الخارجية الألمانية.. هجمات المستوطنين على مساعدات غزة وصمة عار    اكتشاف جديد قد يحل لغز بناء الأهرامات المصرية    رسميا.. سلوت يعلن توليه تدريب ليفربول خلفا لكلوب    قيس سعيد يُعجّل بتنقيح الفصل 411 المتعلق بأحكام الشيك دون رصيد.    سعيّد يأذن بتنقيح فصولا من المجلة التجارية    تضمّنت 7 تونسيين: قائمة ال101 الأكثر تأثيرًا في صناعة السينما العربية    تأجيل قضية اغتيال الشهيد محمد البراهمي    أب يرمي أولاده الأربعة في الشارع والأم ترفضهم    خلال لقائها ببودربالة...رئيسة مكتب مجلس أوروبا تقدّم برنامج تعاون لمكافحة الفساد    نحو 20 % من المصابين بارتفاع ضغط الدم يمكن علاجهم دون أدوية    القدرة الشرائية للمواكن محور لقاء وزير الداخلية برئيس منظمة الدفاع عن المستهلك    عاجل/ احتجاجات ليلية وحرق للعجلات في هذه الولاية..    وزير الفلاحة: المحتكرون وراء غلاء أسعار أضاحي العيد    دقاش: افتتاح فعاليات مهرجان تريتونيس الدولي الدورة 6    الديوانة تحجز سلعا مهربة فاقت قيمتها ال400 مليون    منوبة: إصدار بطاقتي إيداع في حق صاحب مجزرة ومساعده    خلال نصف ساعة.. نفاد تذاكر مباراة الأهلي والترجي في «نهائي إفريقيا»    Titre    الرئيس المدير العام للصيدلية المركزية: نسبة النفاذ للأدوية الجنيسة والبدائل الحيوية في تونس تناهز 55 %    معلم تاريخي يتحول إلى وكر للمنحرفين ما القصة ؟    القبض على عنصر إجرامي خطير مفتش عنه دوليا في هذه المنطقة    حاولوا سرقة متحف الحبيب بورقيبة الأثري...القبض على 5 متورطين    الكاف: مهرجان ميو يحتفي بفلسطين    عاجل/ بطاقة إيداع بالسجن ضد سعدية مصباح    وزارة الفلاحة تدعو الفلاحيين الى القيام بالمداواة الوقائية ضد مرض "الميلديو" باستعمال أحد المبيدات الفطرية المرخص بها    القيروان انقاذ طفل سقط في بئر    غدا..دخول المتاحف سيكون مجانا..    تقريرنقابة الصحفيين: ارتفاع وتيرة الاعتداءات على الصّحفيين في شهر أفريل    كلفة انجاز التّعداد العامّ للسّكان والسّكنى لسنة 2024 تناهز 89 مليون دينار – مدير عام معهد الإحصاء    القيروان: الاحتفاظ ب 8 أشخاص من دول افريقيا جنوب الصحراء دون وثائق ثبوت هويّة ويعملون بشركة فلاحيّة    570 مليون دينار لدعم الميزانيّة..البنوك تعوّض الخروج على السوق الماليّة للاقتراض    عاجل/ أمريكا تستثني هذه المناطق بتونس والمسافات من تحذير رعاياها    إتحاد الفلاحة: المعدل العام لسعر الأضاحي سيكون بين 800د و1200د.    اليوم.. حفل زياد غرسة بالمسرح البلدي    سوسة: وفاة شاب غرقا وانقاذ شابين اخرين    بن عروس: اندلاع حريق بمستودع    حجز 900 قرص مخدر نوع "ايريكا"..    بعد تسجيل الحالة الرابعة من نوعها.. مرض جديد يثير القلق    إسبانيا تمنع السفن المحملة بأسلحة للكيان الصهيوني من الرسو في موانئها    مباراة الكرة الطائرة بين الترجي و الافريقي : متى و أين و بكم أسعار التذاكر؟    قابس: تراجع عدد الأضاحي خلال هذه السنة    ذهاب نهائي رابطة ابطال افريقيا : الترجي يستضيف الاهلي برغبة تعبيد الطريق نحو الظفر باللقب    عاجل : ليفربول يعلن رحيل هذا اللاعب نهاية الموسم    كأس أوروبا 2024: كانتي يعود لتشكيلة المنتخب الفرنسي    البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يدعم انتاج الطاقة الشمسية في تونس    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    خطبة الجمعة...الميراث في الإسلام    فرنسا: الشرطة تقتل مسلحا حاول إضرام النار بكنيس يهودي    محيط قرقنة اللجنة المالية تنشد الدعم ومنحة مُضاعفة لهزم «القناوية»    روعة التليلي تحصد الذهبية في بطولة العالم لألعاب القوى لذوي الاحتياجات الخاصة    التحدي القاتل.. رقاقة بطاطا حارة تقتل مراهقاً أميركياً    منها الشيا والبطيخ.. 5 بذور للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    التوقعات الجوية لهذا اليوم…    بمناسبة اليوم العالمي للمتاحف: الدخول للمتاحف والمواقع والمعالم الأثرية مجانا للتونسيين والأجانب المقيمين بتونس    باجة: باحثون في التراث يؤكدون ان التشريعات وحدها لا تكفي للمحافظة علي الموروث الاثري للجهة    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوهن القومي أو الوطني :د.أحمد محمد المزعنن
نشر في الفجر نيوز يوم 07 - 01 - 2010


(دراسة في السيكو ناشيونال National Psycho )
دكتور أحمد محمد المزعنن الفجرنيوز
أولاً: جرح نازف
كلما حاولنا الاقتراب من الكتابة في هذا الموضوع تحسسنا الجرح الدامي الذي ينزف في قلوبنا منذ ما يزيد عن قرن من الزمان،وخشينا من كلمة تبكيت من هنا،أو عبارة شماتة من هناك،أو تلميح بتجريح يزيد من وقع الجرح،ويضاعف من ألم المعاناة،أو الخوف من نصيحة مغلفة بالكيد تطالبنا بالالتفات إلى جرحنا الدامي،والانشغال به عن غيره من هموم الأمة التي وهنت قواها من الجراح النازفة،وبالتالي ترك أمور الخلق للخالق.ورغم ذلك فإن الكثير الظروف الضاغطة والأحداث الدامية،والظواهر الماثلة للعيان تلح على مناقشة الحالة الراهنة التي تعيشها الأمة لعلاقتها القوية بما حدث ف يالماضي وما يحدث في فلسطين حاليًا.
وهذه مقاربة منهجية تحاول أن تشخص ظاهرة الفرقة،وتتبع سنة الاختلاف للتعرف على جذورها وأبعادها،وقد قدمنا في هذه الدراسة المصطلح المعرَّب National Psycho مع الأصل العربي لا حُبًا في التفرنج أو مباهاة أو غفلة أو سوء تقدير أو تلاعبًا بالألفاظ،بل هو تقديم عمدي؛لأن العروبة ولغة الضاد ومتعلقاتهما الفكرية،وكل ما يتداعى إلى الشعور والوعي من الإحساس بالكرامة التاريخية والثقافية والمعرفية،وفضائل الانتماء إلى خير أمة أخرجت للناس صارت ربما في المركز العاشر من اهتمام نخب الأمة وقادتها،والشعوب تبع للحكام وولاة الأمور،((إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن ))،فبهذا تنطق كل خلجة من خلجات النفوس،وبهذا يصرخ الواقع المأساوي الذي نعيشه،وبهذا تصدمنا أحداث إزهاق الأرواح،وهدرالنفوس والأموال والوقت والجهود في الصراعات البينية الدائرة على مساحة الوطن العربي من الخليج إلى المحيط،وبهذا تشهد الأحداث اليومية لكل قطر من أقطار الأمة عندمات يتعلق الأمر بالقرارات الإستراتيجية المفروضة ،والتي أهدرت السيادة الوطنية،واستباحت العزة القومية،وجعلت الشعوب تتصادم مع أنظمتها،واستخدمتها لتنفيذ السياسات العدوانية للغزاة اليهود والصليبيين لأرض العرب والمسلمين.
تستخدم الكلمة الإنجليزية national في الدراسات الأمنية للتعبير عمَّا يتعلق بالوطن أو الأمة فهي تقابل:الوطنية والقومية،أما كلمة psycho منفردة فتعني الرجل يعاني من الاضطرابات النفسية والعقلية،واستعرناها للتعبير عن حالة من الوهن ومظاهر الجنون القومي الذي تعيشه الأمة العربية،فيكون المركب (السيكوناشيونال National Psycho ) تعبيرًا عن حالة مرضية قومية تنتاب الأمم في مرحلة ما،ومن مؤشرات هذه الظاهرة تراجع إنجازاتها،وتبددقوتها،وانخفاض روحها المعنوية،وتضارب مصالحها الآنية والإستراتيجية،وتصدع قواها البنيوية،ووجود احتمال دائم لتحول أبسط الخلافات إلى صراعات دامية تطول زمنيًا ووتتصاعد درجاتها أكثر مما يجب،دون أن تلوح في الأفق مؤشرات الخروج من وضع الأزمة التي تتفاعل وتصنع ظواهر التخلف والبؤس والشقاء ،وتزداد بشاعة عندما تصبح حالة من الصراع الدموي بين المكونات الوظيفية للشعوب وللأمم؛مما يضعف لديها القدرة على اتخاذ القرارات الصائبة بطريقة راشدة،فتتخبط في حالة من العماء الدلالي الذي ينحط بالإنجازانت والإسهامات الحضارية في الإنتاج الإنساني العام،وتقنع بحالة من الهوان والوهن مع ادعاء مرضي بالتفوق في ميدان هي أبعد ما تكون عن الميادين الواقعية.

الدليل على الوهن من الحديث النبوي الشريف:
من سنن أبي داود: كتاب الملاحم ،باب :في تداعي الأمم على الإسلام، الحديث 3745 :
عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا" فَقَالَ قَائِلٌ :وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ ؟ قَالَ :"بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ،وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ ،وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ ."فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهْنُ ؟ قَالَ:" حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ."
شرح الحديث من كتاب :عون المعبود شرح سنن أبي داود (لشمس الحق العظيم أبادي):
( يُوشِك الْأُمَم ) : أَيْ يَقْرَب فِرَق الْكُفْر وَأُمَم الضَّلَالَة
( أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ ) : بِحَذْفِ إِحْدَى التَّائَيْنِ أَيْ تَتَدَاعَى بِأَنْ يَدْعُو بَعْضهمْ بَعْضًا لِمُقَاتَلَتِكُمْ وَكَسْر شَوْكَتكُمْ وَسَلْب مَا مَلَكْتُمُوهُ مِنْ الدِّيَار وَالْأَمْوَال
( كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَة ) : ضُبِطَ فِي بَعْض النُّسَخ الصَّحِيحَة بِفَتْحَتَيْنِ بِوَزْنِ طَلَبَة وَهُوَ جَمْع آكِل , وَقَالَ فِي الْمَجْمَع نَقْلًا عَنْ الْمَفَاتِيح شَرْح الْمَصَابِيح وَيُرْوَى الْأَكَلَة بِفَتْحَتَيْنِ أَيْضًا جَمْع آكِل اِنْتَهَى , وَقَالَ فِيهِ قُبَيْل هَذَا : وَرِوَايَة أَبِي دَاوُدَ لَنَا الْآكِلَة بِوَزْنِ فَاعِلة . وَقَالَ الْقَارِي : فِي الْمِرْقَاة الْآكِلَة بِالْمَدِّ وَهِيَ الرِّوَايَة عَلَى نَعْت الْفِئَة وَالْجَمَاعَة أَوْ نَحْو ذَلِكَ كَذَا رُوِيَ لَنَا عَنْ كِتَاب أَبِي دَاوُدَ , وَهَذَا الْحَدِيث مِنْ أَفْرَاده ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّه . وَلَوْ رَوَى الْأَكَلَة بِفَتْحَتَيْنِ عَلَى أَنَّهُ جَمْع آكِل اِسْم فَاعِل لَكَانَ لَهُ وَجْه وَجِيه اِنْتَهَى . قُلْت : قَدْ رَوَى بِفَتْحَتَيْنِ أَيْضًا كَمَا عَرَفْت , وَالْمَعْنَى كَمَا يَدْعُو أَكَلَة الطَّعَام بَعْضهمْ بَعْضًا
( إِلَى قَصْعَتهَا ) : الضَّمِير لِلْأَكَلَةِ أَيْ الَّتِي يَتَنَاوَلُونَ مِنْهَا بِلَا مَانِع وَلَا مُنَازِع فَيَأْكُلُونَهَا عَفْوًا وَصَفْوًا
كَذَلِكَ يَأْخُذُونَ مَا فِي أَيْدِيكُمْ بِلَا تَعَب يَنَالهُمْ أَوْ ضَرَر يَلْحَقهُمْ أَوْ بَأْس يَمْنَعهُمْ
قَالَهُ الْقَارِي قَالَ فِي الْمَجْمَع أَيْ يَقْرُب أَنَّ فِرَق الْكُفْر وَأُمَم الضَّلَالَة أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ أَيْ يَدْعُو بَعْضهمْ بَعْضًا إِلَى الِاجْتِمَاع لِقِتَالِكُمْ وَكَسْر شَوْكَتكُمْ لِيَغْلِبُوا عَلَى مَا مَلَكْتُمُوهَا مِنْ الدِّيَار , كَمَا أَنَّ الْفِئَة الْآكِلَة يَتَدَاعَى بَعْضهمْ بَعْضًا إِلَى قَصْعَتهمْ الَّتِي يَتَنَاوَلُونَهَا مِنْ غَيْر مَانِع فَيَأْكُلُونَهَا صَفْوًا مِنْ غَيْر تَعَب اِنْتَهَى
( وَمِنْ قِلَّة ) : خَبَر مُبْتَدَأ مَحْذُوف وَقَوْله
( نَحْنُ يَوْمَئِذٍ ) : مُبْتَدَأ وَخَبَر صِفَة لَهَا أَيْ أَنَّ ذَلِكَ التَّدَاعِي لِأَجْلِ قِلَّة نَحْنُ عَلَيْهَا يَوْمَئِذٍ
( كَثِير ) : أَيْ عَدَدًا وَقَلِيل مَدَدًا
( وَلَكِنَّكُمْ غُثَّاء كَغُثَّاء السَّيْل ) : بِالضَّمِّ وَالْمَدّ وَبِالتَّشْدِيدِ أَيْضًا مَا يَحْمِلهُ السَّيْل مِنْ زَبَد وَوَسَخ شَبَّهَهُمْ بِهِ لِقِلَّةِ شَجَاعَتهمْ وَدَنَاءَة قَدْرهمْ
( وَلَيَنْزَعَنَّ ) : أَيْ لَيُخْرِجَنَّ
( الْمَهَابَة ) : أَيْ الْخَوْف وَالرُّعْب
( وَلَيَقْذِفَنَّ ) : بِفَتْحِ الْيَاء أَيْ وَلَيَرْمِيَنَّ اللَّه
( الْوَهْن ) : أَيْ الضَّعْف ,
وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِالْوَهْنِ مَا يُوجِبهُ وَلِذَلِكَ فَسَّرَهُ بِحُبِّ الدُّنْيَا وَكَرَاهَة الْمَوْت قَالَهُ الْقَارِي
( وَمَا الْوَهْن ) : أَيْ مَا يُوجِبهُ وَمَا سَبَبه .
قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّه : سُؤَال عَنْ نَوْع الْوَهْن أَوْ كَأَنَّهُ أَرَادَ مِنْ أَيّ وَجْه يَكُون ذَلِكَ الْوَهْن
( قَالَ حُبّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَة الْمَوْت ) : وَهُمَا مُتَلَازِمَانِ فَكَأَنَّهُمَا شَيْء وَاحِد يَدْعُوهُمْ إِلَى إِعْطَاء الدَّنِيَّة فِي الدِّين مِنْ الْعَدُوّ الْمُبِين , وَنَسْأَل اللَّه الْعَافِيَة .
فهل هذه الحالة تنطبق على أقطار وشعوب الأمة العربية حاليًا؟
بالتأكيد :نعم.
والبراهين والأدلة الواقعية هي أكبر إثبات على تلك المقولة. فعندما كان الوطن العربي مصطلحًا قوميًا وليدًا صنعته جماهير الأمة،وفرضته على ساحة الإعلام الرسمي في مرحلة محاربة الاستعمار البريطاني والفرنسي والإيطالي وبداية الغزو اليهودي تحت مظلة الانتداب البريطاني في النصف الثاني من القرن العشرين،وتوجت سنوات الصراع مع المستعمرين بفرصة فرضتها ظروف الهزيمة العربية عام 1948م،ثم تفجر الثورة الناصرية في مصر،وخلال سنوات دولة الوحدة بين مصر وسوريا (1958م 1961م)،طوال هذه السنوات لم نكن نسمع عن خلاف أو نزاع بين حكومة وفئة من شعبها من الأقليات أو من الأكثرية،وكانت كلمة واحدة من عبد الناصر تسقط رئيس وزراء،وكلمة أخرى تُثبت أي مسؤول في مركزه؛لأنها كانت جديرة بأن تجلب له التأييد والتفاف الناس من حوله،والعفو عن زلاته وسقطاته حتى الظاهرة المعلومة منها،فقد اكتسب الرجل مصداقيته من قائد الجماهير وملهمها وموجهها،والرائد لا يكذب أهله.
فما بالنا اليوم لا نسمع إلا كذبًا ونفاقًا،وأضحت العمالة والخيانة وأفعال الجواسيس والسماسرة زادًا يوميًا ألفناه كما يألف السقيم مرضه المزمن،وكما يتعايش مع بلواه؛حتى كأنها ولدت معه،وكما تألف النفوس الذليلة المهانة،وصار مفروضًا علينا أن نعايش كل منخفض من القيم،وكل وضيع من الممارسات الفردية والمجتمعية،وصرنا رهائن مشاريع حلفاء الدول الأجنبية الغازية للوطن،وحلفاء الصهاينة ينتقلون بنا من مرحلة إلى مرحلة،ومن مطلب إلى مطلب،ومن حلم إلى حلم،ومن إدارة إلى إدارة،ومن مبعوث إلى مبعوث،واليهود يستغولون،ويرفعون في وجوهنا المطالب المتوالية التي تنسينا مطالب أخرى أصبحت واقعًا على الأرض لا انفكاك منه؟يبتزون من انخفضت قيمهم،وهانت عليهم أوطانهم،واستهتروا بمقومات الحياة الفطرية،واستوى لديهم الموت والحياة،وتساوى الذل والكرامة في سبيل منافع زائلة،أو ما يطلقون عليه المصالح،وغابت عنهم أبسط مقومات ومبادىء الحياة فارتكسوا طواعية واختيارًا،واستمرأوا أن يناموا ويصحوا على خسيس المغانم،وأنتان المآكل والمشارب؟
ما بال قادة الأمة لا يتكلمون ويتذكرون براعتهم في تنميق العبارات إلا عندما يصدر من جهة من جهات الرفض والمقاومة ما يعبر عن نبض الجماهير،وما يجلب لها الكرامة،ويحفظ ماء الوجه؟ماذا جرى لنا حتى أصبحنا لا ننام ونصحو إلا على أخبار الفتن،وتحاصرنا طوال ساعات اليوم مواقف الخزي والعار التي لا يقبلها العبيد والإماء؟

بؤر التوتر شواهد الوهن القومي :
خراب وشهداء بلا حساب ولا ثمن :
1. حروب اليمن الستة وأزماته.
2. مذبحة (الكانونيين) في غزة بين العامين الميلاديين وتداعياتها .
3. سلطة رام الله وتحالفاتها ودورها المريب في تصفية القضية الفلسطينية.
4. أزمة الصحراء الغربية وفواجعها،واستعصاؤها على الحل.
5. غزو واحتلال العراق ومآسيه وذبح شعبه،وتفكك وحدته وتحكم العملاء في مقدراته.
6. الموقف في لبنان وتناقضاته وأبعادها.
7. عوامل الجذب الخارجي لسوريا:ملامح تكوين الحلف الرباعي على حساب العلاقات القومية عميقة الجذور في الشعب السوري.
8. غزو واحتلال أفغانستان من الصليبيين وعملائهم .
9. باكستان تحت حكم حلفاء الصليبيين الغزاة.
10. بلاد المغرب العربي والإصرار على تجاهل الحقائق ومسلمات الواقع في أكثر من موقع من مواقع الفعل الوطني .
11. أزمة دارفور ونتائج تراجع الدور المصري الفاعل في وادي النيل.
12. الحاجز الفولاذي لخنق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
13. تعاظم الدور والسيطرة اليهودي الصليبية في بحار وأقطار العالم العربي،وتقدمه لإعادة النفوذ والسيطرة الاستعمارية بشكل صريح.

ثانيًا: المرجعية المعرفية للاختلاف والفرقة:
ثلاث مسلمات لا تقبل النقاش أو البرهنة:
أ التخلص من آثار الازدوجية المعرفية (العروبة×الإسلام):بعد أن وحد الإسلام أقطار الأمة العربية في الجزيرة العربية وما حولها،واستقرار وضع هذه الأقطار كأجزاء من إمبراطورية إسلامية كان العرب قادة عمليات بنائها تحت شعار الدين الجديد الذي اختارهم الله للقيام بتبليغه لأنه نزل بلغتهم،والتشرف بتعليمه لشعوب الأرض؛صدعًا للأمر الإلهي بالتبشير بالدين الجديد،ومنذ أن انتصر الإسلام ومحا سحب الجاهلية انتهت الازدواجية المعرفية،وتعدد أشكال الولاء بين العروبة والإسلام،وننطلق من هذا الحل المعرفي الذي لا يعترف بالازدواجية المعرفية،لأنه لا يسع أحد ممن ينتمي إلى الأمة العربية التفلت من الشرف الذي طوق الله به هذه الأمة بمبعث نبي الإسلام منها بآخر الأديان وأكملها وأصدقها.

ب التسليم بأن الخلاف بين الفِرق كالاختلاف بين الأحزاب السياسية : وهو في جوهره خلاف على المصالح ،والفِرَق التي سنتعرض لذكرها أقرب إلى الأحزاب السياسية ذات الأيديولوجيات التي تستند إلى فهم النصوص الدينية،واستخدمتها للترويج لبرامجها السياسية،والدعوة إلى رؤيتها في الفعل الاجتماعي والفردي،وهذه الفرق :أهل السنة والجماعة ،الشيعة،المعتزلة والخوارج .

ج معارضة أي دعوة للتكفيردون دليل شرعي من مصدر معتبر:كل الفرق الإسلامية التي تفرعت عن الفرق الأربعة الكبرى الرئيسية:أهل السنة والجماعة،والشيعة،والمعتزلة ،والخوارج ،كلها تستظل بمظلة الدين وسوف يرد قريبًا البرهان والدليل القاطع على صدق هذا الطرح .

ثالثًا : الأدلة على سنة الاختلاف وظهور الفِرق
1 من القرآن الكريم
سورة البقرة : ((الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُُ (253)
سورة هود (( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)
سورة الحجرات : (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)
آل عمران : ((إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآَيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19)
يفرض علينا تحليل الصورة الحالية للوضع في العالمين العربي والإسلامي أن نميز بين عدة أنواع من المشاريع السياسية الإسلامية،ونجافي الحقيقة إذا اعتبرناها صورًا لمشروع واحد، على الرغم من أنها جميعًا تزعم بأن مرجعيتها الأيديولوجية والتطبيقية هو المظلة الإسلامية،ولكي نحكم على مصيرها ينبغي أن نستوعب بعض الحقائق الواقعية والاجتماعية والتاريخية والأيديولوجية.
2 من الحديث النبوي الشريف :
صدَّر الإمام الشهرستاني (479 ه 548ه)كتابه الشهير (الملل والنِحَل) بمقدمة ضافية عن الأصل المنهجي في تقسيم الفرق الإسلامية،وانطلق في محاولته المنهجية في التضنيف من حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه الكثير من أئمة الحديث النبوي ومنهم:
أ في سنن الترمذي كتاب الإيمان باب ما جاء في افتراق هذه الأمة:
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ أَبُو عَمَّارٍ حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تَفَرَّقَتْ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ أَوْ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَالنَّصَارَى مِثْلَ ذَلِكَ وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَفِي الْبَاب عَنْ سَعْدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَعَوْفِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
ب تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي
قَوْلُهُ : ( تَفَرَّقَتْ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً أَوْ اِثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ) شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي , وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الْآتِي : وَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتْ عَلَى اِثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً مِنْ غَيْرِ شَكٍّ ( وَالنَّصَارَى مِثْلُ ذَلِكَ ) أَيْ أَنَّهُمْ أَيْضًا تَفَرَّقُوا عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ( وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ) الْمُرَادُ مِنْ أُمَّتِي الْإِجَابَةُ وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الْآتِي : كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً , وَهَذَا مِنْ مُعْجِزَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ غَيْبٍ وَقَعَ .
قَالَ الْعَلْقَمِيُّ قَالَ شَيْخُنَا : أَلَّفَ الْإِمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ عَبْدُ الْقَاهِرِ بْنُ طَاهِرٍ التَّمِيمِيُّ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ كِتَابًا قَالَ فِيهِ : قَدْ عَلِمَ أَصْحَابُ الْمَقَالَاتِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُرِدْ بِالْفِرَقِ الْمَذْمُومَةِ الْمُخْتَلِفِينَ فِي فُرُوعِ الْفِقْهِ مِنْ أَبْوَابِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَإِنَّمَا قَصَدَ بِالذَّمِّ مَنْ خَالَفَ أَهْلَ الْحَقِّ فِي أُصُولِ التَّوْحِيدِ وَفِي تَقْدِيرِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ , وَفِي شُرُوطِ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ وَفِي مُوَالَاةِ الصَّحَابَةِ , وَمَا جَرَى مَجْرَى هَذِهِ الْأَبْوَابِ ; لِأَنَّ الْمُخْتَلِفِينَ فِيهَا قَدْ كَفَّرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا , بِخِلَافِ النَّوْعِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُمْ اِخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَكْفِيرٍ وَلَا تَفْسِيقٍ لِلْمُخَالِفِ فِيهِ , فَيَرْجِعُ تَأْوِيلُ الْحَدِيثِ فِي اِفْتِرَاقِ الْأُمَّةِ إِلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ الِاخْتِلَافِ . وَقَدْ حَدَثَ فِي آخِرِ أَيَّامِ الصَّحَابَةِ خِلَافُ الْقَدَرِيَّةِ مِنْ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ وَأَتْبَاعِهِ , ثُمَّ حَدَثَ الْخِلَافُ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْئًا فَشَيْئًا إِلَى أَنْ تَكَامَلَتْ الْفِرَقُ الضَّالَّةُ اِثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَالثَّالِثَةُ وَالسَّبْعُونَ هُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَهِيَ الْفِرْقَةُ النَّاجِيَةُ , اِنْتَهَى بِاخْتِصَارٍ يَسِيرٍ .
قَوْلُهُ : ( وَفِي الْبَابِ عَنْ سَعْدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَعَوْفِ بْنِ مَالِكٍ )
أَمَّا حَدِيثُ سَعْدٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ ,
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا الْحَدِيثِ
, وَأَمَّا حَدِيثُ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ فَأَخْرَجَهُ اِبْنُ مَاجَهْ مَرْفُوعًا وَلَفْظُهُ : اِفْتَرَقَتْ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ , وَافْتَرَقَتْ النَّصَارَى عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً , فَإِحْدَى وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ , وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتَفْتَرِقَن أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ , قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ ؟ قَالَ : الْجَمَاعَةُ .
وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ , أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ فِيهِ : أَلَا إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ اِفْتَرَقُوا عَلَى اِثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً , وَإِنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَهِيَ الْجَمَاعَةُ .
قَوْلُهُ : ( حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ , وَنَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ تَصْحِيحَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ .

ج في سنن أبي داود كتاب السنن باب : شرح السنة :
حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ عَنْ خَالِدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افْتَرَقَتْ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَتَفَرَّقَتْ النَّصَارَى عَلَى إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً.

د عون المعبود شرح سنن أبي داود كتاب السنة باب : شرح السنة:
( اِفْتَرَقَتْ الْيَهُود إِلَخْ ) : هَذَا مِنْ مُعْجِزَاته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ غَيْب وَقَعَ .
قَالَ الْعَلْقَمِيّ : قَالَ شَيْخنَا أَلَّفَ الْإِمَام أَبُو مَنْصُور عَبْد الْقَاهِر بْن طَاهِر التَّمِيمِيّ فِي شَرْح هَذَا الْحَدِيث كِتَابًا قَالَ فِيهِ : " قَدْ عَلِمَ أَصْحَاب الْمُقَاوَلَات أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُرِدْ بِالْفِرَقِ الْمَذْمُومَة الْمُخْتَلِفِينَ فِي فُرُوع الْفِقْه مِنْ أَبْوَاب الْحَلَال وَالْحَرَام وَإِنَّمَا قَصَدَ بِالذَّمِّ مَنْ خَالَفَ أَهْل الْحَقّ فِي أُصُول التَّوْحِيد , وَفِي تَقْدِير الْخَيْر وَالشَّرّ وَفِي شُرُوط النُّبُوَّة وَالرِّسَالَة وَفِي مُوَالَاة الصَّحَابَة وَمَا جَرَى مَجْرَى هَذِهِ الْأَبْوَاب لِأَنَّ الْمُخْتَلِفِينَ فِيهَا قَدْ كَفَّرَ بَعْضهمْ بَعْضًا بِخِلَافِ النَّوْع الْأَوَّل فَإِنَّهُمْ اِخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ غَيْر تَكْفِير وَلَا تَفْسِيق لِلْمُخَالِفِ فِيهِ فَيَرْجِع تَأْوِيل الْحَدِيث فِي اِفْتِرَاق الْأُمَّة إِلَى هَذَا النَّوْع مِنْ الِاخْتِلَاف وَقَدْ حَدَثَ فِي آخِر أَيَّام الصَّحَابَة خِلَاف الْقَدَرِيَّة مِنْ مَعْبَد الْجُهَنِيّ وَأَتْبَاعه , ثُمَّ حَدَثَ الْخِلَاف بَعْد ذَلِكَ شَيْئًا فَشَيْئًا إِلَى أَنْ تَكَامَلَتْ الْفِرَق الضَّالَّة اِثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَة , وَالثَّالِثَة وَالسَّبْعُونَ هُمْ أَهْل السُّنَّة وَالْجَمَاعَة وَهِيَ الْفِرْقَة النَّاجِيَة " .اِنْتَهَى بِاخْتِصَارٍ يَسِير . قَالَ الْمُنْذِرِيُّ (أحد شُرَّاح صحيح مسلم): وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَهْ , وَحَدِيث اِبْن مَاجَهْ مُخْتَصَر , وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَسَن صَحِيح .

ه في سنن ابن ماجة كتاب : افتراق الأمم باب الملاحم :
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ دِينَارٍ الْحِمْصِيُّ حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افْتَرَقَتْ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَافْتَرَقَتْ النَّصَارَى عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً فَإِحْدَى وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ قَالَ الْجَمَاعَةُ

و مسند الإمام أحمد بن حنبل : كتاب :باقي مسند المكثرين باب :مسند أنس بن مالك .
حَدَّثَنَا حَسَنٌ حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتْ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً فَهَلَكَتْ سَبْعُونَ فِرْقَةً وَخَلَصَتْ فِرْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنَّ أُمَّتِي سَتَفْتَرِقُ عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً فَتَهْلِكُ إِحْدَى وَسَبْعِينَ وَتَخْلُصُ فِرْقَةٌ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ تِلْكَ الْفِرْقَةُ قَالَ الْجَمَاعَةُ الْجَمَاعَةُ.

ولكي يثبت الإمام الشهرستاني صدق النبي بطريقة استقرائية تحليلية قام بتصنيف الفرق على الساحة الإسلامية إلى أربع فرق كبرى التي سبق ذكرها،وأدخل كل فرقة ثانوية في هذه واحدة من هذه الفرق الكبرى،حتى يظل التصنيف الرباعي للفرق صائبًا في كل جيل،وحتى يظل عدد الفرق هو ثلاثًا وسبعين فرقة،مطابقًا لصدق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه الصحيح.
وتطبيق هذا المنهج ذلك في الوقت الراهن ممكن وذلك بدراسة وفحص منطلقات وأيديولوجيات كل فرقة من الفرق السياسية الإسلامية(والعربية) العاملة حاليًا ،والمنتسبة إلى الإسلام بالضرورة يمكن بسهولة رد كل فرقة إلى واحدة من الفرق الأربعة الكبرى وهي:أهل السنة والجماعة والشيعة والمعتزلة والخوارج.

ونضيف في هذا المجال كلامًا للإمام الشاطبي المتوفى 790ه الموافق 1388م في مؤلفه المشهور" الموافقات " بما معناه :أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في بعض روايات هذا الحديث :" وَإِنَّ أُمَّتِي سَتَفْتَرِقُ"،" لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِي"،" وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي "فاستنبط الإمام الشاطبي رحمه الله من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نسب الفرق المختلفة إلى نفسه الشريفة (بياءِ النسبة) في قوله :أمتي.ولما كان النبي لا ينسب إلى نفسه الشريفة كُّفارًا،لزم حرمة تكفير أيٍّ من هذه الفرق،وأَزيد على ذلك كما هو معلوم :إن ذلك لا يكون إلا بدليل شرعي من علماء الأمة الربانيين المعتبرين بعد الدراسة والبحث والتحري والتقصي والدقة في تناول أي قضية أو حالة جزئية أو فردية.

رابعًا : أهم مكونات المشروع السياسي لدى الحركات في العالم العربي

1. المشروع السني الرسمي:الذي يفضل أن يطلق على نفسه المشروع الوسطي أو المعتدل؛لكي ينفي عن نفسه تهمة الجمود والتطرف،وقد انكمش دوره حاليًا،وتماهى في مجمله قصدًا أو عن غير قصد مع مقولات وتفسيرات المشروع الاستعماري الصهيو أمريكي للظواهر السياسية متغلفًا بغلاف من الواقعية والعقلانية حسب فهم وتفسير مكونات هذا المشروع ونخبه وقياداته لتلك المكونات المعرفية.
ولأن الناس على دين ملوكهم فيمكن أن نلحق بهم السواد الأعظم من الشعوب في البلاد العربية والكثير من الدول الإسلامية،مما يمكن أن نطلق عليه:مشروع إسلام عامة الشعب،وهو حزب الأغلبية الذي ينقصه التنظيم،ويمارس الشعائر الدينية دون أن يجهد نفسه في أعباء المراجعة النظرية للفعل الفردي والجمعي،وتحكمه الشروط الواقعية لتفسير العمليات الاجتماعية،وفي مجمله يفتقر إلى القادة الحقيقيين الذين يقدمون له الفهم الدقيق للدين،ويدربونه على تشرب وتمثل روح الإسلام الصحيح،وتحت إحساس الخوف من قوة السلطان،وطلبًا للسلامة،والبعد عن المشاكل فإن هذا الحزب يمارس الدين في الغالب كعادات شخصية أو جمعية،وفي بعض الأحيان على هيئة معتقدات تسللت من التصوف،أو ممزوجة بالفلكلور والآداب الشعبية،وهو صيد سهل للأحزاب الحاكمة في الأنظمة الاستبدادية أو التسلطية أو الانتهازية السياسية.

2. المشروع السني الثوري:الذي يمكن أن نطلق عليه اصطلاحًا (الراديكالية الدينية)،وفي وضعه الحالي يضم أطيافًا متباينة في المنهج والأهداف والوسائل،وتقع درجات التباين بين مكوناته على متصل يشكل منظومة متقاربة يمكن أن نعتبر تيار الإخوان المسلمين في مصر وغزة وباكستان وحزب التحرير طرفه الأيمن،وتشكل القاعدة وطالبان والجماعة الإسلامية في المغرب العربي والعراق طرفه الآخر.(مع التحفظ على التصنيف الذي صنعته وكالات الاستخبارات ومراكز البحوث الغربية،وعممته وسائل الإعلام الغربية والعربية الرسمية.)
3. المشروع الشيعي:بعد انتصار الثورة الشيعية في إيران واجتياح الغزاة الغربيين بزعامة أميركا لأفغانستان والعراق،وتسلم الشيعة التي تزعم تمتعها بالأغلبية المزعومة المدعومة من أميركا وإيران السلطة والحكم في العراق،ومع الفارق الكبير في الحالتين يضاف إلى هذا المشروع حزب الله المتحالف مع حركة أمل الشيعية،والذي أثبت وجوده بما أحرزه من انتصارات على اليهود الصهاينة منذ عام 2000م وبلغ ذروته في حرب يوليو أغسطس 2006م في لبنان،ونتيجة لتراجع دورالإسلام السياسي السني المعتدل منذ الانكسار أمام الغزو اليهودي لفلسطين والأراضي العربية رسخت أقدام هذا المشروع،وتبلورت معالمه السياسية والاجتماعية والاقتصادية،ورفدته حركة دعوة شيعية منظمة في أفريقيا وأمريكا الجنوبية،ويلحق بعض ولاة الأمر المتصادمين حاليًا مع بعض تيارات هذا المشروع الحوثيين اليمنيين بهذا المشروع،ويقولون إنهم يتلقون الدعم من إيران ومن أطراف أخرى،وأن لهم أهدافًا سياسية وغايات لإقامة إمامة زيدية في الشريط الشمالي من جبال اليمن .
4. المشروع العِلماني الانتهازي الاحتيالي:والمحتال المعاصر شخصية أفرزتها حالة الانحلال الخلقي والتردي المعنوي،مع توفر درجة عالية من الذكاء النفعي المادي الانتهازي،واللامعيارية التي تمارس الوظيفة الاجتماعية الأساسية في غياب خصائص البناء الاجتماعي الأصيل،ويجد بيئات واسعة يمارس فيها الفساد والإفساد تحت حماية القانون والأنظمة الوضعية التي لم تُراجع منذ عقود،وهو إنسان في غاية الذكاء،إنه رجل المعرفة النموذجي في تخصصه،يقدم نفسه في صور متعددة،فهو طبيب ماهر عندما يكون المطلوب التميز في مهنة الطب،وهو ضابط الأمن الجسور الذي يقتل أخاه أو قريبه عندما يتعلق الأمر بالراتب أو تعليم الأولاد،أو تكوين الشركات،أو تضخم الأرصدة في البنوك،أو شراء العقارات،وهو الدكتور أستاذ الجامعة اللامع الذي يملأ أجهزة الإعلام تصريحات ومقابلات،ويشحن الصحف بالمقالات التي ربما لا يخط منها حرفًا واحدًا،وهو المفاوض اللاهث وراء البريق واللمعان الإعلامي،والتفنن في فنون القول،وليس مهمًا ما يتوصل إليه من نتائج ولو استمرت المفوضات الحياة كلها،فالحياة في جوهرها مفاوضات .
هذا المشروع محسوب على الإسلام كرداء انتهازي ليُرضي الطبقات الحاكمة،أو يتقرب من أصحاب القرار،أو يتخذه جدار حماية يتقي به سهام المعارضة،ويسحب البساط من تحت أقدام الخصوم الإسلاميين الأصوليين الملتزمين المجاهدين الأطهار الصادقين،ويتضمن هذا التيار أطيافًا سياسية كثيرة لا تبدأ برموز سلطة أوسلو في رام الله،ولا تنتهي مع الأنظمة الحالية في باكستان وأفغانستان والتشكيلة غريبة الأطوار من إفرازات عصر العولمة والانفتاح في الكثير من البلاد الإسلامية والعربية،ويُكوِّن هؤلاء تيارًا انتهازيًا من الدهريين الدنيويين الذين لا ينكرون الدين؛حتى لا يتهموا بالكفر والرِدَّة،ولا يسلمون بالحاكمية الإلهية حتى لا تتنكر لهم الدول (المحاربة للإرهاب) وتحرمهم من الدعم المالي والمعنوي والسياسي،أو تتهمهم بالتطرف والإرهاب،وهؤلاء هم من يحرصون على الاستئثار بالكعكة،والتمتع بمباهج بلح الشام وعنب اليمن،وتستفز غرائزهم لجمع المال أية إشارة تأتيهم من قاعدة الصهيوينة اليهودية في الولايات المتحدة الأمريكية،أو ما تلقي بهم دول الاتحاد الأوروبي من فتات لإلهائهم وقبولهم بدور السمسرة الوطنية،وجمع المعلومات عن شعوبهم بدعوى التنسيق والتنظيم،وبسط سيطرة القانون.
5. مشروع أهل الاعتزال:وهم الذين يقدمون العقل وقواه في الفكر والحياة،ويلحقه بعض المصنفين للفرق الحالية بفرقة المعتزلة المعروفة منذ النزاع الأول الذي نجم بين المسلمين في القرن الهجري الأول.

خامسًا: الأبعاد الاقتصادية لمشروعات الفرق:

في ضوء الحقائق المستندة إلى الأدلة العقلية والبيانات الاقتصادية فإن أقطار الأمة الإسلامية والبلاد العربية جبهتها المتقدمة في مواجهة الغزو الصهيو أميريكي تمتلك من الموارد الطبيعية ،والطاقات الإنتاجية،والموارد البشرية ما تجعلها من أقوى الأمم لو أُحسنَ استثمار تلك الطاقات بتوظيف العلم ،وباتباع الخطط الوطنية التي تعتمد على التوفيق الحقيقي بين الحاجات الشعبية وتلك الموارد،ووضع خطط علمية لمواجهة الطلب على الخدمات والتوسع العمراني ،ولكن نتيجة لمعوقات كثيرة بعضها خارجي ،والكثير منها داخلي نتيجة لانتشار ما اصطُلِح عليه بالفساد الإداري نجد الكثير من المشكلات السكانية تتضاعف وتتفاقم دون أن يلوح في الأفق ملامح أمل للخروج منها في المستقبل القريب،ومن هنا وفي ضوء تراكم تلك المشكلات ،وانعدام العدالة في في توزيع الموارد،فإن لهذه المشاريع السياسية المغلفة بغلاف العقيدة أبعادًا اقتصادية حقيقية مهما حاولت تلك المكونات السياسية إخفاء برامجها،فالمال والثروة والجانب الاقتصادي يلعب دورًا بارزًا في تاجيج الصراعات في العالم العربي والإسلامي.
ويؤدي الصراع في هذا الجانب الحيوي من جوانب الحياة إلى مضاعفة مظاهر الوهن،ويزيد الأمر سوءًا بتدخل العامل الأجنبي المتفوق تقنيًا وعلميًا والأعمق تجربة في المجال الاقتصادي ،والأقوى في تنفيذ الفعل وحماية ما يعتبره حقوقًا طبيعية وفق نظرية المجال الحيوي التي عادت إلى العمل في العلاقات الدولية ،والتي جعلت العالم العربي والبلاد الإسلامية مسرح صراع وساحة قتال بين القوى الكبرى،وأعادت مرحلة ما قبل التحرر من النفوذ الاستعماري إلى الوجود مما يضاعف من استنزاف الموارد الوطنية،ويراكم من مظاهر الوهن القومي ،وهذا يجعل العامل الخارجي يستأثر بأكبر عائد اقتصادي على حساب الطبقات الشعبية المنتجة التي أصبحت بمثابة أجراء في المشاريع التي تنفذها الشركات متعددة الجنسيات في كل جوانب الحياة الاقتصادية العربية.

سادسًا:العوامل التي يمكن أن تحدد مصير المشروع السياسي لدى الحركات الاسلامية في العالم العربي:
من القراءة الدقيقة لتفاصيل الصورة،وفحص معطيات الواقع الراهن ،واستقراء البعد التاريخي وتوظيف الأصول المنهجية ،يمكن أن نتبين أن مصير هذه الحركات تقرره العوامل الآتية:

1. الحديث النبوي الشريف الذي يقرر بأن الأمة ستختلف على ثلاث وسبعين فرقة،تدخل اثنتان وسبعين منها النار دخول عقاب وتطهير وليس دخول خلود،وتنجو فرقة واحدة من هذا المصير وهي الفرقة الناجية وحددها النبي بأنها هي التي تكون على ما كان عليه صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه. ومصير الفرق الأخرى دنيا وآخرة يكون حسب هذا المقياس.
فالطائفة المنصورة طائفة باقية ظاهرة بنص الحديث النبوي ((حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ قَالُوا حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ وَهُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:" لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَالَ فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ تَعَالَ صَلِّ لَنَا فَيَقُولُ لَا إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ تَكْرِمَةَ اللَّهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ."))
وصِفاتُ الطائفة الظاهرة المنصورة معلومة عند أهل العلم وشرَّاح الحديث،وهي خصائص أهل السنة والجماعة التي تقترب من خصائص ما كان عليه النبي وأصحابه،فبقاء وظهور هذه الطائفة أمر قدري مقرر في كلام أصدق البشر،وعلمه من علم ربه الذي أدبه وأحسن تأديبه،وجعل ما يخبر به وحيًا من كلام الله معنى،ومن كلامه هو بالكلام البشري،صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم.
2. معطيات الصراع القدري مع النقيض اليهودي الغازي لأمة الإسلام ولبلاد العرب جبهتهم المتقدمة: فهذه الفرق فرق جهادية تتصدى للعدو اليهودي الذي جعله الله نقيضًا وعدوًا قدريًا ولن تنجح كل محاولات البشر من عرب وغير عرب أن تبطل هذه الحقيقة حتى تأتي الملحمة الكبرى التي تنص عليها الحديث النبوي في كتاب الفتن .
3. الطبيعة الجهادية لهذه الفرق:فأيًا كان منهجها وبرنامجها السياسي فهي شواهد على حيوية هذا الدين،ورفض أتباعه الخضوع للاستبداد،وهي مثل النار تحت الرماد تخبو ثم لا تلبث أن تشب وتشتعل من جديد.ومن يظن أنه يمكن أن يقضي عليها بالقوات النظامية أو بالبطش والتنكيل فهو واهم،ولا يمكن القضاء على تطرف برامجها إلا بالحجة والحوار والإقناع،ونشر العدل والإصلاح،وسيادة النظام والقانون،والشعور الحقيقي بالمساواة ومحاربة الفساد،إن المقاوم أو المعارض العقدي الذي يقدم حياته في سبيل عقيدته وما يؤمن بأنه الحق، لا يمكن أن يُهزم أو يُغلَلب،يَضعف ويُقتل ... نعم،لكن لا يُغلبُ أبدًا.
4. نشر ثقافة التسامح والتصالح الاجتماعي،وتوزيع الثروات بالعدل،والعناية بترسيخ روح المواطنة في جميع الطبقات،ونبذ التعالي والتمييز من أي نوع،وهذا يكون برجوع الأمة إلى جذورها،وتجديد ثقافتها دون التخلي عن الثوابت،وتوفير حاجات عامة الشعب ونشر السلام الاجتماعي الحقيقي،وليس القائم على الكبت ومصادرة الحريات،وتسقط الزلات،وتتبع العورات ،كل ذلك كفيل بوصول الكثير من هذه الحركات إلى مرحلة الانطفاء،وربما التلاشي نتيجة لانتفاء مبررات وجودها،وانقطاع روافدها المتمثلة في الشعور بالظلم والاستبداد والتذمر وانعدام العدالة،ونستعير هنا من إدارة بوش الكذاب مبدأ (تجفيف روافد الإرهاب) مع التحفظ على صفة الإرهاب أن نطلقها على المسلم دون أدلة حقيقية منطقية ملموسة معترف بها ماديًا ودوليًا .
5. اعتماد فلسفة أمنية قائمة على الاعتراف بالحقائق الموضوعية للمكونات الاجتماعية،واعتماد خطط أمنية تعتمد على البحث العلمي والدراسة،والتقليل من انتشار أجواء الخوف والريبة والشك وعدم اليقين والتوجس في الأجواء الإقليمية والدولية ربما يزيد من عمر هذه البرامج وخاصة لجوء هذه الحركات إلى العنف المسلح مع توفر كمية هائلة من الأحقاد المتراكمة من كل نوع ولون وتوفر مصادر لتغذية الأحقاد وإحياء النعرات العررقية والدينية والتركيز على أسباب الاختلاف أكثر من عوامل الاتفاق والتوحيد في أجهزة الإعلام الخاصة بهذه الفرق ، وكل ذلك من شأنه أن يؤجج الصراع ويزيد من حدته وإطالة أمده.
6. علاج الحالة العامة التي تسبب الإحباط الناشىء عن تراجع المشروع القومي النهضوي:بشروطه الموضوعية،وتشرذمه،وتحوله من دعوة عقلانية منضبطة وملتزمة بالثوابت الثقافية إلى دعاوى باهتة من المظهرية الشخصية،والنرجسية الفئوية أو الإقليمية،وتغلب الخصائص القطرية والمحلية والفئوية،وذبول صورة الوطن في نفس الإنسان،وضعف أو انعدام الإحساس بالقواسم المشتركة المؤلفة للقلوب والمهدئة للنفوس ،وبالتالي انعدام المنظور المستقبلي وانتشار الإحساس بالإحباط والقنوط من إمكانية التغيير إلى الأفضل .ويزيد من وتيرة هذه المشاعر الاستقطاب الفصائلي أو الحزبي على حساب الاتجاه الإيجابي نحو الوطن والمواطنين.
7. وقف تيار الهجرة الذي يستنزف موارد الأمة من العقول والكفاءات المتميزة: توجد خاصية في الهجرة يعتبرها العلماء والمختصون بمثابة قانون أساسي وهو :"أن الهجرة تختار الأقوياء"،أيًا كان مظهر القوة،وإذا استمر تيار الهجرة فإن المجتمع يشيخ،ومن عوامل شيخوختها الهجرة،وإذا شاخ تهاجمه الأوبئة والأمراض والعلل الاجتماعية،كما تهاجم الإنسان الفرد علله وأمراضه.
إن أكثر من يشجع على الهجرة:هم الطغاة والحكام التقليديون،والطغاة الاستبداديون الذين يقاومون الإصلاح،ويحيطون أنفسهم بالمنافقين والمتزلفين من ناقصي المواهب،وفاسدي الذمم ،فالهجرة تريحهم من أخطر فئة اجتماعية وهم الأذكياء والعباقرة والأقوياء والشجعان والمبدعين،الذين يشكلون مصدرًا ينغص حياتهم،ويجعلهم هدفًا لسهام النقد،ويفضح ضعفهم،ويقعدون لهم بالمرصاد في أجهزة الإعلام،ومؤسسات المجتمع المدني،وغيرها من المؤسسات الجديدة في مجتمعات المعلومات التي تشكل الإنترنت حاليًأ أهم مصادرها ومنابرها.
فيجب تنظيم الهجرة في العالم العربي والإسلامي،واعتماد برامج وطنية إنمائية في الوطن الأم تستفيد من الخبرات التي توفرت لهؤلاء المهاجرين إلى البلاد المتقدمة ماديًا وعلميًا وتقنيًا،واستثمار الرغبة الصادقة الموجودة لدى معظمهم للمشاركة في إصلاح الأوضاع في أوطانهم.
8. فعل العوامل الخارجية:فقد غذت هذه النزعات العوامل الخارجية التي تمارس التدخل الصريح في شؤون الأوطان،فيضخم ذلك صورة العامل الخارجي على حساب الانتماء والاعتزاز بالوطن،ويزيد من حالة الفوضى المعرفية لهذه العوامل تداخلها مع العمل الإعلامي،وحملات التعمية المعرفية،والتفسيرات الانحيازية تحت ضغط الظروف التي يصفها بعض القادة بالواقعية،ومما لا شك فيه أن الكثير من الحركات التي ظهرت في وضع الضعف الظاهري للمكون العربي والإسلامي لديها مشاريعها السياسية التي غذتها،وساعدت على تحديها للسلطات المحلية تدخلات القوى الأجنبية في غياب الكيان العربي الموحد الذي يقف حائلاً دون وصول هذه المجموعات إلى أوضاع تمكنها من إقامة كيانات انفصالية،ويعاني الوطن العربي والإسلامي من بؤر التوتر التي تتزايد أخطارها في أكثر من موقع:(شمال وجنوب اليمن،الصحراء الغربية،طوارق الصحراء الكبرى،فلسطين،كردستان العراق وتركيا،سنة عربستان ،وأخيرًا بلوشستان الإيرانية،الأمازيغ في المغرب العربي).
إن الجراثيم والفطريات والميكروبات والكائنات المحللة للخلايا الحية تهاجم الكائن الحي من مواطن الضعف الحيوي،وبؤر الضعف في جسم الكائن،والمناطق التي يهمل الجسم نظافتها والعناية بها وتغذيتها،ويهمل عوامل الصحة،وما يحدث للكائن الحي يحدث مثله في حالة الأمم،وما لم تلتفت الأمم إلى بؤر الضعف ومناطق التوتر وتتعامل معها بحكمة وحزم وعقلانية فإنها تتفاقم،وفي تاريخ تجارب الأمم والشعوب الكثير من الأمثلة والعبر الماثلة التي لا ينكر مآل من أنكرها،أو تنكر فعل السنن،وجافى الحق،وعاند شرع الله.

والله أعلى وأعلم وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
(... والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .)(يوسف 21)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.