غزة:موكب مهيب مزين بالأعلام الفلسطينية والتركية جاب شوارع قطاع غزة بدءً من معبر رفح قبل أن يحط أوزاره في حي الزيتون وهو يقل على متنه وفاء الدهشان "أم محمد" (44 عاماً) بعد أن فُقدت أثارها لمدة 6 أيام متواصلة.تلك المواطنة التي تعاني من مرض سرطان القولون المتقدم مرَّت بمغامرة هي أشبه بالروايات التي يستوحيها الكتاب من وحي الخيال، لكنها رواية شُبعت بالمآسي والمعاناة بعد أن فقدها زوجها أحمد الدهشان (46 عاماً) وعاد إلى غزة بدونها. وبعد أن قضت "أم محمد" فترة علاج لمدة 6 أشهر منذ يناير/كانون الثاني 2010، في مستشفيات تركيا كان لها ولزوجها القرار العودة إلى قطاع غزة من خلال معبر رفح، جنوب قطاع غزة. تقول أم محمد وقد بدت منهكة: "السلطات المصرية لم تسمح لي بعبور غزة أنا وزوجي، وطلبوا مني الرجوع إلى تركيا والرجوع إلى السفن التركية وهم يعلمون أنني مريضة". وبهذا المطلب شاء لها القدر أن تكون إحدى الناجيات التي شاهدن مذبحة الحرية على متن أسطول الحرية وبالتحديد على ظهر سفينة "مرمره" بعد أن ضاقت بها السبل للوصول إلى غزة، فتوجهت إلى مؤسسة الإغاثة التركية وسجلت اسمها وزوجها لتأتي على متن الأسطول. "أم محمد" التي وصلت بيتها مساء، أمس، بعد فقدان أسرتها لها قد أعادت الحياة من جديد لأسرتها التي أنهكها طول الانتظار عن أمٍ قد يباغت المرض حياتها في أي لحظة. ما أن سمع دوي أصوات السيارات التي تكوَّن منها الموكب المهيب حتى وقف من كان يجلس تحت خيمة الانتظار من المقربين والمهنئين بالسلامة، ودَّوت زغاريد الفرح أمام منزلها الكائن في حي الزيتون. "فلسطين" بعد أن شاركت "أم محمد" وعائلتها فرحة الوصول إلى بيتها المتواضع أنصتت إلى قصتها على متن الأسطول البحري الذي ضمَّ متضامنون مدنيين من 40 دولة بينهم برلمانيون وناشطون سلام. انطلاق الأسطول بينما بدأ الأسطول البحري يمخر عباب البحر المتوسط كان المتضامنون يتوقون إلى اللحظات التي ترسو فيها السفن في ميناء غزة ليعود من كان غائباً عن ذويه إليهم، ويضع المتضامنون أقدامهم في غزة التي أهلكها الحصار المفروض منذ 4 أعوام. كانت أم محمد التي تتأوه ألماً من مرضها ما زالت حتى هذه اللحظة تعاني منه، تُراقب كما المتضامنين عن كثب الأنباء التي تحدثت عن نية البحرية الإسرائيلية اقتحام الأسطول البحري، حيث أنها كانت على متن سفينة "مرمره" التركية، والأكبر ضمن أسطول الحرية. لكن تلك الأنباء لم تكن قادرة على أن تعكر صفو رحلة "أم محمد" والمتضامنين الذين غلبت على أجوائهم عزيمة مواصلة المشوار عبر الأبيض المتوسط لكسر الحصار المفروض على غزة. شعرت "أم محمد" وهي على متن "مرمره" وكأنها بين ذويها في قطاع غزة نتيجة حفاوة المعاملة الخاصة والتي حظيت بها من قِبل المتضامنين وخاصة "الأتراك". تضيف أم محمد بينما كانت تحتضن أصغر أنجالها داخل بيتها بغزة "كنت في الطابق الأول من سفينة داخل قسم خاص بالنساء على متن سفينة مرمره، وكان بعض المتضامنات يعلمون ممرضات وهن جاهزات للتعامل مع أي طارئ". بعد مرور ساعات باغتت البحرية الإسرائيلية الأسطول البحري على بعد 130 كيلو متر من شواطئ غزة، بمشاركة عناصر من وحدة "الكوماندوز الإسرائيلي" المدججين بأعتى الأسلحة لا سيما الطائرات التي نفذت عمليات الإنزال لجنود " الكوماندوز" على ظهر سفينة مرمره. بعد أن أخذت أم "محمد" نفساً عميقاً حاولت خلاله أن تستجمع قواها قبل أن تقول: "عندما بدأ إطلاق النار خرجت أنا والعديد من النساء إلى الطابق العلوي حيث الجنود الإسرائيليين". تصف المواطنة الدهشان مشهد جسدَّ معنى الشراسة التي يتمتع بها الجيش الإسرائيلي، قائلة: "بعد أن أطلقوا النار بشكل مباشر على أحد المتضامنين من مسافة قصيرة جداً قاموا بحمله ورميه في البحر، وقد رأيت هذا المشهد بعيني"، فيما تمت السيطرة الكاملة من قِبل (إسرائيل) على الأسطول المدني. وراح ضحية عملية القرصنة البحرية "رياح السماء" 9 متضامنين بينهم 8 أتراك كانوا على متن سفينة "مرمره" والتي قلَّت مساعدات إنسانية إلى سكان قطاع غزة. عقب عملية القرصنة لم يرأف جيش الاحتلال الإسرائيلي بالمرأة التي تحمل داخل جسدها مرض من أخطر الأمراض التي عرفتها البشرية، ولم يبدِ جنود الاحتلال أي احترام لها علماً بأنهم كانوا يعرفون بمرضها الفتاك، وقاموا بتكبيل أيديها كما باقي المتضامنات. وأردفت الدهشان" بالقول: "بعد أن سيطروا على السفن البحرية تم أخذنا إلى ميناء أزدود، وخضعنا لعمليات تفتيش ولم يرحموا الناس المرضى، وكان النساء في قسم خاص ولا يوجد اتصالات، وقاموا بعد ذلك بترحيل البعض منا". مرت ساعات وما زالت الدهشان تنتظر اللحظة التي يُفرج عنها لتعود إلى ذويها وهي تحمل جرعة دواء للسرطان بقيمة 1000 دولار، ليأتي بعد ذلك دورها في الترحيل مجدداً إلى دولة تركيا. وتابعت "جاء دوري بالترحيل ، وعند بوابة الطائرة في مطار (بنغوريون) تم سحب جرعة الدواء التي أحضرتها من تركيا بقيمة 1000 دولار، ووصلت تركيا ومن هناك انطلقت إلى غزة". الدهشان التي مرت بقصة تنوعت فصولها المليئة بالمأساة والمعاناة ما زالت حتى اللحظة تعاني من مرض السرطان في القولون، فيما يظهر في عينيها بريق أمل بالتعافي من هذا المرض لتكمل حياتها وسط أسرتها المكونة من 14 فرداً. وحلت الفرحة من جديد وسط بيت المواطنة الدهشان بعد وصولها، فتارة يمسك عبد الله (7 أعوام) بيد والدته أم محمد ويقبلها ومن ثم يحضنها، وتارة تزاحم الطفلة ريم الحضور لتحظى بمكان قريب من والدتها تجلس فيه وتتأملها بعد أن رحلة علاج لمدة 6 أشهر قضتها في تركيا وانتهت بمشاهدة "مذبحة الحرية".