وقف المؤذن خارج المسجد رافعًا الأذان.. بينما المارة يتابعونه متعجبين وهو يقيم شعائر الصلاة التي ما كاد ينتهي منها حتى تجمعوا حوله، فقادهم بترحاب إلى معرض للكتاب الإسلامي في باحة المسجد، قبل أن ينتقلوا معا إلى إحدى الساحات المفتوحة بالمدينة لينضموا إلى المئات الذين سبقوهم وراحوا يتجولون في أرجاء الساحة يتذوقون أنواعا من الأطعمة العربية، ويقلبون في الأزياء الشعبية التي اشتهر بها عدد من الدول العربية والإسلامية. هذه هي بعض فعاليات "اليوم الثقافي المفتوح" الذي صار "أهم نافذة دعوية بإسبانيا"؛ حيث رفض مسلموها "التقوقع" داخل المسجد، وسعوا إلى الخروج للشارع للتواصل مع المجتمع ذي الغالبية المسيحية، بحسب ما أجمع عليه دعاة مسلمون بتلك الدولة الأوروبية في تصريحات متفرقة ل"إسلام أون لاين.نت". د.علاء سعيد رئيس اتحاد الأئمة بإسبانيا، اعتبر أن "اليوم الثقافي المفتوح يعد أهم نافذة دعوية تم تطبيقها من قبل العديد من المساجد والمراكز الإسلامية بإسبانيا، وأثمرت نجاحا وقبولا من المجتمع"، مضيفا: "فعبر لقاء المسلمين مع غيرهم من الإسبان في تلك الفعالية يتحقق مبدأ التعايش المشترك على أساس من التعددية الفكرية والثقافية وصولا إلى الاحترام المتبادل؛ مما يسهم في إزالة حاجز الخوف من الإسلام والمسلمين". وأكد ضو التريكي، رئيس قسم الإعلام والمؤسسات، في الرابطة الإسلامية للحوار والتعايش بإسبانيا، ما ذهب إليه د.سعيد قائلا: "لم يبق مسجد أو مركز إسلامي إلا وقام بتطبيق فكرة اليوم الثقافي المفتوح أو يعتزم تنفيذها قريبا". وأضاف التريكي: "أردنا الخروج من المسجد إلى الشارع للتواصل والتعارف مع المجتمع المحيط من خلال هذه الفعالية الثقافية، والتي نحرص على استثمارها في التعريف بالإسلام، ومن ثم دعوتهم إلى زيارتنا في مساجدنا ومؤسساتنا في مرحلة تالية بعد أن يكون حاجز الخوف والقلق قد تزحزح قليلا". اليوم الثقافي يشار إلى أن هذه الأيام الثقافية تنقسم إلى قسمين: الأول تنظمه المؤسسات الإسلامية في توقيت تختاره كل مؤسسة على حدة، ويشمل عقد ندوات تعريفية بالإسلام تناقش مسألة التعايش والتعددية، وتخوفات المجتمع الإسباني وما يواجه مسلمي إسبانيا من تحديات ومشكلات، بالإضافة إلى معرض للكتاب الإسلامي، ورفع الأذان، وإقامة الصلاة خارج المسجد للتعريف بعبادة المسلمين بناء على اتفاق مسبق مع البلدية. أما القسم الثاني فيجري في إطار احتفال القرية أو المدينة باليوم المخصص لعيدها (وهو تقليد إسباني)؛ حيث تدعو البلدية أصحاب الديانات المختلفة لساحات تحددها يعرضون فيها منتجات تعبر عن هويتهم الثقافية مثل الملابس الوطنية، والمأكولات الشعبية، بالإضافة لذلك ينظم المسلمون المشاركون في هذه الفعالية حفل إنشاد ومعرض للخط العربي، وغيرها من الأنشطة التي تتنوع من مدينة لأخرى. د.علاء سعيد الذي يشغل أيضا منصب رئيس قسم الدعوة والتعريف بالإسلام بالرابطة الإسلامية للحوار والتعايش بإسبانيا أوضح أنه "يتم التواصل مع كل من وزارة الهجرة والاندماج، وإدارة الشئون الثقافية بالبلدية في المدينة أو الحكومة الخاصة في الولاية لترتيب المشاركة في الاحتفال؛ حيث تساهم الوزارة بجزء من تكاليف اليوم الثقافي، بينما توفر البلدية المكان الذي ستقام فيه الفعاليات". وتختلف فعاليات ومدة اليوم الثقافي بحسب ظروف المكان والجهات المشاركة. ولفت د.سعيد إلى أنه "أحيانا يكون هناك تنوع في عرض ثقافة الأقلية المسلمة وعاداتها وتقاليدها، بجانب الفعاليات الدينية والدعوية"، مشيرا إلى الأصول المتنوعة للأقلية المسلمة هناك. تعارف وتواصل وأوضح د.سعيد قائلا: "في أغلب الأحيان يلقى مشروع اليوم المفتوح ترحيبا؛ لأن المجتمع الإسباني في الوقت الحالي يطرح مشروع الاندماج والتعايش، ويرحب بهذه المشروعات ترحيبا كبيرا". "وبالتجربة العملية -بحسب د.سعيد- لهذا العمل لمسنا تغيرا كبيرا في معرفة كثير من الذين حضروا مثل هذه الملتقيات". وضرب مثالا على ذلك قائلا: "أذكر في أحد هذه الملتقيات في مدينة صوريا وبعد لقاء مع حاكم الولاية ومستشارها الثقافي جاءني الأخير يقول: نحن الإسبان شعب طيب وأنتم أناس طيبون، والمشكلة بيننا هي حاجز عدم المعرفة، فإذا تعرفنا على بعضنا عن قرب فأعتقد أنه لن تكون هناك مشاكل؛ وهذا ما يجب أن نعمل له سويا". نجاح خارج المسجد من جانبه، أوضح ضو التريكي: "كان الأئمة والدعاة من قبل متقوقعين داخل مساجدهم، لكن مع قدوم دعاة وأئمة من خريجي الجامعات الإسلامية، تميزوا بمستوى ثقافي عال، فإنهم قد سعوا للخروج من المسجد إلى الشارع والتواصل مع المجتمع الإسباني بجميع فئاته وشرائحه كخطوة أولى، ثم ندعوهم لزيارتنا داخل المساجد كمرحلة تالية". وتابع: "بدأ تنظيمنا لليوم الثقافي تدريجيا مع بداية الألفية الثانية عبر المشاركة في احتفال المدينة أو القرية، وخلال هذه السنوات التسع اتسع حجم المشاركة على مستوى مساجد ومراكز ومؤسسات إسلامية في جميع أنحاء إسبانيا". وأرجع التركي ذلك إلى أن "الشعب الإسباني في عمومه مطلع على الدين الإسلامي والثقافة العربية بحكم قرب موقع إسبانيا من دول شمال إفريقيا العربية المسلمة، ومن خلال أفواج السياح الإسبان الذين يترددون على الشمال الإفريقي، بالإضافة إلى تاريخ الإسلام في إسبانيا". ولإسبانيا تاريخ وطيد الصلة بتاريخ الإسلام؛ حيث قامت على أرضها دولة الأندلس الإسلامية لمدة 8 قرون قبل أن تسقط في يد القشتاليين في عهد أسرة بني الأحمر التي كانت آخر الأسر الإسلامية التي حكمت دولة الأندلس المعروفة تاريخيا بأنها كانت "بوابة الإسلام لأوروبا". ويبلغ عدد المسلمين في إسبانيا حاليا نحو 1.3 مليون نسمة، 30% منهم إسبان، ويشكلون قرابة 3% من إجمالي عدد السكان البالغ نحو 45 مليون نسمة، وفقا لدليل صدر عن مؤسسة البيت العربي التابعة لوزارة الهجرة في العاصمة مدريد عام 2009. هاني صلاح الاثنين. فبراير. 1, 2010