سنة 2023 : عدد زوّار تونس بلغ 9.370 مليون سائح أي بزيادة بنسبة 45،5 بالمائة    الطلبة التونسيون يتحركون نصرة لفلسطين    نادي تشلسي الإنجليزي يعلن عن خبر غير سار لمحبيه    تعرّض سائق تاكسي إلى الاعتداء: معطيات جديدة تفنّد روايته    بن عروس : تفكيك وفاق إجرامي مختص في سرقة المواشي    السنغال تعتمد العربية لغة رسمية بدل الفرنسية    فيديو : المجر سترفع في منح طلبة تونس من 200 إلى 250 منحة    الرابطة الأولى: تفاصيل بيع تذاكر مواجهة النادي الإفريقي والنادي الصفاقسي    التونسيون يستهلكون 30 ألف طن من هذا المنتوج شهريا..    عاجل : وزير الخارجية المجري يطلب من الاتحاد الأوروبي عدم التدخل في السياسة الداخلية لتونس    مليار دينار من المبادلات سنويا ...تونس تدعم علاقاتها التجارية مع كندا    رئيس الجمهورية يلتقي وزير الشؤون الخارجية والتجارة المجري    الرابطة الأولى: تعيينات مواجهات الجولة الثانية إيابا لمرحلة تفادي النزول    عاجل : تأجيل قضية رضا شرف الدين    إنهيار سد يتسبب في موت 42 شخصا    عاجل/ حادثة إطلاق النار على سكّان منزل في زرمدين: تفاصيل ومعطيات جديدة..    بنزرت: طلبة كلية العلوم ينفّذون وقفة مساندة للشعب الفلسطيني    "بير عوين".. رواية في أدب الصحراء    بعد النجاح الذي حققه في مطماطة: 3 دورات أخرى منتظرة لمهرجان الموسيقى الإلكترونية Fenix Sound سنة 2024    وزير الخارجية الأميركي يصل للسعودية اليوم    منوبة: تقدّم ّأشغال بناء المدرسة الإعدادية ببرج التومي بالبطان    الحماية المدنية: 17 قتيلا و295 مصابا في ال 24 ساعة الماضية    نشرة متابعة: أمطار رعدية وغزيرة يوم الثلاثاء    سليانة: 4 إصابات في اصطدام بين سيارتين    17 قتيلا و295 مصابا في ال 24 ساعة الماضية    عاجل/ تعزيزات أمنية في حي النور بصفاقس بعد استيلاء مهاجرين أفارقة على أحد المباني..    كأس الكونفدرالية الافريقية : نهضة بركان المغربي يستمر في استفزازاته واتحاد الجزائر ينسحب    قيس الشيخ نجيب ينعي والدته بكلمات مؤثرة    تصل إلى 2000 ملّيم: زيادة في أسعار هذه الادوية    ما حقيقة انتشار "الاسهال" في تونس..؟    تونس : ديون الصيدلية المركزية تبلغ 700 مليار    جائزة مهرجان ''مالمو'' للسينما العربية للفيلم المغربي كذب أبيض    بعد مظلمة فرنكفورت العنصرية: سمّامة يحتفي بالروائية الفسطينية عدنية شبلي    هام/ بشرى سارة للراغبين في السفر..    زلزال بقوة 4.6 درجات يضرب هذه المنطقة..    الرابطة الأولى: برنامج مباريات الجولة السادسة لمرحلة التتويج    زيارة ماسك تُعزز آمال طرح سيارات تسلا ذاتية القيادة في الصين    يوميا : التونسيون يهدرون 100 مليار سنويا    دكتور مختصّ: ربع التونسيين يُعانون من ''السمنة''    غوارديولا : سيتي لا يزال أمامه الكثير في سباق اللقب    خط جديد يربط تونس البحرية بمطار تونس قرطاج    عاجل/ تفكيك شبكة مُختصة في الإتجار بالبشر واصدار 9 بطاقات إيداع بالسجن في حق أعضائها    معز السوسي: "تونس ضمن القائمة السوداء لصندوق النقد الدولي.."    ثمن نهائي بطولة مدريد : أنس جابر تلعب اليوم ...مع من و متى ؟    بطولة ايطاليا : رأسية أبراهام تمنح روما التعادل 2-2 مع نابولي    طقس الاثنين: تقلبات جوية خلال الساعات القادمة    حزب الله يرد على القصف الإسرائيلي ويطلق 35 صاروخا تجاه المستوطنات..#خبر_عاجل    عملية تجميل تنتهي بكارثة.. وتتسبب بإصابة 3 سيدات بالإيدز    كاتب فلسطيني أسير يفوز بجائزة 'بوكر'    البنك التونسي للتضامن يحدث خط تمويل بقيمة 10 مليون دينار لفائدة مربي الماشية [فيديو]    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    وزير السياحة: عودة للسياحة البحرية وبرمجة 80 رحلة نحو تونس    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حروب ما بعد السلام : دكتور أحمد محمد المزعنن
نشر في الفجر نيوز يوم 12 - 06 - 2010

(وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ۚ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ۘ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ۚ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا ۚ وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۚ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ ۚ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ۚ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ.) ( المائدة 64)
(لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ.) ( المائدة 82 )
مقدمة تاريخية
بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها بهزيمة دول المحور الثلاث:اليابان القومية (القوة الإمبراطوية المسيطرة في شرق آسيا) وألمانيا النازية(نسبة إلى الحزب النازي أي القومي أو الوطني بزعامة الفوهرر أدولف هتلر) وإيطاليا الفاشية،(نسبة إلى الحزب الفاشي أو فاشستي دي كومبانتي بزعامة الدوتشي بنتو موسوليني)،هزمها تجمع دولي جمع أكبر نقيضين أيديولوجيين آنذاك،الأول يجمع أساطين الرأسمالية الإمبريالية من بقايا الإمبراطوريات الاستعمارية في أوروبا الغربية مع الولايات المتحدة،والثاني الاتحاد السوفييتي قائد الحركة البلشفية الإشتراكية الثورية،وزعيمم الكتلة الشرقية أو كتلة الستار الحديدي.
خرجت أوروبا (المنتصر والمهزوم كلاهما) مدمرة تقريبًا،واليابان مذهولة تلعق جراح كرامتها من هول ما جنتْه عليها أول قنبلتين نوويتين في التاريخ الإنساني أُسقطتا فوق مدينتي هيروشيما ونجازاكي،ثم ما لبث الحلفاء الألداء الذين هزموا دول المحور الثلاث أن اختلفوا على توزيع الأسلاب واقتسام الغنائم،فانقسم عالم ما بعد الحرب إلى كتلتين متناقضتنين في الفلسفة الاقتصادية والنظام الاجتماعي والسياسي وفي الوسائل والغايات،وقادت الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تتأثر كثيرًا بنتائج الحرب ومآسيها قياسًا على الدول الأخرى؛والسبب هو أنها حاربت خارج أراضيها،وبدت كقوة عظمى تمسك بزمام العالم الغربي الرأسمالي،وتنظيمه العسكري حلف شمال الأطلسي أو الناتو NATO،في مواجهة الاتحاد السوفييتي زعيم الكتلة الإشتراكية أو دول الستار الحديدي،كما كان يطلق عليه وعلى حلفائه،وتنظيمهم العسكري الذي يجمعهم حينئذٍ هو حلف وارسو،عاصمة بولندا التي كانت من نصيب الكتلة الشرقية،بعد هزيمة ألمانيا النازية.
وهنا في المشرق العربي نجحت بريطانيا القوة الاستعمارية المهيمنة والمحتلة لمعظم بلاده في ترتيب الأوضاع في تلك البلاد بطريقة تضمن نجاح خطتها في تنفيذ وعد بلفور الذي قطعته للحركة الصهيونية في 2نوفمبر 1917م،وقامت بتهيئة السبل لتجميع اليهود في دولة أطلقوا عليها اسمًا خادعًا يحمل دلالة ورمزًا دينييْن هو(إسرائيل وهو الاسم القرآني لنبي الله يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم على نبينا وعليهم الصلاة والسلام)وانسحبت بريطانيا من فلسطين في 15مايو 1947م لتسلم حماية الكيان اليهودي الجديد للدولة الغربية المهيمنة الجديدة التي يسيطر عليها اليهود وهي الولايات المتحدة الأمريكية1948م،ومن قبل ذلك أقام البريطانيون للهاشميين القادمين من الحجاز إمارة باسم إمارة شرق الأردن سنة 1424م ،ثم ما لبثت أن تحولت إلى مملكة عندما طرد اليهود شعب فلسطين،ليصبح جزءًا من شعب هذه الدولة الناشئة المستحدثة،إلى جانب القبائل العربية التي تستوطن هذه المنطقة من شمال الجزيرة العربية،وهي ألسنة إثنية وثقافية للقبائل الأصلية من الفرعين العربيين العظيمين:عدنان وقحطان،أو عرب الشمال وعرب الجنوب،سكان جزيرة العرب منذ الأزل،وإلى جانبهم بعض الأقليات من شعوب وإثنيات مختلفة ذابت في المجتمع،وتشكلت منهم المملكة الأردنية الهاشمية على ضفتي نهر الأردن أو نهر الشريعة(الضفة الغربية وهو جزء من أرض فلسطين،والشرقية الميدان الجديد الباقي من تراث الهاشميين)،ونهر الشريعة هو الاسم التاريخي الحقيقي لنهر الأردن،وهو من تشريع الماشية أي أخذها إلى الماء لترتوي من النهر،حيث إن هذا النهر هو المجرى المائي الوحيد دائم الجريان في المنطقة المعروفة بالغور من أرض فلسطين التاريخية.
ولا شكَّ في أن الزعامات الأوروبية وتحديدًا البريطانية منها والتي كانت ظاهرة ومتنفذة ومحركة للقوى على مسرح الأحداث في المشرق العربي في ذلك الحين،وكذلك اليهود الشيوعيين والاشتراكيين الأيديولوجيين الذين كانوا يحركون الدُّمى على مسرح الاتحاد السوفييتي الشيوعي،والأنظمة التابعة له في بلدان أوروبا الشرقية،كانوا يدركون الهدف الرئيس من تجميع اليهود في فلسطين تحت ذريعة النجاة من أكذوبة وخرافة(الهولوكوست)أو المحرقة النازية المزعومة،ويعلمون تمامًا حقيقة الإفساد اليهودي الذي قاد الأوروبيين إلى تخريب بيوتهم بأيديهم في حربيين جنونيتين في أقل من ثلاثين سنة،أي في حياة جيل واحد فقط منهم،من عام 1914م،بداية الحرب العالمية الأولى إلى عام 1945م،نهاية الحرب العالمية الثانية.
إن ما أشيع في أعقاب الحرب العالمية الثانية من دعاوى زائفة للسلام كانت غلالة تستر موجة جديدة من الاستعمار النوعي،وإشعال فتيل حروب ما بعد السلام في بلاد خارج تراب الولايات المتحدة الأمريكية،فنشبت الحرب الكورية في شبه القارة الكورية التي قسمت الشعب الواحد إلى دولتين،وحاولت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الغربيون الإبقاء على النفوذ الاستعماري في الهند الصينية؛فاشتعلت حرب فييتنام،وبدأت سلاسل العدوان الاستعماري الغربي على المنطقة العربية مستخدمة اليهود الغزاة ككيان وظيفي لإضعاف العرب واستنزاف مواردهم وطاقاتهم،ومنع أي شكل من أشكال اللقاء والوحدة على المستوى القومي،إلا في حدود ما رسمته السياسة البريطانية الاستعمارية عندما أقامت الجامعة العربية لتصبح أداة تفريغ للآمال القومية،وبديلاً كرتونيًا عن أي مشروع وحدة أو اتحاد حقيقي.
ومن قبل كانت النخب اليهودية التي هربت من المحرقة في أوروبا التي سيطرت عليها ألمانيا النازية،وتمكنت من عبور الأطلسي بواسطة منظمات وعصابات منظمة اشتركت فيها أكثر من جهة حكومية وغير حكومية وكنسية في فوضى الحرب،قد استغلت جو الحرية في العالم الجديد(الاسم الكلاسيكي للأمريكتين)،واحتلت العناصر اليهودية المراكز المرموقة في الجامعات ومراكز البحوث التي ستصنع جيل سيطرة الثقافة اليهودية على الإدارات الأمريكية المتعاقبة،ومن ثَمَّ على الإعلام والاقتصاد وعلى الشعب الأمريكي ذي الأعراق المتعددة؛لتصبح أمريكا الحليف الأوحد للكيان الصهيوني المحتل لفلسطين،ولتقوم بدور خادع مخاتل تحت شعار عمليات السلام،عندما تظهر على الساحة الفلسطينية سلطة جواسيس أوسلو من ناقصي الأهلية الوطنية وأصحاب التدني الأخلاقي والضمائر الخربة.
المَعْلمُ الأساسي البارز في أي موقع يقوم النفوذ الأمريكي الداعم للكيان اليهودي بمهاجمته واحتلاله،فإن ما يصدر عنهما من سلوك إجرامي يكون محكومًا بمبدأ إستراتيجيٍّ رئيسيّ وثابت هو أن يباشرا في تدمير القوى الفاعلة في هذا البلد،وضرب قواه في بعضها،ولا تتقدم نحوه وحدها،بل تختار من الشعارات الإعلامية والإسترتيجية بما يتواءم مع أهدافها،ويخفي النية الحقيقية من حركتها الإفسادية.
وظنَّ العالم بتأثير الدعاية الأمريكية خاصة والغربية عامة أنهم قد وضعوا حدًّا لمآسي الحروب بإنشاء منظمة الأمم المتحدة في مؤتمر أممي عقد في مدينة سان فرانسسكو في غرب الولايات المتحدة الأمريكية عام 1945م،تلك المنظمة التي اختاروا لها مدينة نيويورك العاصمة الجديدة للمال والسياسة اليهودييْن لتكون مقرًا لها،وليصبح من السهل تحريك مجريات الأمور في المنظمة الدولية الجديدة والمؤسسات التابعة لها بالطريقة التي تخدم الأهداف اليهودية القريبة والبعيدة،وضبط إيقاع السياسات الدولية بطريقة تتناغم مع الترانيم اليهودية التي كان المتطرفون اليهود يعيدون صياغتها في ضوء حقائق التاريخ اليهودي الإفسادي،وخاصة عندما ينجحون في هزيمة جيران فلسطين في حروب مسرحية من طرف واحد في الأعوام : 1948م ،1956م ،1967م،ثم حرمانهم من جني ثمار دماء شهدائهم وعزائم أبطالهم في حرب أكتوبر 1973م المجيدة المعروفة بحرب العاشر من رمضان.
ومنذ إنشاء هذا الكيان اليهودي العنصري الاستعماري الإحلالي الغريب في فلسطين بدأت نُذُرُ الشر والإفساد اليهودي تطفو إلى السطح،وتصبح الطابع الغالب للأحداث التاريخية في المنطقة العربية،أولاً في المشرق،وبعد استقلال الجزائر وثورة الفاتح من سبتمبر في ليبيا عام 1969م دخلت بلاد المغرب حلبة الصراع مع هؤلاء اليهود الغزاة الأغراب،وعلى الرغم من أن الأنظمة العربية الرسمية كانت من البداية تروج ظاهريًا وإعلاميًا لرفض هذا الكيان الغريب،إلا أنها في الحقيقة ومن خلال مواقف واقعية حقيقية قد وطَّنتْ نفسها على قبوله والتكيف والتعايش معه كأمر واقع على الرغم من التناقض المبدئي الديني والسياسي والوطني والقومي والمعيشي مع هؤلاء اليهود الغزاة،وزاد ظهور هذه الحقيقة عنما أصبح التحالف مع الغرب الاستعماري بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية علاقة إستراتيجية لا فكاك منها،في البداية بحجة محاربة الشيوعية أو الإشتراكية ونفوذ الاتحاد السوفييتي السابق الذي جاء إلى المنطقة مع صفقات السلاح للدول الثورية آنذاك،ثم تدريجيًا أصبح حلفًا ضد أي نظام راديكالي يجرؤ على رفع شعارات القومية والوحدة والتغيير،وأخيرًا أصبح حلفًا حقيقيًا بين أمريكا الغازية لبلاد المسلمين واليهود والغرب عامة والخونة من الشعب الفلسطيني في سلطة أوسلو في رام الله،وأخيرًا من النظام الرسمي العربي بعد رفع شعار مبادرة السلام في مؤتمر القمة العربي المنعقد في بيروت عام 2002م.
سياق متتابع من الإجرام اليهودي
لا ينفصل ما قام به اليهود في المياه الدولية من عدوان إجرامي على المدنيين في سفينة مرمرة التركية المتجهة ضمن أسطول الحرية إلى قطاع غزة عن سياق السلوك اليهودي الإفسادي العام في الحقبة التاريخية التي أعقبت المؤتمر الصهيوني الذي انعقد في مدينة بال السويسرية في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي في سنة 1897م.
ويخطىء من يظن أن هذا العدوان السافر ينفصل عن سياق ما بعد المبادرة العربية للسلام التي أعلنها مؤتمر القمة العربي المنعقد في بيروت عام 2002م،وما التزم بها القادة العرب من الشروط التي قيدوا بها أنفسهم،ورفضها الصهاينة قبل أن يجف الحبر الذي كتبت به ولمّا يغادروا قاعة الاجتماعات آنذاك،حيث ارتكب الصهاينة مجزرة مخيم جنين،ودمروا منازله،وشردوا سكانه،وسلموه لسلطة االعملاء في رام الله للقيام ببقية المهمة في نزع سلاح المقاومة،ومطاردة المجاهدين.وسارت الأحداث التي وحدت الموقف العربي الرسمي المتبني لمبادرة السلام العربية مع الموقف اليهودي في تعريفه للأعداء والأصدقاء تحت مظلة النفوذ الأمريكي الذي ألقى بكل جيوشه وقواته بحجة الحرب على الإرهاب بعد أحداث 11سبتمبر 2001م.

من ثمار التنسيق الأمني متعدد الأشكال والمسميات
التنسيق الأمني بدعة جاءت بها اتفاقيات أوسلو المشؤومة بين سلطة الجواسيس في رام الله والعدو اليهودي المحتل،ولقد تعزز هذا المفهوم وأصبح قاعدة أصيلة في العمل العربي الرسمي منذ الاجتماعات العلنية لأجهزة المعلومات والممخابرات والأجهزة الأمنية العربية مع الأجهزة الأمريكية واليهودية وسلطة جواسيس أوسلو في اجتماع أسوان في جنوب مصر بضغوط من إدارة بوش آنذاك،والاجتماعات واللقاءات المتكررة في شرم الشيخ وفي أكثر من موقع على الساحة العربية،وأخطر ما فيها أن المجتمعين وهم ممثلو أنظمة رسمية عمموا مبدأ التطبيع مع اليهود،وربطوا أمنهم بأمن اليهود الصهاينة،على الرغم من أن الصهاينة لا يعتبرون أنفسهم في حالة سلام أو تعاون وإنما يتصرفون من منطلق العداء المتأصل في الشخصية الإجرامية اليهودية.
عندما تواردت أخبار الجريمة اليهودية في عرض البحر الأبيض المتوسط على قافلة الحرية،وتناقلت وسائل الإعلام المعلومات عنها رغم التعتيم الإعلامي المطبق وتبين أن هناك قتلى وجرحى كثيرين،لم يُخفِ الصهاينة قِطاف التنسيق الأمني مع سلطة أوسلو،فأعلن ناطق يهودي أن الكيان الإجرامي طلب من لجان التنسيق الأمني بينهم وبين سلطة جواسيس رام الله اتخاذ الإجراءات لضبط الأوضاع في مدن وقرى الضفة الغربية،وكأن هؤلاء الجواسيس في السلطة العميلة في حاجة إلى من يذكرهم بالدور الوظيفي الخياني لتلك السلطة العميلة وأجهزتها!
الأبعاد والدلالات الإستراتيجية للعدوان اليهودي على قافلة الحرية
1. المفارقة الكبرى
المعلومات الأليمة إلى درجة جرح الكرامة،والتي يعلمها الزعماء العرب،ويدرك أبعادها ودلالاتها عمرو موسى الأمين العام لما يُعرف بالجامعة العربية،وهي أغرب منظمة إقليمية لا تحترم نفسها،ولا تهمها سمعتها،وتمارس التدليس على شعوب أمتها.
المعلومات تلك تقول:إن اليهود الغزاة الصهاينة يتصرفون من واقع التفرد المطلق للسلطة على البحر الأبيض المتوسط الشرقي،والذي كان في يوم من الأيام بحيرة عربية إسلامية
وهو أيضًا جزء من الاستجابة الإجرامية الصهيونية على اللقاء التاريخي الذي جمع كلاً من البرازيل وإيران وتركيا،والذي خرج باتفاقية تبادل تخصيب اليورانيوم بين الدول الثلاث،والذي ربما فسره اليهود بأنه قد أربك خطتهم التي يعدون لها من خلال التضليل الإعلامي والتنسيق مع حليفهم الأمريكي والذي يرمون من ورائها ضرب إيران التي لم تعد خافية على من يتابع ما يقوم به اليهود على ساحة الإقليم،وعلى مستوى العالم من ترويج وتضخيم للدور الإيراني في المنطقة،ومن تململ من الدور التركي النشط الذي ألقى بثقل الشعب التركي في سياسات المنطقة أمام تراجع الدور العربي الفاعل
المفارقة الكبرى التي تذهل الجماهير العربية،ولا تجد لها تبريرًا ولا تفسيرًا هي الاتفاق التام بين الموقف الرسمي العربي والموقف اليهودي الصهيوني،هل يوجد في الحياة ما هو أنكى على نفس،وأدعى للغضب والاستغراب من موالاة عدو دينك وأمنك وأمتك وماضيك وحاضرك ومستقبلك؟وأي نظرية أو تجربة واقعية من تجارب الأمم والجماعات الإنسانية في أي حقبة من التاريخ وفي أي مكان على الأرض جمعت بين عدوين بينهما تاريخ طويل من الصراع الدامي؟وما جدوى رفع شعارات السلام مع عدو لا يوجد في أي خانة من خانات اهتمامه مجرد التفافة لكلمة واحدة مما احتوته المبادرة العربية؟وأي مصير ينتظر هذه الأمة التي تحترق شعوبها لنيل فرصة للانتقام من عدوها،بينما القادة والزعماء والمسؤولون الرسميون في كل المستويات يبررون ما لا يقبله عقل ،ولا يستقيم مع أي منطق؟
2 . الدور التركي الفعَّال
جاء رئيس الوزراء التركي الحالي السيد رجب طيب أردوغان والرئيس عبد الله غول وأركان حكمهما إلى الحكم بعد فوز حزبهم بأغلبية كبيرة في الانتخابات التشريعية،وفي أجواء قاتمة على الساحة العربية انسحبت فيها مصر من مجال القرار العربي الإستراتيجي بتاثير قيود معاهدة كامب ديفيد،ومثلها فعلت الأردن،واضطرت دول الخليج لمسايرة حالة الضعف بتكييف ظروفها مع الدعوة المصحوبة بضغوط إدارة بوش للتطبيع الشامل مع اليهود المحتلين دمن الحصول على أدنى نتيجة من عمليات التفاوض العبثي بين سلطة الجواسيس والعملاء والحكومات الصهيونية المتعاقبة،وفي ظل انشطار الموقف الفلسطيني الذي قاده محمد عبد الرؤوف القدوة (المعروف بياسر عرفات)ومحمود رضا عباس مرزا ومجموعة الحثالات التي صادرت منظمة التحرير وارتكست في رام الله تحت أحذية الجلادين اليهود،وفي ظل التنسيق الأمني معهم بطشوا بالمقاومة محتمين باسم منظمة فتح التي وقعت وثيقة الاعتراف المتبادل مع الكيان الصهيوني في انتظار حلم الدولة الفلسطينية بعيد التحقق،وطاردوا من يفكر مجرد تفكير في الرد على الجرائم اليهودية.
جاء حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم في تركيا بزخم هائل من التوجه الشعبي نحو الإسلام الذين كان جدودهم العثمانيون حماته لقرون عديدة،وكان على أردوغان أن يخوض حربًا ضروس ضد ممثلي العلمانية الذين يمسكون بتلابيب أصحاب القرار ويقبعون هناك في قيادة أركان واحد من أقوى الجيوش الكلاسيكية،وفي ظل علاقات تحالف وتنسيق وطيدة العرى مع الكيان اليهودي بتأثير الغضب المتراكم في النفوس على العرب الذين كانوا أحد الأسباب الرئيسية لهزيمة الدولة العثمانية بالتعاون مع بريطانيا وفرنسا واليهود منذ بداية القرن العشرين الحالية.
وقليلون هم العرب الذين حملوا مواقف البطل أردوغان الشجاعة في انتقاد السلوك الإجرامي اليهودي منذ الحرب على غزة في (الكانونيين)على محمل الجد ،بينما كان النظام الرسمي يتشفى ويتلذذ برائحة شواء أجساد الأطفال الفلسطينيين بسحابات الفوسفور الأبيض والرصاص المصبوب ،وكل ما استخدمه اليهود المجرمون من أسلحة الدمار الشامل ضد الإنسانية،ولسان حالهم ينطق به ممثل النظام الرسمي العربي وزير خارجية مصر أحمد أبو الغيط أمام أجهزة الإعلام :"يستاهلم،قلنا لهم ومصدقوش،اللي بيعبر الحدود حنكسر رجله،ماذا نفعل في 79 فندق؟ وتؤكده حالة غيبوبة الضمائر التي أوصدت القلوب القاسية،وصرفت العيون العوراء والعمياء عن رؤية الدماء والأشلاء،وأصمت الآذان عن سمع التوسلات والنداء تلو النداء،وتحصنت القلوب المتحجرة وراء الشرعية الدولية الكاذبة،وأغلق معبر رفح ليكمل حلقة حصار يهودي قاتل وكامل ضربه اليهود على غزة وسكانها،وامتد الحصار إلى ما تحت الأرض ببناء السور الفولاذي الذي أغلق الأنفاق،شريان الحياة الوحيد،وبذلك أُحكمت حلقة النفاق،وتأكد للعيان سقوط الأخلاق،ولم يبقَ إلا مدد السماء من الله الذي يوجه إليه وحده الدعاء.
إن سياسات الدول في بحثها عن مناطق النفوذ لتحقيق المصالح الوطنية لا تستأذن أحدًا،ولا تطلب ترخيصًا من أحد،وهكذا فعلت تركيا المسلمة،تركيا أردوغان،فعلت ما يفعل الهواء أو الماء الذي يملأ الفراغ الذي ترفضه الطبيعة،ويتنافى مه السنن الإلهية في الخلق والوجود،اندفع ثقافيًا أولاً وسياسيًا بالتبعية،ومواقف عملية شجاعة ثالثًا،ومعاناة واقعية حقيقية ممزوجة حتى النخاع بالصدق مع الذات ومع الحزب ومع الشعب ومع الجيش العلماني،ثم مع العالم الذي يناصر الباطل،ويتنكر للحقوق المشروعة،وأكبر أمثلته النظام الرسمي العربي العاجز المحتال المضطرب المتلون المستبد الكابت لتطلعات الشعوب،القامع للتحرك الحر في المجال الوطني،المعيق لكل عمل موحد بنَّاء ينظم وينسق ويوجه نحو تحقيق مجرد أمل واحد في الحياة الحرة الكريمة.
اندفع أردوغان وجول وطاقمهما الوظيفي بذكاء عملي صادق تدعمه المواقف الواقعية،وكانت الإشكالية الوحيدة في الموقف هو العلاقات الوطيدة مع اليهود في كل المجالات الزراعية والتجارية والسياحية والعسكرية والمالية،وكان المبرر الوحيد الذي شكَّل ستارًا لهذا الدور هو جو السلام الخادع الذي يقوم به جواسيس سلطة أوسلو في رام الله المدعومين من الموقف الرسمي العربي الذي منحهم شرعية لاشرعية،وسمح لهم ببيع القضية،ووكلهم ظلمًا وتخاذلا لتسويق مبادرة سلام كاذبة،الفرية الجديدة التي يرضي بها النظام الرسمي قلعة الظلم والتجبر هناك في أميركا.
إن الخط الذي اختطه أردوغان بذكاء وشجاعة وبراجماسية سياسية ناجحة أحرج الأنظمة العربية المتخاذلة عن نصرة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة،وتوحد الموقف اليهودي والموقف العربي الرسمي مرة أخرى تحت الإحساس بالضعف أمام الضغوط الأمريكية الجديدة في عهدها الجديد برئاسة باراك حسين أوباما المضطرب الذي يعبث به اليهود يمنة ويسرة،وقد أوجد هذا الإحساس بالمهانة والضعف حالة معرفية ورغبة لاشعورية لفعل شىء يوقف أردوغان وأنصاره وحلفاءه العرب والمسلمين وغيرهم عند حدهم،وربما كان السلوك اليهودي الإجرامي في المياه الدولية ضد الأتراك تحديدًا وحصريًا وبطريقة انتقائية مقصودة تحقيقًا لهذا الهدف المشترك للأطراف المتعددة:إدارة أوباما،اليهود الصهاينة،النظام العربي الرسمي،سلطة الجواسيس والعملاء في رام الله.
3 . بعض خفايا السلوك الإجرامي للعربدة اليهودية في المياه الدولية
أزعج شياطين الصهاينة وحليفهم الأمريكي الذي ظنَّ تحت حكم باراك حسين أوباما المخلط المضطرب أنه قد فرغ من المطالب الفسلطينية الشرعية باتفاقه مع الحثالات القابعين تحت أحذيتهم في رام الله تحت مسمى سلطة أوسلو المشؤومة،فإذا بالصهاينة وحليفهم الأمريكي المتورط في العراق وفي أفغانستان يرتكبون الحماقات التي ألحقت الضرر بتابعيهم من العرب،وربما اندفع البطل العثماني أردوغان في احتلال منطاق النفوذ في نفوس الشعوب العربية نتيجة لموقف النظام الرسمي من الحرب على غزة،وما أعقبها من مواقف محاصرة الشعب الفلسطيني بأشكال غاية في المكر والكيد،ربما يئس أردوغان من مماطلة الاتحاد الأوروبي في طلب بلاده الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي،أو نتيجة لتحليل علمي عقلاني مصدره الخبرات التركية المدنية والعلمية التي ألجمت الجنرالات ورموز العسكر وأقتعتهم بوقائع دامغة على سواد المستقبل في علاقة تركيا مع الغرب،وأن أفريقيا خاصة من خلال السودان وموارده الهائلة وحاجاته الملحة للخبرات والبضائع التركية هي الميدان الأكفأ لتحقيق المصالح الحقيقية في عالم لا يعرف إلا لغة المصالح،وربما كانت عربدة الإجرام الصهيوني في المياه الدولية وقتله الأتراك تحديدًا بإيعاز من إدارة أوباما والمخططين الإستراتيجيين اليهود في البيت البيض وفي دوار تلك الإدارة المنحازة بسبب اللعبة الدبلوماسية التي أنقذت نظام أحمدي نجاد ،ووفرت له غطاءً دوليًا مكونًا من تركيا والربازل،فلا مانع حينئذ من أن يضرب الصهاينة ضرية مدبرة قد يستيقظ أردوغان من أحلامه الوردية في احتلال مناطق النفوذ النفسي والاقتصادي،وهذا أيضًا وبلا أدنى شك يجعل بعض القيادات العربية الرسمية تضحك (في عبها وتذوب من السرور)لأنها في قرارة نفسها تريد فرملة أردوغان وجيوش العثمانيين المندفعين إلى مناطق النفوذ المغلقة عليهم منذ الحرب العالمية الأولى بعد أن اشترك العرب في الحرب على تركيا وهزيمتها.وأيًا كان حجم الخسائر التركية من الشهداء والجرحى فهي بلا شك عملت على إعادة الحسابات،واكبر دليل على ذلك مبادرة مصر بفتح معبر رفح إلى أجل غير مسمى،ودخولها مع الحلفاء في تشكيل تصورات براجماتية يمكن التحكم فيها وبرضا الكيان اليهودي لرفع الحصار عن قطاع غزة،ويتشجيع صوتي وكلامي ولفظي من الإدراة المريكية حتى تهدأ العاصفة كما هدأت عاصفة تقرير جلادستون،وعاصفة اغتيار الشهيد المبحوح،والباقي أشد وأنكى.
4 . التأكيد على فرض الهيمنة اليهودية المطلقة على الأمن العربي
يمتلك اليهود مخزونًا لا يعلمه إلا الله من القنابل النووية،ولديهم أكبر وأقوى سلاح طيران في المنطقة،على الأقل من حيث القدرة على توظيفة لتنفيذ مهمات تذات طابع إستراتيجي في عمق الأرض العربية وخارجها،ولديهم القدرة العسكرية والكفاءات المتخصصة في شتى مجالات الفن الحربي ومراكز البحوت،وهم دائمو الحركة والداينماكية والمتابعة والمراجعة واليقظة،ولديهم رصيد إعلامي ضخم يعمل الإعلام الرسمي العربي ليل نهار من خلال قناة الجزيرة والعربية وقنوات mbc وغيرها من أجهزة الإعلام على تيسير اختراقه لكل الخطوط الحمراء الدينية والثقافية والحواجز والموانع ،وذلك من خلال التعامل مع الصهاينة كطرف أصيل في المنطقة،مع أنهم جميعًا ينقصهم الانتماء،ويشش في قلوبهم إحساس بالغربة عن المنطقة وشعوبها الموحدة دينيًا وقوميًا وإنسانيًا،وهذا هو السبب الرئيس الذي يجعلهم يلجأون إلى القوة المفرطة غير المبررة في التعامل مع كل من يصنفونه عدوًا في غياب أي مظهر لقوة مكافئة.واخيرًا حملت الأخبار أن الصهاينة حصلوا على غواصات ألمانية ينوون نشرها قبالة السواحل الإيرانية في الخليج العربي.
لقد حقق اليهود الوحدة العربية ،ولكن بالمقاييس والمفاهيم التي تتفق مع منطقهم ،وأهدافهم التي يحتلون فيها المساحات تلو المساحات من الوعي العربي الرسمي وقطاعات لا بأس بها من أصحاب القرار في البلاد المختلفة،ويوثقون علاقاتهم الإستراتيجية مع كل إنسان عربي أو غير عربي لا يهمه إلا شهواته وأهدافه الدنيوية ومصالحه الشخصية،لقد نجح الصهاينة في كسر الحاجز النفسي لدى الكثير من العرب،وخاصة بعد أن تشكل منطق تبريري انهزامي انحرافي بسبب ما ارتكبه جواسيس أوسلو الذين كرسوا الانقسام،وفتنوا الشعب الفلسطيني وشوهوا صورة نضاله وتضحياته،وقد أقام اليهود روابط متينة من خلال الشركات الاستثمارية في أكثر من موقع بالعالم العربي والإسلامي في ظل العولمة،وسهولة انتقال رؤوس الأموال والسلع والعمالة.
5 عداءٌ ثابت مُكرَّسٌ لقهر الشعوب
عندما أعلن اليهود الغزاة عن قيام ما يُعرف بدولة(إسرائيل)بعد طرد الغالبية العظمي من الشعب الفلسطيني عام 1948م،ورتبت اتفاقية الهدنة الثالثة المعروفة باتفاقية رودس أوضاع الأنظمة العربية التي عاصرت هذه المناسبة الأليمة،وكلها بلا استثناء كانت تحت الهيمنة الاستعمارية الإنجليزية والفرنسية قبل أن يفجر القائد العظيم جمال عبد الناصر عليه رحمة الله تعالى الثورة المصرية ،نقول إن هؤلاء اليهود لم يستوعبوا الغنيمة التي حصلوا عليها،وهم مجرد جماعات من المهاجرين المشردين الفارين من المحرقة النازية،ومن الذين غررت بهم الحركة الصهيونية الخزرية الإجرامية،ولا يدرك حجم الغنيمة السهلة التي اغتصبوها إلا إنسان عاش قسطًا من حياته في فلسطين،وعرف طهر ترابها،وتميز مناخها وأرضها والناس الذين عاشوا قرونًا على ربوعها،فعلى سبيل المثال تجنب الصهاينة التوسع في استثمار القسم المخصص للدولة العربية في مشروع التقسيم الذي أقرته منظمة الأمم المتحدة عام 1947م،وظل الشاهد الحجري المقام على طريق غزة القدس مقابل قرية السوافير الفلسطينية والواصل إلى مدينة اِسْدودْ الفلسطينية على شاطىء البحر المتوسط،وهذا الشاهد الذي يبدأ منه الخط الفاصل بين الدولة اليهودية في الشمال والدولة العربية في جنوبه،وقد أقامته لجنة الوسيط الدولي الكونت برنادوت الذي قتله اليهود بعد ذلك،وظل هذا الشاهد الحجري قائمًا حتى هزيمة الخامس من حزيران (أيار) 1967م،وقد شاهدتُّه آخر مرة في عام 1985م،ولا أدري مصيره حاليًا، بعد اتفاقيات سلطة جواسيس أوسلو وإمعانهم في تجاهل حقوق الشعب البطل،تنفيذًا لخديعة كبرى تورط فيها إلى حتى النخاع سماسرة صفقة بيع الوطن بعد قتل جميع الشرفاء من قادة الكفاح الشعبي البطولي،كتمهيد لدخول محمد عبد الرؤوف القدروة المعروف بِ (ياسر عرفات)ورأس الفتنة محمود رضا عباس مرزا إلى أرض الوطن المحتل،ومعهم باقي الجواسيس والسماسرة ومن استقطبوهم من الفاسدين فاقدي الهلية والانتماء الوطني الحقيقي،بهدف التدليس على شعب الانتفاضة،والتاسيس للقضاء على مشروع المقاومة التي بلغت ذروة تألقها في الانتفاضة الأولى 1987م،ويحرموه من قطف ثمار تلك الثورة البطولية العارمة،التي اقتربت من تحقيق النصر عملاً بالسُنَّة الثابتة في الكون والحاكمة لفعل الأبطال المجاهدين الصابرين الصادقين بوصولهم إلى النصر أو الشهادة،ولأول مرة في تاريخ كفاح الشعوب ينجح جماعة من الجواسيس والمحتلين في تخريب مشروع وطني عبقري عريق.
وفي ظل تخلي النظام العربي الرسمي عن الزامته التاريخية والدينية،وهروبه للاحتماء بمشاريع وهمية تتنافى مع المسلمات الدينية وتتناقض مع منطق الأشياء،ومعهم فريق جواسيس أوسلو من ناقصي الأهلية،أدرك اليهود المحتلون أن عدوهم الحقيقي هو الشعوب العربية والإسلامية،وقد ركزوا سلوكهم الإجرامي في حالة الحرب والسلم على قتل قيادات تلك الشعب،وشل فعاليات مجتمعه المدني،بل وتعدى الإجرام إلى كل من ينحاز إلى الحق والعدل من الشعوب الأخرى،حتى طال الفعل الإجرامي بعض اليهود ممن يميلون بالفطرة إلى العدل،أو ممن يتمسك ببعض إرث أنبياء بني إسرائيل الأولين،أو تحركت فيه عوامل الرحمة العامة الموجودة في الجنس البشري.
قبل شارون كانت الإدارة الصهيوينة للمناطق الفلسطينية المحتلة تجري في إطار مقتضيات الأمن كما تفسره المؤسسة الصهيونية العسكرية والجهات الأمنية،واعتبارات توفير الحاجات الضرورة للمناطق الواقعة تحت الاحتلال،وعلى عهد الهالك شارون جرت الكثير من عمليات تقويم الوضع الحقيقي للمشروع الصهيوني،وحدد الصهاينة أكبر مشكلة تهدد كيان النظام وما يطلقون عليه الشعب اليهودي في فلسطين المغتصبة وكانت كالتالي(الخلل في المعادلة الديموغرافية لصالح السكان الفلسطينيين العرب أهل البلاد الأصليين)،وكانت المؤامرة اليهودية التي حاكتها الدكتورة رايسا عالمة الاجتماع زوجة آخر رئيس سوفييتي ميخائيل جورباتشوف بتفكيك الاتحاد السوفييتي لكي تستطيع الحركة الصهيونية تهجير اليهود في روسيا وأوروبا الشرقية لكي يعملوا على إحلال بعض التوازن في المعادلة السكانية.وقد حدث،وماتت الدكتور رايسا اليهودية،وصار جورباتشوف نجم إعلانات في عهد الرئيس بوريس يلتسين،حتى جاء القيصر فلاديمير بوتين،فغَيَّر قوانين اللعبة مع الغرب،وأعاد بناء روسيا الحديثة،وجدد مؤسساتها بأرخص الأثمان،وأعاد إلى التاريخ المعاصر تكرار ما فعلته التكنولوجيا الألمانية التي نهبها الجيش الأحمر عندما سبق الغرب في دخول برلين،وتفكيكه لأربعة آلاف مصنع ألماني نقلها على وجه السرعة مع علمائها وعمالها وكوادرها إلى قلعة الصناعة السوفييتية في منطقة جبال الأورال،ومنها بدأت النهضة السوفييتية العلمية التي دوخت الغرب،(المصدر :كتاب ألمانيا الهتلرية:قيام وسقوط الرايخ الثالث،للكاتب المريكي وليم شرر)وقد تخلص الغرب من العقدة السوفييتية على يد رايسا وجورباتشوف ثم بوريس يلتسين.
وفعلاً هذا ما حدث،فجلب الهالك شارون أكثر من مليون وربع المليون يهودي من أوروبا الشرقية،وجلب في الجملة يهود الحبشة عن طريق رئيس السودان السابق نميري،ويهود اليمن من خلال صفقات سرية وعلنية مع العائدين إلى البلاد العربية بعد ظهور النفط في اليمن،حيث شكلوا سلطات حاكمة تحالفت مع العسكر،وأحد أهدافها تخليص السياسات العربية من الالتزام بالمشروع القومي،والانتكاس إلى الغايات الطائفية والحزبية منخفضة المستوى،والاستحواذ على الثروات وتوزيعها بطريقة قبلية انحيازية،وهذه المهمات تتطلب بشرًا من نوع خاص من ناقصي الأهلية منخفضي الولاء الديني والوطني،وبالمواصفات الأمريكية واليهودية،والمسرح الحالي فلسطينيًا وعربيًا وإقليميًا ودوليًا يقدم أوضح وأدق البراهين على صدق ما نقول.
وبعد أن هلك شارون دخل الإجرام اليهودي الخزري مرحلة فارقة،وهي مرحلة نجوم وظهور العداء السافر للشعوب من منطلق الحقد التلمودي اليهودي المتأصل،ولهذا المدخل تفسير يطول شرحه،ولكنه ببساطة يعود بجذوره إلى الفلسفة التربوية الانحرافية لأجيال اليهود العنصريين،وفي نوع الخطاب الإعلامي والدعوي اليهودي الانحرافي الذي لا يمكن فهمه أو تفسيره إلا في ضوء منهج القرآن الكريم والسنة النبوية ووقائع السيرة النبوية التي كان اليهود طرفًا إفساديًا إجراميًا أساسيًا فيها،والقليل من المسلمين من يحاول أن يؤصل الصراع الحالي بأحداثه المتوالية في ضوء هذا المنهج الرباني الثابت والصادق بالضرورة العلمية،وسوف نقوم بمقاربة منهجية في هذا الباب في ضوء الواقع اليهودي الإفسادي المعاصر.
اليهود الذين يوجههم عتاة الصهاينة إلى ارتكاب الجرائم الجمعية والفردية ذوو خصائص فسيولوجية وعضوية وسيكلوجية وأيديولوجية خاصة هي ثمرة إعداد تربوي وتعبوي ونفسي وديني ودعوي يهودي جديد،في مجتمع الجريمة الشاملة بمعناها المدني والجنائي والعسكري.
ومن منطلق الموقف المبدئي في عداء الشعوب جاء الفعل الإجرامي اليهودي الصهيوني بقتل المدنيين الأتراك العزل على سفينة مدنية تحمل مساعدات مدنية إلى غزة المحاصرة وفي المياه الدولية،وذلك أثناء أداء من على السفينة لصلاة الفجر عند المسلمين،واشترك معهم رموز من النصارى ،واليهود ومحبي السلام وعشاق الحرية من البشر من أكثر من أربعين دولة.
6 ملامح الإجرام اليهودي المؤسسي
باستقراء سلاسل الجرائم اليهودية بحق الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والإسلامية منذ ظهور الهالك شارون إلى هذه الساعة يمكن تلخيص الملامح الآتية التي تقوم عليه الجريمة اليهودية ضد الإنسانية:
1. توظيف مبدأ (غيرُ يهود قتلوا غيرَ يهود.)بكثافة وجعله أصلا من أصول ثابتًا للإفساد اليهودي،واستثمار خصائص عصر الانفتاح والعولمة والمجهولية المعلوماتية،وما يتيحه التحالف الصهيو صليبي في الهجمة الحالية على العالم العربي وافسلامي،وتسخير إمكانات التقنية الحاسوبية المتطورة في حياكة السلوك الإجرامي والتغطية عليه،وتوظيف الإعلام بما يمتلكه من قدرة على التضليل وقلب الحقائق الدامغة.
2. الحشد غير المكافىء لعناصر العدوان: فمن بداية الفعل الإجرامي إلى نهايته جرى العرف الإجرامي اليهودي على التدقيق في كل ما يتعلق بالضحية من معلومات،والانطلاق من المنطقة صفر في احتمال الإخفاق،وذلك بالهجوم على الضحية بأضعاف أضعاف أعداده وعدته،وأخذه على حين غرة، وهذه سمة أساسية غالبة على هؤلاء المجرمين في جميع الجرائم التي ارتكبوها في الصراع العربي الإسلامي مع الصهاينة،باستثناء بعض المواقف التي تعامل فيها اليهود مع مقاتلي حزب الله،كما حدث في واقعة أنصارية التي قضت فيه المقاومة اللبنانية البطلة على اليهود ومزقوهم إربًا.
3. استحضار وقائع الصراع التاريخي والعقدي مع المسلمين من منطلق الحقد والكراهية:فبينما يبسط العرب والمسلمون جناح السلام لهؤلاء الغزاة،فإنهم يقابلون ذلك بكل أشكال العداء والكيد والسلوك الإجرامي.ولشدة الأسف فإن هؤلاء اليهود وفي سياق عدائهم للمسلمين يستخدمون مبدءًا وسنة سنها رسول الله ،وتعرف بمبدأ التورية في الغزو،فكان من سنته صلى الله عليه وسلم أنه إذا أراد غزو قوم أظهر لهكم أنه يريد قومًا آخرين فيأخذهم على حين غرة،نحن نحن أهملنا تراثنا وتاريخنا،واليهود يستثمرونه.
4. التخلي عن العملاء والجواسيس بعد انتهاء ابتزازهم وتعريتهم وفضحهم:من العلامات الفارقة في الصراع مع اليهود اصطياد هؤلاء الغزاة للخونة والجواسيس والعملاء ،الاستعانة بأفواج متعاقبة من الباحثين عن المصالح الشخصية ممن لا يمثل لهم الوطن أية قيمة،وقد شهد الصراع مع اليهود أجيالاً من هؤلاء الخونة،بدأوا بأفراد وانتهوا بجيش العميل أنوان لحد وسعد حداد وعقل هاشم وأخيرًا جواسيس سلطة أوسلو المتحلفين معها من المسترزقين اليساريين والانتهازيين والمنافقي (محمود الهباش ومن في حكمه)وطبقات من المستشارين والمستوزرين والناطقين والباحثين،دون أن يفكر هؤلاء في مصير العملاء والجواسيس الذين تخلص منهم اليهود بعد انقضاء تسخيرهم واستئجارهم.
وأخيرًا :ما الحل ؟
1. الاستمساك بالعروة الوثقى(لا إله إلا الله محمد رسول الله.)واعتبارها نقطة انطلاق في السلوك الفردي والجمعي والأممي،والالتزام بها وبشروطها السبعة:علم يقين وصدق مع محبتها والانقياد قبول ثم إخلاص.وتربية الجيال عليها.
2. مراجعة نقدية لأصول الصراع مع اليهود في إطار الحلف الصهيو صليبي الحالي،وتحديد الولاء والعداء في ما يقتضيه المنهج الإسلامي الذي كان سبب ظهور الأمة دينًا ودنيا.
3. كشف العملاء والجواسيس وبيان تهافت منهجهم وفساد طريقتهم في التعامل مع الصراع في مرحلته الراهنة،وأول ما ينبغي فضحهم هم جواسيس أوسلو وسماسرة بيع فلسطين والمقدسات الإسلامية،ومن يناصرونهم ويلتفون حولهم من المنافقين الانتهازيين المتخفين وراء الشعارات الخادعة والعبارات الزائفة.
4. وضع الشعوب العربية في مواجهة عدوها العقدي والتاريخي،ونقيضها الوجودي،وبيان أن السلام مستحيل مع تصاعد جرائم اليهود وخاصة في سياقها الحالي الذي يتخذ أبعادًا إستراتيجية فرغ الأمة من مقومات وجودها.
5. (... والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .)(يوسف 21)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.