حذر مهاتير محمد، رئيس وزراء ماليزيا السابق، الدول الإسلامية والعربية من عواقب تحوّل الشركات إلى بعبع يخيفها ويتجاوز حجمها ويتسبب في الاحتكار والتحكم في الأسعار. داعيا في الوقت نفسه هذه الحكومات إلى التدخل المباشر في إدارة شؤون الاقتصاد وضبط عمل البنوك، وتنظيم آليات منح القروض، وهو ما تبنته الجزائر منذ بداية الأزمة. شكلت الأزمة المالية العالمية والدروس المستفادة والفرص المتاحة، موضوعا لمحاضرة خاصة ألقاها مساء الأربعاء رئيس وزراء ماليزيا السابق، مهاتير محمد، وسط حشد كبير زاد على الألف شخص، بالمركز الإماراتي للدراسات والبحوث الاستراتيجية. وأكد مهاتير محمد أن ''الأزمة المالية'' التي شهدها العالم، مؤخراً، ما كان لها أن تكون لو أن السياسيين والاقتصاديين والباحثين على اختلاف دولهم، بحثوا في أسبابها التي عصفت بالبلدان الآسيوية ومنها ماليزيا في التسعينيات من القرن الماضي، واستلهموا الدروس والعبر. مشيراً إلى أن من أبرز أسباب ''الأزمة المالية العالمية''، ابتعاد الحكومات عن التدخل في ما يجري في السوق. وبرأيه، فإن نصائح ''البنك الدولي'' و''صندوق النقد الدولي''، لم ولن تنجح في تجاوز الأزمة، لأنه فشل في معالجة أزمة التسعينيات التي عصفت بأسواق آسيا. موضحا بأن من الأخطاء الفادحة ترك السوق لأولئك الذين لا يهمهم الرفاه الاقتصادي للمجتمع بقدر ما يتسابقون إلى جني الأرباح الضخمة التي تهمّهم، من خلال سوء استخدام قوانين السوق المالية والنقدية التي أتيحت لهم. متسائلاً: إذاً لماذا تدخّل عدد من الحكومات الأمريكية والأوروبية في السوق، لو ظل السوق يعتمد على القاعدة الخطأ ''دع السوق ينظم نفسه''؟ وشدّد مهاتير محمد، الذي نجح خلال فترة توليه زمام إدارة دفة الحكم في ماليزيا، في تحويل هذه الأخيرة إلى واحدة من أكبر نمور آسيا الاقتصادية، على ضرورة أن تتدخّل جميع الحكومات في التشريعات والقوانين والآليات التي تتعلّق بالسياسات النقدية والمالية. مشيرا إلى تجربة ماليزيا التي تركت نصائح ''الأفامي'' والبنك الدولي وذهبت تتدخل في آليات السوق، وتضخّ مليارات الدولارات للشركات والمؤسسات الإنتاجية الصغيرة والمتوسطة، وتشرف على آليات إقراض البنوك للشركات والمؤسسات وللأفراد وأسعار صرف العملات. وبشكل مباشر، قائلاً: ليس من المعقول أن تمنح البنوك والمصارف المالية القروض لأفراد وشركات بشكل مفتوح يفوق طاقة المستثمرين على سداد الديون، من جهة، ومن دون وجود ضوابط تؤكد قدرة الأفراد والشركات على السداد. مشيراً إلى أن المعضلة الكبرى في هذه الأزمة، أيضاً، نجمت عن عدم وجود شفافية كافية توفر قدراً من المعلومات الدقيقة عن رؤوس الأموال العاملة في الاستثمار، وإخفاء الحقائق والكشوفات عن الصناديق لديهم ورساميل الاستثمار الحقيقية.. وهذا لأسباب عديدة، أبرزها التهرب من دفع الضرائب.. بل إنهم اليوم ما زالوا يمارسون أعمالهم من أجل كسب مزيد من الأرباح. وأكد أن الوقت قد حان لأن نعيد التفكير جميعاً في سوء استخدام القوانين والتشريعات الخاصة بالأنظمة المالية والنقدية الذي يمارس في السوق، وفي قوانين التجارة العالمية الحرة، التي كشفت عن أن الدول الفقيرة تتضرّر دائماً وبشكل أكثر بكثير من البلدان الغنية. مشيراً إلى أن كثيراً من الغش والمضاربة يتمّ باسم هذه القوانين وباسم المنافسة وباسم ''دع السوق يعمل''. متسائلاً: لماذا تدخّلت الحكومة الأمريكية في منع الملياردير المعروف روك فيلر قبل عقود عدة، من الاستحواذ على شركات النفط؟ والجواب سهل: لمنعه من الاحتكار والتحكم في الأسعار. ولماذا لجأت الحكومات الأمريكية والأوروبية إلى تطبيق قوانين الاشتراكية الآن؟ إذاً علينا ألا نسمح للشركات أن تكون أكبر من حجمها في السوق. وداعا مهاتير محمد، في الوقت نفسه، الحكومات الوطنية إلى أن تولي اهتماماً خاصاً بأصحاب المشروعات الصغيرة الإنتاجية والمتوسطة، ودعمهم من دون تردّد، لتحقيق عدالة في توزيع الاستثمارات، وإيجاد فرص عمل، وزيادة معدلات الناتج المحلي الإجمالي لدولهم وتعزيز الرفاهية الاجتماعية. المصدرالخبر الجزائر: جلال بوعاتي