مع الشروق .. قمّة بكين ... وبداية تشكّل نظام دولي جديد    انطلاقا من غرة جوان: 43 د السعر الأقصى للكلغ الواحد من لحم الضأن    رئيس الحكومة يستقبل المدير العام للمجمع السعودي "أكوا باور"    توقيع مذكرة تفاهم تونسية سعودية لتطوير مشروع إنتاج الهيدروجين الأخضر في تونس    شهداء وجرحى في قصف لقوات الاحتلال على مدينة غزة..    بطاقتا إيداع بالسجن ضد أجنبيين تورّطا في تنظيم عمليات دخول أفارقة لتونس بطرق غير نظامية    بداية من اليوم: خدمة جديدة للمنخرطين بال'كنام' والحاصلين على الهوية الرقمية    صفاقس: إيقاف 21 افريقيا وصاحب منزل أثر معركة بالاسلحة البيضاء    جنيف: وزير الصحة يؤكد أهمية تعزيز قدرات الدول الإفريقية في مجال تصنيع اللّقاحات    عاجل/ هذا ما قرّرته 'الفيفا' بشأن المكتب الجامعي الحالي    وزارة الصناعة: توقيع اتفاقية تعاون بين أعضاء شبكة المؤسسات الأوروبية "EEN Tunisie"    مفقودة منذ سنتين: الصيادلة يدعون لتوفير أدوية الإقلاع عن التدخين    كلاسيكو شوط بشوط وهدف قاتل    أول تعليق من نيللي كريم بعد الانفصال عن هشام عاشور    بالفيديو: بطل عالم تونسي ''يحرق'' من اليونان الى إيطاليا    مراسم استقبال رسمية على شرف رئيس الجمهورية وحرمه بمناسبة زيارة الدولة التي يؤديها إلى الصين (فيديو)    عاجل/ فرنسا: إحباط مخطّط لمهاجمة فعاليات كرة قدم خلال الأولمبياد    وزارة المرأة تحذّر مؤسسات الطفولة من استغلال الأطفال في 'الشعوذة الثقافية'    بن عروس: حجز أجهزة اتصالات الكترونيّة تستعمل في الغشّ في الامتحانات    بطاقة إيداع بالسجن ضدّ منذر الونيسي    مجلس نواب الشعب: جلسة استماع حول مقترح قانون الفنان والمهن الفنية    رئيس لجنة الفلاحة يؤكد إمكانية زراعة 100 ألف هكتار في الجنوب التونسي    المنتخب الوطني يشرع اليوم في التحضيرات إستعدادا لتصفيات كأس العالم 2026    النادي الصفاقسي في ضيافة الاتحاد الرياضي المنستيري    الرئيس الصيني يقيم استقبالا خاصا للرئيس قيس سعيّد    قبلي : تنظيم اجتماع تشاوري حول مستجدات القطاع الثقافي وآفاق المرحلة القادمة    وزير التعليم العالي: نحو التقليص من الشعب ذات الآفاق التشغيلية المحدودة    عاجل/ حريق ثاني في حقل قمح بجندوبة    مستشفى الحبيب ثامر: لجنة مكافحة التدخين تنجح في مساعدة 70% من الوافدين عليها على الإقلاع عن التدخين    منظمة الصحة العالمية تمنح وزير التعليم العالي التونسي ميدالية جائزة مكافحة التدخين لسنة 2024    صفاقس: وفاة امرأتين وإصابة 11 راكبا في اصطدام حافلة ليبية بشاحنة    تطاوين: البنك التونسي للتضامن يقرّ جملة من التمويلات الخصوصية لفائدة فلاحي الجهة    بمشاركة اكثر من 300 مؤسسة:تونس وتركيا تنظمان بإسطنبول أول منتدى للتعاون.    رولان غاروس: إسكندر المنصوري يتأهل الى الدور الثاني لمسابقة الزوجي    الشايبي يُشرف على افتتاح موسم الأنشطة الدّينية بمقام سيدي بالحسن الشّاذلي    الدخول إلى المتاحف والمواقع الأثرية والتاريخية مجانا يوم الأحد 2 جوان    آخر مستجدات قضية عمر العبيدي..    الانتقال الطاقي: مشروع للضخ بقدرة 400 ميغاواط    انتخاب التونسي صالح الهمامي عضوا بلجنة المعايير الصحية لحيوانات اليابسة بالمنظمة العالمية للصحة الحيوانية    رولان غاروس: أنس جابر تواجه اليوم المصنفة 34 عالميا    حادث مروع بين حافلة ليبية وشاحنة في صفاقس..وهذه حصيلة الضحايا..#خبر_عاجل    بعد الظهر: أمطار ستشمل هذه المناطق    جبنيانة: الإطاحة بعصابة تساعد الأجانب على الإقامة غير الشرعية    الرابطة المحترفة الأولى: مرحلة تفادي النزول – الجولة 13: مباراة مصيرية لنجم المتلوي ومستقبل سليمان    الأوروغوياني كافاني يعلن اعتزاله اللعب دوليا    عاجل/بعد سوسة: رجة أرضية ثانية بهذه المنطقة..    إلغاء بقية برنامج زيارة الصحفي وائل الدحدوح إلى تونس    تونس والجزائر توقعان اتفاقية للتهيئة السياحية في ظلّ مشاركة تونسية هامّة في صالون السياحة والأسفار بالجزائر    بنزرت: الرواية الحقيقية لوفاة طبيب على يدي ابنه    الإعلان عن تنظيم الدورة 25 لأيام قرطاج المسرحية من 23 إلى 30 نوفمبر 2024    منبر الجمعة .. لا يدخل الجنة قاطع صلة الرحم !    مواطن التيسير في أداء مناسك الحج    من أبرز سمات المجتمع المسلم .. التكافل الاجتماعي في الأعياد والمناسبات    شقيقة كيم: "بالونات القمامة" هدايا صادقة للكوريين الجنوبيين    محكمة موسكو تصدر قرارا بشأن المتهمين بهجوم "كروكوس" الإرهابي    مدينة الثقافة.. بيت الرواية يحتفي ب "أحبها بلا ذاكرة"    الدورة السابعة للمهرجان الدولي لفن السيرك وفنون الشارع .. فنانون من 11 بلدا يجوبون 10 ولايات    عندك فكرة ...علاش سمي ''عيد الأضحى'' بهذا الاسم ؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كسر الحصار.. بين سفينة آرتغرل لليابان وسفينة مرمرة إلى غزة
نشر في الفجر نيوز يوم 13 - 06 - 2010

إنّ تاريخ آخر دولة خلافة إسلامية وهي الدولة العثمانية التي كانت القوة الكبرى الوحيدة في العصر الوسيط و الحديث، وكان لها أدوار عظيمة في تاريخ العالم في خدمة الأمة الإسلامية والإنسانية بعامة، وكانت أساطيلها تجوب البحار، وفد نشطت البحرية في قضايا عدة، وتحتاج إلى بحث لأهميتها التاريخة.
ولتصاعد الأحداث في قضية حصار غزة من قبل إسرائيل وخروج مظاهرة بحْرية تقودها السفينة مرمرة التركية، وكان ذلك بتخطيط من أحفاد الدولة العثمانية، وبعد مائة سنة من إسقاط الخلافة..!!
وعلى ضوء ذلك تناول هذا البحث حادثة مشابهة في الشكل مغايرة في الهدف لكسر حصار سياسي آخر واجهته الدولة العثمانية من قبل القوى الغربية وروسيا، فخرجت السفينة آرتغرل لتعبئة المسلمين لحركة الجامعة الإسلامية لنصرة الدولة العثمانية أولاً: فتحركت من إستانبول، ومرت بموانئ عدة، واختتمت رحلتها بالرُسُوّ في ميناء يوكوهاما الياباني، واستقبلت استقبالاً حافلاً من المسلمين في كل الموانئ التي مرت بها.
والهدف الثاني للسفينة آرتغرل هو إقامة علاقات دبلوماسية واقتصادية وعسكرية بالتعاون مع اليابان والصين أكبر قوتين شرقيتين، وهذا من دهاء السلطان عبد الحميد في المناورة السياسية لإيجاد قوة جديدة شرقية لمواجهة تهديدات روسيا والغرب، واستغلال العداء بين روسيا والصين واليابان لتأمين مصالح دولة الخلافة العثمانية.
سفينتان ومُهمّتان
نبدأ بسفينة مرمرة التركية التي قادت أسطول الحرية إلذي يضم ثماني سفن يقوده ائتلاف مكون من الحملة الأوروبية، وحركة غزة الحرة، والإغاثة الإنسانية في تركيا، إضافة إلى حملتين: يونانية وسويدية.
يقلّ الأسطول نحو (650) متضامناً من أكثر من أربعين دولة بينهم (44) شخصية رسمية، و برلمانية، و سياسية أوروبية و عربية، و على متن السفينه نحو عشرة آلاف طن من المساعدات الإنسانية الموجهة إلى سكان غزة.
انطلقت ثلاث من سفن الأسطول صباح الجمعة ال28 مايو/أيار [2010م] من ميناء أنطاليا التركي على أمل أن تلحق بها سفن أخرى قادمة من اليونان وإيرلندا والجزائر، غير أن سفينتين من الأسطول تعطلتا لأسباب فنية. وكان متوقعاً أن تصل القافلة إلى قطاع غزة في حدود الساعة العاشرة من صباح الاثنين [31/5/2010م – 17 جمادى الآخرة 1431ه]". وفي المياه الدولية هاجم مئات من جنود البحرية اليهود - المدعومين من الجو - سفن الأسطول في وقت واحد، واستخدموا الرصاص والغازات، وقتلوا أكثر من (15) شخصاً من العُزّل ممن كان على متن السفينة جلهم من الأتراك، واقتادوا البقية إلى داخل فلسطين المحتلة - إلى ميناء أسدود - تمهيداً لطردهم إلى بلادهم بصفتهم مهاجرين غير شرعيين، واعتقال من يرفض التعريف بنفسه، والتوقيع على تعهد بعدم العودة[1].
إن إبحار أسطول الحرية بالقيادة التركية و توجهه لكسر الحصار الظالم على غزة و أهلها، ذكّرنا بأساطيل و سفن أخرى عديدة قادتها الدولة العثمانية في فترات مختلفة من تاريخنا الإسلامي. فلقد قادت الدولة العثمانية الكثير من الأساطيل و السفن لأهداف و دوافع مختلفة و عديدة، كلها تصب في النهاية إلى رفع راية الإسلام و الحرية و السلام، فمن ذلك الأسطول العثماني الذي أُرسِل لمساندة أهل الجزائر و تونس إبّان الإحتلال الإسباني في القرن السادس عشر الميلادي، و كذلك الباخرة العظيمة (فرقاطة آرتغرل) التي جالت الموانئ العديدة في دول الشرق وصولاً لليابان عام 1890م، و السُفُن العثمانية التي أرسلت لمساندة أهل الأندلس (المورسيكيين) في أواخر القرن الخامس عشر بعد سقوط غرناطة عام 1492م، و قدِّر عدد الحملات العثمانية المساندة على الشواطئ الإسبانية ما بين سنة 1528-1584م، بحوالي 33 حملة بحرية[2].
أسطول الحرية و باخرة آرتغرل:

كان لأسطول الحرية دوافع و أهداف عديدة منها:
1- إن الحصار الظالم على غزة أثار التعاطف الإنساني على الصعيد العالمي، شعبياً قبل أن يكون حكومياً.
2- بيان مدى ظلم و جبروت هذا الحصار الصهيوني على أهل غزة، و إظهار صورته الحقيقة البشعة للعالم أجمع.
3- إيصال المساعدات الإنسانية لأهل غزة، و هذا واجب إنساني قبل أن يكون واجباً إسلامياً.
4- أصبحت قضية فلسطين قضية عالمية إنسانية، فأسطول الحرية ضمَّ عدداً لا بأس به من الشخصيات الأوروبية من غير المسلمين.
5- ظهور قوة إسلامية سنية لا يستهان بها موازية لإيران، لتعمل على موازنة القوى في المنطقة.
تذكرنا هذه الانطلاقة لأسطول الحرية و الحملة الإعلامية و الشعبية العالمية المؤيدة له، بموقف آخر للدولة العثمانية قبل (120) عاماً، أي سنة 1889م في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، حينما أرسل السلطان عبد الحميد الثاني باخرة آرتغرل، التى رست في أهم موانئ بلاد المشرق وصولاً إلى ميناء يوكوهاما الياباني.
الباخرة آرتغرل:
تذكر مصادر يابانية و تركية وجود اتصالات و علاقات و زيارات و بعثات بين البلدين على المستوى الرسمي، و اقترح فيها الجانب الياباني تطوير العلاقة الثقافية و التجارية بين البلدين، و قد رحب العثمانيون بهذا الاقتراح مع بعض التحفظات لعدم إثارة روسيا، العدو التقليدي اللدود للدولة العثمانية و اليابان. يقول السلطان عبد الحميد: "إن روسيا العدو المشترك لنا ولهم، لذا فإن الفوائد التي سنجنيها من هذه الاتفاقيات تحمل طابعاً جدياً، وإن لم تكن بيننا علاقات ديبلوماسية، فيجب أن نؤسس هذه الاتفاقيات على قواعد صحيحة مدروسة كيلا يؤدي الأمر إلى وقوع حوادث مزعجة بيننا وبين روسيا".[3]
وقد ذكر الشيخ عبد الرشيد إبراهيم في محاضرة له عام (1936م) في جمعية الشبان المسلمين في القاهرة قال: إن إمبراطور اليابان (ميكادو) كتب رسالة إلى السلطان عبد الحميد قال فيها: "إني وإياك تحت ضغوط الدول الكبرى؛ فلنجعل شعوبنا تعرف بعضها البعض، ونرجو فيك أن تبعث لنا أناساً يشرحون لشعبنا من أنتم وما هو دينكم".[4]
وكان السلطان يرى في اليابان المثل الشرقي العالي أنها دولة متوحدة ولها شعب واحد وحقق الإمبراطور موتسوهيتو Mi Kado) Mutsuhito ) و الذي حكم (1868-1912)م الوحدة الوطنية والتقدم لبلاده بعيداً عن هيمنة الدول الأوروبية. وكان السلطان يرى الاتفاقيات التجارية بين العثمانيين واليابان ستكون لها منافع مشتركة للدولتين، وكذلك أومأ ممثل اليابان (الكونت ابيوكي) عند توقيع الاتفاقية بين البلدين.[5]
كان السلطان له علاقة طيبة مع إمبراطور اليابان (الميكادو) (Mi (Kado وأرسل الإمبراطور هدية إلى السلطان، وهي أنواع من الطيور الثمينة، ويحتمل أن يقصد ملك بلاد الشمس في المشرق (اليابان) بتلك الهدية أهدافاً معينة".[6]
وتوجت الاتصالات العثمانية-اليابانية بباخرة آرتغرل الحربية العظيمة، بقيادة عثمان باشا، و بطاقم تم اختياره بعناية فائقة، يضم حوالي (680) شخصاً، منهم (44) ضابطاً، (41) منهدساً، (591) بحاراً، (5) خبراء مدنيين، و شاعر، غادرت ميناء أستانبول في 14 يوليو1889م و استغرقت الرحلة (11) شهراً، و هي تمثل أول اتصال ديبلوماسي بين الدولتين[7].
وقد مرت الباخرة بقناة السويس، ثم جدة، و مروراً بعدن، و من ثم بومباي في الهند، ثم كولومبو السيلانية، ثم سنغافورة، ثم هونج كونج و غير ذلك وصولاً إلى يوكوهاما اليابانية، فكانت تظاهرة إعلامية دعائية للدولة العثمانية و الإسلام و أحد أساليب الدعوة، و زيادة الروابط بين المسلمين بعضهم البعض، و بين المسلمين و غيرهم من أهل الشرق. و كان لمنظر الباخرة و هي تقف في موانئ البلدان التي مرت بها أثر كبير على مسلمي تلك البلاد، مما أثار عواطف المسلمين وهم يرون العلم العثماني الإسلامي يرفرف على السفينة في هذه الديار البعيدة، فكانت مظاهر الحب تحيط بالوفد في كل مدينة يحلُّون فيها، فقد كان يتجمع أكثر من ستة آلاف مسلم يومياً لتحية بعثة خليفة المسلمين و على رأسهم قادة المسلمين مثل: سليمان عبد الواضح، و الحاج زكريا أحمد، و الحاج آدم صادق الذين أقاموا احتفلات كبيرة للبعثة العثمانية، التي بدورها قامت بتوزيع نسخ من القرآن الكريم المطبوعة في إستانبول على مسلمي بومباي.
و حين رُسوّها في ميناء يوكوهاما في 13 يونيو 1890م، وجدت البعثة العثمانية ترحيباً و استقبالاً كبيراً من الإمبراطور و الشعب الياباني، و بناءً على طلب من الإمبراطور قرأ قائد البعثة رسالة السلطان عبد الحميد الثاني مترجمة إلى الفرنسية.
مكثت البعثة في طوكيو حتى شهر سبتمبر 1890م وقدمت الهدايا والنياشين، وفي أثناء عودتهم إلى بلدهم ما أن أقلعوا من الميناء الياباني حتى داهمتهم عاصفة و أمواج عاتية في البحر الياباني المشهور بعواصفه بين يوكوهاما و كوبا فاصطدمت السفينة آرتغرل بالصخور بالقرب من كيشو Kyushu) ) وبعد كفاح مستمر مع العاصفة لم ينج من الوفد سوى (69) فرداً وكان رئيس الوفد عثمان باشا من بين الغرقى[8] فدُفن من تُوفي منهم في نفس الموقع، وعملت اليابان لهم نصباً تذكارياً ومتحفاً لا يزال قائماً.[9]
هزت الحادثة المفجعة كلاًّ من البلدين، ولكن هذا الحدث اعتبر نقطة مهمة في تاريخ العلاقات بين الدولتين، وقد حُمل الناجون بباخرة يابانية اسمها كونجو Kongo) ) التي أمر الإمبراطور بتجهيزها إلى استنبول في 10 أكتوبر 1890م، حيث وصلت ميناء استانبول في 2 يناير 1891م واستقبل الضيوف اليابانيين وأقاموا (40) يوماً ضيوفاً على الدولة العثمانية.
وتطوع اثنان من الشباب اليابانيين الأول اسمه (توراجيرو يامادا – Torajiro Yamada ) و كان رئيس لجنة تجارة الشرق الأدنى، والثاني صحفي مشهور اسمه (شوتارا نودا- Sotara Noda ) بجمع مساعدات من الشعب الياباني لعوائل المفقودين، وأخذها إلى استنابول عام 1892م وأنعم عليهما السلطان عبد الحميد بالنياشين، وطلب منهما البقاء في استنبول وتدريس اللغة اليابانية لمجموعة من الضباط العثمانيين وقد اعتنق هذان الشخصان الإسلام[10] و صار اسم يامادا (عبد الخليل)، و سُمّي نودا (بعبد الحكيم)، ويمكن اعتبارهما أول مُسلِمَين في تاريخ اليابان.
وبقي السلطان يحاول تطوير علاقته مع اليابان البلد البعيد كي لا يقع في مشاكل سياسية مع بلد قريب مثل روسيا – العدو التقليدي للعثمانيين، لاسيما بعدما تأزمت العلاقة بين اليابان وروسيا والتي انتهت إلى قيام حرب بينهما عام 1904م هزت العالم الإسلامي وكان لانتصار اليابان سنة 1905م على الشعب العثماني صدى طيباً، وتغنى بهذا النصر شعراء العرب والأتراك ببطولة شعب اليابان، و عمّ الفرح في جميع أنحاء الدولة العثمانية، وأرسل السلطان عسكرياً تركياً اسمه (برتو باشا) لمراقبة الحرب اليابانية وألف كتاباً في جزأين عن رحلته وملاحظاته.[11]
وتوالت الزيارات بين الطرفين وذكرت التقارير عن زيارة لمبعوث عثماني خاص من السلطان عبد الحميد اسمه (محمد علي) عام (1902م) زار طوكيو ويوكوهوما وتفاوض من أجل بناء مسجد يوكوهوما.[12] ومع أن السلطان اهتم باليابان بخاصة وحاول أن يبشر بالإسلام فيها (إذ أرسل إليها أفضل ما حوته مكتبته من الكتب الإسلامية) إلاّ أنَّ عراقيل كثيرة حالت دون ما كان يأمل.
مما سبق نلاحظ أن لباخرة آرتغرل دوافع و أهدافاً و نتائج عديدة منها:
1- تبين قوة علاقة الدولة العثمانية بدول المشرق كاليابان والصين في أواخر القرن التاسع عشر.وعمق الرؤية السياسية الحكيمة للسلطان عبد الحميد الثاني في سياسة التحالفات مع الصين واليابان لتكوين تكتل سياسي شرقي أسيوي في مواجهة التكتل الغربي الأورو آسيوي، وهي خطوة متقدمة في التفكير السياسي الإسلامي.
2- الوضع السياسي المتأزم في أوروبا، و موقف دول أوروبا من دولة آل عثمان، وتآمرهم على تقسيم الدولة العثمانية فيما يُعرف بالمسألة الشرقية واختلافهم في كيفية التقسيم، و تكوين أحلاف سياسية أوروبية، فلقد رأى السلطان عبد الحميد الوضع السياسي في أوروبا يتأزم يوماً بعد يوم، غير أن انحيازنا لطرف من الأطراف كان من الممكن أن يزيد النار لهيباً؛ إذ يقول: "والواقع أننا كنا مضطرين لعدّ خطوات أقدامنا والتحرك بحساب" [13] من هنا بعد أن رأى أن ألمانيا تقترب من دول أوروبا وتبعد عن الأتراك" وبعد أن رفض السلطان حق التنقيب عن البترول للشركات الأوروبية تقدم بطلب إلى اليابان وحضر وفد متخصصاً في التنقيب عن البترول ووافقت اليابان على طلب السلطان عبد الحميد. ولكن السلطان أبعد عن الحكم ولم تكمل الاتفاقية من الطرفين".( محمد حرب، مذاكرات السلطان عبد الحميد، ص 158).
3- إرسال عدد من الشباب المتخرجين حديثاً من الأكاديمية البحرية العثمانية للاطلاع على التطور التعليمي و الحربي في اليابان.
4- وصول فكرة حركة الجامعة الإسلامية إلى المناطق التي تصل إليها الباخرة.
5- ويقول المستشرق باول شمتز: "إن اليابان بوساطة مسلمي اليابان تستطيع كسب عاطفة المسلمين في العالم، وتغزو أسواقهم وتؤثر على زعمائهم المفكرين فتجذبهم إلى جانب اليابان، وإن كلا من الجانب الإسلامي والياباني يحارب في جبهة واحدة ضد الاستعمار الغربي، وبات واضحاً في ذهن المسلم أن الإنسان ذا البشرة الصفراء هو أخ له في ساحة الكفاح ضد الإنسان الأبيض (الأوروبي)، وغزت البضائع اليابانية الأسواق الإسلامية وهذا يدل على تقهقر الأوروبيين".[14]
6- إسلام يامادا و نودا أول مُسلِمَيْن يابانيين لتأثرهم بتعامل المسلمين ذوي الأخلاق الراقية.
7- الاهتمام بنشر الإسلام في اليابان؛ فقد اختار السلطان عبد الحميد الشيخ عبد الرشيد إبراهيم بناءً على نصيحة الأمناء المسؤولين في القصر؛ لأنه أفضل شخصية عندها خلفية ومعرفة للتعامل مع منطقة الشرق الأقصى، وأرسل الشيخ عبد الرشيد إلى اليابان لمعرفته بهذا البلد وسكانه، وكتب كثيرا عن رحلاته هناك[15]. و قد خدم عبد الرشيد فكرة الجامعة الإسلامية بتجواله الكثير في البلدان الإسلامية وغير الإسلامية. ومن الأمور التي اهتم بها عبد الرشيد إبراهيم كيفية تبليغ الدعوة لليابانيين، وكان هذا الأمر يؤرقه، ويسلب النوم منه؛ فهؤلاء اليابانيون-برأي عبد الرشيد- كانوا قريبين جداً من الإسلام في عاداتهم وأخلاقهم، وأسلوب حياتهم وبنيانهم العائلي متماسك، ولاحظ أن البعثات التنصيرية تقوم بتخريب النية الأخلاقية لليابانيين، لذلك أخذ عبد الرشيد يدعو علماء المسلمين إلى المسارعة إلى اليابان لنشر الإسلام وربط اليابانيين باستنبول عاصمة الخلافة ومقر حركة الجامعة الإسلامية.
[1] انظر موقع الجزيرة.نت "بتصرف".
[2] علي المنتصر الكتاني، إنبعاث الإسلام في الأندلس،ص179.
[3] السلطان عبد الحميد، مذكراتي السياسية، ص 122-135.
[4] انظر د. صالح مهدي السامراني، العلاقات اليابانية الشرق أوسطية، ص 3.
[5] محمد حرب، مذكرات السلطان عبد الحميد، ص 195.
[6] انظر د. صالح مهدي السامراني، المصدر السابق، وانظر د.سمير عبد الحميد إبراهيم،الإسلام والأديان في اليابان،مكتبة الملك عبد العزيز العامة،الرياض،1421ه - 2001م ص330-331.
[7] Dr. Hee Soo Lee , The Advent Of Islam In Korea , PP.155-160
[8] انظر بالتفصيل: Ziya Sakir. Sultan Abdulhamid Ve Mikado . PP . 38 - 39.؛ وانظر أورخان محمد علي، السلطان عبد الحميد، ص 246–247.
[9] د. صالح مهدي السامرائي، مصدر سابق، ص 5.
[10] د. صالح مهدي السامرائي، المصدر السابق، ص 2؛ وانظر بالتفصيل إلى مجيء المتطوعين اليابانيين في:Ziya Sakir. Sultan Abdulhamid Ve Mikado . PP . 71 – 73.
[11] انظر أورخان محمد علي، مصدر سابق، ص249 نقلاً عن: Uluhakan Abdulhamid Han Necip Fazil Kisakurak . PP . 264.
[12] د. صالح مهدي السامرائي، مصدر سابق، ص 4.
[13] الأميرة عائشة، والدي السلطان عبد الحميد، ص 118.
[14] باول شمتز، الإسلام قوة الغد العالمية، ص339 – 344.
[15] Dr. Cezmi Erslan, II Abduhamid Ve Islami birligi . PP . 358


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.