انتقدت منظمة "هيومان رايتس ووتش" لحقوق الإنسان الإجراءات الفرنسية الراهنة لحظر النقاب في الأماكن العامة، معتبرة ذلك "انتهاكًا لحقوق المرأة المسلمة"، في انتقاد جديد يضاف لسلسلة الانتقادات التي تتعرض لها فرنسا مؤخرًا بسبب مساعيها لحظر النقاب.ونقلت وكالة "إنتر برس سرفيس" الإيطالية عن جوديث ساندرلاند، وهي باحثة في شئون غرب أوروبا في ال"رايتس ووتش"، قولها: "إننا نشعر بقلق بالغ من القيود التي بدأت الحكومة الفرنسية فرضها بشكل جدّي على حقوق المرأة المسلمة في فرنسا، سواء فيما يخصّ حقوقها في إظهار دينها أو حريتها الشخصية". وأضافت جوديث: "إنّ أي حظر على غطاء الوجه الجزئي أو الكامل (في إشارة إلى الحجاب والنقاب أو البرقع) من شأنه أن يشكل انتهاكًا لحقوق الإنسان الأساسية، ولذلك نحن نعارض أي نوع من التدابير من هذا النوع". واتهمت جوديث السياسيين الفرنسيين بانتهاج نهج خاطئ بحظر النقاب، مشيرة إلى أن هذا النهج سوف يعوق اندماج المسلمات في المجتمع الفرنسي، وقالت: "إن إجبار المسلمات على خلع النقاب يجعل من أي جهود لتحقيق الاندماج (بالنسبة للمسلمين) في المجتمع الفرنسي محكوم عليها بالفشل.. هذا بكل تأكيد نهج خاطئ". وأوضحت جوديث: "لا أستطيع أن أفهم كيف يمكن لقانون أن يجبر النساء على خلع النقاب، إن هذا من شأنه أن يحول حياة النساء المنتقبات إلى جحيم، وسيجعل حياتهن مستحيلة"، متسائلة: "كيف يمكن لهن الذهاب لأخذ أطفالهن من مدارسهم، أو التعامل مع المدرسين الذكور على سبيل المثال؟". وحذرت جوديث من أن حظر النقاب سوف يؤدي إلى استبعاد النساء المنتقبات المحجبات من المجتمع الفرنسي، ويجعلهن أكثر عزلة، مشيرة إلى أن ذلك سوف يؤدي إلى "المساس بوضعية الإسلام والأقلية المسلمة في فرنسا بشكل عام". وكانت لجنة برلمانية فرنسية قد توصلت الأسبوع الماضي بعد أشهر من البحث والنقاش إلى اقتراح قدمته إلى الجمعية الوطنية (البرلمان الفرنسي) لإقرار قانون يحظر ارتداء النقاب في المؤسسات العامة والحكومية، وفيها المستشفيات ووسائل النقل والمواصلات العامة. وتأتي توصية اللجنة البرلمانية الفرنسية في إطار مسلسل الجدل الدائر حول النقاب في فرنسا وأوروبا منذ أشهر بعد تصريحات للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قال فيها إن النقاب "ليس موضع ترحيب في فرنسا"، لكن مصادر برلمانية -بحسب وكالة الأنباء الفرنسية- أفادت أن النقاب لن يمنع في الشارع لتجنب إثارة طعن دستوري أو إدانة من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. ومن المقرر أن يتم تطبيق المنع على مرحلتين، وفي المرحلة الأولى سيصوت النواب على قرار يتألف من وثيقة رسمية بلا أبعاد قانونية تنص على أن النقاب "يمنع على أراضي الجمهورية"، بحسب مسودة اقتراح اللجنة البرلمانية، أما المرحلة الثانية فسوف يتم خلالها سن قانون يحدد تفاصيل حجب الوجه في مختلف المرافق ووسائل النقل العامة. ولاقت الإجراءات الفرنسية في هذا الجانب انتقادات من جانب وسائل إعلام وحقوقيين في فرنسا وخارجها. وقال الأستاذ الفرنسي البارز بجامعة مونبلييه "دومينيك روسو" إن أي قانون يسن لحظر النقاب "سيكون ظالما وغير قابل للتطبيق العملي"، مشددا على أن طرح أي إجراءات من هذا النوع "يتطلب أولا التفكير في كيفية تطبيقها على أرض الواقع"، واعتبر توصية اللجنة البرلمانية الفرنسية "غير واقعية من الناحية العملية". كما استهجنت "النيويورك تايمز" الأمريكية في افتتاحيتها الأربعاء الماضي هذه التوصية، وقالت إنها تذكي الكراهية في المجتمع الفرنسي. وأضافت الصحيفة في الافتتاحية: "من السهل أن نرى في فرض إحدى الحكومات على النساء تغطية أجسامهن بشكل كامل انتهاكا لحقوق المرأة, لكن ينبغي أيضا أن يكون من السهل علينا وبنفس الدرجة أن نرى انتهاكا لحقوق المرأة في توصية لجنة برلمانية فرنسية بحظر الخدمات العمومية وفيها المدارس والمستشفيات والنقل العام على النساء المنتقبات". وتأتي هذه الخطوة في شأن النقاب بعد أن حظرت فرنسا ارتداء الحجاب في المدارس العامة في العام 2004. وأثارت هذه الإجراءات العديد من السجالات بشأن الهوية الوطنية لمسلمي فرنسا ومستوى اندماج الأقلية المسلمة في هذا البلد الأوروبي، الذي يعيش فيه 7 ملايين مسلم، يشكلون نسبة 11% من إجمالي تعداد السكان البالغين 64 مليون نسمة، وهي أكبر أقلية مسلمة في أي دولة أوروبية. وبحسب إحصائيات لوزارة الداخلية الفرنسية فإن هناك حوالي 1900 امرأة مسلمة ترتدي النقاب في فرنسا، غالبيتهن من الأفغانيات.