رئيس الجمهورية يأذن بعرض مشروع نتقيح الفصل 411 من المجلة التجارية على مجلس الوزراء بداية الأسبوع المقبل    عضو هيئة الانتخابات: حسب الاجال الدستورية لا يمكن تجاوز يوم 23 أكتوبر 2024 كموعد أقصى لإجراء الانتخابات الرّئاسية    تونس حريصة على دعم مجالات التعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ( أحمد الحشاني )    مسؤول باتحاد الفلاحين: أضاحي العيد متوفرة والأسعار رغم ارتفاعها تبقى "معقولة" إزاء كلفة الإنتاج    تونس تشارك في الدورة 3 للمنتدى الدولي نحو الجنوب بسورينتو الايطالية يومي 17 و18 ماي 2024    المنستير: إحداث اول شركة أهلية محلية لتنمية الصناعات التقليدية بالجهة في الساحلين    العثور على سلاح "كلاشنيكوف" وذخيرة بغابة زياتين بجرجيس مخبأة منذ مدة (مصدر قضائي)    الترجي الرياضي يكتفي بالتعادل السلبي في رادس وحسم اللقب يتاجل الى لقاء الاياب في القاهرة    كاس تونس - النجم الساحلي يفوز على الاهلي الصفاقسي 1-صفر ويصعد الى ربع النهائي    الحرس الوطني: البحث عن 23 مفقودا في البحر شاركوا في عمليات إبحار خلسة من سواحل قربة    طقس... نزول بعض الأمطار بالشمال والمناطق الغربية    المنستير : انطلاق الاستشارة لتنفيذ الجزء الثالث من تهيئة متحف لمطة في ظرف أسبوع    اليوم العالمي لأطباء الطب العام والطب العائلي : طبيب الخط الأول يُعالج 80 بالمائة من مشاكل الصحة    قبل أسبوعين من مواجهة ريال مدريد.. ظهور صادم لمدافع دورتموند    بوسالم.. وفاة شاب غرقا في خزان مائي    مهرجان «بريك المهدية» في نسخته الأولى: احتفاء بالتّراث الغذائي المحلّي    عمر الغول.. الولايات المتحدة تريد قتل دور مصر بالميناء العائم في غزة    ملتقى وطني للتكوين المهني    المجلس المحلي بسكرة يحتجّ    منال عمارة: أمارس الفنّ من أجل المال    عاجل/ صفاقس: انقاذ 52 شخصا شاركوا في 'حرقة' وإنتشال 4 جثث    عاجل/ ضبط 6 عناصر تكفيرية مفتّش عنهم في 4 ولايات    النجم الساحلي يمرّ بصعوبة الى الدور ربع النهائي    كأس تونس : النجم الساحلي يلتحق بركب المتأهلين للدور ربع النهائي    تمدد "إنتفاضة" إفريقيا ضد فرنسا..السينغال تُلّوح بإغلاق قواعد باريس العسكرية    القصرين: القبض على شخص صادرة في حقه 10 مناشير تفتيش    الإنتخابات الرئاسية: إلزامية البطاقة عدد 3 للترشح..هيئة الإنتخابات تحسم الجدل    آمر المركز الأول للتدريب بجيش الطيران صفاقس: قريبا استقبال أول دورة للجنود المتطوّعين    قريبا.. الحلويات الشعبية بأسعار اقل    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    قراءة في أعمال ومحامل تشكيلية على هامش معرض «عوالم فنون» بصالون الرواق .. لوحات من ارهاصات الروح وفنطازيا الأنامل الساخنة    شبهات فساد: الاحتفاظ بمعتمد وموظف سابق بالستاغ وإطار بنكي في الكاف    بقلم مرشد السماوي: كفى إهدارا للمال العام بالعملة الصعبة على مغنيين عرب صنعهم إعلامنا ومهرجاناتنا!    المهرجان الدولي للمشمش بحاجب العيون في دورته الثانية ...مسابقات وندوات وعروض فروسية وفنون شعبية    ليبيا: اشتباكات مسلّحة في الزاوية ونداءات لإخلاء السكان    القيمة التسويقية للترجي و الأهلي قبل موقعة رادس    تضم منظمات وجمعيات: نحو تأسيس 'جبهة للدفاع عن الديمقراطية' في تونس    وزيرة الصناعة: مشروع الربط الكهربائي بين تونس وإيطاليا فريد من نوعه    هذه القنوات التي ستبث مباراة الترجي الرياضي التونسي و الأهلي المصري    أبو عبيدة: استهدفنا 100 آلية عسكرية للاحتلال في 10 أيام    ألمانيا: إجلاء المئات في الجنوب الغربي بسبب الفيضانات (فيديو)    5 أعشاب تعمل على تنشيط الدورة الدموية وتجنّب تجلّط الدم    وزير الصحة يؤكد على ضرورة تشجيع اللجوء الى الادوية الجنيسة لتمكين المرضى من النفاذ الى الادوية المبتكرة    السبت..ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة    ابرام اتفاق شراكة بين كونكت والجمعية التونسيّة لخرّيجي المدارس العليا الفرنسيّة    دار الثقافة بمعتمدية الرقاب تحتفي بشهرث الثراث    بينهم طفلان..مقتل 5 أشخاص نتيجة قصف إسرائيلي على لبنان    داء الكلب في تونس بالأرقام    حلوى مجهولة المصدر تتسبب في تسمم 11 تلميذا بالجديدة    كمال الفقي يستقبل رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك    نحو 20 % من المصابين بارتفاع ضغط الدم يمكن علاجهم دون أدوية    جندوبة : يوم إعلامي حول تأثير التغيرات المناخية على غراسات القوارص    حفل تكريم على شرف الملعب الإفريقي لمنزل بورقيبة بعد صعوده رسميا إلى الرّابطة الثانية    الصادرات نحو ليبيا تبلغ 2.6 مليار دينار : مساع لدعم المبادلات البينية    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إنتقام إمرأة...!! قصة بقلم : نبيل عودة
نشر في الفجر نيوز يوم 21 - 04 - 2010

img align="left" src="http://www.alfajrnews.net/images/iupload/nabilaouda.jpg" style="width: 112px; height: 130px;" alt="كانت على فراش الموت ، أعطوها شهرا واحدا كأقصى حد .. فهمت ذلك رغم أن لا أحد يريد أن يعترف أمامها ، بما صار معروفا لديها من الهمس حولها. ما كان يقلقها حقا أن زوجها صار مرتبطا منذ أقعدها المرض قبل نصف سنة ، بفتاة شقراء بجيل ابنه. لم ينتظر وفاتها.. ليدعها على الأقل تودع عالمها بشعور مريح ، بلا هواجس تأكل قلبها . الشعور أنها أصبحت شيئا ينتظرون موته ، شيئا زائدا يثقل على الجميع ،صعب عليها.. حتى الشهر المحدد لها صار ثقيلا على الذين حضنتهم وأعطتهم قلبها وجهدها وراحتها بلا حساب . تقضي معظم يومها مع مساعدة تقوم على خدمتها ، استأجرها زوجها ليريح نفسه أولا.. كثيرا ما بحثت عن دمعة تريحها فلم تجدها. لم تكن تعرف هل تبكي ذاتها أم تبكي خراب عالمها قبل موتها؟ كانت تعلم أن زوجها ليس لوحده في الطبقة الأولى .. ولكن من أين لها القوة لتتحرك وتكشف ما يجري تحت أنفها ؟ ومساعدتها ترفض أن تقول ما يدور في البيت .. دائما تتهرب من الإجابة .. لا تغضب عليها .. هذه وظيفتها. عندما كان زوجها يحضر شقراءه ، كانت تلتزم مساعدتها الطبقة الثانية بحجة التنظيف أو الاستراحة .. كانت تشعر بحسها أولا ، وبتطور قدرة سمعها ثانيا ، بكل حركة تجري في الطابق الأرضي ، كانت تسمع الضحكات المخنوقة ، حسها لا يخطئ. ما كانت تطلبه أن يرحم زوجها أيامها الأخيرة ، أو ربما ساعاتها الأخيرة.. ولكنها تشعر بالغضب من وقاحة تلك الشقراء التي وجدت بشخص زوجها ، أبا وعشيقا في نفس الوقت.. كان قليلا ما يدخل غرفتها .. وإذا دخل فبابتسامة مصطنعة ليسألها عن صحتها: - " إن شاء الله تتحسني " وكأنه يقول لها : - " خلصينا ، موتك رحمة لك ولنا" . أحيانا تفكر بعقابه .. ولكنها لا تعرف كيف تعاقبه دون أن تلحق الضرر بابنهما الوحيد . صارحت ابنها بما يعتلج في صدرها ، حقا تشعر بأنه يحبها ويبكي مصيرها ، ولكنه بما يخص والده له موقف آخر : - " هل تريدينه أن يتمدد مريضا إلى جانبك ؟" شرحت له ما وصلها من صديقاتها وما تلمسه وتحسه وتسمعه داخل بيتها : - " ألا حرمة لبيتي وأنا صاحبته الشرعية حتى اليوم ؟ ليفعل ما يريد خارج منزلي . عندما اموت ليفعل ما يشاء !" فرد بشكل منعها من فتح الحديث معه مرة أخرى: - " أمي ماذا جرى لك ، على ماذا أنت قلقة ؟ .. هل تريدين أن تجري أبي معك .. " ولم يكمل الجملة ، كانت تعرف انه يعني : - " إلى القبر " . تغابت وقالت له : - " لينتظرني حتى أموت على الأقل ، وليفعل ذلك بعيدا عني ودون علمي ، هل كوني مريضة في ايامها الأخيرة يجعلني لا شيء في بيتي ولدى زوجي ؟" وكم تمنت دمعة .. لكن دموعها قد جفت منذ عرفت ما ينتظرها. قبلها ابنها على جبينها وشعرت بدمعة حارة تسقط على جبينها.. وسارع يخفي دموعه ويخرج مسرعا.. تاركا لها عذاباتها وانتظار النهاية التي بدات تشعر ببطء حركتها .. صارت تتمنى ان ينتهي عذابها بسرعة.. كم تتمنى أن ترى حفيدها الأول، ولكن لا يبدو ان الزمن سيمنحها هذه السعادة. قبل أسبوعين سألت ابنها : - " أين وصلت زوجتك ؟" فأجاب : - " إنها في السابع.. " كم تتمنى الموت ، وكم تتمنى أن ترى حفيدها قبل موتها.. ربما الألم الوحيد الذي يعذبها من موتها ، حرمانها من رؤية حفيدها وملاعبته . أما زوجها فلم يكن الأمر يعنيه وكأنه جاء من كوكب آخر.. لا يحدثها بأي موضوع ، وحين سألته عن تجهيزات الحفيد ، التي كانت تتمنى أن تقوم بها ، تبين أن الأمر لا يعنيه كثيرا : - " أمه ستجهز له ما يريد ، أعطيتها شيكا مفتوحا " كل ما يعنيه عشيقته الشقراء التي أعادته مراهقا بجيل الكهولة. لو كان الأمر معكوسا هل كانت تتصرف مثله ، أم تقبر نفسها إلى جانبه ، تقوم على خدمته وحضانته حتى يتمنى أن يطول به المرض رغم ما فيه من آلام رهيبة..؟ لماذا ما يطلب من المرأة لا يطلب من الرجل؟ وماذا تفيدها هذه الأفكار في حالتها الميؤوس منها ؟ ستمحى ذكراها من هذا المنزل.. سينسون أنها كانت أما وزوجة مخلصة وخدامة وجارية وخليلة ... ستصبح مجرد ذكرى لا يتذكرون إلا أيامها الأخيرة المليئة بالعذاب لها ولأهل البيت . سيقولون : - " ربنا أراحها واراحنا " وهي لم تكن تحلم براحة من هذا النوع . على الأقل كانت تريد موتا دون أن تعذبها مشاعر الغيرة.. أو الشعور أنها أصبحت عالة ينتظرون موتها وإقفال صفحة متعبة من حياتهم.. وكأنهم قد تخلصوا من آفة بيئية. أسعدهم ستكون الشقراء.. سيخلو لها الميدان .. ستقلب كل أغراضها وتأخذ ما يعجبها وتلقى بقية أغراضها للقمامة. ما كان يسري عنها قليلا حديثها التلفوني مع صديقاتها ، اللواتي حافظن على مودة وعلاقة ، ولكن زياراتهن باتت قليلة في الفترة الأخيرة ربما بسبب ما يدور في البيت .. كانت لها صورة تحبها كثيرا ، هي وابنها عندما كان في العاشرة من عمره ، وقد عملت منها نسخة مكبرة علقتها أمام السرير منذ تلك الأيام ، كانت تبدو امرأة مكتملة الجمال ، صدرها عريض واسع ، ورقبتها ممتدة ، وقوامها جميل متناسق يشع حيوية وأنوثة. هل ستكون الشقراء بمثل جمالها ؟ آه ما أصعب الأفكار عندما تتخيل زوجها ، الذي تزوجته بعد قصة حب ،تملأها حتى اليوم بالمشاعر الجميلة .. مع شقرائه ، التي وصلها أنها كانت من المتسابقات على لقب ملكة جمال .. كيف وصلها؟ وماذا وجدت به غير أمواله وقدرته على الصرف بلا حساب؟ وفجأة خطرت لها فكرة جهنمية. اتصلت بأحدى صديقاتها .. - ايفلين .. آمل أني لا أزعجك يا روحي .. - إطلاقا .. لا تفكري أبدا انك تزعجيني .. آسفة لم أزرك في الأسبوع الأخير .. ولكني سأزورك بالتأكيد غدا .. أنت دائما على بالنا .. أرجو أن تكوني بخير.. - شكرا يا ايفلين .. أنا متعبة جدا.. ولكن لي طلبا صغير ا.. - تأمري يا روحي.. - لي صورة .. الصورة التي أمام سريري .. مع ابني .. تذكرينها ؟ ... أريد من صديق ابنك الرسام الذي رسم صورة لك ، أن يرسم لي الصورة إياها ،سابقيها هدية لزوجي ... وسأدفع له ما يطلبه . - اتكلي علي .. سأرتب لك الموضوع .. في اليوم التالي حضر الرسام مع ايفلين . نظر إلى الصورة وقال: - سأرسمها لك .. مسألة يومين .. - ولكن لي طلب يا عزيزي.. - تفضلي... - أريدك أن تضيف للصورة عقدا من اللؤلؤ والألماس يغطي كل صدري ، أترك هذا لخيالك البارع .. وكذلك أقراط من الألماس .. واسوارتي ذهب ضخمتين مع الأحجار الكريمة ... ضع في كل يد واحدة .. ولا بأس من إضافة دبوس يأخذ العقل على الفستان في الصدر .. تفنن به .. - هذا سهل .. سأجعل الجواهر تبدو حقيقية يمكن لمسها باليد.. - رائع ... رائع . خذ دفعة على الحساب أخذ مبلغا لم يحلم به .. انزل الصورة ، لفها بشرشف أبيض ، وخرج مسرعا بينما ايفلين تحملق بصديقتها غير قادرة على فهم ما يجري حولها .بعد أن خرج الرسام استجمعت ايفلين نفسها وسألت: - ماذا تفعلين يا صديقتي؟ منذ متى تحبين الجواهر ؟ - اسمعي يا ايفلين ، أنت أقرب الناس إلي بعد ابني، سأصارحك .. اقسمي أن يبقى ما تسمعيه سرا بيننا ؟ - أقسم .. - زوجي كما يعلم الجميع ، وأنت أيضا ، رغم انك ترفضين الاعتراف أمامي بما تعرفينه ، يخونني مع شقراء بعمر ابنه .. سحرها بأمواله .. أنا سأودع هذا العالم المجنون .. ما هي إلا أسابيع أو أيام .. ولكن تخيلي ، عندما تكتشف الشقراء الصورة ،.وترى الجواهر التي تأخذ العقل.. ستبدأ بالبحث عنها ... أريدها أن تتعذب.. - ولكن لا جواهر لديك ... - هذا هو الأمر .. انه انتقام صغير ليس الا .. وليسامحني الله ... لن تصدق زوجي إنها مجرد صورة واني لم أكن ، رغم أمواله ، أعشق الذهب والجواهر . ستبحث عن جواهري التي في الصورة.. حتى لو ظهر لها كل الأنبياء وأبلغوها بأن الجواهر غير موجودة ، لن تقتنع أني لم أكن أملك الجواهر التي سيلبسني إياها الرسام ... نبيل عودة – كاتب وناقد وإعلامي – الناصرة" /كانت على فراش الموت ، أعطوها شهرا واحدا كأقصى حد .. فهمت ذلك رغم أن لا أحد يريد أن يعترف أمامها ، بما صار معروفا لديها من الهمس حولها. ما كان يقلقها حقا أن زوجها صار مرتبطا منذ أقعدها المرض قبل نصف سنة ، بفتاة شقراء بجيل ابنه. لم ينتظر وفاتها.. ليدعها على الأقل تودع عالمها بشعور مريح ، بلا هواجس تأكل قلبها .
الشعور أنها أصبحت شيئا ينتظرون موته ، شيئا زائدا يثقل على الجميع ،صعب عليها.. حتى الشهر المحدد لها صار ثقيلا على الذين حضنتهم وأعطتهم قلبها وجهدها وراحتها بلا حساب .
تقضي معظم يومها مع مساعدة تقوم على خدمتها ، استأجرها زوجها ليريح نفسه أولا.. كثيرا ما بحثت عن دمعة تريحها فلم تجدها. لم تكن تعرف هل تبكي ذاتها أم تبكي خراب عالمها قبل موتها؟
كانت تعلم أن زوجها ليس لوحده في الطبقة الأولى .. ولكن من أين لها القوة لتتحرك وتكشف ما يجري تحت أنفها ؟ ومساعدتها ترفض أن تقول ما يدور في البيت .. دائما تتهرب من الإجابة .. لا تغضب عليها .. هذه وظيفتها.
عندما كان زوجها يحضر شقراءه ، كانت تلتزم مساعدتها الطبقة الثانية بحجة التنظيف أو الاستراحة .. كانت تشعر بحسها أولا ، وبتطور قدرة سمعها ثانيا ، بكل حركة تجري في الطابق الأرضي ، كانت تسمع الضحكات المخنوقة ، حسها لا يخطئ. ما كانت تطلبه أن يرحم زوجها أيامها الأخيرة ، أو ربما ساعاتها الأخيرة.. ولكنها تشعر بالغضب من وقاحة تلك الشقراء التي وجدت بشخص زوجها ، أبا وعشيقا في نفس الوقت..
كان قليلا ما يدخل غرفتها .. وإذا دخل فبابتسامة مصطنعة ليسألها عن صحتها:
- " إن شاء الله تتحسني "
وكأنه يقول لها :
- " خلصينا ، موتك رحمة لك ولنا" .

أحيانا تفكر بعقابه .. ولكنها لا تعرف كيف تعاقبه دون أن تلحق الضرر بابنهما الوحيد . صارحت ابنها بما يعتلج في صدرها ، حقا تشعر بأنه يحبها ويبكي مصيرها ، ولكنه بما يخص والده له موقف آخر :
- " هل تريدينه أن يتمدد مريضا إلى جانبك ؟"
شرحت له ما وصلها من صديقاتها وما تلمسه وتحسه وتسمعه داخل بيتها :
- " ألا حرمة لبيتي وأنا صاحبته الشرعية حتى اليوم ؟ ليفعل ما يريد خارج منزلي . عندما اموت ليفعل ما يشاء !"
فرد بشكل منعها من فتح الحديث معه مرة أخرى:
- " أمي ماذا جرى لك ، على ماذا أنت قلقة ؟ .. هل تريدين أن تجري أبي معك .. "
ولم يكمل الجملة ، كانت تعرف انه يعني :
- " إلى القبر " .
تغابت وقالت له :
- " لينتظرني حتى أموت على الأقل ، وليفعل ذلك بعيدا عني ودون علمي ، هل كوني مريضة في ايامها الأخيرة يجعلني لا شيء في بيتي ولدى زوجي ؟"
وكم تمنت دمعة .. لكن دموعها قد جفت منذ عرفت ما ينتظرها.
قبلها ابنها على جبينها وشعرت بدمعة حارة تسقط على جبينها.. وسارع يخفي دموعه ويخرج مسرعا.. تاركا لها عذاباتها وانتظار النهاية التي بدات تشعر ببطء حركتها .. صارت تتمنى ان ينتهي عذابها بسرعة..
كم تتمنى أن ترى حفيدها الأول، ولكن لا يبدو ان الزمن سيمنحها هذه السعادة. قبل أسبوعين سألت ابنها :
- " أين وصلت زوجتك ؟"
فأجاب :
- " إنها في السابع.. "
كم تتمنى الموت ، وكم تتمنى أن ترى حفيدها قبل موتها.. ربما الألم الوحيد الذي يعذبها من موتها ، حرمانها من رؤية حفيدها وملاعبته . أما زوجها فلم يكن الأمر يعنيه وكأنه جاء من كوكب آخر.. لا يحدثها بأي موضوع ، وحين سألته عن تجهيزات الحفيد ، التي كانت تتمنى أن تقوم بها ، تبين أن الأمر لا يعنيه كثيرا :
- " أمه ستجهز له ما يريد ، أعطيتها شيكا مفتوحا "
كل ما يعنيه عشيقته الشقراء التي أعادته مراهقا بجيل الكهولة. لو كان الأمر معكوسا هل كانت تتصرف مثله ، أم تقبر نفسها إلى جانبه ، تقوم على خدمته وحضانته حتى يتمنى أن يطول به المرض رغم ما فيه من آلام رهيبة..؟
لماذا ما يطلب من المرأة لا يطلب من الرجل؟
وماذا تفيدها هذه الأفكار في حالتها الميؤوس منها ؟
ستمحى ذكراها من هذا المنزل.. سينسون أنها كانت أما وزوجة مخلصة وخدامة وجارية وخليلة ... ستصبح مجرد ذكرى لا يتذكرون إلا أيامها الأخيرة المليئة بالعذاب لها ولأهل البيت . سيقولون :
- " ربنا أراحها واراحنا "
وهي لم تكن تحلم براحة من هذا النوع . على الأقل كانت تريد موتا دون أن تعذبها مشاعر الغيرة.. أو الشعور أنها أصبحت عالة ينتظرون موتها وإقفال صفحة متعبة من حياتهم.. وكأنهم قد تخلصوا من آفة بيئية.
أسعدهم ستكون الشقراء.. سيخلو لها الميدان .. ستقلب كل أغراضها وتأخذ ما يعجبها وتلقى بقية أغراضها للقمامة.
ما كان يسري عنها قليلا حديثها التلفوني مع صديقاتها ، اللواتي حافظن على مودة وعلاقة ، ولكن زياراتهن باتت قليلة في الفترة الأخيرة ربما بسبب ما يدور في البيت ..
كانت لها صورة تحبها كثيرا ، هي وابنها عندما كان في العاشرة من عمره ، وقد عملت منها نسخة مكبرة علقتها أمام السرير منذ تلك الأيام ، كانت تبدو امرأة مكتملة الجمال ، صدرها عريض واسع ، ورقبتها ممتدة ، وقوامها جميل متناسق يشع حيوية وأنوثة.
هل ستكون الشقراء بمثل جمالها ؟
آه ما أصعب الأفكار عندما تتخيل زوجها ، الذي تزوجته بعد قصة حب ،تملأها حتى اليوم بالمشاعر الجميلة .. مع شقرائه ، التي وصلها أنها كانت من المتسابقات على لقب ملكة جمال .. كيف وصلها؟ وماذا وجدت به غير أمواله وقدرته على الصرف بلا حساب؟
وفجأة خطرت لها فكرة جهنمية.
اتصلت بأحدى صديقاتها ..
- ايفلين .. آمل أني لا أزعجك يا روحي ..
- إطلاقا .. لا تفكري أبدا انك تزعجيني .. آسفة لم أزرك في الأسبوع الأخير .. ولكني سأزورك بالتأكيد غدا .. أنت دائما على بالنا .. أرجو أن تكوني بخير..
- شكرا يا ايفلين .. أنا متعبة جدا.. ولكن لي طلبا صغير ا..
- تأمري يا روحي..
- لي صورة .. الصورة التي أمام سريري .. مع ابني .. تذكرينها ؟ ... أريد من صديق ابنك الرسام الذي رسم صورة لك ، أن يرسم لي الصورة إياها ،سابقيها هدية لزوجي ... وسأدفع له ما يطلبه .
- اتكلي علي .. سأرتب لك الموضوع ..
في اليوم التالي حضر الرسام مع ايفلين . نظر إلى الصورة وقال:
- سأرسمها لك .. مسألة يومين ..
- ولكن لي طلب يا عزيزي..
- تفضلي...
- أريدك أن تضيف للصورة عقدا من اللؤلؤ والألماس يغطي كل صدري ، أترك هذا لخيالك البارع .. وكذلك أقراط من الألماس .. واسوارتي ذهب ضخمتين مع الأحجار الكريمة ... ضع في كل يد واحدة .. ولا بأس من إضافة دبوس يأخذ العقل على الفستان في الصدر .. تفنن به ..
- هذا سهل .. سأجعل الجواهر تبدو حقيقية يمكن لمسها باليد..
- رائع ... رائع . خذ دفعة على الحساب
أخذ مبلغا لم يحلم به .. انزل الصورة ، لفها بشرشف أبيض ، وخرج مسرعا بينما ايفلين تحملق بصديقتها غير قادرة على فهم ما يجري حولها .بعد أن خرج الرسام استجمعت ايفلين نفسها وسألت:
- ماذا تفعلين يا صديقتي؟ منذ متى تحبين الجواهر ؟
- اسمعي يا ايفلين ، أنت أقرب الناس إلي بعد ابني، سأصارحك .. اقسمي أن يبقى ما تسمعيه سرا بيننا ؟
- أقسم ..
- زوجي كما يعلم الجميع ، وأنت أيضا ، رغم انك ترفضين الاعتراف أمامي بما تعرفينه ، يخونني مع شقراء بعمر ابنه .. سحرها بأمواله .. أنا سأودع هذا العالم المجنون .. ما هي إلا أسابيع أو أيام .. ولكن تخيلي ، عندما تكتشف الشقراء الصورة ،.وترى الجواهر التي تأخذ العقل.. ستبدأ بالبحث عنها ... أريدها أن تتعذب..
- ولكن لا جواهر لديك ...
- هذا هو الأمر .. انه انتقام صغير ليس الا .. وليسامحني الله ... لن تصدق زوجي إنها مجرد صورة واني لم أكن ، رغم أمواله ، أعشق الذهب والجواهر . ستبحث عن جواهري التي في الصورة.. حتى لو ظهر لها كل الأنبياء وأبلغوها بأن الجواهر غير موجودة ، لن تقتنع أني لم أكن أملك الجواهر التي سيلبسني إياها الرسام ...
نبيل عودة – كاتب وناقد وإعلامي – الناصرة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.