إلى جانب الآثار المأساوية لحادثة تحطم الطائرة الليبية، هناك أمر آخر مثير للانتباه، ألا وهو التعاون الكامل والشفافية التي تعاملت بها السلطات الليبية مع الدول الأخرى، وخصوصاً هولندا. ظهرت ليبيا هذه المرة بصورة أخرى غير الصورة المعتادة عنها، المنغلقة والدكتاتورية.من بين ضحايا تحطم الطائرة المئة وثلاثة، كان هناك سبعون هولندياً، لذلك كان من الطبيعي أن يتوجه ممثلون من السلطات الهولندية، وكذلك من وسائل الإعلام، في اليوم التالي للكارثة إلى طرابلس. كان أمرا لا يخلو من مفاجأة، أن يُسمح للدبلوماسيين، وخبراء الطب العدلي، والصحفيين، بمعاينة مكان الحادثة دون تأخير. كانت جثث الضحايا قد تم رفعها قبل ذلك، ونقلت بطريقة سليمة إلى المشرحة، كما أكد الخبراء الهولنديون. هذه الشفافية، وعدم التقيد بالروتين البيروقراطي، منح ليبيا فجأة صورة جديدة.
تحقيق دولي يوم الجمعة، طلبت ليبيا أيضاً، بشكل رسمي من فريق الخبراء الهولندي المساعدة في تحديد هوية الضحايا. إلى جانب ذلك تم يوم الجمعة تشكيل لجنة دولية للتحقيق في أسباب تحطم الطائرة، تتألف من مسؤولين رسميين من ليبيا وجنوب أفريقيا، وخبيرين فرنسيين، وخمسة من شركة ايرباص لصناعة الطائرات، ومراقبين اثنين من هولندا. وانضم أيضا خبراء أمريكيون إلى اللجنة، لأن المحركات ونظام الاستدلال في طائرة الأيرباص كانت من صنع أمريكي.
كل هذا يعزز الصورة الجديدةلطرابلس، المنفتحة والمتعاونة دولياً. مع ذلك فإن المستعرب الهولندي ليو كوارتن، الخبير بالشؤون الليبية، يتوقع أن لا يستمر التعاون بنفس السهولة، ولا يستبعد نشوء المشاكل مع تقدم التحقيقات: "النقطة المهمة هي تحديد المسؤولية عن الحادثة الماساوية. هل تقع المسؤولية على الشركة المصنّعة، ايرباص؟ أم على الطيار، أم على شرطة الخطوط؟ أم إن هناك جزءاً من المسؤولية تتحمله السلطات؟"
صراعات داخلية إذا تبين أن السلطات الليبية، تتحمل جزءاً من المسؤولية عن الحادث، فإن السيد كوارتن يتوقع أن تواجه لجنة التحقيق مشاكل في عملها. ويوضح كوارتن أن المشاكل التي يتوقع حصولها قد تنجم عن التنافس بين كبار الموظفين، التابعين للوزارات المختلفة، أو حتى داخل الوزارة الواحدة، وهي ظاهرة يتميز بها النظام الليبي، حسب قوله: "هناك صراعات بين المؤسسات المختلفة في قمة النظام الليبي. وكذلك هناك صراعات داخل كل واحدة من تلك المؤسسات. من الملاحظ أنه خلال حكم القذافي في العقود الأربعة الماضية، هناك صراعات داخلية في كل مكان."
شعب كريم وعاطفي في الوقت نفسه يشدد الخبير بالشؤون الليبية، ليو كوارتن على أن الشعب الليبي بطبيعته، شعب مضياف وعاطفي: "الليبيون ناس كرماء جداً، يدعونك دائماً في بيوتهم، وقد رأينا أن هناك تعاطفا واضحا مع الطفل الهولندي الناجي، روبن، وقد تسلم المستشفى الذي يرقد فيه في طرابلس الكثير من الرسائل والهدايا من المواطنين الليبيين العاديين." التعاطف ورسائل المواساة والهدايا الموجهة إلى روبن، البالغ من العمر تسعة أعوام، والناجي الوحيد من الكارثة.. هذه هي ليبيا أيضاً.. يقول كوارتن. تقرير: هانس دي فراي- إذاعة هولندا العالمية