منوبة: بطاقتا إيداع بالسجن ضد صاحب مجزرة ومساعده    إيطاليا ترفع درجة الخطر بعد أمطار غزيرة سببت فيضانات    خلال نصف ساعة.. نفاد تذاكر مباراة الأهلي والترجي في «نهائي إفريقيا»    الرئيس المدير العام للصيدلية المركزية: نسبة النفاذ للأدوية الجنيسة والبدائل الحيوية في تونس تناهز 55 %    نابل : حجز كمية من المواد الكيميائية مجهولة المصدر ومنتهية الصلوحية    القبض على عنصر إجرامي خطير مفتش عنه دوليا في هذه المنطقة    حاولوا سرقة متحف الحبيب بورقيبة الأثري...القبض على 5 متورطين    معلم تاريخي يتحول إلى وكر للمنحرفين ما القصة ؟    مجلس أوروبا بتونس: تقدّم مقترح تعاون مع البرلمان في مجال مكافحة الفساد    هل التونسيون معنيون بالمتحور الجديد للكورونا Flirt؟    تأجيل النظر في ملف اغتيال الشهيد محمد البراهمي    الكاف: مهرجان ميو يحتفي بفلسطين    30 مليون دينار لتمويل اقتناء الاعلاف لفائدة مربي الماشية    جمعية المحامين الشبان تودع شكاية في التعذيب وتدعو رئيس الجمهورية إلى الاطلاع على ملف بوزقروبة    وزارة الفلاحة تدعو الفلاحيين الى القيام بالمداواة الوقائية ضد مرض "الميلديو" باستعمال أحد المبيدات الفطرية المرخص بها    كلفة انجاز التّعداد العامّ للسّكان والسّكنى لسنة 2024 تناهز 89 مليون دينار – مدير عام معهد الإحصاء    غدا..دخول المتاحف سيكون مجانا..    الإعلامي زياد الهاني يمثل أمام القضاء..    القيروان انقاذ طفل سقط في بئر    القيروان: الاحتفاظ ب 8 أشخاص من دول افريقيا جنوب الصحراء دون وثائق ثبوت هويّة ويعملون بشركة فلاحيّة    آخر كلمات الإعلامي الرياضي أحمد نوير قبل رحيله...رحمه الله    خلال شهر أفريل : رصد 20 اعتداء على الصحفيين/ات من أصل 25 إشعارا    سليانة: توقّعات بتراجع صابة حب الملوك في مكثر    عاجل/ أمريكا تستثني هذه المناطق بتونس والمسافات من تحذير رعاياها    570 مليون دينار لدعم الميزانيّة..البنوك تعوّض الخروج على السوق الماليّة للاقتراض    اليوم.. حفل زياد غرسة بالمسرح البلدي    البرازيل تستضيف نهائيات كأس العالم لكرة القدم    القصرين: وفاة شاب في حادث مرور    حجز 900 قرص مخدر نوع "ايريكا"..    سيدي بوزيد: وفاة كهل وزوجته في حادث مرور    قابس: عدد الأضاحي تراجعت هذه السنة    بعد تسجيل الحالة الرابعة من نوعها.. مرض جديد يثير القلق    إسبانيا تمنع السفن المحملة بأسلحة للكيان الصهيوني من الرسو في موانئها    حريق بمستودع بين المروج 6 ونعسان    اتحاد الفلاحة: أسعار أضاحي العيد ستكون باهضة .. التفاصيل    ذهاب نهائي رابطة ابطال افريقيا : الترجي يستضيف الاهلي برغبة تعبيد الطريق نحو الظفر باللقب    عاجل : ليفربول يعلن رحيل هذا اللاعب نهاية الموسم    انتخاب تونس عضوا بالمجلس الوزاري الإفريقي المعني بالأرصاد الجوية    كأس أوروبا 2024: كانتي يعود لتشكيلة المنتخب الفرنسي    محيط قرقنة اللجنة المالية تنشد الدعم ومنحة مُضاعفة لهزم «القناوية»    نجاح الأسرة في الإسلام ..حب الأم عبادة... وحب الزوجة سعادة !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    خطبة الجمعة...الميراث في الإسلام    روعة التليلي تحصد الذهبية في بطولة العالم لألعاب القوى لذوي الاحتياجات الخاصة    الجزائر تواجه الحرائق مجدّدا.. والسلطات تكافح لاحتوائها    البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يدعم انتاج الطاقة الشمسية في تونس    التحدي القاتل.. رقاقة بطاطا حارة تقتل مراهقاً أميركياً    الشرطة الفرنسية تقتل مسلحا حاول إضرام النار في كنيس بشمال غرب البلاد    غزة.. سقوط شهداء في غارة إسرائيلية على مدرسة    منها الشيا والبطيخ.. 5 بذور للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    التوقعات الجوية لهذا اليوم…    عاجل: لأول مرة: تونس تصل المرتبة الثانية ضمن التصنيف الدولي للبيزبول    وزارة الثقافة تنعى المطربة سلمى سعادة    بمناسبة اليوم العالمي للمتاحف: الدخول للمتاحف والمواقع والمعالم الأثرية مجانا للتونسيين والأجانب المقيمين بتونس    باجة: باحثون في التراث يؤكدون ان التشريعات وحدها لا تكفي للمحافظة علي الموروث الاثري للجهة    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سيف الاسلام القذافي ومن يحكم في ليبيا: رجال الخيمة ام الحرس القديم؟
نشر في الفجر نيوز يوم 23 - 05 - 2010

ليبيا:تماما مثل القذافى الكبير يرفض سيف الاسلام أن يتقلد أى منصب رسمى فى الدولة هو يسبر على خطه والده ولكن بشكل عصرى فى الشهور الأولى من هذا العام، برهن المهندس سيف الاسلام النجل الثانى للزعيم الليبى العقيد معمر القذافى على انه مازال ضمن معادلة الحكم الصعبة فى ليبيا, على الرغم من أنه لا زال متمسكا باعلانه الانسحاب من الحياة السياسية والعامة ، وذلك على
خلاف رغبة والده العقيد القذافى الذى يصر على تعيينه بمنصب حكومى رسمى لمواصلة برنامجه الاصلاحى المعروف باسم ليبيا الغد.
وبعدما ألقى أن سيف الأسلام محاضرة مهمة من على منصة الجامعة الأمريكية فى العاصمة المصرية مؤخرا, احتوت على انتقادات كلاسيكية ومعتادة لكنها واسعة النطاق لما يجرى فى ليبيا خاصة فيما يتعلق بغياب الديموقراطية وحقوق الانسان ومؤسسات المجتمع المدنى ووسائل الاعلام الفاعلة, وعقب تلك المحاضرة تلقى القذافى الصغير المزيد من الدعوات للقاء محاضرات مماثلة فى عواصم غربية منها موسكو وواشنطن.
من المدهش ان تكون لدى القذافى الصغير هذه القدرة على توجيه انتقادات للنظام الجماهيرى الذى دشنه والده العقيد القذافى فى البلاد اعتبارا من عام 1977 من دون أن يطاله العقاب أو أن يكون جزاؤه السجن.
وينظر الكثيرون الى سيف الاسلام على انه الوريث المحتمل للحكم فى بلاده, لكنه غالبا ما ينفى هذا الاحتمال, ويحث فى المقابل على الترويج لاصلاحات جوهرية تمس النظام الجماهيري .
ولعب نجل القذافى الذى يحظى بعلاقات دولية واسعة النطاق وبشعبية لافته داخل المجتمع الليبى خاصة فى أوساط الشباب، دورا محوريا فى اخراج ليبيا من عزلتها الدولية وتسوية خلافتها العالقة مع الغرب خاصة الولايات المتحدة الأمريكية.
كما ساهمت الجهود التى تقوم بها مؤسسة القذافى للتنمية التى يترأسها, فى تغيير النظرة التقليدية لأوضاع حقوق الانسان فى ليبيا, ويرجع اليه الفضل فى الافراج عن المئات من السجناء السياسيين بما فى ذلك أعضاء الجماعات الاسلامية بعدما تبنى مراجعات فكرية ادت الى اعلان توبتهم عن استخدام العنف والسلاح لتغيير المجتمع من الداخل.
'انها الحصانة التى يتمتع بها كونه نجل القذافى ', هكذا يلخص دبلوماسى غربى مخضرم فى العاصمة الليبية طرابلس وضع نجل القذافى الذى لا يشغل اى منصب حكومى أو رسمى مكتفيا بمنصبه كرئيس لمؤسسة القذافى للتنمية ، وهى منظمة غير حكومية سخر مؤخرا من كونها سويسرية المنشأ على خلفية توتر العلاقات بين طرابلس وبرن, ويستخدمها كواجهة لنشاطه السياسى والاعلامى الواسع النطاق.
ورغم تحركات سيف الاسلام ومشاغبته ، الأ أنه يبدو أقل أشقائه الستة اثارة للجدل والضوضاء من حوله ، فهو لم يشتهر بالفضائح ولم تعرف قدماه النوادى الليلية او اقساما لشرطة كما حدث لشقيقه الصغر هانيبال الذى توتر بسبب حادثة توقيفه فى جنيف برفقة زوجته اصر شكوى من مخدمين له مغربى وتنوسية بتعرضهما للضرب والتعذيب, فى صيف عام 2008 الى توتر حاد لازالت ملامحه ظارهة فى مسار العلاقات الليبية السويسرية.
'انه الأقل كلفة بالنسبة لوالده' , هكذا وصف قاله رجل أعمال غربى عاد لتوه من طرابلس,عن سيف الأسلام وأضاف' لديه شعبية وسط الشباب, وهو ذو لمسات انسانية لا يمكنك تجاهلها, ولا يكلف النظام شيئا, بالعكس انه واجهة جيدة '.
الافت أن استمرار الصعود السياسى لسيف يأتى فيما الشائعات طألت هذه المرة وضع شقيقه الصغر المعتصم الذى كان الى وقت قريب يشغل نصب مستشار الأمن القومى الليبى, اختفى المعتصم من طرابلس فجأة لكى يظهر فى مصر سائحا من دون مقدمات.ويختفى من الساحة اليبية بعد أن كان مرشحا ليمسك بأحد اوراق الحكم فى ليبيا لعمله كمستشار للأمن القومى .
الحديث عن صراع بين الأشقاء يبدو أمرا صعبا فى نظر سيف الاسلام الذى يرفض هذه الفرضية تماما, وهو أمر كرره والده مؤخرا فى مقابلة مهمة مع مجلة دير شبيجل الألمانية.
لكن نشاط سيف الاسلام لشاب مثله يبلغ من العمر 38عاما من دون أن يتزوج حتى الآن, وهو النشاط الذى يجعله يتصدر نشرات الأخبار فى التليفزيون الرسمى الليبى ، يثير عدة علامات أستفهام . لا سيما وانه كان أرفع مسئول ليبى يزور الصبى الهولندى 'فان أشوت 'الناجى الوحيد من مأساة تحطم طائرة الخطوط الجوية الأفريقية القادمة من جنوب افريقيا ما أدى الى مصرع جميع ركابها البالغ عددهم 103 راكبا معظمهم من حملة الجنسية الهولندية.
هذه اللمسة الانسانية التى لا تخلو من روح العلاقات العامة ترشدنا على الطريقة الناجحة التى يتمكن بها سيف الاسلام من صدارة المشهد الاعلامى فى الداخل والخارج بدون عناء كبير.
ونجد أن نجل القذافى لا يهدأ وهو فى الشهور الأولى من هذا العام جال تقريبا فى كل قارات الأرض الخمسة, حيث دشن معرضا فنيا فى البرازيل قبل أن ينتقل الى كازخستان ومنها الى سلطنة عمان والامارات العربية قبل أن يعود الى طرابلس متوجها الى القاهرة.
يتحرك نجل القذافى بشكل متسارع تماما كما يفعل عندما يتكلم, فهو يبدو على الدوام فى عجلة من أمره وكانه فى صراع خفى مع الزمن , فيما الآمال منعقدة عليهن من قبل الحالمين بتغيير جذرى وحقيقى فى ليبيا التى يحكمها والده العقيد القذافى منذ نحو أربعين عاما.
فى الفترة الماضية حقق نجل القذافى عدة نجاحات سريعة فى وقت قصير فقد نجح وعلى الرغم من المعارضة العلنية التى أبداها العقيد القذافى فى الافراج عن التائبين من عناصر الجماعات الاسلامية المناوئة له, الا أن سياسة نجله الهادئة والساعية الى الحوار واحتواء هؤلاء قد نجحت فى نهاية المطاف فى اقناع أجهزة الأمن والمخابرات الليبية بالتخلى عن رفضها لهذه الفكرة ومعارضتها لها.
وقدم قادة الجماعة الاسلامية المقاتلة اعتذارا علنيا ونادرا الى العقيد القذافى لدى خروجهم من السجون الليبية فى احتفال رعاه نجله الثانى سيف الاسلام. بل والترويج للسياسة الليبية فى أنها تحارب الأنشطة الارهابية خاصة لتنظيم القاعدة .
وأعلنت مؤسسة القذافى مؤخرا عن نجاح جهودها فى إعادة المزيد من المعارضين الليبيين المقيمين فى الخارج, بعدما نجحت مؤخرا فى تمكين شاب ليبى كان منضما الى تنظيم القاعدة فى بلاد المغرب العربى.
وهذه هى المرة الأولى التى يتم فيها الاعلان رسميا فى ليبيا عن نجاح مؤسسة نجل القذافى فى استعادة أحد العناصر الليبية المنضوية الى تنظيم القاعدة الذى يعتقد أنه يضم عشرات من حاملى الجنسية الليبية.
ويعتقد أن العشرات من الشباب الليبيين المتاثرين بتفكير تنظيم القاعدة, قد عرفوا طريقهم منذ عام ونصف العام الى الانضمام الى جماعات متطرفة فى الجزائر ومالى وموريتانيا.
يشار الى أن تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي هو تنظيم اقليمى تابع لتنظيم القاعدة الدولى بزعامة اسامة بن لادن, ونشأ مطلع عام 2007, عن تنظيم جماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية الذى يقوده عبد المالك درودكال الملقب بأبى مصعب عبد الودود
وكان سيف الاسلام القذافى قد دعا الشباب الليبي المتواجد في صفوف تنظيمات مسلحة بالجزائر إلى التراجع وإعادة حساباته، وأن يقرأوا مراجعات زعمائهم في الجماعة الليبية المقاتلة .
تحركات سيف سواء من تهدئة التعصب الاسلامى أو تحسين وجهة ليبيا نزيده قوة ناعمة من خلال شبكة علاقات دولية مهمة فهو وجه معروف في معظم العواصم الكبرى, ليس فقط بحكم كونه ابن القذافى بل أيضا بحكم الميزانية المخصصة لنشاطاته والتي يقدرها البعض بنحو عشرة مليار دولار أمريكي.
ثمة من يعتقد أن مشكلة سيف الاسلام هي أنه ربط نفسه بمجموعة محدودة المستوى من رجال الأعمال أو سقط المتاع كما قال رجل أعمال عربي على صلة بنجل القذافى.
ومع ذلك وجه سيف جانبا من نشاطاته لإقناع الشباب بجدوى مساندته فمؤسسته توزع منذ بضعة شهور آلاف السيارات وأجهزة الكمبيوتر وتقدم القروض المالية والشخصية لأي شاب, والمقابل ليس كبيرا مجرد هتاف هنا وحمل لافتة هناك ، تشجع ونساند الزعيم الصغير
لكن لماذا اختار سيف الإسلام أن يظهر وكأنه يتحدى النظام طيلة السنوات الماضية؟ يقول معارضون ليبيون أن هذه كانت خطة القذافى لتقديم ابنه على نحو مختلف للشعب الليبي الذي مل من تلك الوجوه القديمة المحيطة بالقذافى وخيمت..

يشرح ناشط ليبي مقيم في الولايات المتحدة الأمر بقوله' كان الهدف تقديم سيف الإسلام كمعارض للنظام الخارج أولا لتفتيت المعارضة الليبية الحقيقية وثانيا لتكوين شعبية جماهيرية عبر محاولة الترويج للإصلاح ومحاربة الفساد ووقف انتهاكات حقوق الإنسان والتصالح مع الجماعات الإسلامية المتشددة.
الآن وبينما النظام نفسه يقف في مفترق طرق, يرغب سيف الإسلام بتوجيهات القذافى الكبير في أن يحظى بشرعية مباشرة مستمدة هذه المرة من الشارع.
وخلافا لأشقائه الذين يشغلون مناصب أمنية وعسكرية, لا يحتل سيف الإسلام أي منصب رسمي في الدولة الليبية تماما كوالده العقيد الذي يرفض وبإلحاح تسميته بالرئيس الليبي, مفضلا لقبه الأثير الأخ قائد الثورة, هذا التشابه بين وضع الأب والابن يثير ريبة وشكوكا لدى البعض, بينما من هم في المطبخ السياسي الليبي يعتبرونه أمرا طبيعيا.
فنجل العقيد أدرك مع والده منذ البداية أن محاولة تكريس أي دور سياسي له ستظل مرهونة بمدى قدرته على إظهار اختلافه عن النظام الحاكم ورجاله, وهكذا قدم القذافى الابن نفسه للشارع الليبي على أنه 'روبن هود' الجديد يمنح الفقراء والمطحونين والمعوزين والمظلومين, أملا في غد أفضل.
وربما لهذا السبب اختار سيف الإسلام تعبير 'ليبيا الغد' لتدشين حملة ترويجه في هذا السياق, عبر تبنيه مبادرات حقوقية طموحة كشف في بعضها عن ملابسات تدين بعض رموز الحكم بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان في حقبتي الثمانينات والتسعينات.
لكن هل ثمة من سر في تمكن العقيد من البقاء حاكم لليبيا طيلة 40 عاما ؟
'عمليا لا يوجد شريك للعقيد في عملية اتخاذ القرار السياسي فهو المسئول الأول والأخير كما تقول مصادر عربية وغربية في طرابلس, وليس من شخص آخر غيره قادر على اتخاذ أى قرار مصيري.
يقدم الدكتور محمد زاهي المغيربي الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة قار يونس في بنغازي قراءة مدهشة لواقع النخبة السياسية في ليبيا, حيث يحدد في دراسة قيمة له خمسة مراكز للقوة والنفوذ ضمن بنية هذه النخبة وهى: القذافي، الأعضاء الباقون من مجلس قيادة الثورة الأصلي، قيادات القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، اللجان الثورية، والتكنوقراط أعضاء اللجنة الشعبية العامة ( أو مجلس الوزراء).
ويرى زاهي بوضوح أن تأثير وقوة هذه المراكز ليست متساوية، وتتفاوت من وقت لآخر، مع تربع العقيد القذافي على قمة بنية النخبة من حيث التأثير والقوة لكونه قائد الثورة مما يعطي لتوجيهاته وتعليماته شرعية لا تتوفر لسواه.
ويمثل التكنوقراط المستوى الخامس والأقل أهمية من مراكز السلطة ضمن بنية النخبة في ليبيا, ويتكون من أعضاء مجلس الوزراء الذين على الرغم من أنهم يمثلون، اسميا أعلى مستوى للسلطة التنفيذية في ليبيا، فإن سلطتهم وتأثيرهم الحقيقي والفعلي لا يرقي إلى مستوى سلطة وتأثير مراكز القوة الأخرى.
وتوضح دراسة المغيربى أن 112 شخصا فقط تقلدوا مناصب في مجلس الوزراء واللجنة الشعبية العامة خلال فترة الدراسة التي امتدت لمدة ثلاثين عاماً( ما بين عامي 1969 و1999). غالبيتهم العظمي من الذكور ، حيث تولت امرأتان فقط مناصب في اللجنة الشعبية العامة ، الأولى خلال الثمانينيات ولمدة سنة واحدة فقط ، والثانية خلال التسعينيات ولمدة خمس سنوات
ويتطابق توزيع النخبة السياسية التنفيذية على الأقاليم الرئيسية في ليبيا تقريبا مع الكثافة السكانية لهذه الأقاليم, كما أن وجود وزير تونسي في بداية الثورة ، ووزير مصري في أواخر الثمانينيات. يعكس الخطاب السياسي القومي السابق للنظام الليبي وترصد الدراسة إن تسعة من العسكريين الذين تولوا مناصب وزارية كانوا من أعضاء مجلس قيادة الثورة خلال السبعينيات. أما الاثنان الباقيان فلقد توليا منصبيهما خلال الشهور الأولى من الثورة، ثم ألقي القبض عليهما في نهاية 1969 واتهما بتدبير محاولة انقلاب, كما يلاحظ أن شخصا واحدا من رجال الشرطة تولى منصبا وزاريا في أواخر السبعينيات، وهو منصب وزير الداخلية.
ويلاحظ زاهي أن هناك عدداً لا يستهان به من أعضاء هذه النخبة قد تم اختيارهم لهذه المناصب، ليس بسبب ما يتمتعون به من خلفية مهنية وخبرة تخصصية، ولكن أساساً بسبب التزامهم الثوري والثقة في توجهاتهم الأيديولوجية.
وهو يرى أن النظام السياسي الليبي يعتمد على قاعدة ضيقة من النخبة التكنوقراطية، تتراوح ما بين 20 –30 شخصا، في تسيير مختلف القطاعات المهمة والرئيسية, وحتى في حالة عدم تولى هؤلاء الأشخاص مناصب وزارية، فإنه يتم تكليفهم بمهام ومناصب أخرى في بعض القطاعات الرئيسية مثل أمانة مؤتمر الشعب العام وجهاز النهر الصناعي ومجلس التخطيط العام والأمم المتحدة والجامعة العربية وبعض السفارات المهمة وغيرها.
لكن المدهش أن هذه القاعدة الضيقة لا تتفق مع فلسفة النظام الجماهيري المطبق في ليبيا، والذي يدعو إلى المشاركة الشعبية الواسعة والنشطة في إطار صنع وتنفيذ السياسات العامة في المجتمع الليبي.
تحييد النخبة على هذا النحو سبقه تحييد مجلس القيادة التاريخي للثورة, فمن بين أعضائه ال 12 الذين قاموا بانقلاب عام 1969, لا يوجد سوى خمسة فقط على قيد الحياة أولهم الرائد عبد السلام جلود الذي كان إلى مطلع التسعينات بمثابة الرجل الثاني في النظام قبل أن يتم تجميد نشاطه ونزع صلاحياته, يليه الرائد عبد المنعم الهونى الذي يتولى حاليا منصب مندوب ليبيا لدى الجامعة العربية بعدما أمضى قرابة ربع قرن في معارضة القذافى انتهت بمصالحة بينهما.
ويبقى أبو بكر يونس جابر الذي يشغل نظريا حقيبة الدفاع, لكن لأن الجيش لم يعد له رسميا أي وجود فالمنصب بلا اختصاصات تقريبا, فيما تحول الخويلدى الحميدى ومصطفى الخروبى إلى متابعين لبعض الأنشطة المحلية بعدما تم تفريغهما من أي خلفية عسكرية أو شعبية.
وكما يقول عضو سابق في مجلس قيادة الثورة لا يستطيع هؤلاء مغادرة البلاد أو التحرك في الداخل من دون إذن القذافى شخصيا, ومنذ فترة طويلة لم يعقد المجلس نفسه أي اجتماع حيث استعاض القذافى عنه باجتماعات غير دورية مع بعض رفاقه القدامى وأسرهم
هؤلاء يلعبون أحيانا دور مستشار النظام الخفي, بيد أن القذافى استدرك الأمر وعين ابنه الأوسط المعتصم القذافى مستشارا للأمن القومي وهو منصب مستحدث نسبيا لم يكن له أي وجود في السابق.

قوة المعارضة الليبية
وسط السيطرة التامة للعقيد معمر القذافى على الشئون الداخلية فى ليبيا ،بدت المعارضة الليبية في الخارج متمسكة بمبدأ عدم قبول أي تدخل عسكري لتغيير النظام في الداخل ورفضت كما يقول معارض ليبي بارز ربط نفسها بأي أجندة خارجية مفضلة خيار التغيير السلمي ومعتمدة على مكانتها المادية المحدودة.
ولم يترك القذافى معارضيه في الخارج وخاصة في الدول العربية من دون مضايقات أو محاولة لاستمالتهم إلى جانبه مجددا, واقتضى الحفاظ على علاقاته مع هذه الدولة أو تلك في بعض الأحيان تسليم المعارضين أو حرمانهم من ممارسة أي نشاط سياسي ما جعل المعارضة الليبية في نهاية المطاف منزوعة السلاح.
من لم يعد بسيف المعز عاد هذه المرة بذهبه عبر وساطات نشطة لسيف الإسلام الذي نجح في قناع عشرات المعارضين بالعودة إلى أرض الوطن آمنين مطمئنين ولكن إلى حين, حيث تعرضت عودة بعض هؤلاء إلى انتكاسة صاحبتها عملية اعتقالهم لبعض الوقت كما في حالات كثيرة .ومن هنا يبدو سيف كشخص مخلص حتى للمعارضة .
' معارضو النظام إما في السجن أو في الخارج, هناك لا شيء سوى النظام والنظام فقط ' تلك خلاصة تجربة دبلوماسى غربي أمضى نحو خمس سنوات في ليبيا, وأكدتها لاحقا نتائج الاستطلاع الاكترونى الذي المشرفون على موقعي 'منتدى ليبيا للتنمية البشرية والسياسية' و'الشفافية ليبيا' عبر شبكة الانترنيت حول 'قضايا التغيير وإعادة بناء ليبيا الديمقراطية
وعكست النتائج بصدق الحالة الغالبة التي ما زالت تسيطر على الليبيين، وهي أن النظام ما زال هو الأقوى في هذه المرحلة، فكانت نسبة القائلين بأن الطرف الأقوى هو النظام والقوى الموالية له (35.40 %)، ولم تحصل كل القوى الأخرى على أي نسب ذات معنى، فكانت نسبة القبائل (13.70 %)، والمثقفين والأكاديميين (11.11 %)، ونشطاء المجتمع المدني (10.34 %). وربما تحمل هذه النتائج دلالة مهمة على انخفاض نسبة المؤيدين لخيار العسكريين ( 3.88 %)، وهذا يعكس صورة صادقة لمكانة العسكريين في الوقت الحاضر، وهي مكانة في غاية الضعف، ولا شأن لها, أما قوى المعارضة الليبية فجاءت نسبتها مقاربة لغيرها من القوى في الضعف والتدني .
'وتبدو صورة الحكم فى ليبيا هكذا هى دولة تعانى من فوضى منظمة, يتحكم فيها رجل واحد بمساعدة بعض أبنائه والمقربين', مقولة لصحفي غربي زار ليبيا الشهر الماضي وعاد ليتحدث عن نفوذ رجال الخيمة وهو تعبير يقصد به هؤلاء المسئولين الأكثر قربا وحظوة لدى القذافى والمسموح لهم بدخول خيمته البدوية في أي وقت. عددهم ينقص ويزيد حسب الظروف, لكنهم في كل الأحوال ليسوا أكثر من عشرة أشخاص بمن فيهم موسى كوسة وعبد الله السنوسى وهما من قيادات المخابرات الليبية, بالإضافة إلى احمد وسيد قذاف الدم أبناء عمومة القذافى, وآخرون.
ما بين رجال الخيمة وحرصه على اكتساب شرعية جديدة, وما بين علاقته المتفاوتة مع حركة اللجان الثورية يكمن مصير سيف الإسلام وربما نظام والداه بكامله, فمستقبل ليبيا يتوقف كما يرى رئيس تحرير صحيفة ليبيا اليوم على اعتماد مبادرة سيف الإسلام كخيار رسمي للدولة وبرعاية القذافي الأب, كبديل عن الخطابات الجماهيرية الصاخبة المفعمة بالوعود الوردية غير الحقيقية، بينما تسحق معاناة العيش ومرارة تفاصيل الحياة اليومية رجل الشارع العادي

صراع الحرس القديم والجديد
كتعبير عن الصراع بين لمدرستين القديمة ،والحديثة أو رجال الحرسين القديم والجديد, تابع الليبيون باندهاش كبير الهجوم الحاد الذى شنه الدكتور شكرى غانم رئيس الحكومة الليبية السابق والمسئول الأول حاليا عن قطاع النفط فى ليبيا ضد أحمد ابراهيم وزير الاعلام الليبى الأسبق وأحد أبرز المقربين من الزعيم الليبى العقيد معمر القذافى واتهمه بالجهل وعدم الفهم فى الأمور الاقتصادية.
وينظر الليبيون الى أحمد ابراهيم الذى شغل عدة مناصب حكومية مهمة منها حقيبة الاعلام والثقافة فى التسعينات , على أنه أحد ابرز رجال الحرس القديم الذى مازال يناوىء الاتجاهات الاصلاحية فى مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية.
واشتهر ابراهيم الذى ينتمى الى الدائرة الضيقة المحيطة بالعقيد القذافى وعائلته, بتحريمه تدريس اللغات الأجنبية فى المدارس الليبية , علما بان المعارض الليبى الراحل فتحى الجهمى كان قد ربح ضده دعوى قضائية أمام القضاء الليبية لالغاء هذا القرار.
بيد أن الدكتور شكرى غانم كان له رأى مخالف وجرىىء للغاية, حيث قال ' أولا هنا علاقات النسب وغيرها لا تنفع هذه لغة قديمة لم يعد لها مكان, الان الانسان الذى يبحث عن مصلحة البلاد يعتمد الأسلوب والمنطق العلمى ونقاش ذوى الاختصاص ولا يدلى بدلوه الا من يفهم والا هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون.
يشار الى أن غانم كان قد تخلى نهاية العام الماضى عن منصبه كرئيس لمؤسسة النفط الليبية اثر خلافات حادة مع الدكتور البغدادى المحمودى الذى خلفه فى رئاسة الحكومة الليبية, لكن مساعى الوساطة التى قام بها المهندس سيف الاسلام النجل الثانى للزعيم الليبى العقيد معمر القذافى قد نجحت فى اعادة غانم الى منصبه مؤخرا.
وغانم المولود فى 9/10/1942 متزوج وله ابن وثلاث بنات,علما بأنه حاصل على دكتوراه في الاقتصاد من مدرسة فلتشر فى العاصمة الأمريكية واشنطن عام 1975
وتولى غانم الذى بدأ حياته المهنية كنائب لرئيس التحرير بوكالة الأنباء الليبية الرسمية, رئاسة الحكومة الليبية لمدة ثلاث سنوات هى الفترة الواقعة مابين عامى 2003 و2006
المنارة
خالد محمود: كلنا شركاء


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.