تعديلات دستورية جديدة عاجلة، هو الرد الحكومي المنتظر على الحكم الذي أصدرته المحكمة الدستورية العليا قبل يومين بإلغاء التعديل الدستوري الذي دعمته حكومة حزب العدالة والتنمية ويقضي بمحاكمة العسكر، لأول مرة، أمام المحاكم المدنية في الجرائم المتعلقة بالإضرار بالأمن العام وانتهاك الدستور.ورغم مرور يومين على صدور حكم المحكمة الخميس 21-1-2010 إلا أنه لم يُحسم حتى الآن ما إن كان العسكريون الماثلون حاليا أمام محاكم مدنية بتهم محاولة نشر الفوضى وإسقاط الحكم وتهريب المخدرات سيواصلون المثول أمامها أم ستتلقفهم المحاكم العسكرية، وذلك وسط خلافات واسعة بين الحكومة وخبراء القانون والعسكر والمعارضة بشأن تفسير الحكم. وصدر حكم المحكمة ببطلان التعديل الدستوري، الذي مررته الحكومة والبرلمان العام الماضي وقضى بأن القضاء المدني هو المختص بمحاكمة عسكريين في الجرائم الخاصة بتهديد الأمن العام وانتهاك الدستور وتدبير انقلابات على نظام الحكم، مبررة ذلك بأن التعديل "غير دستوري لأنه يخالف المادة 145 من الدستور التي تقضي بمحاكمة العسكر أمام محاكم عسكرية". وفي أول رد فعل لحزب العدالة والتنمية الحاكم على قرار المحكمة قال أجامين باغيش -وزير الشئون الأوروبية وكبير المفاوضين في ملف عضوية تركيا للاتحاد الأوروبي- لقناة "إن تي في إن: "إن الحكم يظهر بشكل لا لبس فيه حاجة تركيا الطارئة إلى تغيير دستوري.. إذا ما أردنا أن تكون دولة عصرية، وإذا ما استمرت الأحزاب والجهات المعارضة في معارضة كل شيء لمجرد المعارضة فإننا سنقوم بهذه الخطوة بأنفسنا، وسنأخذ هذه التعديلات إلى الشعب مباشرة للتصويت عليها". طالع أيضا * "دستورية" تركيا: المحاكمة المدنية للعسكر باطلة * تركيا تُقيد إحالة المدنيين للمحاكم العسكرية وبالمثل قال رئيس البرلمان، محمد علي شاهين، وهو أحد أعضاء الحزب: إن "البرلمان سيمرر تشريعا جديدا ليحل محل التعديل الملغى في أسرع وقت ممكن". ورفض شاهين الإجابة على أسئلة بشأن ما إذا كان إلغاء التعديل الدستوري سيؤثر على النظر في قضية أرجينيكون والقضايا الأخرى الخاصة بادعاءات محاولات الانقلاب العسكري، غير أنه أشار إلى أن البرلمان سيفعل ما يجب عليه فعله"، بحسب ما نقلته عنه صحيفة "زمان" التركية السبت 23-1-2010. واتفق معه سوات كيليتش نائب رئيس الكتلة البرلمانية للحزب، كما قال النائب عن الحزب صالح كابوسوز: إن "جميع مشاكلنا فيما يتعلق بالديمقراطية سببها الدستور الحالي، وهذا له معنى واحد فقط، هو تغيير هذا الدستور برمته". وهذا الرأي اتفق معه أيضا خبراء قانونيون، من بينهم أحمد جوندل، النائب العام السابق في محكمة الاستئناف العليا، وكذلك فايق تاريمج أوغلو، القاضي العسكري المتقاعد، الذي قال من واقع خبرته: "لم أتفاجأ بحكم المحكمة الدستورية؛ لأن تاريخها مليء بأحكام شذت عن المبادئ الديمقراطية، ومن بينها محاولتها عام 2007 وضع حدود ليس لها أصل في القانون لإفشال انتخاب عبد الله جول رئيسا للجمهورية (نظرا لأنه من حزب العدالة ذي الجذور الإسلامية).. إنها تتحرك بدوافع سياسية وليس قانونية محضة كما يجب أن تفعل". غير أنه أعرب عن تفاؤله بأن هذا "يمكن أن يُحل.. البرلمان من سلطته أن يحمل تعديلاته الدستورية إلى الشعب ليصوت عليها ويكسبها شرعية أكبر"، مقترحا أن يقوم البرلمان بطرح التعديل الدستوري إلى الاستفتاء الشعبي. مقرر المحكمة الدستورية، عثمان جان، والذي يشغل أيضا منصب رئيس تجمع "السلطة القضائية الديمقراطية" التي تعد منبرا لفقهاء القانون الليبراليين، قال: إن حكم المحكمة "يغلق بابا في المعركة القانونية الجارية للحد من محاولات الانقلاب العسكري (التي كانت تتم في السابق دون عقاب)"، غير أنه لفت إلى أن الحكم في ذات الوقت "أظهر بوضوح ما نحتاج لفعله لجلب الديمقراطية إلى هذا البلد.. نحتاج حتميا لدستور جديد، يحقق استقلال القضاء بعيدا عن ظل العسكر". وبالفعل ذكرت صحيفة "زمان" التركية إن استعدادات الحكومة لطرح تعديلات دستورية جديدة فبراير القادم تجري على قدم وساق، بهدف تقويض سلطة الجيش على الحياة المدنية التي دأب على فرض سيطرته عليها منذ 80 عاما بحجة أنه "الحامي الأول للنظام العلماني للدولة" الذي وضعه مؤسس الدولة الحديثة مصطفى كمال أتاتورك. والدستور التركي الحالي هو دستور عسكري وضعه العسكر بعد الانقلاب الذي نفذوه على الحكومة عام 1980، وأهدى للجيش صلاحيات أوسع فيما يخص الحياة المدنية، وحماية فائقة لأفراده حتى في حالات ثبوت ضلوع بعضهم في محاولات انقلاب على الحكم. من سيحاكم من؟ وظهرت بوادر "فوضى قانونية" في تقييم قرار المحكمة الدستورية وتداعياته على مصير العسكريين الماثلين الآن أمام محاكم مدنية، وبينهم رتب كبيرة، وذلك في ظل تباين خبراء قانونيين والجيش وسياسيين من الحكومة والمعارضة في تفسيره. ومتحدثا بلسان الحكومة، قال نائب الحزب الحاكم، حسين شيليك، لقناة "إن تي في": "لا أعتقد أنه (الحكم) سيلقى قبولا من الشعب التركي.. وفي كل الأحوال فإن ضباط الجيش يجب أن يحاكموا أمام محاكم مدنية إذا ما ارتكبوا جرائم تضر بالحياة المدينة مثل تدبير انقلابات ضد الحكومة مثلا". واكتفى الجيش من جانبه في التعليق على الحكم بقوله إنه "يحترم قرار المحكمة"، مطالبا بتحويل الضباط الماثلين أمام محاكم مدنية إلى المحاكم العسكرية؛ تطبيقاً للحكم الجديد. وبعيدا عن هذين الطرفين المتنازعين، حذر خبراء قانونيون من أن قرار المحكمة سيخلق فوضى في تطبيق القانون، ومن هؤلاء خبير القانون الدستوري بجامعة ياديتابا، أكرم علي أكارتورك، الذي قال: "إن القرار سيخلق فوضى بين المحاكم المدنية والمحاكم العسكرية فيما يتعلق بمن سيكون له صلاحية استكمال النظر في المحاكمات الجارية"، وفق ما نشرته صحيفة "حريت" السبت. وأضاف أن "كل القضايا الحالية المتهم فيها عسكر وينظرها القضاء المدني ستحتاج لتعريف قانوني بشأن ما إن كانت تقع في اختصاص القضاء المدني أم العسكري، الأمور بدأت خاطئة من البداية عندما أصدرت المحكمة الدستورية هذا الحكم قبل أن تختبر هذه المسألة وتحسمها تماما". "لن يؤثر" ووسط حالة "عدم الحسم" هذه يتوقع خبراء قانونيون آخرون أن القرار لن يؤثر على المحاكمات الجارية؛ "فقانونيا يجب أن يكون هناك قانون بديل للقانون الذي تم إلغاؤه لتحديد الاختصاصات، وما دام لم يصدر قانون بهذا الشأن فإن المحاكم المدنية ستواصل محاكمة العسكريين الماثلين أمامها" كما قال عثمان كاشيكتشي، عميد كلية القانون بجامعة الفاتح. جونيات تورامان، القيادي بنقابة محامي إستانبول، نفى أيضا أي تأثير للحكم على المحاكمات الجارية، وكذلك قال كولتاكين أفجي -مدع عام سابق-: إن الحكم لن يؤثر "لأن محاولات الانقلاب غالبا ما تتم بعيدا عن أسوار المؤسسة العسكرية". وبرأي خبير القانون الدستوري، إبراهيم كاب أوغلو، فإن جميع الجرائم التي يرتكبها عسكريون خارج المؤسسة العسكرية يجب أن تنظرها محاكم مدنية. وقال بكر بوزداغ، القيادي بالكتلة البرلمانية لحزب العدالة: إن قرار المحكمة خاطئ؛ لأن المادة رقم 250 من قانون الإجراءات القانونية فسر بشكل واضح ما هي الجرائم التي يجب أن تنظرها المحاكم المدنية.. وفيها يتضح أن الجرائم المرتكبة ضد النظام الدستوري والإرهاب والجريمة المنظمة والمخدرات هي من اختصاصات المحاكم المدنية"، لافتا إلى أن بعض العسكر يحاكمون حاليا بتهم تهريب المخدرات، ومحاولة التعدي على الدستور عبر الإخلال بالأمن العام ومحاولة قلب نظام الحكم". أما الجيش فعلى كل حال لا يتفق مع وجهة النظر تلك، وقال حفظي تشوبكلو، السكرتير الثاني لرئيس الأركان، في بيان أصدره الجمعة: إن "العسكريين يجب أن يحاكموا في محاكم عسكرية". وفي أول رد فعل للمحاكم المدنية على قرار المحكمة الدستورية العليا قالت المحكمة الجنائية العليا بإستانبول، الجمعة، إنها ستنتظر حتى تستكشف الأسانيد القانونية للقرار قبل أن تقرر قبول أو رفض النظر في لائحة اتهام عسكريين تم اعتقالهم بتهمة إخفاء أسلحة في إستانبول العام الماضي ضمن التحقيقات الجارية في قضية أرجينيكون. "قضية القرن" ويجري كل هذا في ظل نظر القضاء فيما يصفها الأتراك ب"قضية القرن"، والمعروفة باسم قضية أرجينيكون المتهم فيها 200 شخص، بعضهم ضباط وجنرالات، إضافة إلى سياسيين وأكاديميين وإعلاميين علمانيين، بوضع خطط لاغتيال رئيس الحكومة، رجب طيب أردوغان، وتدبير تفجيرات والانقلاب على الحكم، وهي القضية التي تفجرت عام 2007، وتعد الأولى التي تضع الجيش في حرج واسع أمام الرأي العام، كما تظهره بمظهر "المهدد للأمن العام" وليس الحامي له كما يقول عن نفسه. كما تنظر المحاكم المدنية في قضايا أخرى مماثلة تكشفت في أوقات لاحقة، أحدثها ما نشرته صحيفة "طرف" الليبرالية الأربعاء الماضي عما يسمى بخطة "المطرقة" التي تقول إن الجيش أعدها بمشاركة 162 ضابطا، بينهم 29 جنرالا، في 5 آلاف صفحة وشريط مسجل عام 2003 لتفجير جامعي محمد فاتح وبا يزيد الأثريين في إستانبول وتنفيذ هجمات تراق فيها الدماء الكثيرة وتنسب لأشخاص ملتحين ونساء محجبات؛ لخلق مناخ شبيه بالمناخ الذي هيأ لانقلاب عام 1980. إفتكار البنداري إسلام أون لاين.نت