الجزائر– هجوم عنيف شنه التياران السلفي والعلماني بالجزائر على المستثمر المصري نجيب ساويرس المالك لمجموعة "أوراسكوم" الشهيرة التي غزت السوق الجزائرية منذ مطلع الألفية الثالثة بشكل ملفت للنظر، خاصة في ميدان الاتصالات. وبينما اتهم أبرز دعاة التيار السلفي ساويريس بشكل غير مباشر بالعمل على "تمويل مشاريع الفساد ومحاربة الحجاب"، حذر التيار العلماني من "الأضرار التي قد تلحق بالاقتصاد الجزائري جراء احتكار مجموعة ساويرس للكثير من المجالات الاقتصادية، ولا تفي بالتزاماتها". ففي فتوى بعنوان "موقف المسلم من الجهات الممولة لمشاريع الفساد"، هاجم الشيخ أبو عبد العز محمد علي فركوس أحد أبرز الدعاة السلفيين -والذي يلقبه أتباعه ب"مفتي الديار الجزائرية"- المجموعة المصرية، وبالأخص فرعها للاتصالات المسمى "جيزي" دون ذكرها بالاسم.
وجاءت فتوى الشيخ فركوس ردًّا على سؤال نشر على موقعه بالإنترنت حول "بيان موقف المسلم من بعض المتعاملين بمجال الاتصالات الهاتفية الذين يعملون على تمويل مشاريع الفساد ومحاربة الحجاب، وذلك بتخصيص جزء من ميزانيته لتجسيد الإباحية بهدف الإفساد الديني والخلقي للمجتمع المسلم".
ورد الداعية السلفي قائلا: "المسلم لا ينبغي أن يرضى بأي مسلك مناقض للشريعة أو دعوة تهدف إلى نشر الفساد والرذيلة في الأرض وإفساد المجتمع سواء تعلق الأمر بالعقيدة أو بالأخلاق والقيم الإسلامية من أي الجهات الداعية لها وفي أي بلد كان الفساد".
وأَضاف: "يجب التنبيه بأن ترك التعامل مع هذه الجهات والسعي للانتقال من السيئ إلى الحسن هو نهي عن المنكر، لكن لا يصلح أن يكون بالقطيعة؛ لأن أمرها مناط بالإمام الحاكم الذي بيده سلطة القرار". مقاطعة غير صريحة وبرغم أن فتوى الشيخ فركوس لا تدعو صراحة لمقاطعة ساويرس، فإنه يتردد بقوة هذه الأيام أن بعض أتباع التيار السلفي سارعوا إلى استبدال شرائح هواتفهم المحمولة واختيار شركة أخرى غير "جيزي"، وعلى رأسهم أحد الدعاة السلفيين بشرق العاصمة، والذي نصح أتباعه في خطبة بهذا الأمر. وفضل دعاة سلفيون آخرون التريث وعدم إصدار أي فتوى بالمقاطعة، ل"حين التثبت من صحة ما ينقل عن ساويرس من تصريحات هاجم فيها الشعائر الإسلامية"، بحد قولهم ل"إسلام أون لاين.نت"، في حين رفض الكثيرون التعليق على فتوى الشيخ فركوس. وكان الملياردير ساويرس قد حذر قبل عدة أشهر في مؤتمر صحفي بالقاهرة من آثار ازدياد ما أسماه ظاهرة "المد الإسلامي" غير المعتدل على المستويين الإسلامي والمسيحي بمصر. وقال إنه يعتزم إطلاق قناتين فضائيتين إحداهما إخبارية وأخرى متخصصة بعرض الأفلام السينمائية دون التعرض لمقص الرقيب لمواجهة "الجرعة العالية من البرامج الدينية والمتحفظة بالقنوات الأخرى"، وهذا هو نفس الهدف الذي أعلنه عند إطلاق قناته الأولى (أو.تي.في) مع بداية العام الحالي. قنبلة موقوتة التيار العلماني بالجزائر وجه بدوره انتقادات عنيفة لساويرس، إذ هاجم حزب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية"- (أمازيغي) ذو توجهات علمانية برئاسة الدكتور سعيد سعدي- مجموعة أوراسكوم؛ "نظرا لتوسعها بالسوق الجزائرية خلال فترة وجيزة واقتحامها لمجالات اقتصادية عديدة، الأمر الذي يثير المخاوف على المستقبل الاقتصادي للجزائر، وما يمكن أن يسببه هذا الاحتكار من ضرر على اقتصاد البلد"، بحسب الحزب. وجاءت انتقادات حزب سعدي في مقال نشر على موقعه الإلكتروني الناطق باللغة الفرنسية تحت عنوان "قنبلة موقوتة". وتساءل كاتب المقال عن "التسهيلات التي منحت للمستثمر المصري في وقت فرضت العديد من القيود على باقي المتعاملين الاقتصاديين الأجانب ممن أبدوا رغبة في اقتحام السوق الجزائرية من خلال إقامة مشاريع اقتصادية أو المشاركة في مسار الخصخصة الذي تبنته الحكومة في السنوات الأخيرة". كما اتهم الحزب المجموعة المصرية ب"عدم الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه الجزائر، خاصة فيما يتعلق بدفع قيمة الصفقة التي حصلت بموجبها على ثاني رخصة لاستغلال الهاتف المحمول". وحصلت "أوراسكوم تيليكوم" في يوليو 2001 على تلك الرخصة بعد أن قدمت عرضا ماليا بلغت قيمته 737 مليون دولار، بينما لم يتعد عرض الشركة الفرنسية "فرانس تيليكوم" 400 مليون دولار. وبلغ عدد مشتركي شبكة "جيزي" حتى الآن نحو 13 مليون مشترك بحسب الأرقام المقدمة من قبل الشركة نفسها. رصيد إضافي شركة "جيزي" للاتصالات، فضلت عدم الرد على انتقادات السلفيين والعلمانيين على السواء، مواصلة حملة الإعلانات التي اعتادت القيام بها عبر مختلف الصحف. ولاحتواء أي تأثير سلبي للحملة ضدها، بادرت الشركة إلى منح رصيد إضافي لجميع مشتركيها يقدر ب50% على كل بطاقة شحن بقيمة 500 دينار جزائري (7 دولارات) فما فوق. وتعليقا على الحملة الموجهة ضد ساويرس، اعتبر مسئول بارز في بنك إسلامي يعمل بالجزائر ومتابع للقضايا الاقتصادية أن "مضمون الانتقادات الموجهة لأوراسكوم يكشف عن دوائر معروفة بولائها للغرب تريد تحويل رءوس أموال المستثمرين العرب إليه"، بحسب قوله. وأضاف المسئول -الذي طلب عدم ذكر اسمه- ل"إسلام أون لاين.نت": "الحملة التي تستهدف أوراسكوم وباقي الشركات العربية المستثمرة بالجزائر أخذت هذه المرة شكلا آخر، حيث قام أصحابها بإلباسها ثوب الدين بترويج بعض الفتاوى لتيار معروف". وختم هذا المسئول تصريحه بأن "الاستثمار العربي ما زال يواجه المزيد من التحديات مستقبلا رغم الحوافز التي قدمتها الحكومة للمستثمرين العرب وخاصة الخليجيين". وفي وقت سابق دعت الحكومة المستثمرين العرب للقدوم إلى الجزائر نظرا لفرص الاستثمار المتوافرة بالعديد من القطاعات، مشددة على أن الظروف الأمنية السائدة لا تدعو للقلق كما تروج بعض وسائل الإعلام الأجنبية. ويأتي الهجوم على ساويرس بعد نحو أسبوعين من فتح السلطات الإيطالية تحقيقا بشأن مزاعم فساد في بيع شركة "ويند"، ثالث أكبر شركات الاتصالات بإيطاليا، وتشمل التحقيقات ساويرس، بوصفه مالك الشركة. وانطلقت التحريات بعد إذاعة تحقيق تلفزيوني في أكتوبر الماضي يثير الشبهات حول شفافية عملية انتقال ملكية شركة الاتصالات من مجموعة "إينيل" إلى شركة "ويذر إنفيستمنت" التي تسيطر عليها شركة "نيكو ساويرس" في صفقة ضخمة استكملت عام 2006، وبلغت قيمتها 138ر12 مليار يورو مولت معظمها بقروض.