تركيا ستنضم لجنوب إفريقيا في القضية ضد إسرائيل في لاهاي    أمطار غزيرة بالسعودية والإمارات ترفع مستوى التأهب    الشرطة تحتشد قرب محتجين مؤيدين للفلسطينيين بجامعة كاليفورنيا    وفاة حسنة البشارية أيقونة الفن الصحراوي الجزائري    مندوب روسيا لدى الامم المتحدة يدعو إلى التحقيق في مسألة المقابر الجماعية بغزة    بعد اتفاق اتحاد جدة مع ريال مدريد.. بنزيما يسافر إلى إسبانيا    طيران الكيان الصهيوني يشن غارات على جنوب لبنان    حالة الطقس يوم الخميس 2 ماي 2024    المرسى.. الاطاحة بمنحرفين يروّجان الأقراص المخدّرة    أخبار الاتحاد المنستيري...رهان على «الدربي» وفريق كرة السلة يرفع التحدي    في خطإ على الوطنية الأولى: دكتور وكاتب يتحول إلى خبير اقتصادي    صفاقس...حالة استنفار بسبب سقوط جزء من عمارة بقلب المدينة ... غلق الشارع الرئيسي... وإخلاء «أكشاك» في انتظار التعويضات!    مدرب بيارن : أهدرنا الفوز والريال «عَاقبنا»    وفاة الفنانة الجزائرية حسنة البشارية    سعيد يعود احد مصابي وعائلة احد ضحايا حادثة انفجار ميناء رادس ويسند لهما الصنف الأول من وسام الشغل    بنزرت ..أسفر عن وفاة امرأة ... حادث اصطدام بين 3سيارات بالطريق السيارة    تونس تعرب عن أسفها العميق لعدم قبول عضوية فلسطين في المنظمة الأممية    اتفاقية تمويل    وزارة الشباب والرياضة تصدر بلاغ هام..    غدا الخميس: وزارة التربية والجامعة العامة للتعليم الأساسي يوقعان اتفاقا ينهي توتر العلاقة بينهما..    جندوبة: فلاحون يعتبرون أن مديونية مياه الري لا تتناسب مع حجم استهلاكهم ويطالبون بالتدقيق فيها    عقوبات مكتب الرابطة - ايقاف سيف غزال بمقابلتين وخطايا مالية ضد النجم الساحلي والملعب التونسي ونجم المتلوي    النادي الافريقي- جلسة عامة عادية واخرى انتخابية يوم 7 جوان القادم    روبليف يقصي ألكاراز ويتقدم لقبل نهائي بطولة مدريد المفتوحة للتنس    وزارة السياحة تقرّر احداث فريق عمل مشترك لمعاينة اسطول النقل السياحي    المؤتمر الإفريقي الأول حول "آفاق تنمية الدواجن بإفريقيا" على هامش الدورة 20 للصالون المتوسطي للتغذية الحيوانية وتربية الماشية    الاحتفاظ بعنصر تكفيري مفتش عنه من اجل الانتماء الى تنظيم ارهابي    المجلس الوطني للجهات والاقاليم ...لجنة صياغة النظام الداخلي تنطلق الخميس في النظر في الاحكام العامة والعضوية والحصانة (الناطق باسم اللجنة)    الاحتفاظ بتلميذ تهجم على استاذته بكرسي في احد معاهد جبل جلود    القصرين: وفاة معتمد القصرين الشمالية عصام خذر متأثرا بإصاباته البليغة على اثر تعرضه لحادث مرور الشهر الفارط    عيد العمال العالمي: تجمع نقابي لاتحاد عمال تونس وسط استمرار احتجاج الباعة المتجولين    عيد العمال العالمي: تدشين المقر التاريخي للمنظمة الشغيلة بعد أشغال ترميم دامت ثلاث سنوات    الكاف: اليوم انطلاق فعاليات الدورة التاسعة لمهرجان سيكا جاز    ندوات ومعارض وبرامج تنشيطية حول الموروث التراثي الغزير بولاية بنزرت    بعد تتويجه بعديد الجوائز العالمية : الفيلم السوداني "وداعا جوليا " في القاعات التونسية    مدينة العلوم بتونس تنظم سهرة فلكية يوم 18 ماي القادم حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشمس    القيروان: إطلاق مشروع "رايت آب" لرفع الوعي لدى الشباب بشأن صحتهم الجنسية والانجابية    اعتراف "أسترازينيكا" بأن لقاحها المضاد لفيروس كورونا قد يسبب آثارا جانبية خطيرة.. ما القصة؟    الفنانة درصاف الحمداني تطلق أغنيتها الجديدة "طمني عليك"    تفاصيل الاطاحة بمروجي مخدرات..    التشكيلة الاساسية للنادي الصفاقسي والترجي التونسي    تحذير من برمجية ''خبيثة'' تستهدف الحسابات المصرفية لمستخدمي هواتف ''أندرويد''..#خبر_عاجل    هام/ وزارة التربية تدعو إلى تشكيل لجان بيداغوجية دعما لتلاميذ البكالوريا..    هام/ إصدار 42 ملحقا تعديليا من جملة 54 ملحقا لاتفاقيات مشتركة قطاعية للزيادة في أجور العاملين في القطاع الخاص    وزارة التجارة: لن نُورّد أضاحي العيد هذه السنة    تونس تشارك في معرض ليبيا للإنشاء    غرفة القصابين: معدّل علّوش العيد مليون ونص    مهرجان سيكا جاز: تغيير في برنامج يوم الافتتاح    اليوم: تونس تحيي عيد الشغل    اليوم.. تونس تحتفل بعيد الشغل    وزارة الفلاحة تضبط قيمة الكيلوغرام من التن الأحمر    عاجل/ "أسترازينيكا" تعترف..وفيات وأمراض خطيرة بعد لقاح كورونا..وتعويضات قد تصل للملايين..!    مختص في الأمراض الجلدية: تونس تقدّمت جدّا في علاج مرض ''أطفال القمر''    مدينة العلوم بتونس تنظم سهرة فلكية يوم 18 ماي القادم حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشمس    يوم 18 ماي: مدينة العلوم تنظّم سهرة فلكية حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشّمس    خبراء من منظمة الصحة العالمية يزورونا تونس...التفاصيل    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تعقيب على مقال "الانتحال والتدليس": د. محمد أندلسي
نشر في الفجر نيوز يوم 06 - 03 - 2010

السيد مدير جريدة الفجرنيوز الإلكترونية تحية طيبة وبعد: أسوة بنشركم للطعن في مصداقية مقالي العلمية المنسوب لأحمد الفوحي أستاذ بكلية الآداب بمكناس، وذلك بتاريخ 21 فبراير 2010، ألتمس منكم منحي حقّي في الرد والتعقيب، خاصة وأن مقال الرجل يفتقر إلى الحد الأدنى من الشروط العلمية والأخلاقية. وتقبلو تقديراتي.
الدكتور محمد أندلسي رئيس شعبى علم الاجتماع ومسلك الفلسفة بكلية الآداب/جامعة مولاي إسماعيل بمكناس.
في التدليس والانتحال والسرقة الموصوفة:أحمد الفوحي*
الأمّية الفلسفية
( تعقيب على المقال المنسوب لأحمد الفوحي بشأن "الانتحال والتدليس")
والمنشور في بعض المواقع بالشبكة
"يمتدح القريب النزاهة لأنه يحصل منها على مغنمه."( ف.نيتشه).
"إن الفلسفة لم تنج بعد من روح الانتقام ومن النزعات المحافظة التي تؤرق العصر. ".(فرانسوا ليوتار).
إنّ هاتين القولتين اللتين نستهل بهما هذا التعقيب تعكسان بشكل ملموس المقال المنشور في بعض المواقع المعنون ب"في التدليس والانتحال والسرقة الموصوفة" المنسوب لأحمد الفوحي. أقول المنسوب لأحمد الفوحي لأني مع الأسف الشديد أعرف الرجل الذي تنحصر "مواهبه العلمية" في "قل" و "لا تقل"، فهو بالكاد يعرف لماذا رفع الفاعل ونصب المفعول ويعلّم ذلك للطلبة, ولا تربطه بالفلسفة أية رابطة. ومن هنا هذه الملاحظة الأولية: كيف يسمح شخص مهما تكن مكانته العلمية أن يعير اسمه في عملية إقحام واضحة همها الوحيد البوح بالضغائن وتصريف الاختلاف بطريقة عارية عن الأخلاق العلمية التي ينبغي أن يتسم بها كل باحث؟
إن المقال المذكور يتضمن مصادرات مسكوتا عنها سأقوم بتحليلها، وإماطة اللثام عن أقنعتها، وفضح ما تنطوي عليه من تغليط وضحالة فكرية.
- إن الافتراءات التي يتضمنها المقال ليست صادرة عن أستاذ/ باحث يتمتع بكفاءة علمية في التحليل والنقد، وإنما تبدو وكأنها صادرة عن "شرطة الآداب".
- إن الحقد الدفين الذي يفصح عنه المقال ليس موجّها ضد مقالي "مشهد الفلسفة المعاصرة بين انزياح الصورة وصيرورة المفهوم" بل هو يستهدف أساسا مسلك الفلسفة وشعبة علم الاجتماع.
- ليست "إرادة الخير أو الورع أو التقية" هي الهاجس وراء كتابة المقال، بل أكاد أجزم بأن وراءها "إرادات ارتكاسية" آثرت أن تداعب "ضفاف الشر".
ولكي نضع قراء ومتتبّعي نشرة "أخبار العرب" الإلكترونية أمام المشهد الكامل لهذا الرد، سنقوم بتأطيره في السياق الذي صدر عنه المقال، الذي أريد له أن يخادع نشرة "أخبار العرب"، وأن يتحايل ويستهين بقرّائها الكرام، بإرادة "سرقته الموصوفة"، والتي ليست إلا تجسيدا لأخلاق سوقية. ذلك أن حصيلة ما نسب للرجل كانت مخيّبة لانتظارات القارئ العادي، ومبعثا على الشفقة بالنسبة للمهتم والمتخصص في الشأن الفلسفي والعلمي، كما سنبيّن ذلك بالتحليل والتفكيك. "فالافتراء" ظاهره عبارة عن عملية "تشهير أخلاقي" كلّها شتم وسب واتهام وإدانة- يشهد على ذلك المعجم الذي وظف في المقال، وسنكتفي في هذه المحطة بذكر بعضها، أما عمق "الافتراءات" الواردة في المقال، فيقطر سمّا، وتحرّكه أشدّ الأهواء حقدا وضغينة ضد المفكرين الأحرار. ويزداد "المكتوب" بؤسا وتعاسة، إذا استحضر القارئ كونه يدّعي ظاهريا الإحاطة بإشكاليات الحقل الفلسفي ويروم تصحيح أخطاء الفلاسفة، بينما هو في حقيقته يشي بضحالة فكرية، وبتخلف معرفي ساطع ليس في مجال الفكر الفلسفي فحسب، وإنما على صعيد التكوين العلمي أيضا. وهذا ما يجعلنا لا نتردّد بالقول: إذا كانت الفلسفة بالأمس ووجهت من قبل عدو خارجي تجسّده القوى الظلامية الممالئة لسدنة سنوات الجمر التي عرفها المغرب في مرحلة ما، فإن الفلسفة- هنا والآن وتأسيسا على هذا "الافتراء"- تجد نفسها في مواجهة قوى ارتكاسية "جديدة" تستعير قناع "الأخلاق"، و"الإيمان الديني"، وادعاء "العودة إلى الأصول"، لنسف الفلسفة من الداخل بعد أن باءت بالفشل حملات التحامل عليها من الخارج.
لنتصور أن أستاذا جامعيا، وليكن أحمد الفوحي أو غيره، يعتبر بأن إقراري على أن ديكارت هو مؤسس "مبدأ الذاتية" في الفلسفة ينم عن جهل بالفلسفة وعمى البصيرة ويناقض ما يذهب إليه كبار الفلاسفة مثل ألان باديو. إليكم بشكل حرفي ما أورده بهذا الصدد في افترائه الذي نقوم بتفكيكه:" وأحيانا أخرى، نجد أندلسي يتقول ويضيف ما لا سبيل إلى إضافته؛ إما بسبب جهله وإما بسبب عمى البصيرة... ومن أين جاء أندلسي بفكرة كون ديكارت مؤسس الذاتية في الفلسفة ؟! فهل رأى ما لم يره آخر كبار الفلاسفة الفرنسيين ألان باديو؟! " .
إذا كان المهتمّون بالشأن الفلسفي يجمعون على أن الاختلاف يشكّل السمة الأساسية المميزة للفكر الفلسفي، إلا أنه يمكن القول بالمقابل بأن الاستثناء الوحيد عن هذه القاعدة الذي أجمع عليه الفلاسفة، هو اعتبار ديكارت بمثابة "الأب الروحي" للحداثة، والمؤسس "لمبدأ الذاتية" في الفلسفة. وهذا الإقرار ثابت مند كانط، وهيجل، وصولا إلى ألان باديو، مرورا بنيتشه، وهوسرل، وهايدغر، وفوكو، ودولوز، وليوتار، وهابرماس..إلخ. وهكذا فما أصبح بمثابة بداهة ليس في تاريخ الفلسفة فحسب، بل وأيضا لدى التلميذ المبتدئ بتعلم الفلسفة في القسم الأول من الباكالوريا، يعتبر عند كاتب المقال، شناعة في الفلسفة وعند كبار الفلاسفة. ومما يثير الشفقة، إثباته بأن ديكارت هو صاحب "الكوجيطو" وفي نفس الوقت ينفي كونه مؤسس "مبدأ الذاتية" في الفلسفة. وهذا "عرض" كبير يشي بمدى عمق جهل صاحبنا بالمصطلح الفلسفي ولا يدري بأن كلامه هذا متهافت وينسف نفسه بنفسه. فالكوجيطو كما يعلم الجميع المتخصص وغير المتخصص، ليس سوى صيغة مركّزة لمبدأ الذاتية لدى ديكارت، "فأنا أفكر، إذن أنا موجود" يبيّن لمن يتمتع بحد أدنى من البصيرة والمعرفة، أن شرط الوجود هو التفكير، وأن الكائن الإنساني لا يرقى إلى مرتبة الإنسان إلا حينما يفكر ويحسن استعمال تفكيره وعقله، أي حينما يصبح ذاتا مفكرة واعية حرة، إذ بواسطة التفكير وحسن قيادة عقله يصبح الإنسان سيدا على نفسه وعلى الطبيعة. وظهور "مبدأ الذاتية"(الذي يفيد بمعناه الواسع: النزعة العقلانية والنزعة الفردية والحرية) هو ظهور للحداثة الفكرية في أوروبا. وهذا ما أسسه "الكوجيطو" الديكارتي، لذلك أعتبر بمثابة "الأب الروحي" للحداثة الغربية.
لا يكتفي "المقال" بالدفاع عن كلام شاذ متهافت كما بينا ذلك، بل إنه يهرب "إلى الأمام" حيث يسعى إلى تأسيس جهله بالافتراء على "ألان باديو"- الذي نصّب نفسه مدافعا عنه، بينما هو ينسب إليه تصورا هو على النقيض مما يقوله ويذهب إليه. بل أكثر من ذلك، إن المقال يستشهد بقولة للفيلسوف تنسف ما نسبه إليه. تقول قولة باديو كما أوردها الفوحي حرفيا :
Car Descartes est l'inventeur philosophique de la catégorie de sujet et le destin de la philosophie française, sa division même, est une division de l'héritage cartésien. واضح أنّ باديو هنا يعتبر ديكارت- على عكس ما فهمه صاحبنا- بأنه مؤسس مقولة الذات داخل الفلسفة، وهي صيغة فلسفية مركزة لمبدأ الذاتية. وهذا يدفعني إلى وضع موضع تساؤل مستوى صاحب المقال في اللغة الفرنسية. هكذا "ينقلب السحر ضد الساحر"، ويبقى السؤال قائما ويستدعي البحث والتحري عن كيفية وصول أمثال هؤلاء إلى التعليم العالي الجامعي؟ أوليس هذا عيّنة دالة لمن يريد أن يفهم لماذا "نحن نتأخر بينما غيرنا يتقدّم"؟
فليقل لنا أحمد الفوحي أو غيره ممن أسهم في كتابة المقال، أين قرأوا مثل هذا القول المشين لألان باديو وفي أي مؤلف من مؤلفاته؟ خاصة وأن المقال يريد من خلال ما استعرضه من نتف مختزلة ومعلومات عامة عن سيرة باديو، أن يوهم القارئ أنه ملمّ بفكره، مع العلم أن ما استعرضه لا ينم عن معرفة واطلاع، وإنما مجرد سرد مختزل لسيرة الفيلسوف الحياتية والفكرية يعثر عليه القارئ في أي معجم فلسفي أو موقع إلكتروني يهتم بسيرة الفلاسفة والمفكرين.
نشير هنا إلى أنّ أحمد الفوحي ومن يكتب له، كانوا في مقدمة من حاولوا بكل ما أوتوا من قوة- أن يشنوا حملة منظمة أساسها الحقد والضغينة، ضد الفلسفة والعلوم الإنسانية، وذلك عبر الضغط على رئاسة الجامعة وعميد الكلية، للحيلولة دون قيام شعبة علم الاجتماع ومسلك الفلسفة من بعد. وهم يستمدون قوتهم من إرث الحضر وطوله الذي تعرّضت له الفلسفة وعلم الاجتماع، ومن الفراغ القاتل والسنوات العجاف التي مرّت بها كلية الآداب بمكناس كنتيجة لهيمنة الرأي الواحد المستبد بكل القرارات المتعلقة بالكلية، وغياب ثقافة الاختلاف والتسامح ونسبية الحقائق.
يتعلّق الأمر بمحاولة احتواء الحسّ النقدي عبر تمييعه بزرع "روح الانتقام" والحقد فيه، وتحويل الجامعة من كونها فضاء للتربية على الحوار العقلي، والاستقلال الفكري، والاختلاف في الرأي، إلى فضاء يدين الاختلاف، ويحتمي بالأصول، ويقوم على الولاء، ويكرّس التبعية والوصاية. فسيرة هذه العصابة التكفيرية معروفة عند الجميع، فهم لا يمارسون البحث العلمي، وإنما مهمتهم "اصطياد أخطاء" الآخرين، و"حراسة الأفكار" التي تؤبد التخلف، وتثبيت حق "الملكية الخاصة" في مجال الفكر والمعرفة أسوة بالملكية الخاصة الرأسمالية. لهذا لا يستغرب القارئ إذا لاحظ بأن "رد الفعل" الذي يكشف عنه المقال لم يكن سوى ذريعة لتحريك ما يتأجج في دواخله من مشاعر الفشل والكراهية والبغضاء ضدّ "أعداء وهميين". لهذا فما ورد في المقال يفتقر إلى الحدّ الأدنى من النضج والبصيرة، إذ كلّه تشهير وإدانة واتهام، ليس اتجاهي أنا فحسب كأستاذ وباحث في الفلسفة، بل وكما تشهد عليه الوقائع الملموسة بالكلية، تعبّر عن "نية مبيتة" للنيل من سمعة الأساتذة والكلية التي بدأت تستعيد في السنين الأخيرة شيئا من إشعاعها وحيويتها، ونعتقد بأن فتح شعبة علم الاجتماع ومسلك الفلسفة بالكلية قد لعب دورا أساسيا في هذه الحركة المباركة، وذلك بما جلبه هذا المولود الواعد لكلية وجامعة مكناس من مكاسب، تكاد تكون استثنائية في تاريخ الجامعة المغربية. نذكر على سبيل المثال لا الحصر: اقتناء شعبة علم الاجتماع لحافلة من الحجم الكبير من فرنسا ووضعها رهن إشارة كل طلبة الكلّية والجامعة بدون تمييز. تزويد الكلية بحواسب وخزانة من الكتب ذات الجودة الرفيعة في مجال السوسيولوجيا والفلسفة. عقد شراكات مع عدة جامعات وكليات ومؤسسات بالعالم العربي وأوروبا. تمويل عدة مشاريع تتعلق بالبحث، والتدريس، والتكوين، والتأطير..إلخ. ناهيك عن المكاسب المعنوية التي بدأت تلوح في الأفق والتي يمكن تلخيصها في تأصيل "مبدأ الاختلاف" في الرأي داخل الكلية.
لكلّ الاعتبارات الآنفة الذكر، لا يتمتّع مقال صاحبنا بأي قيمة معرفية أو أخلاقية، وإنما هو عبارة عن "بيان انتقام وتصفية حساب"، يستهدف أساسا ليس مقالي "مشهد الفلسفة المعاصرة"، وإنما اتخذ من المقال مطية وذريعة لتشويه صورة مسلك الفلسفة وأساتذته، وللتهجّم على شخصي باعتباري رئيسا لشعبة علم الاجتماع ومسلك الفلسفة، بأسلوب كلّه بغضاء واتهامات وشتائم، من قبيل: "التدليس، الانتحال، السرقة الموصوفة، السطو، النسخ، التضليل، التمويه، التحايل، الجهل، المجرم، الجريمة...".
لهذا وتأسيسا على هذا المستوى الأول من "بيان المقال"، أصادر بأنّ "البيان" هو إملاء خبيث ويائس، لأنّ ثمّة هوة سحيقة بين لعبته ومقاصده ورهانه، وما يدّعيه أصحابه من غيرة على ما آل إليه التعليم ببلادنا.
إنّني أرتاب أن تكون الإرادة إرادته، ولكنّها إرادة الذي يتجرّع باسمه "نخب الضغينة". والذي يرسّخ هذا الارتياب أنّ ما ضمّنه "بيانه" من إساءة للفلسفة ولأساتذتها، هو ذاته الأسطوانة المبتذلة التي ترقص على نغماتها بعض "خفافيش الظلام" و"الذئاب الجائعة". وسنعود في محطة أخرى للفضيحة التي أثارتها سلسلة البيانات الجارحة لكرامة الأساتذة بالكلية والتي هي الآن تحت أنظار المحكمة الابتدائية بمكناس. لهذا لسنا بحاجة مرّة أخرى لنشعل "ضوء شمعة" في "ردهات" و"ظلمات" هذا " المقال الارتكاسي"، وهو الذي ركب طيشه في الخروج على أدبيات الحوار وأخلاقية البحث العلمي، ليعزف نشيدا هجينا يقدّم نفسه من خلاله قربانا لمستنقع الوحل الذي يأويه.
وانطلاقا من هذا، وبناء على فحص دقيق ومتأنّي، وتشخيص للآليات التي تحكّمت في إنتاج "البيان" الآنف الذكر، يبدو أنّ ما كتبه أحمد الفوحي هو أشبه بتقرير صادر عن "شرطي للآداب"، كما أسلفنا، وليس مدرّسا أو ناقدا لها. إنّ هذا "المقول" يصلح أن يكون عيّنة لتشخيص أعراض مرض "روح الانتقام"، ولا يمكن أن يعدّ بأيّ حال من الأحوال نقدا أو غيرة على الجامعة المغربية، ولا حتى إدانة وتشهيرا ضد "الانتحال والتدليس والسرقة الموصوفة" كما يتوهّم أصحابه. لهذا فمعذرة للقارئ الكريم إن التبست عليه لغتي المعهودة التي ألفها في مقالاتي، إذ أجد نفسي أمام هذا الحقد، مضطرا أن أضع النقط على الحروف، وأن أزيل الأقنعة عن أعراض نرجسيته وحالته المرضية، وأفضح ما يتستّر عليه افتراؤه من ضحالة فكرية. ومما يزيد إصرارنا على إدراج سلوك أحمد الفوحي، ومن يقفون خلفه، ضمن أرشيف "روح الانتقام"، أنّه آثر"الهروب إلى الأمام"، وإثارة الشبهات والتشكيك في مصداقية أبحاثي، وكفاءتي العلمية في مجال الفلسفة على مستوى الفهم والتفكير والتدريس.
من الأكيد أن من يحدوه شعور بمسؤولية الأستاذ الباحث سينهج مسلكا آخر غير مسلك الحقد، لأنه بضميره المهني وحسه الفكري المرهف، يدرك بأنّ فضاء الإدانة، والاتهام، والافتراء على الأشخاص ليس هو بالفضاء اللائق ولا الملائم لقضايا الفكر والاجتهاد. ثم لأنّ العلاقة التي يقيمها الأستاذ الباحث مع الأفكار، والمعارف، والمفاهيم، ليست من نمط العلاقة التقديسية، أو علاقة الوصاية والأبوية، وليست على أية حال علاقة تقوم على الملكية الخاصة، على غرار العلاقة التي يقيمها صاحبنا مع الأفكار، والمعارف، والمفاهيم.
ما يلفت الانتباه إذن في "بيان السرقة الموصوفة"، هو أنّ صاحبه يتقمّص - على غرار "كولمبو"- دور "مفتش الشرطة" الذي يحقق في جريمة "السرقة الفكرية"، والذي يعرف بأن "المجرم" لا بد أن يترك "أثرا" يدلّ على "جريمته" الشنعاء. لنستمع إلى "رقصات" المقال المبتذلة: لقد علمتنا سلسلة كولومبو البوليسية الشهيرة أن الجاني يفشل دائما في إخفاء معالم الجريمة؛ وكان إيراد صاحبنا بعضَ المصطلحات الأعجمية والأعلام كافيا للاهتداء إلى عملية السطو... وقد ظهر، من خلال ما سبق، أن صاحبا جان بليد ترك الأثر الذي يدل عليه. بل إنه عاود الرجوع إلى مسرح الجريمة، بذكر الفيلسوف باديو أكثر من مرة. وفاته أن ذلك الرجوع هو الفرصة التي يتحينها المحققون للإيقاع بالمجرم.
يطلب منّي كاتب المقال أن أخفي الإحالة إلى محاضرة باديو، وحينما لم أفعل ذلك في مقالي وأحلت إليه مرّات عديدة- كما يثبت هو نفسه، وكما سأعقّب على ذلك لاحقا- يجعل من إحالاتي إليه أثرا على السرقة. مما يعني أنّ نية صاحبنا مبيتة سواء كنت قد أحلت أو لم أحل. ليس "بيان الفوحي" إذن سوى محاولة لجمع "القرائن" للمطالبة برأس "المجرم" وتقديمه إلى المشنقة. فمتى كان اعتناق الأفكار، واقتباسها، ونسخها حتى بدون الإحالة إلى "أصحابها" يعدّ جريمة؟ وهل يجوز أن نعتبر "الأفكار" على غرار "القطع الأرضية"، أو "البضائع"، تحمل "توقيع" أصحابها وينطبق عليها قانون الملكية الخاصة؟ سأترك للقارئ الكريم واسع النظر ليستنتج فيما إذا كان هذا الكلام صادرا عن أستاذ/باحث أم عن شرطي "يحقّق" مع الفكر.
اقتفاء إذن بأساليب "التحقيق والاستنطاق" يتم تلفيق تهمة صريحة ومباشرة: محمد أندلسي يسطو على الفرنسيين "بينيي" و"باديو". واضح أنّ صيغة الاتهام بكلّ ما تحمله من تهويل وتعميم وتضليل- تذكرنا بصيغ الاتهامات التي كانت تنتزع عنوة وبواسطة العنف والتعذيب من معتقلي الرأي في بلادنا خلال سنوات الرصاص- تروم تضخيم الصورة لإحداث مفعول الصدمة، ولتبرير ما سيتضمّنه محضر "شرطة الآداب" من انحطاط فكري وانحلال أخلاقي، لا يمكن أن يصدرا إلاّ عن كائن ارتكاسي يعاني من "كهولة فكرية مبكّرة"، فلم يعد يسعفه إلاّ معجم تقليدي مهترئ من قبيل: "التدليس، الانتحال، السرقة، السطو، النسخ، السلخ، التضليل، التمويه".
قلت بأنّ صيغة محضر "شرطة الآداب" تهويلية وتضليلية، لأنها توهم بأنّ المقال بكامله سطو وسرقة، بينما نظرا لسذاجتها وغياب الحس النقدي لديها، لم تدرك بأنّ المقال الذي اعتمدته "شرطة المعرفة" في "التحقيق"، والمنشور بمجلة "مقاليد" السعودية التي تصدر بباريس، هو مقال أوردته المجلة المذكورة، مبتورا، ومقطّعا، ومحوّرا في عناوينه، وأرقامه، بما في ذلك عنوان المقال نفسه، ولم تبق فيه تقريبا سوى على العنصر الثالث الذي كما بيّنت ذلك اقتبست بعض منه بوعي وبتصرف من محاضرة باديو. وصاحبنا كعادته لا يقرأ، لهذا لم يعتمد المقال الأصلي هذا بالرغم من أنه على علم بأنه منشور في عدة مواقع بالشبكة، فلم يبدل مجهودا يذكر في التحرّي والمقارنة بين المقال المبتور الذي أوردته مجلة "مقاليد"، والمقالات الأصلية الكاملة التي نشرتها المواقع التي أوردها "المحقق" على النحو التالي: ثم إن هذا المقال الملفق سبق لصاحبنا أن نشره في مجلة مدارات فلسفية،العدد 15، سنة 2007، تحت عنوان:"مشهد الفلسفة المعاصرة بين انزياح الصورة وصيرورة المفهوم"؛ ونشره في بعض المواقع الإلكترونية،كموقع الفلسفة والمجتمع تحت عنوان "مشهد الفلسفة المعاصرة: الفلسفة الفرنسية كنموذج"(19 أغسطس 2007)، ومدونة سلمى جيران (5 أكتوبر 2008) بنفس العنوان الذي صدر به في مجلة مدارات فلسفية، إضافة إلى نشره في المدونة التي تحمل اسمه.
إذن الفقرات التي استند إليها هذا "المخبر" لإثبات ذلك، هي جزء من العنصر الثالث من المقال، الذي أدعو بإلحاح القارئ الكريم أن يزور مدونتي أو المواقع المذكورة من قبل "شرطة الفكر" ليتأكّد بنفسه من صحة ما أقدّمه له من معطيات. وهذا يعني أن مقالي الأصلي يتضمن عنصرين آخرين سكت عنهما أحمد الفوحي لأنهما يشيان بافتراءاته، ويميطان الأقنعة عن خلفياته.
هكذا فلولا الحقد الذي أعمى بصيرته، ولولا نيته المبيتة التي استنفدت طاقته الذهنية في الجوانب الشكلية من محاضرة باديو ومقالي، لما انتهى إلى ذلك الحكم المتسرّع الجائر، الذي أقلّ ما يمكن أن يقال عنه أنه حكم متحامل وبالتالي فهو لا علمي. لأنّ أهم شيء تعلّمناه في رحاب البحث الجامعي هو الحيطة، والحذر، والتروّي في إصدار الأحكام.
فهل يا ترى مقال "مشهد الفلسفة المعاصرة" هو "سطو وسرقة موصوفة" لمحاضرة باديو كما يتبجّح هذا المفتري؟ إنّ كلام أحمد الفوحي يريد أن يوهم القارئ بأن كل ما كتبته مقتبس من محاضرة باديو التي أخفيت عن القارئ كل المعالم التي تحيل إليها. لنستشهد بشكل حرفي بجميع القرائن الواردة في افتراء المقال: والواقع أن صاحبنا مريض بإدمان السطو على مجهودات الآخرين؛ وهي حالة مرضية تستوجب العلاج... وقد كانت إحالته على "باديو" في الحديث عن "المشهد الفكري المعاصر: الفلسفة الفرنسية كنموذج" (ص. 113)كافية للتأكد من عملية السطو. .وما سيأتي كله بدون استثناء ليس سوى نسخ لما جاء في محاضرة باديو بالحرف والفاصلة. بل سيقوم أندلسي بما هو أفظع كما أشرنا إليه من قبل وكما سنرى؛ فهو لا يكتفي بالسرقة، بل يحيل القارئ، وهو يسرق، على كتب ينسبها لنفسه، ولا نعرف هل هذه الكتب موجودة فعلا أم هي الأخرى تضليل في تضليل.. فبعد أن نسب أندلسي لنفسه هاتين الفقرتين اللتين تعدان مفصليتين في كل ما سيأتي، أحال على المقالة الأصل من خلال إشارتين عامتين. ليتجاهلها بعد ذلك ويواصل نسخها، بله سلخها.
يعترف كاتب "الافتراء" إذن بأنّ مقالي يحيل إلى محاضرة باديو على الأقل في عبارتين، ثم يسعى كعادته في التدليس والتمويه، إلى تصغير قيمة هاتين الإحالتين بادعائه أنهما عامتين. نتساءل مع هذا النصّاب المحتال: هل بالفعل مقالي لا يتضمّن غير هاتين الإحالتين؟ وهل هما إحالتين عامتين؟ لن أحيل القارئ هنا إلى مقالي الأصلي، بل سأعتمد على ما وظفه هذا المفتري في ما كتبه بالرغم من الحذف، والبتر، والتقطيع، والانتقاء، والاختزال الذي مارسه على مقالي. القرينة الأولى نجدها في هذا المقطع الذي يورده صاحبنا. يقول المقطع الأول/الإحالة الأولى والثانية: يقدم لنا باديو في محاضرة قيمة (6)، مثالين أو لحظتين فلسفيتين بارزتين:لحظة الفلسفة الإغريقية ولحظة الفلسفة المثالية الألمانية. فالأولى التي تقع ما بين القرنين الخامس والثالث قبل الميلاد والتي تمتد من بارمنيد إلى أرسطو، تمثل ما يمكن اعتباره لحظة التأسيس والإبداع الفلسفيين وهي لحظة استثناء قصيرة العمر في الزمان. واضح أن هذا المقطع يتضمّن إحالتين: المرة الأولى بالإحالة صراحة إلى باديو وإلى الأساس الذي سيبني عليه كل محاضرته، ومرة ثانية بالإحالة مباشرة إلى المحاضرة وعنوانها والمكان الذي جرت فيه وتاريخها على النحو التالي: Alain Badiou, panorama de la philosophie française contemporaine.Confférence à la bibliothèque nationale, 1Juin 2004, à Buenos Aires.) :
يقول المقطع الثاني /الإحالة الثالثة: " لنبدأ - مقتفين في ذلك أهم خطوات محاضرة الفيلسوف باديو المشار إليها آنفا – بطرح الأسئلة التالية : ما الذي طرأ على مستوى المنهج الفلسفي ما بين سنة 1940، ونهاية القرن 20؟ ما الذي تعنيه نعوت مثل الوجودية، البنيوية، التفكيكية؟ هل يمكن أن نتحدث عن وحدة فكرية وتاريخية لهذه اللحظة؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب، فما طبيعة تلك الوحدة.
يقول المقطع الثالث/الإحالة الرابعة: يجيب باديو على هذه الأسئلة انطلاقا من أربع كيفيات مختلفة يصوغها في أربعة أسئلة: السؤال الأول يتعلق بالأصل، والثاني يتعلق بالإجراءات، والثالث يتعلق بعلاقة الفلسفة بالأدب، والرابع يتعلق بعلاقة الفلسفة بالتحليل النفسي"..
واضح إذن وضوح الشمس أن صاحبنا ليس مفتريا فحسب، بل إنه كذاب أيضا. هذا فيما يتعلق بسقوط حجة الإحالتين. فهناك أربع إحالات واضحة صريحة لمن له بصيرة ترى، وأما صاحبنا الجاحد فهو كالنعامة التي اعتقدت بأنها إذا أفلحت في دفن رأسها في الرمال ستتوارى عن الأنظار. بقيت ذريعة أخرى يحتج بها صاحبنا كحجة للتقليل من أهمية الإحالات وهي زعمه أنها تتسم بالعمومية. لكن، وكما سيلاحظ كل قارئ نزيه، أنّ الطابع المباشر والصريح للإحالات بيّن وشفاف، إذ تعلن بدون "مواربة ولا تدليس ولا تضليل" بأن ما ستقوم به في هذا العنصر هو كالتالي: سأقتفي في كل ما أكتبه في هذا العنصر الثالث من المقال، طبعا وليس في كل عناصره، أهم خطوات محاضرة الفيلسوف باديو المشار إليها آنفا.
قلت العنصر الثالث من المقال وليس في كل عناصر المقال. لماذا أصرّ على هذا التدقيق؟ لأن صاحبنا يقدّم مقالي وكأنه كله اقتباس من محاضرة باديو، وهذا أيضا افتراء آخر مفضوح ينضاف إلى سلسلة الافتراءات السابقة التي فضحناها.
نطرح السؤال من جديد على أحمد الفوحي: لماذا اعتبرت المقالة كلها نسخ لمحاضرة باديو، واختزلتها في عنصر واحد هو الذي يحمل عنوان:"المشهد الفلسفي المعاصر:الفلسفة الفرنسية كنموذج"، مع العلم أن مقالي يتضمن ثلاثة عناصر: الأول هو "صيرورة المفهوم" وهو في 4 صفحات. والعنصر الثاني هو "انزياح الصورة" وهو في 4 صفحات، وإذا أضفنا إليهما العنصر الثالث الذي يحتوي على 12 صفحة، والمقدمة التي تحتوي على 3 صفحات، والإحالات الواردة في آخر المقال وعددها 28 إحالة- سيجعل المقال يحتوي على 21 صفحة. بينما الفقرات التي استند إليها أحمد الفوحي للتمويه على القارئ لا تتعدّى 6 صفحات باعترافه هو نفسه، حيث يقول بالحرف الواحد: ونركز اهتمامنا هذه المرة على "باديو" ومقاله المسروق حرفيا (من ص. 113 إلى نهاية المقال، ص.118). فماذا تمثّل 6 صفحات- وهي المفروض حسب اعتراف الفوحي أنني اقتبستها من محاضرة باديو- بالنسبة إلى 21 صفحة التي يتكون منها مقالي الأصلي. لماذا هذا الجحود يا رجل، يا أستاذ اللغة العربية بالتعليم العالي؟
من جهتي أفضّل أن أترك الحكم للقارئ الكريم وأدعوه أن يتأكّد بنفسه من مدى صدقية المعطيات التي قدّمتها، وذلك بالرجوع إلى مقالي الأصلي للتأكد فيما إذا كانت إحالاتي إلى محاضرة باديو مباشرة وواضحة أم لا. ثم التأكد ثانيا فيما إذا كان ما اقتبسته منها هو كل المقال- كما يدّعي هذا المفتري المنعدم الضمير- أم أنه يمثّل جزءا من المقال. ثم التأكد أخيرا وليس آخرا أنّ ما اقتبسته كان تمثّلا واستيعابا وتبسيطا أعطى نكهة جديدة لمحاضرة باديو لدى القارئ العربين - وهو الذي يفسّر نشره وإدراجه من قبل بعض المواقع بالشبكة العنكبوتية. هناك إذن عملية استثمار وتوظيف مكثفين لمحاضرة الفيلسوف الفرنسي باديو – وقد تمّت الإحالة إليها- هي أشبه بعملية الترجمة من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية. على أن تفهم الترجمة هنا أيضا ليس بمعناها الميتافيزيقي، كعملية استنساخ تعيد "إنتاج النص الأصلي" شكلا ومضمونا- وهو الفهم الذي اعتمده صاحبنا/أصحابنا في محاكمتنا وشكّل بالنسبة له عائقا منعه من فهم ما قمنا به من إضافات وتحوير- وإنما كعملية استلهام لا تخلو من "تحوير" و"مراوغة" و"خيانة"- بالمعنى الإيجابي لهذه الألفاظ- أي بالمعنى الجينيالوجي والتفكيكي-، وهذه أعدّها غرابة لغوية ومفهومية لا تستسيغها عقلية أحمد الفوحي التقليدية في روحها، والحداثوية في شكلها، الحريصة على "نقاء الهويات" و"طهارة الأصول".
من الواضح أن صاحبنا بحكم هشاشة تكوينه الفكري، وبحكم كونه ظل متعثرا في خطوته الأولى في مجال البحث العلمي، فإنّه يظل تابعا للنماذج التي يقرأ لها، عاجزا عن تحقيق استقلال فكري وعن استشكال ما يقرأه، ولهذا فهو يقوم بإسقاط قصوره على الآخرين ويتوهم أنّهم مثله مريدون، تابعون، ومردّدون لأفكار "شيوخهم".
فهل يجب أن نذكّر صاحبنا الذي ضحّى بمنطق التحليل لصالح منطق "الانتقام وتصفية الحساب"، بأنّ الذي "يسطو" على "فكر الآخرين" ، لا يمكن أن يكون صنيعه وليد مقال أو مقالين، وإنّما لابدّ أن ينعكس آثار ذلك على مسيرته الفكرية، في كل أبحاثه ومقالاته ومؤلفاته، وهي والحمد لله، قياسية بالنظر إلى المدة القصيرة التي التحقت بها بالتعليم العالي إذ لا تتجاوز 9سنوات، أنتجت خلالها ما يربو على أربعين مقالا، وكتابين منشورين، ناهيك عن الرسائل الجامعية التي شاركت في مناقشتها بل ورئاسة بعضها، بدون ذكر الندوات التي أطّرتها والتي شاركت فيها. لكن يبدو أنّ الوعي الشقي والإحساس بالنقص، قد أعميا بصيرة أحمد الفوحي، فجعل "الشجرة تحجب عنه رؤية الغابة". إنّ صاحبنا يتخذ تارة موقف الصمت المطبق اتجاه أبحاثي ومقالاتي الأخرى المنشورة بمدونتي، وتارة أخرى يتخذ موقف الشك والريبة اتجاه مؤلفاتي. فلماذا إذن هذا الصمت وهذا التشكيك؟ لماذا آثر سلطة "شرطة الآداب" على سلطة "النقد الأدبي"؟ أم إنّ "فاقد الشيء لا يعطيه"، وإنّ امتهان "حراسة الأفكار" و"مراقبة تداولها" ما هو إلاّ محاولة يائسة للتغطية على النقص المعرفي والخواء الفكري؟
لا شكّ أنّ المتتبّع لتحليلنا "لبيان" هذا المدّعي-المفتري، سيدرك أنّ الهاجس الفعلي الذي حرّكه ليس كما يريد أن يوهم نفسه، هو محاربة "سرقة المعرفة"، وليس هو إدانة "السطو على فكر الغير"، وليس تدارك "الانحطاط الجامعي"، وإنّما هو في تقديرنا وتحليلنا هاجس ارتكاسي- انتقامي، سأطلق عليه مرض "عسر هضم" الإحساس بالهزيمة. وهذا الكلام لا يفهمه إلا من عاش تجربة سقوط "حائط برلين" داخل كلية الآداب بمكناس!.
نستنتج مما سبق أن المقال، من ألفه إلى يائه، يعانق "روح البهتان" الذي جنّد نفسه لاستئصاله. ولأنّ هذا المقال نسيج "إرادات ارتكاسية" خبيثة، فإنّ أبرز ما يعكسه هو الاضطراب الواضح في أسلوب تفكيره، وتداعي أحكامه، وهشاشة استدلالاته، وتهافت حججه، وكلّ هذا أبعده عن إدراك الخلخلة والهزة العنيفة التي تعرّضت لها أساليب التفكير، وآليات المحاجة والاستدلال، ومقولات الفكر، وقيم الثقافة في الفكر المعاصر، مما جعله ينقاد وراء قضايا شكلية متآكلة، ويتشبّث بمفاهيم مشبعة باللاهوت والميتافيزيقا تمّ تفكيكها وأصبحت مهجورة اليوم من قبل الفكر والثقافة المعاصرين، نظير مفاهيم: الأصل، والماهية، والحقيقة، والهوية، والطهارة، والنسخ، والخيانة، والسرقة، والمؤلف، والأبوية، والملكية الفكرية..إلخ.
لقد كشف المقال، بعقليته الارتكاسية، عجزه عن استيعاب الإشكالية التي أبلورها عبر مختلف مساهماتي. كما ظلّ بمنآى عن التطورات الحاصلة في مجال الفكر الحديث والمعاصر، وخاصة الخلخلة الكبيرة التي تعرّضت لها قيم التقليد والحداثة، ومعانيهما الكبرى، وثنائياتهما الميتافيزيقية. لذلك ظلّ ما أورده، غارقا في التخبّط، ولا يسترشد بأي منهج تحليلي يجعله مقنعا ومفحما، وكل ما سعى إليه هو البحث عن "آثم" وهمي يحمّله وزر معاناته مع تناقضاته الداخلية. وهذه سمة أساسية مميزة للكائن الارتكاسي، فهو- كما يعلمنا الدرس النيتشوي- "دائم الاتهام للآخر ولا يني يسقط عليه مثالبه".
إنّ القارئ المتتبّع لحركة الإبداع الفكري في عصر سيادة العولمة، والنص الرقمي، والواقع الافتراضي، يدرك هول التفكيك الذي طال أهمّ المقولات والمفاهيم التي كانت إلى حدود الأمس تشكّل معاقلا "آمنة" للفكر المحافظ، وأسيجة محصّنة للثقافة التقليدية اللاهوتية المنغمسة في "التراث".
ونظرا لكون طبيعة المقام ومقتضيات السياق لا تسمح بخوض غمار تحليل معالم هذا الزلزال الذي قلب رأسا على عقب جلّ المفاهيم والمقولات التي نستعملها، سأكتفي بإيراد نص دال للقارئ المبصر وهو لأحد رموز الفلسفة بالمغرب يقول فيه: "(إنّ) إثارة قضية "السطو" في الكتابة شديدة التداول عندنا. فما أكثر ما نقرأ احتجاج هذا الكاتب ضد ذاك، وفضح هذا المؤلف لذاك، وشكواه أنه تسلط على إنتاجه، وسرق بنات فكره، ولم يعترف له بحقه في "الملكية"...كلنا يعرف أنّ "باب السرقات" قديم قدم النقد العربي...إلا أنها لم تكن مذمومة بالضرورة. والأهم من ذلك أنها كانت تعتبر من صميم الكتابة...إلا أنّ المثير للانتباه، في الكيفية التي تطرح بها المسألة عندنا اليوم، هو أننا لا نطرحها في باب "شعرية الكتابة" بقدر ما ندرجها في "أخلاقيات الكتابة". إننا نرفع القضية إلى شرطة الآداب ولا نعرضها على نقاد الأدب...(إنّ) ما تؤكده الشعرية المعاصرة(...)أنّ أجناس الخطاب وأنواعه هي التي تملي على الكاتب "قواعد" التأليف ونماذجه وصوره، بحيث لا تبقى، في ميدان الكتابة، قيمة كبرى لأسماء الأعلام، مثلما لا يبقى، في مجال الفكر، معنى محدد للملكية.
هذا ما يجعل السارق والمسروق منه "يغرفان من النبع نفسه". هذا النبع الذي لا يمكن إلا أن يكون قد غرف هو كذلك، من منابع أخرى...بحيث لا تكون الكتابة مطلقا كتابة على بياض، وإنما كتابة فوق كتابة، ورسما فوق رسم. ويغدو كل نص طرسا شفافا، وكائنا جيولوجيا يحمل ماضي الكتابة كلها.
من هنا يصبح التقليد راعي حياة الكلام، وتصبح الكتابة استنساخا مسترسلا، ويغدو كل مؤلف ناسخا، بالمعنى العربي المزدوج لكلمة نسخ، أي "تبديل الشيء من الشيء وهو غيره"، و"نقل الشيء من مكان إلى مكان وهو هو". إلا أننا لا ينبغي أن ننسى أن هذا النسخ لا ينصب على كائنات جامدة مكتملة منغلقة على ذاتها. إنه ينصب على معان وأفكار. وإذا كانت المعاني تخضع لعمليات توليد متواترة فلأنها تشكو من نقص وعدم اكتمال أوّليين. وإلا ما عادت أفكارا وغدت مجرد آراء مكرورة.
لا محيد للكاتب إذن من السرقة بكل أشكالها: الصريحة والضمنية، الواعية واللاواعية...فلا مفر للكلام من التكرار..وليس جرما أن نكرر القول. لكن المهم أننا عندما نكرره، أن يبدو كل مرة، كأنه قيل للمرة الأولى...وتلك هي صناعة الكتابة".
( مأخوذ من كتاب: عبد السلام بنعبد العالي:" ثقافة الأذن وثقافة العين"،ص65 و66 و67، دار توبقال للنشر،الطبعة الأولى 1994).
محمد أندلسي رئيس شعبة علم الاجتماع ومسلك الفلسفة
بكلية الآداب- جامعة مولاي إسماعيل بمكناس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.