أياً تكن النتيجة التي ستؤول إليها المواجهات القائمة حاليا بين عناصر جيش المهدي التابعة للتيار الصدري ، وبين القوات الحكومية مدعومة من القوات الأمريكية ، فإن المؤكد أن التيار يعيش منعطفاً حرجاً ، لا سيما بعد مسلسل الانتكاسات والضغوط التي تعرض لها وأفضت إلى قرار السيد مقتدى الانعزال لإكمال الدراسة ، وليس الاعتزال كما قيل. منذ ظهوره مع مجيء الاحتلال برز التيار الصدري كعنصر إثارة في اللعبة السياسية برمتها ، ليس في سياق علاقته المتقلبة مع الاحتلال ، بل أيضاً في سياق علاقته مع سائر القوى الشيعية في الساحة ، وقبل ذلك مواقفه من العرب السنة ، ودور جيشه المهدي في عمليات القتل الطائفي. من الواضح أننا إزاء عملية تحجيم ، بل ربما تركيع للتيار تتواطأ فيها دوائر مختلفة بأهداف متباينة ، على رأسها الطرف الأمريكي ، إلى جانب الأطراف الشيعية التي تتصدر العملية السياسية. وفي حين يبدو نوري المالكي هو رأس الحربة ، فإن هدف الرجل الأساسي لا يعدو إثبات أهليته للمنصب الذي حصل عليه بلعبة حظ: وللمفارقة بدعم نواب التيار الصدري. نقول ذلك لأن المساحة السياسية والشعبية التي يشغلها التيار الصدري لن يرثها حزب الدعوة الذي يتزعمه المالكي ، بل ستؤول إلى أطراف أخرى أكثر فاعلية في الساحة ، ومن بينها المجلس الأعلى وحزب الفضيلة. الأمريكان يريدون رأس التيار الصدري ، وأقله تحجيمه إدراكا منهم لإمكانية توظيفه من قبل الدوائر الإيرانية ضد القوات الأمريكية في حال ضرب إيران ، خلافاً للقوى الأخرى التي تملك القابلية لبيع حليفها الإيراني مقابل مكاسب سياسية في الساحة العراقية ، ولا شك أن العلاقة الخاصة بين حزب الله والتيار الصدري تثير حساسية بالغة في الدوائر الأمريكية التي لم تتخل عن فكرة ضرب إيران رغم تقرير الاستخبارات الشهير ، الأمر الذي أكدته جولة ديك تشيني الأخيرة. بالنسبة للمجلس الأعلى الذي يتصدر الائتلاف الشيعي يمكن القول إن النفوذ هو هدف حربه المعلنة على التيار الصدري ، لاسيما بعد إعلان الأخير نيته المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات التي يأمل المجلس أن تكون مقدمة لتنفيذ مشروع فيدرالية الوسط والجنوب ، لا سيما أن الأمريكان لم يعودوا يتحفظون كثيراً عليها ، الأمر الذي ينطبق على بعض القوى العربية السنية المنضوية في العملية السياسية ، وإن لم تعلن موقفها صراحة حتى الآن ، وقد نقل عن أحد زعماء تلك القوى قوله إن دوائر أمريكية قد أخبرته بتوفر كميات من الغاز في مناطق العرب السنة،، هكذا يمكن القول إن دوائر عديدة قد تواطأت ضد التيار الصدري ، أكانت من تلك التي تريد الاستئثار بالنفوذ والثروة النفطية في الجنوب ، لاسيما في البصرة التي تتمتع بالجزء الأكبر من النفط العراقي ، أم من تلك التي يعنيها الجانب السياسي والأمني ، كما هو حال المالكي ومعه الأمريكان ، وفي حين تبدي دوائر (المراجع) حساسية خاصة حيال التيار وزعميه الشاب الساعي إلى وراثة مرجعية أبيه ، فإن النتيجة هي أن ظهر التيار غدا مكشوفاً إلى حد كبير ، لاسيما أن إيران لن تتدخل مباشرة من أجل نصرته ، وبالطبع حتى لا تغامر بتصعيد المعركة مع الأمريكان من جهة ، وحتى لا تغامر بخسارة الحلفاء الآخرين من جهة أخرى ، هي التي لن تيأس من ولائهم حتى لو أدركت قابليتهم العالية لبيعها مقابل مكاسب سياسية وشخصية. على أن ذلك كله لن يفقد التيار الصدري شعبيته ولا أهميته ، والسبب أنه ليس حزبا بهيكلية واضحة يمكن شطبها ، ولا جيشاً سيتفرق وينتهي أمره ، بقدر ما هو تيار شعبي يسهل تجميعه من جديد ما دام الزعيم موجوداً ، ما يعني أنه من دون التخلص من مقتدى الصدر نفسه ، فإن محاولات الشطب ستبوء بالفشل حتى لو حققت بعض النجاحات ، أكان من خلال الاستهداف المباشر ، أم من خلال العبث بأحشاء التيار الداخلية. Date : 30-03-2008