أي إشعاع قد يحدثه «معرض تونس الدولي للكتاب» في ظلّ تقرير حكومي جديد يشير إلى أنّ ثلث التونسيين لم يقرأ كتاباً واحداً طيلة حياته، وأنّ ثلاثة أرباعهم لم تطأ أقدامهم مكتبة عامة قط؟ الدورة 28 من المعرض التي اختُتمت أخيراً، مرت من دون ترك أي أثر خلفها... كالعادة. منذ أسابيع، أطلقت وزارة الثقافة حملة «الأيام الوطنية للمطالعة والمعلومات» تحت شعار: «من أجل شباب يقرأ، من أجل شباب يبدع». شعار أجوف لماكينة بيروقراطية لا ترى في الجهد الثقافي سوى إجراءات إدارية باهتة. لم تع بعد أن تقلُّص إقبال الناشئة على القراءة مرتبط بأسباب معقدة ومتداخلة تستوجب اهتماماً أكثر فعالية من حملات شبيهة بدعوات المحافظة على البيئة السليمة أو الوقاية من الأمراض الجنسية! المعرض لم يخرج عن سياق المعهود عنه: كتب صفراء ومؤلفات تلقّن أبجديات العبادة وأخرى في «فنون» الطبخ وكتيبات تعلّم اللغات في أسبوع واحد. والإضافة هذه السنة تمثلت في أقراص ممغنطة لأفلام تجارية أميركية وألبومات لمغنين مصريين من الصف العاشر معروضة للبيع. ولم يعد ينقص سوى مضخمات صوت لترديد الأغاني الهزيلة في باحة المعرض! المشاركة الأوروبية كانت قوية ومنسقة، وهو أمر غير مستغرب. 11 دولة أوروبية احتلت كتبها جزءاً كبيراً من مساحة المعرض، وأوفدت عدداً من الأسماء البارزة لإقامة الندوات المرافقة. وبهدف التغطية على نقائص جودة المؤلفات المعروضة، برمجت إدارة المعرض لقاءين مع أكثر الأدباء العرب إثارة للغيوم الإعلامية! أحلام مستغانمي، احتفى بها جمهور المعرض إلى درجة أن المنظمين وجدوا صعوبة في التحكم بتدفقه المفرط. والنجم الثاني هو المصري يوسف زيدان صاحب جائزة «بوكر» (2009) العربية عن روايته «عزازيل». حضر الروائي إلى تونس، تاركاً خلفه غبار معركة يخوضها ضده محاميان رفعا قضية يتهمانه فيها بازدراء الديانة المسيحية، مطالبين «بالوقوف ضد هرطقات زيدان». وعلى هامش المعرض، تعددت أمسيات التوقيع على إصدارات حديثة الكتابة. ونُظم يوم دراسي عن «القصة القصيرة في تونس» بمشاركة توفيق بكار ورضوان الكوني وحسن نصر ومصطفى الكيلاني وفوزية العلوي. وألقى الطيب شلبي وإيمان عمارة وسامي السنوسي وسمير العبدلي ومحمد النجار مداخلات شعرية في «يوم الشعر». كما أقيمت طاولة مستديرة بعنوان «النشر والتنوع الثقافي» بالتعاون مع «الرابطة الدولية للناشرين المستقلين». معرض تونس للكتاب لن يعالج تراجع انعدام اهتمام التونسيين بالكتاب، إلا أن المطلوب هو الحفاظ على من بقي منهم، وأول شيء مراجعة أسعار المؤلفات الباهظة الثمن. عن جريدة الأخبار عدد الخميس 6 أيار 2010