ما كان للمحكمة الدستورية العليا في مصر أن تنظر في طلب وزير العدل بحث موضوع تعيين المرأة قاضية، وما كان لها أن تتدخل في الشؤون الداخلية لمجلس الدولة، الأمر الذي يُعد سابقة خطيرة، من شأنها أن تقوض النظام القضائي. هذا الكلام ليس من عندي، ولكنه ورد في رسالة تلقيتها من د.ثروت بدوي، أستاذ أساتذة القانون الدستوري بجامعة القاهرة، تعليقا على المقال الذي نشرته حول الموضوع يوم الثلاثاء الماضي تحت عنوان «دفعنا الثمن من استقلال القضاء»، هذا هو نص الرسالة: «لي ثلاث ملاحظات على موضوع المقال» هي: أولا: ما كان يجوز للمحكمة الدستورية النظر في طلب وزير العدل الخاص بتفسير النص على ضرورة أن يكون المعيَّن بمجلس الدولة مصريا، (وهل هذا يسري على الرجل والمرأة؟)، وكان قرار المحكمة سليما حين قررت عدم قبول الطلب، لأن النص لم يثر خلافا في التطبيق، باعتبار أن المساواة بين الجنسين مقررة من حيث المبدأ، ولكن المحكمة أخطأت حين اعتبرت أن خلافا وقع بين المجلس الخاص للشؤون الإدارية بمجلس الدولة وبين الجمعية العمومية للمجلس، لأن ما ثار من خلاف على فرض وقوعه، وهو ما لم يقع كان مقصورا على ملاءمة تعيين المرأة وليس على حق المرأة في التعيين، ذلك أن أحكام مجلس الدولة استقرت منذ الحكم الصادر في عام 1952 في القضية التي رفعتها د.عائشة راتب على أن قصر الوظائف في مجلس الدولة أو النيابة أو القضاء على الرجال دون النساء وزنا لملاءمات التعيين في تلك الوظائف، تراعي فيه الإدارة بمقتضى سلطتها التقديرية شتى الاعتبارات، من أحوال الوظيفة وملابساتها وظروف البيئة وأوضاع العرف والتقاليد، وليس في ذلك حط من قيمة المرأة، ولا نيل من كرامتها أو انتقاص من مستواها الإداري أو الثقافي، وهي ذات العبارات التي استقرت في أحكام مجلس الدولة، وقتها الحكم الذي أصدره د.عبدالرزاق السنهوري في عام 1953، والأحكام التي دأبت على إصدارها المحكمة الإدارية العليا. هكذا، فالشواهد المختلطة تدل على أنه لم يكن هناك خلاف حول تفسير نص القانون، وإنما اقتصر الخلاف داخل المجلس الخاص وداخل الجمعية العمومية على تقدير الملاءمة، فجاءت أغلبية أعضاء المجلس على عدم ملاءمة تعيين المرأة في الظروف الراهنة، وهو ما حدث بالنسبة للجمعية العمومية للمجلس. ما تقدم يوحي بأن قضاة المحكمة الدستورية العليا قد فاتهم التمييز بين عنصر الملاءمة وعنصر القانون، كما أنه قد فاتهم أيضا الفارق الضخم بين الخلاف في التقدير داخل الجبهة المختصة، وهو أمر طبيعي في جميع القرارات، بل إنه يحدث في أحكام القضاء، والخلاف بين جهتين مختلفتين. وفضلا عن ذلك كله، يجب ألا ننس أن المجلس الخاص للشؤون الإدارية والجمعية العمومية في مجلس الدولة هما معا جهازان مترابطان داخل مجلس الدولة، ومن ثم فإن اختلافهما في تقدير الملاءمة لا يجيز التدخل فيه من جهة خارجية، أيا كانت تلك الجهة، وإلا انفرط عقد المجلس. ثانيا: إن تدخل المحكمة الدستورية في شؤون مجلس الدولة الداخلية يشكّل سابقة خطيرة، قد تؤدي إلى انهيار نظامنا القضائي بأكمله حينما تفكر الحكومة في طلب تفسير القانون الذي قد تختلف في تفسيره المحكمة الإدارية العليا مع محكمة القضاء الإداري أو القانون الذي قد تختلف في تفسيره محكمة النقض مع محكمة الاستئناف، وقد يتراءى للحكومة أن تلجأ إلى المحكمة الدستورية في كل مرة يصدر فيها حكم في غير مصلحتها وعلى خلاف حكم آخر صدر من محكمة أقل درجة! ثالثا: أعتقد أن قرار المحكمة الدستورية لم يكن محل اتفاق بين أعضاء المحكمة، وأن بعض الأعضاء كانوا يميلون إلى عدم قبول طلب الحكومة بالنسبة للمادتين، وليس بالنسبة لمادة واحدة ودليلي على ذلك تأجيل إصدار القرار عدة مرات»، انتهت رسالة د.ثروت بدوي. الرؤية الاثنين, 29 مارس 2010