تعتمد دول المصب مصر والسودان على نهر النيل أعتمادا كاملا ، أو كبيرا في حالة السودان، في الرى ومياه الشرب وتوليد الطاقة. والاتفاقية الاخيرة بين عدد من دول المنبع هي تنزانيا ، رواند ، يوغندا واثيوبيا، بينما تخلفت مصر والسودان عن التوقيع عليها ، تشكل هذه الاتفاقية خطرا على الامن المائي لمصر والسودان. وتضع الاتفاقية حدا لانفراد مصر بأخذ نصيب الاسد من مياه هذا النهر، والذي صار في عداد الحقوق التاريخية بالنسبة لها. تحاول مصر الآن تدارك الامر بالاتجاه نحو الاستثمار في دول حوض النيل وذلك لاجل تحقيق نفوذ يساعد في تعزيز مركزها وضمان حصتها من المياه. فهل يجدي نظام توزيع حصص المياه بشكل عادل؟ وهل تستطيع مصر الدخول في حرب لاجل ضمان حصتها من المياه؟ وما هي الصيغة المثلى لاستثمار مياه النيل بشكل مشترك بين دول الحوض في وقت بدأ الجفاف يصيب منابعه؟ اسئلة وجهتها اذاعة هولندا العالمية للدكتور محمود الزين حامد الاستاذ الجامعي والخبير في الموارد المائية.
تغير الواقع السياسي، الديموغرافي والمناخي منذ توقيع اتفاقية مياه النيل الاولى بين مصر والسودان في العام 1929 في وقت كانت فيه دول المنبع الافريقية ترزح تحت الحقبة الاستعمارية ولم تكن بالتالي طرفا في هذه الاتفاقية. ثم اتفاقية مياه النيل الثانية في العام 1959 والتي لم تأخذ فيها دول المنبع أي نصيب من المياه بنص الاتفاقية. والآن بالنمو السكاني الحادث في هذه الدول، والجفاف الضارب الناجم عن التغيرات المناخية اضافة لحاجة هذه الدول لمصادر طاقة رخيصة يمكن توليدها من المياه ، هي كلها عوامل دفعت بهذه الدول في المطالبة بحقها في استثمار مياه النيل لاطعام شعوبها ولتحقيق التنمية.
انعدام الثقة
ظلت دول حول النيل تعمل منذ العام 1999 للوصول الى صيغة تتيح تقاسم مياه النيل والاستفادة منها بشكل متوازن يراعي مصالح جميع الاطراف، دول المنبع ودول المصب . تمخض هذا المجهود عن صياغة مشروع اتفاقية جديدة رفضت مصر والسودان التوقيع عليها مما اغضب بقية دول حوض النيل السبعة التي قررت من جانبها المضي قدما في الاتفاقية من جانب واحد . وهي اتفاقية تعطي هذه الدول نفس الحقوق التي لمصر في مياه النيل. في وقت يزداد فيه عدم الثقة بين مختلف الاطراف. فيوغندا من الدول التي تتتمركز فيها منذ العام 1929 وحدة مصرية مقيمة في منطقة جينجا لقياس منسوب النيل الابيض على مدار العام ، قامت بطرد هذه البعثة في نهاية العام الماضى لان المصريون يرفضون تقاسم المعلومات التي يجمعونها مع السلطات اليوغندية.
مشاريع
أثيوبيا تعمل على تنفيذ مشاريع سدود لمياه الري، ويوغندا تعمل على بناء محطة للتوليد المائي في منطقة بوجاغالي على النيل الابيض، كما تعمل كينيا التي أعلنت عن عدم إعترافها بإتفاقية مياه النيل للعام 1929 ، على تنفيذ مشاريع الري الخاصة بها. كل هذه المشاريع مجتمعة تستخدم حوالى 10 مليار متر مكعب من المياه.
أثر مثل هذه المشاريع ومشاريع أخري في طور الدارسة سيكون وخيما على السودان ومصر حيث سينخفض منسوب النيل بشكل كبير. الشئ الذي دفع مصر بالقول على لسان أحد مسئوليها بأن المنطقة ستقف على حافة حرب. وهو الشئ الذي ظلت مصر تردده مرارا، فهل يمكن أخذ مدلولات هذه اللغة مأخذ الجد؟ السؤال وجهناه للدكتور محمود الزين حامد الخبير في الموارد المائية والاستاذ بجامعة السلام في كوستاريكا. يقول محمود بأن النيل هو شريان الحياة بالنسبة لمصر وأن ما تقوله مصر يجب أن يؤخذ مأخذ الجد بالطبع ، ولكن الى أي حد يعتبر التهديد بالحرب أمرا واقعيا؟ فمصر من ناحية عملية لا تستطيع الدخول في حرب مع أي دولة أفريقية دون الاستعانة بالسودان، والسودان ليس من مصلحته الدخول في حرب مع كل هذا العدد من جيرانه الافارقة مثل اثيوبيا ، كينيا ويوغندا لاجل مصر. اضافة لعامل آخر يتمثل في احتمال ولادة بلد جديد ينضاف لمجموعة حوض النيل حالة انفصال جنوب السودان أثر الاستفتاء المزمع اجراؤه في نوفمبر المقبل. أمر مثير للقلق بالنسبة لمصر رغم أن كميات المياه الواردة من النيل الابيض لا تمثل الا جزءا ضئيلا من اجمالي مياه النيل بفرعيه الابيض والازرق. هنالك العوامل البيئية ايضا المتمثلة في بوادر الجفاف التي بدأت تظهر على بحيرة فكتوريا مقرونة بإزالة الغطاء النباتي في مسحات شاسعة في هذه المنطقة ، وتأثير التغيرات المناخية والازدياد المضطرد لسكان دول حوض النيل. هى عوامل تجعل الطلب على المياه ملحا مما يزيد الضغط على هذا المورد المائي.
تكتل
مياه النيل سوف لن تكفي ، حتى وإن ضاعفناها ثلاث مرات، يقول الدكتور محمود الزين الذي ينعى على دول الحوض انتهاج سياسات خاطئة باهمال موارد المياه المطرية والجوفية ومحاولة استثمارها بالشكل المناسب. غياب الرؤية والتخبط في ابتداع سياسات متوازنة بشأن ا لموارد المائية هي من الاسباب التي أدت الى التركيز السكاني على حوض النهر والاعتماد عليه بشكل كامل وهو إتجاه سيزيد من صعوبة اعادة التخطيط وتوزيع السكان وفق الموارد المائية الاخرى ومنها المطرية.
أما عن صيغة الاتفاق وتوزيع الحصص بشكل عادل ومتوازن بين دول حوض النهر، فيرى محمود الزين بأنها صيغة قديمة تجاوزها الزمن و لا تساعد كثيرا في حل المشكل، مشيرا الى وجوب التعاون التنموى والاقتصادي بين دول حوض نهر النيل التي يجب عليها التكتل والتكامل في حقبة تشهد تكتلات اقليمية كثيره لاجل تحقيق النمو التنموي والاقتصادي والمنافسة في السوق العالمية، وهي اشياء لا تستطيع دول الحوض بشكل منفرد تحقيقها. إبراهيم حمودة - إذاعة هولندا العالمية