مثل باقي الحكومات العربية ، التي تزين نفسها بشكل نيابي ، وتجري انتخابات صورية ، يفوز فيها الرؤساء بنسبة هائلة من الأصوات ، بعد تعديلات دستورية تتيح لهم البقاء في السلطة مدى الحياة ، تمت أخر انتخابات جزائرية في إبريل الماضي 2009 ، وكما هو متوقع فاز الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقه بولايته الثالثة دون عناء يذكر ، وتم إتهام الأحزاب المعارضة والمقاطعين لهذه الانتخابات بالخيانة ، ويبدو أن استقرارا مبني على الإفلات من العقاب والفقر والفساد ، أفضل لدي الإتحاد الأوربي ، من ديمقراطية ، قد تأتي بالإسلاميين للسلطة ، و كذلك الولاياتالمتحدة ، التي "أعماها السعي الى الاستقرار" ومحاولات إمساك العصا من المنتصف "دائما" ، فتعرب عن قلقها من ممارسات الحكومة الجزائرية والمطاعن بالتزوير ، ثم وفي نفس التصريحات ترحب بصديقها وتؤكد على أهمية التعاون معه. وهذه الانتخابات الرئاسية لم تختلف كثيرا عن أخر انتخابات برلمانية تمت في الجزائر عام 2007 ، حيث تلقى الحزب الحاكم الذي يضم الرئيس الجزائري مزيد من التأييد حتى من الإسلاميين" الراديكاليين سابقا" الذين قادوا في السابق حربا صعبة ضد الحكومة الجزائرية !. ولذلك كان طبيعيا أن يبدأ الحديث في الجزائر عن الاقتداء بجيرانها غربا وشرقا في العالم العربي ، عن التوريث ، بنسخته الجزائرية ، حيث سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس الجزائري ، هو المطروح للتوريث خلفا للرئيس الحالي عبدا لعزيز بوتفليقه. قطاع الاتصالات والإنترنت ينمو قطاع الاتصالات في الجزائر بشكل سريع ، ولكن هذا النمو يحمل معه نفس المشاكل التي يجلبها التوسع في استخدام هذا القطاع في الدول القمعية ، حيث يجلب ضمن ما يجلبه مزيدا من المتمردين والناقدين ، الذين يتيح لهم الانترنت فرصة للتنفيس عن غضبهم ووسيلة لكشف المثالب والفساد في هذه المجتمعات. نحو 95% من الجزائريين يستخدمون الهاتف المحمول ، هذا ما يطرحه عدد مستخدمي الهاتف المحمول الذين يبلغون نحو 32مليون مستخدم ضمن عدد السكان الذي يزيد قليلا عن 34مليون نسمة ، أما عن الهاتف الثابت فلا يزيد عدد مستخدميه عن ثلاثة ملايين مستخدم وهو ما يقل عن 9% من عدد السكان في الجزائر ، وهو ما يحد من عدد مستخدمي شبكة الإنترنت ، الذين رغم زيادتهم بدرجة كبيرة ،فما زال عددهم مقارنة بعدد السكان منخفض بدرجة كبيرة ، حيث لا يزيد عددهم عن 4,1 مليون مستخدم ، وهو ما يعادل نسبة 12% من عدد السكان ، وهو ما يجعلها ضمن الدول المنخفضة في عدد مستخدمي الإنترنت ، حتى وإن كان هذا العدد قد تضاعف نحو 80 ضعف عن عدد المستخدمين في عام 2000 . وتكاد الجزائر أن تكون الدولة الوحيدة التي تتضرر شركات تقديم الخدمة بها من تخفيض أسعار الإنترنت ، فبعد أن كان عدد موزعي الإنترنت يقدر ب 35 موزع انترنت على المستوى الوطني فبمجرد تخفيض الأسعار بنسبة 50 بالمائة تراجع عددهم إلى 20 موزع وذكرت الشركات ومقدمي الخدمة أنهم "أعلنوا إفلاسهم وسجلوا خسائر كبيرة، جراء هذا التخفيض في الأسعار ، إلا أن وزير البريد وتكنولوجيات الإعلام والاتصال حميد بصالح قال ردا على هذه التصريحات " أن تخفيض سعر الانترنت مكّن الحكومة من .زيادة عدد مستعملي الانترنت، مؤكدا أنه تم تنصيب لجنة تعمل على مستوى الوزارة من أجل تخفيض الأسعار ووضع تسعيرة تتكافأ مع القدرة الشرائية للمواطنين . ويبدو أن الحكومة الجزائرية ، رغم كل مساوئ الإنترنت" من وجهة نظرها" ترغب في زيادة عدد مستخدميه ، حيث أنه رغم استخدام بعض نشطاء الانترنت له فيما لا ترضى عنه الحكومة ، فإن مشكلتها مع عدد مستخدمي الهاتف المحمول ، غير معروفي الهوية ، هي المشكلة الأكبر ، وهي مشكلة كبيرة تتمثل في نحو ثلاثة ملايين مستخدم للهاتف المحمول دون وجود أي معلومات عنهم ، وهو ما يزيد - من وجهة النظر الحكومية- من عدد الجرائم حيث قال "محمد بلفوضيل" رئيس سلطة الضبط الحكومية المكلفة بمراقبة سوق الهاتف الخلوي في الجزائر "ان السلطة طالبت شركات الهواتف المحمول في الجزائر بجرد كل ارقام الهاتف الموجودة علي شبكاتها وتحديد هوية أصحابها في هذا الأجل وإلا سيتم توقيفها بصورة تلقائية" ، حيث أصبح بالإمكان الحصول علي شريحة هاتف بخمسين دينارا (اقل من دولار واحد) في الأسواق الشعبية ولدي بائعي الأرصفة ورغم أن الحكومة الجزائرية قد أبدت ترحيبها بخصخصة قطاع الاتصالات في الجزائر ، إلا أن عملية الخصخصة قد تأخرت أكثر من مرة ، وهو ما يحد من تنامي عدد مشتركي ومستخدمي شبكة الانترنت ، حيث تحتكرها شركة اتصالات الجزائر عبر هذا الاحتكار. الحجب والرقابة في الجزائر تعتبر نسبة هامة من مستخدمي الانترنت في الجزائر تصل إلى 75% أن ولوج الويب "أداة هامة" حسب ما كشفته دراسة وطنية جديدة الخميس 17 سبتمبر. ومن بين 6000 مستخدم الانترنت شملتهم دراسة للشركات الجزائرية ميد كوم وإدياتيك، اعترف أزيد من 90% أنهم "غير قادرين على العيش بدون دخول الانترنت على الأقل مرة واحدة في اليوم". وسجل معظم المستخدمين قضاء ساعتين في المتوسط أمام شاشات الكمبيوتر" . لذلك فقد لجأت الجزائر إلي الحل القانوني حيث صادق مجلس الوزراء الجزائري خلال شهر ديسمبر الماضي 2008، على مشروع قانون "مكافحة الجريمة الإلكترونية" الذي ينصّ على جملة إجراءات تحدد آليات الرقابة على الإنترنت ومحاربة «الجنح» المرتبطة بالشبكة الافتراضية" وبالطبع كان المبرر المعتاد ،هو حماية القيم والآداب ، فضلا عن حماية الأطفال من المواقع الإباحية ، وكما يقول الصحفي الجزائري شوقي عماري في جريدة "الوطن" تعليقا على هذا القانون "بالنظر إلى طبيعة النظام الجزائري المضادة للحريات، فإن ما يثار عن مكافحة الجريمة الإلكترونية لا يعد إلا غطاءً لمراقبة الإنترنت والمنتديات والمدوّنات والنشرات الإلكترونية... أي كل ما يفلت من قبضة السلطة المركزية" . و على الرغم من الصرامة التي تبديها الحكومة الجزائرية تجاه المنتقدين في الصحافة المكتوبة وضد الكتاب المعارضين ، ورغم أن الحجب والرقابة على الانترنت لم تطال – حتى الآن – سوى مواقع محدودة ، يتعلق بعضها بمواقع راديكالية إسلامية مثل موقع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي ، وأيضا موقع شبكة الملحدين العرب (http://www.el7ad.com/smf/index.php ) ، إلا أن الصحافة المطبوعة تظل هي الأكثر توزيعا وتأثيرا واستهدافا من قبل الحكومة ، ويكفي أن الجريدتين الأعلى توزيعا في العالم العربي ، قاطبة وهما "الشروق ، الخبر" تصدران في الجزائر ، ويتجاوز توزيع كل منهما النصف مليون نسخة ، وقد يحمل المستقبل تغييرا في إتجاه حركة القمع من الصحافة إلى نشطاء الانترنت ، لاسيما بعد إبداء الرئيس الجزائري إعجابه الشديد بمنهج جارته الشرقية" تونس" وممارساتها ضد نشطاء الانترنت ، حيث قال الرئيس بوتفليقه أن "تونس مثال سامٍ في الديمقراطية" وذلك في توقيت مقارب لقيام الحكومة التونسية بحجب موقع الفيس بوك ، والذي تراجعت عنه فيما بناء على توجيهات من الرئيس التونسي ، إلا أن هذا يرتبط بدرجة كبيرة بأن يتحول جمهور الإنترنت الذي يزداد بعد يوما إلى استخدام القدرات الهائلة التي تتيحها هذه الشبكة في نضاله الداخلي ضد الفساد والقمع أسوة بالنشطاء المصريين والمغاربة. مقاهي الإنترنت وفي بلد يبلغ عدد العاطلين به نحو مليون وربع مليون من حجم قوة العمل التي تبلغ عشرة ملايين ، تصبح مقاهي الإنترنت التي تنتشر في جميع أقاليم ومدن الجزائر هي الملجأ الأكثر منطقية وملائمة لكافة الإهتمامات ، بدءا من التعارف والدردشة ، وصولا للمواقع الجهادية والإباحية ، وقد ساعد العدد الضخم لمقاهي الإنترنت والتي يزيد عددها عن 16 ألف مقهي ونادي للإنترنت ، ، لذلك يمكن تصور مدى الهاجس الأمني لدي الحكومة الجزائرية من هذه المقاهي. مع صدور قانون"مكافحة الجريمة الإلكترونية" في ديسمبر 2008 ، إنتهت الهدنة المؤقتة بين الحكومة الجزائرية وأصحاب ومديري مقاهي الإنترنت ، وهي الهدنة التي جعلت الحكومة الجزائرية تغض الطرف عن تنفيذ قرارات سبق لأجهزة الأمن طرحها على أصحاب مقاهي الإنترنت مثل ، وجود سجل مدون به أسماء الزبائن وأرقام هوياتهم أو صورة منها ، حيث جاء هذا القانون ليعيد مرة أخرى إحكام القبضة الأمنية على مقاهي الانترنت ، خاصة مع تصاعد أصوات المحافظين والمتشددين الإسلاميين بضرورة إخضاع هذه المقاهي للرقابة ، حيث بات واجبا على أصحاب مقاهي الإنترنت أن يقوموا بتركيب كاميرا مراقبة لتسهيل مراقبة مرتادي هذه المقاهي ، خاصة بعد أن نجحت الحكومة في القبض على بعض الشباب الذين تم تجنيدهم عبر الانترنت باستخدام هذه المقاهي. قضايا الإنترنت تخلفت الجزائر عن اللحاق بالكثير من الدول العربية ذات الأعداد المرتفعة في إستخدام الإنترنت ، لكنها لم تتخلف عن ملاحقة نشطاء الإنترنت وبدأت إنتهاكات حرية التعبير على الانترنت ، في وقت مبكر. وقد أصبح المدون الجزائري المعروف "عبدالسلام بارودي" صاحب مدونة "بلاد تلمسان" أول مدون يلاحق ويحاكم في الجزائر في يونيو 2007 ، بعد أن نشر على مدونته موضوعا ينتقد فيه قيام مدير الشئون الدينية والأوقاف بولاية تلمسان بإصدار قرار بحظر تعامل أئمة مساجد تلمسان مع الإذاعة المحلية وهو ما يبدو بسبب رفض الإذاعة المحلية للتعامل معه . وبعد إحالة المدون للمحكمة ، كتب المدون على مدونته وتعليقا على القضية " إن قضيتي هي قضية رأي ،أبديت في المقال رأيي حول مسئول يعتبر أن مؤهلاته فوق كل طعن وشبهة وأنه أقدس وأرفع من أن أكتب عنه أو أنتقده" . قضية بارودي ، والتي حازت على إهتمام كبير لاسيما من المؤسسات الحقوقية العربية والمدونين العرب ، ورغم أنها كانت الأخيرة ، تطرح الأمل في أن تكون الجزائر ضمن البلاد القليلة عربيا التي تحترم حرية التعبير على الانترنت ، خاصة أن القضاء الجزائري قد حكم في هذه بتبرئة المدون الجزائري ، تأكيدا لحق حرية التعبير ، ولم تشهد المحاكم أي محاكمة بعدها حتى الآن ضد نشطاء الانترنت.