و ادخله السجن بعد محاكمة ملفّقة بتهمة الخيانة العظمى ثمّ استجلب الزعيم الهادي نويرة المناقض للاوّل في التوجّه الذي اعتمد نظرية المقيم العام الفرنسي للاربعينات بايريتون القائل بالديمقراطية الاقتصادية دون الديمقراطية السياسية و هذه السياسة هي الباقية المتّبعة الى يوم النّاس هذا.
و قد تواصل الامر في مرحلة الصراع على الخلافة بادارة الوؤير الاوّل محمد مزالي سنة 1980 الذي يوزّع الوعود بالتغيير الموعود بالحرية و التعددية الحزبية وتعزيز العربية في التعليم ولكنّ في عهده كان ضرب الاتحاد العام التونسي للشغل وبداية محاكمة الاسلاميين و تزوير نتائج الانتخابات التشريعية.
حتّى كان سنة 1987 اذ اشتدّ الصراع مع حركة الاتجاه الاسلامي فما كان من الرئيس الحبيب بورقيبة ان عيّن وزير الدّاخلية وزيرا اوّلا قصد ضرب الحركة السلامية الخصم الوحيد والعنيد الا ان هذا الاخير لم يطوّل كثيرا في هذه المسؤولية فازاح الرئيس الحبيب بورقيبة بمقتضى الفصل 51 من الدستور واراح البلاد والعباد فجر يوم 7 نوفمبر 1987. مع العلم ان حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم يهيمن على المجلس التشريعي و 75 في المئة من المقاعد في البرلمان. وتتنافس الاحزاب الستة المعارضة على نسبة 25 في المئة الباقية. ان هذا الجهاز الضّخم الحاكم في رقاب الشعب التونسي منذ نصف ثرن بدون منازع ولا مشارك هو جهاز التجمّع الدستوري الديمقراطي الذي يعتبر من اقدم الاحزاب و اضخمها في العالم بالمقرنة بعدد سكّان البلاد اذ يعدّ اعضائه المليونين او يتجاوز ذلك حسب الاحصائيات الرسمية و هذا الجهاز المُمتد على طول البلاد و عرضها ، و يأطّر خمس سكّان البلاد و هذا يمكن له أن يلعب دورا حاسما في تحقيق الاستمرارية ودعم النظام في مرحلته الانتقالية. الا انّه اصبح حِزب مُهيمن على أجهزة الدّولة ويستغلّ قدراتها و مؤسّساتها، ليس حزبا حاكما يضع المخطّطات و السياسات الكبرى.
كيف التأسيس للوفاق من أجل المصلحة العامة
وان هذه المرحلة تقتضي بداية حيادا تاماّ للإدارة مركزيّا وجهويّا ومحليّا وإلزامها بالتعامل مع كلّ الأحزاب و الاشخاص على قدم المساواة ودون إقصاء أو تهميش مع ضرورة التعامل بروح جديدة في الإعلام الوطني فيها الانفتاح وهوامش الجدل ومتخلّصة من الانغلاق والسطحيّة. و الغريب، أنه، بالرغم من طول وجوده و استمراره في الحكم منذ أكثر من نصف قرن، إلا أنه قليلا ما يبادر اطاراته للنِّقاش السياسي في عمق الخيارات المصيرية.
ولقد اكّدنا مرارا و تكرارا بان حركتنا تاسّست من اجل الدعوة الى الله و التعريف بالفكر الاسلامي الذي من شانه ان يساهم في نشر الخير بين ابناء البلد الواحد الى جانب بقية الشرائح السياسية المتواجدة على الساحة التونسية قصد ايجاد مجتمع تسوده مبادئ الاخوّة والمحبة و التعاون و التسامح المستمدّة من السيرة النبوية الشريفة و ‘‘الحكمة ضالة المؤمن التقطها انّى وجدها وهو احقّ بها‘‘
1- نجدّد العهد في المضي قدما في الدّفاع عن المبادئ الاسلامية السمحة في التغيير عن طريق الكلمة الطيّبة و الكتاب و المقال الصحفي و النصح الجميل و المسيرة السلمية و غيرها من الوسائل النضالية المسالمة المتنافية مع العنف الجسدي و المادي الذي نرفضه و نندّد به من حيث كان ماتاه.
2- تمسّكنا بالوسائل السلمية في التغيير و استبعاد أي تصرّف ما من شانه ان يتنافى مع احترام الحرمة الجسدية للمواطن مهما كانت انتماءاته السياسية او العقائدية و التي لا تخدم البلاد و لا العباد.
3- ندعو الجميع الى التسامح و التعاون و فضّ الخلافات و المشاكل على تنوّعها عن طريق الحوار بين الفرقاء و نشر مبادئ الاخوة و المحبة بين الجميع,
4- دعوة القيادة الحالية الى تقديم نقد ذاتي و ان يتّقوا الله في الأمانة التي وضعت في اعناقهم فضيّعوها– على مستوى المؤسّسات‘ لا على مستوى الأشخاص – و تقييم المرحلة السابقة على علّتها و الكفّ عن استبعاد و تغييب و تهميش من لهم السبق من مواقع القرار‘ و الرّجوع الى الخطّ الأصلي او إرجاع الأمانة إلى أهلها – في داخل البلاد لا خارجها – ضمن ضوابط لا سبيل للحياد عنها.
و بذلك فقط يمكن للدرّ ان يعود الى معدنه و تاخذ الصحوة الاسلامية موقعها في كنف الوضوح الكامل. وفي الاخير‘ ليس لنا ملجئ الا لله نشكو له حزننا ‘ و نقول حسبنا الله و نعم الوكيل ‘ فهو نعم المولى و نعم النصير ‘ فهو ربّ المستضعفين وهو ربّنا‘ وحسبنا الله و نعم الوكيل ونستلهم موقفنا هذا من دعوة الله في منزّل كتابه الكريم ‘‘ الذين استجابوا لله و الرّسول من بعد ما اصابهم القرح ‘ للذين احسنوا منهم و اتقوا اجر عظيم‘ الذين قال لهم النّاس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا و قالوا حسبنا الله و نعم الوكيل ‘ فانقلبوا بنعمة من الله و فضل لم يمسسهم سوءا و اتّبعوا رضوان الله و الله ذو فضل عظيم ‘‘
‘‘ لا يغيّر الله ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم ‘‘ صدق الله العظيم و السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
باريس في 22 ديسمبر 2009
بقلم : عبد السّلام بو شدّاخ، احد مؤسسي الحركة الاسلامية في تونس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.