قال الشاعر الكبير إيليا أبوماضى: «ما كان أحوجنى يوما إلى أذن صماء إلا عن المحبوب ذى الأنس كى لا يصدّع رأسى صوت نائحة ولا تقطع قلبى أنه التعس ولا يمرر نفسى الأدعياء ولا ذم الأفاضل من ذى خسة شرس أقول هذا عسى حر يقول معى ما كان أحوج بعض الناس للخرس» «مصر المخروسة».. كتاب يبدو عنوانه صادما للبعض فكيف نقول إن مصر «مخروسة»، وهى المشهورة بأنها «مصر المحروسة» لا «المخروسة»، لكن من يقرأ كتاب الكاتب الساخر ماجد سمير الصادر حديثا عن مكتبة مدبولى يكتشف أن المصريين مجبرون على «الخرس»، وهو انعقاد اللسان عن الكلام كما قال العلامة ابن دريد. و«مصر المخروسة» التى يتخذ سمير من رحم الأبيات السابقة منطلقا لها أحد عناوين الكتاب الذى يضم نحو أربعين عنوانا، وفيه يقول سمير إنه دار حوار بينه وبين أحد اليونانيين: «ماجد خبيبى» إنت مصرى تقولها المحروسة أما أنا أقولها «المخروسة». وفى موضع آخر يذكر سمير: «وتذكرت فورا آخر حديث دار بينى وبين بنايوتى وكوستا قالا فيه خبيبى مع الأسف المصريين بيتصدروا دايما فى الهايفة بس. مش بيتكلموا وصوتهم يبقى عالى إلا فى الخاجات إللى ملهاش لازمة أما وقت الجد تلاقيهم ساكتين، وبيبقوا ساكتين أخيانا بمزاجهم وغالبا غصب عنهم، «عرفتوا» ماجد إخنا ليه بتقولوا على البلد مصر المخروسة». ويعبر غلاف الكتاب، بريشة الفنانة سحر عيسى، وتصميم هبه عادل، على ما يقصده سمير. من يحترف الكتابة يعرف صعوبة الكتابة الساخرة التى تمتزج فيها روح الكوميديا مع تمرد كامل وجاد على الأوضاع التى يلاحظها الكاتب الساخر، فالسخرية هى سلاح الشعب الضعيف ضد الفساد والقتامة وزوغ الناس عن الطريق الصحيح. ومعروف أن علم النفس فى أحد فروعه اهتم بالكتابة الساخرة واصفا إياها بأنها «سلاح ذاتى يستخدمه الفرد للدفاع عن جبهته الداخلية ضد الخواء والجنون المطبق، إذ إن السخرية رغم هذا الامتلاء الظاهر بالمرح والضحك والبشاشة، إلا أنها تخفى خلفها أنهارا من الدموع. إنها مانعة صواعق ضد الانهيار النفسى». وهذا الكلام ينطبق على كتابات الساخرين ومنهم ماجد سمير الذى أصدر من قبل كتاب «الضحك المر» عن دار اكتب للنشر. وقد أصلح سمير فى كتابه الثانى «مصر المخروسة» ما شاب كتابه الأول من أخطاء التكرار، والضحك لأجل الضحك «إفيهات» دون رؤية، وأصبح أكثر جرأة وإتقانا وأقل تقليديا لكتاب ساخرين كبار أمثال الكاتب الكبير أحمد رجب. من عناوين الكتاب اللافتة عنوان «صابونة من الشعب» الذى يقول سمير تحته: «الحل فى تغيير الإستراتيجية جملة قالها بكل ثقة أحد رواد المقهى الكبير فى شارع قصر العينى، لم أكن أعرف أى شىء عن الحوار الذى دار بين هذا الشخص ومن يجلس بجواره، لكن الجملة ألقت الضوء على جانب مهم جدا، لم يخطر على بالى من قبل، فما المانع فى أن يقوم الشعب فورا بمهادنة الحكومة وملاطفتها بشكل ودى يسمح بمزيد من التقارب بينها وبين الشعب لعلها تحن فى يوم وتفتح خزائنها للشعب وفقرائه. تبدأ الخطة باستغلال أول مناسبة سعيدة وليكن شم النسيم مثلا الفرصة الملائمة لتدشين مشروع الصداقة بين الشعب والحكومة.. يبدأ الشعب قبل العيد المصرى الأصيل فى انتخاب ممثلين فعليين عنه لتجهيز لفة «معتبرة» من البيض الملون والفسيخ والرنجة والبصل والملانا كهدية مناسبة لأفراد الحكومة». ويستكمل سمير مقاله: «لكن الخوف أن تتعالى الحكومة على هدية الشعب بدعوى أنها تسبب ريحة «مش ولابد»، لأنها تحتوى على فسيخ ورنجة وبصل، لذا فكر بعض العقلاء من الشعب فى إضافة صابونة لوكس للهدية. وضحكت من قلبى، لأنه فى حالة قبول الهدية بسبب الصابونة ستكون المرة الأولى فى التاريخ التى تأخذ الحكومة فيها صابونة من الشعب». وبعنوان «من غير ليه» ربط سمير بين قلق الفنان الكبير محمد عبد الوهاب من إصابته بالأمراض وبين ما يحدث من مآسٍ بوزارة التربية والتعليم، فقال: «كان موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب من أكبر الموسوسين فى التاريخ نظرا لخوفه الشديد من العدوى بأى نوع من الأمراض، فالراحل العظيم كان يغسل الصابون بالصابون اتقاء لشر الميكروبات والفيروسات، ويقال إنه كان يطلب من أى شخص يريد الفوز بشرف مقابلته نطق كلمة ممنون، لأن الكلمة السحرية من وجهة نظره تكفى للكشف عن أى إصابة بالبرد؛ لأن المصاب سينطقها بدلا من ممنون ببنون». وأضاف: «وتقول شائعات إن شخصا ما منذ نحو ستة عقود رفض عمنا الراحل مقابلته بسبب ما أصاب أنف الضيف من كتمة وسدة سرعان ما اكتشفها عبدالوهاب، فخرج الرجل غاضبا واتجه إلى مقر الحكومة فى ذلك الوقت، ومصادفة كان الاجتماع حول وزارة المعارف وتغيير اسمها، فاقترح الرجل «المزكوم» أن يطلق عليها وزارة التربية والتعليب، ولأن خطة الرجل كانت طموحة وثلاثية الأبعاد بدأت بعد فترة غير طويلة المرحلة الثانية منها بظهور وزارة التعليب العالى إلى الحياة حتى تضمن الحكومة خضوع عقل المعلب لها ولسياستها منذ الحضانة حتى الجامعة، خوفا من قيام أحد الأشرار بفتح العلبة وإنارة العقل، ويبدأ الناس فى التفكير، وهو أخطر عمل تقلق منه حكومات العالم النايب». الشروق المصرية: الثلاثاء 19 يناير 2010