بالنظر إلى الكتب الأصولية سنلاحظ أن ثمة اختلافا في ألفاظ تعريف هذا العلم: فلو رجعنا إلى أقدم التعاريف التي وضعها الأصوليون لعلمهم، أقصد تعريف الإمام أبو الحسين البصري في كتابه المعنون ب «المعتمد في الأصول» نجده يحدده بكونه: «طرق الفقه على طريق الإجمال، وكيفية الاستدلال بها، وما يتبع كيفية الاستدلال بها». وتعريف البصري سينتهجه الشافعية فيما يلحق لكن مع بعض التغيير والتوسيع. أما في المذهب الحنفي فإن أقدم التعاريف، التي وضعها أصوليو الأحناف، هو تعريف الإمام البزدوي الذي يقول: «وهذا الكتاب لبيان النصوص بمعانيها وتعريف الأصول بفروعها على شرط الإيجاز والاختصار.. واعلم أن أصول الشرع ثلاثة الكتاب والسنة والإجماع، والأصل الرابع القياس بالمعنى المستنبط من هذه الأصول» . وما يلاحظ في الكتب التأسيسية الأولى أنها لم تعتن في تقعيدها لعلم الأصول بتعريفه، إنما جاء التعريف لاحقا لها، ودليلنا على ذلك أن الشافعي مثلا لا نجده في كتاب «الرسالة» قد اعتنى بوضع تعريف لعلم الأصول، وكذلك الأمر في المذهب الحنفي حيث نجد قبل البزدوي، كتبا ورسائل أصولية عديدة، لم تستشعر ضرورة تقديم تحديد دلالي أو تعريف له، فلو رجعنا مثلا إلى رسالة الحسن الكرخي التي يمكن عدها من الكتب الأصولية الحنفية التأسيسية المبكرة، سنلاحظ أنه قواعد أصول الأحناف دون أن يحدد علم الأصول. ومن الملاحظ في الكتب الأصولية اللاحقة للحظة التأسيس، أنها سارت سيرا مذهبيا في تقعيدها وضبطها لمفاهيم الأصول، حيث عملت على تبني ما تقرر في كتبها التأسيسية، فتعريف البزدوي مثلا سنجده حاضرا في ما سيلحق من تأليف الأحناف. وكذلك الشأن بالنسبة لتعريف أبي الحسين البصري، حيث لم تفعل الكتب اللاحقة سوى التوسيع قليلا، أو الاستبدال اللفظي في بعض اصطلاحات التعاريف السابقة المعتمدة في مذهبها، وهذا واضح في كتب الجويني، والغزالي، وابن قدامة.. أما التعاريف الشائعة في الكتب الأصولية المعاصرة، فنجدها في الغالب تتبنى التعريف الحنفي، حتى عندما ينتهج كاتبها فيما تبقى من أبواب العلم منهج الشافعية، فلو تأملنا كتب الخضيري، وعبدالوهاب خلاف، وأبو زهرة.. نجدها في تحديدها للعلم تأخذ بتعريف الأصولي الحنفي صدر الشريعة الذي عرّف الأصول بقوله: «وعلم أصول الفقه: العلم بالقواعد التي يتوصل بها إليه»، فهو تعريف مختزل مختصر، سنجده يتكرر مع قليل من التغيير أو التوسيع الشارح في كل ما يكتب اليوم في علم الأصول. ومما يلاحظ أيضا أن التعاريف الأصولية ستختلف في تحديد هذا العلم، فبعضهم يقصر الأصول على المصادر، وبعض يقصرها على القواعد، لكن عند تأمل متونهم نجد أن من يقصرها على القواعد يبدأ ببحث المصادر، حيث لم يستطع إغفالها، بل جعلها منطلق الابتداء في مباحث متنه، والذي يقصرها على المصادر فقط لا نجده يلغي القواعد عند اشتغاله في فهم المصادر واستنباط الحكم الشرعي منها، وإنما يستحضرها. وما نذهب إليه أن هذه التعاريف على تعددها لم تختلف اختلافا يصح وضعه محل اعتبار، فبالنظر فيها يتضح أن ثمة اشتراكا في أساسيات بنائية يمكن إجمالها في ثلاثة: أدلة، وقواعد، وفعل استنباط. العرب القطرية 2010-02-12