جيش البحر يتدخل إثر اصطدام سفينة تجارية أجنبية بمركب صيد    وزارة الدفاع تعلن عن موعد انطلاق حصة التجنيد الثانية    وزيرة الأسرة تُعلن عن انطلاق أشغال إعداد الخطة الثانية لقرار مجلس الأمن 1325 حول "المرأة والأمن والسّلم"    مواد غذائية منتهية الصلاحية وأخرى خطرة: تضاعف المحجوزات خلال سنتين    سجنان: الإحتفاظ بعنصر تكفيري نسائي مفتش عنه    بقيادة مدرّب تونسي: منتخب فلسطين يتأهل الى مونديال 2026    يوم تحسيسي حول المستجدات الدولية والوطنية في مجال مكافحة المنشطات    الحرارة تصل 31 درجة هذه الليلة    وزارة التربية: 159 حالة غش خلال اليومين الأولين لاختبارات الباكالوريا    مريم بن مامي: ''المهزلة الّي صارت في دبي اتكشفت''    تونس تشتري 50 ألف طن من القمح اللين و75 ألف طن من الشعير في مناقصة    إستعدادا للكلاسيكو: النجم الساحلي يواجه مستقبل المرسى وديا    هيئة الانتخابات تعقد جلسة عمل مع وفد من محكمة المحاسبات    موعد عودة نقل المسافرين بالقطار بين تونس والجزائر    مسؤول بال"شيمينو": هذا موعد عودة نقل المسافرين بالقطار بين تونس والجزائر    مفتي السعودية: "هؤلاء الحجّاج آثمون"..    قبلي: انطلاق فعاليات المنتدى الاقليمي حول فقر الدم الوراثي بمناطق الجنوب التونسي    إنتقالات: تشيلسي يتعاقد مع مدافع فولهام    لرفع معدل الولادات في اليابان...طوكيو تطبق فكرة ''غريبة''    نابل: اقتراح غلق 3 محلات بيع لحوم حمراء لهذا السبب    الحماية المدنية 12حالة وفاة و355 مصابا في يوم واحد.    مناخ: 2023 في المرتبة الثالثىة للسنوات الأشد حرارة    فظيع/ سيارة تنهي حياة فتاة العشرين سنة..    الكاف: تجميع 56 الف قنطار من الحبوب والدعوة الى الإسراع في تحديد الاسعار    دعوة من الصين للرئيس التونسي لحضور القمة الافريقية الصينية    مديرة الخزينة بالبريد التونسي: عدم توفير خدمة القرض البريدي سيدفع حرفائنا بالتوجّه إلى مؤسسات مالية أخرى    الجبل الأحمر: تستدرجه إلى منزلها...ثم يتعرّض للسرقة والتهديد    اليوم: نشر أعداد ورموز المراقبة المستمرة لمترشحي البكالوريا    كرة السلة: برنامج مواجهات اليوم من الدور نصف النهائي للبطولة    الإعلان عن موعد عيد الاضحى.. هذه الدول التي خالفت السعودية    مناسك الحج بالترتيب...من الإحرام حتى طواف الوداع    وزارة التربية: صرف أجور المتعاقدين بالتزامن مع عطلة عيد الأضحى    نظّمه المستشفى المحلي بالكريب: يوم تكويني لفائدة أعوان وإطارات الدائرة الصحية بالمكان    موعد صيام يوم عرفة...وفضله    حجز بضائع مهرّبة ومصوغ بقيمة تفوق المليون دينار..التفاصيل    في تونس وبن عروس: قائمة الشواطئ الممنوع فيها السباحة    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الجمعة 07 جوان    عاجل/ الأمم المتحدة تعتزم إدراج إسرائيل في هذه القائمة..    تطاوين : بدء الاستعدادات لتنظيم الدورة السابعة للمهرجان الدولي للمونودراما وإسبانيا ضيف شرف    لأجل قضية عملت عليها زوجته.. جورج كلوني ينتقد بايدن    بهدف راحة الحجاج.. استخدام الإسفلت المرن للمرة الأولى    عاجل/ قتلى ومفقودين في حادث سقوط حافلة تقل أطفالا في سوريا..    المنتخب الوطني التونسي يصل إلى جنوب إفريقيا    وكالات إغاثة تحذر من انتشار المجاعة في 18 دولة    الخارجية اليابانية: روسيا تهدّد باستخدام الأسلحة النووية    اكتشاف السبب الرئيسي لمرض مزمن يصيب الملايين حول العالم    هند صبري تلفت الأنظار في النسخة العربية لمسلسل عالمي    المهدية...أصرّ على تحقيق حُلمه بعد 20 سنة من الانقطاع عن الدّراسة ...شاكر الشّايب.. خمسينيّ يحصل على الإجازة في الفنون التشكيليّة    الفنان شريف علوي .. خلاصة مسيرتي ستكون على ركح قرطاج    الإعلان عن الفائزين في المسابقة الوطنية لفن السيرك    مُفتي الجمهورية : عيد الإضحى يوم الأحد 16 جوان    عاجل/ قرار قضائي بمنع حفل "تذكّر ذكرى" المبرمج الليلة    اليوم رصد هلال شهر ذي الحجة 1445    تزامنا مع ارتفاع درجات الحرارة: وزارة الصحة تصدر بلاغ هام وتحذر..#خبر_عاجل    الدورة 65 لمهرجان سوسة الدولي: يسرى محنوش في الافتتاح ومرتضى في الاختتام    النادي الافريقي يصدر بلاغ هام..#خبر_عاجل    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الخامسة والعشرين    الصحة العالمية تعلن تسجيل أول وفاة بشرية بمتحور من إنفلونزا الطيور..#خبر_عاجل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اندماج دول الخليج بالسعودية : عبد الباري عطوان
نشر في الفجر نيوز يوم 15 - 06 - 2010

أثار الدكتور عبد الله النفيسي الكاتب الكويتي المعروف الكثير من الجدل وعلامات الاستفهام في منطقة الخليج العربي باقتراحه اندماج الدول الخليجية الصغيرة مثل قطر والبحرين والامارات والكويت تحت عباءة المملكة العربية السعودية، الشقيقة الخليجية الكبرى، حفاظا عليها، وحماية لها من الانقراض، بحكم كونها كيانات صغيرة لا تملك اسباب القوة والبقاء، وتواجه اخطارا كبيرة من قوى عديدة اقليمية ودولية.
الاقتراح لقي ردود فعل عديدة في المنطقة، ليس لان صاحبه الدكتور النفيسي يملك مكانة علمية متميزة، بحكم موقعه كاستاذ للعلوم السياسية في جامعة الكويت، ومستشار سابق لرئيس مجلس الامة، وانما لانه جاء في توقيت على درجة كبيرة من الاهمية، بحكم الظروف والتوترات التي تعيشها المنطقة، في ظل تصاعد احتمالات اندلاع مواجهة عسكرية بين الولايات المتحدة واسرائيل من ناحية، والنظام الايراني من ناحية اخرى، على ارضية طموحات النظام الاخير في امتلاك اسلحة نووية.
ردود الفعل السعودية في معظمها مرحبة، جرى التعبير عن بعضها بشكل علني في صيغة مقالات صحافية، والبعض الآخر في الدواوين السياسية، فالدكتور النفيسي لم يكن على علاقة طيبة مع النظام السعودي ومحسوب على التيار السلفي المتشدد بينما التزمت معظم الاقلام في الدول الخليجية الصغيرة فضيلة الصمت، إما تجاهلاً، او تجنباً لخوض معارك اعلامية في وقت حساس، او بتعليمات رسمية. فالحديث عن السعودية خط احمر ممنوع تجاوزه، خوفا او رهبة، او تطبيقا لميثاق الشرف الاعلامي الخليجي.
نتفق مع الدكتور النفيسي في امرين اساسيين، الاول: ضرورة مباركة وتشجيع، اي مبادرة وحدوية اندماجية اذا جاءت بالتراضي وفي اطار استفتاء شعبي عام. والثاني: تعاظم حجم الاخطار الداخلية، والاقليمية، التي تواجهها دول الخليج الصغيرة في الوقت الراهن، بحكم ثرائها، وقلة عدد سكانها، وغلاف الفقر الذي يحيط بها.
فالخطر الداخلي يكمن في التركيبة السكانية والخلل الكبير الذي تعانيه، حيث تمثل نسبة المواطنين في هذه الدول حوالي خمسة وثلاثين في المئة في المتوسط، وتنخفض هذه النسبة الى عشرة في المئة في بعض الدول.
اما الخطر الخارجي فيتمثل في اطماع دول اقليمية مثل ايران والهند وباكستان، كل لاسبابه، فايران ما زالت تصر على ان الخليج فارسي، والهند وباكستان تعتبران تواجد اعداد كبيرة من مواطنيها في هذه البلدان لسنوات عديدة يؤهلهم لنيل حقوق المواطنة الكاملة بما في ذلك الجنسية، والمشاركة في دوائر صنع القرار والحكم كمواطنين صالحين.
من المؤكد ان الدكتور النفيسي، ومعظم المؤيدين لاقتراحه يعتبرون ايران ومن منطلق مذهبي الخطر الاكبر، ولا يرون في الدولتين الأخريين، مثل الهند وباكستان الشيء نفسه، باعتبار الاولى بعيدة جغرافيا، والثانية مسلمة وغالبية سكانها من اتباع المذهب السني. فمنطقة الخليج تشهد حالة استقطاب مذهبي متفاقمة وباتت تهدد بانفجار صدامات طائفية داخلية. المسألة مسألة وقت وتوقيت وذريعة.
' ' '
نعود الى موضوع الوحدة الاندماجية التي طرحها الدكتور النفيسي التي تستحق منا، ومن غيرنا، وقفة متأملة، ونقاشا اكثر عمقا، ويمكن تلخيص ملاحظاتنا حول هذه المسألة في النقاط التالية:
اولا: من غير المعتقد ان الدكتور النفيسي ومؤيدي اقتراحه يمكن ان يتناسوا حقيقة هامة، وهي ان مجلس التعاون الخليجي الذي بات على ابواب الاحتفال بالذكرى الثلاثين لتأسيسه جاء الى الوحدة لخلق اتحاد اقليمي، يقود الى وحدة اندماجية، تبلور دولة خليجية واحدة، بعملة موحدة، وجيش قوي، واللافت ان وضع دول الخليج، والعلاقات البينية كانت افضل قبل ثلاثين عاما مما هي عليه الآن. والخلافات الحدودية المتفاقمة، والعملة الخليجية المتعثرة، واحتجاز قوارب الصيد في المياه الاقليمية، وحرب طوابير الشاحنات والاتهامات المتبادلة لسرقة النفط وغيرها، وتجميد بناء الجسور، والقيود على الاستثمارات كلها مؤشرات في هذا الصدد.
ثانيا: اذا كانت الوحدة الاندماجية بين دول الخليج لم تتحقق بالتراضي، ومن خلال صيغة مجلس التعاون المرنة، فان اللجوء الى الخيارات الاخرى، مثل خيار 'بسمارك' موحد المانيا، و'غريبالدي' موحد ايطاليا، وقبل هؤلاء صيغة الملك عبدالعزيز آل سعود موحد المملكة بالقوة، عملية شبه مستحيلة ان لم تكن محفوفة بالمخاطر.
ثالثا: اذا كانت الوحدة الاندماجية مقبولة، او آخر العلاج، مثلما يتردد في المجالس المغلقة المؤيدة للاقتراح، للحفاظ على عروبة هذه الدول الصغيرة وسيادتها، الا يتبادر الى ذهن البعض، وفي الكويت خاصة، بان الرئيس العراقي الراحل صدام حسين لجأ الى الخيار نفسه وواجه معارضة شرسة انتهت بالتكتل ضده، والاستعانة بقوى غربية (امريكا) لاخراجه بالقوة من الكويت، ومن الحكم في بغداد لاحقا؟
فقد يسأل البعض: لماذا الوحدة الاندماجية مقبولة ومأمولة مع السعودية، وليست كذلك مع العراق في عهد حكم البعث، او في العهد الديمقراطي الامريكي الحالي؟
رابعا: جميع 'الاجتهادات' الوحدوية العربية السابقة، سواء بين مصر وسورية (بالتراضي) او شطري اليمن (بالحوار)، او بين العراق والكويت (بالغزو) انتهت نهاية مأساوية، لاسباب عديدة ابرزها غياب النموذج الديمقراطي، وانعدام الجدية، والرغبة في الهيمنة من طرف ضد آخر، وعدم التكافؤ واخيرا غياب الاستفتاء الشعبي الحر في بعضها. ناهيك عن كون معظمها نتيجة فورات عاطفية، وليس بناء على خطط مدروسة بشكل محكم.
' ' '
منطقة الشرق الاوسط تشهد حاليا نشوء وارتقاء نموذجين اسلاميين يمكن ان يشكلا نقطة استقطاب لشعوب المنطقة، الاول تركي، والثاني ايراني، يجمعهما قاسم مشترك هو الرغبة في ملء الفراغ الاستراتيجي الناجم عن غياب الدور العربي، والتصدي في الوقت نفسه للمشروع الاسرائيلي وامتداداته الامريكية، واستعادة حقوق ومقدسات مغتصبة.
النموذج التركي يقف على ارضية اقتصادية صلبة (تركيا تحتل المرتبة 17 كأقوى اقتصاد في العالم) وتجربة ديمقراطية حرة وشفافة، واحترام كامل للحريات وحقوق الانسان، وقضاء عادل مستقل، وعلاقات جيدة مع الجيران.
النموذج الايراني في الجانب الآخر يستند الى قوة عسكرية ضخمة، معظمها تصنيع محلي، وبرنامج نووي طموح، وكرامة وطنية، وعملية ديمقراطية (تشوبها بعض النواقص)، ونسيج قوي لتحالفات سياسية وعسكرية مع دول اقليمية مثل سورية وحركات مقاومة مثل حزب الله وحماس.
الاشقاء في الخليج وبعض الدول العربية عارضوا بشدة الغزو العراقي للكويت باعتباره هيمنة الكبير على الصغير، ووجود تنافر كبير بين منهجي الحكم في البلدين واخيرا عدم جاذبية النموذج العراقي السياسي والاجتماعي بالنسبة الى الكثير من الدول الخليجية وشعوبها المنفتحة غربياً والمحافظة سياسيا، لكن هل النموذج السعودي اكثر جاذبية بالنسبة الى الدول الخليجية الاخرى حتى تندمج فيه؟ بمعنى آخر هل تتخلى الكويت عن ديمقراطيتها، وقطر عن حريتها المتنامية، والبحرين عن مرونتها الاجتماعية الانفتاحية والامارات عن اقتصادها الحر والمنفتح على العالم كله؟
الدول الاوروبية تتسابق للخروج من العباءة الشيوعية والتخلص من ارثها وادرانها والانضمام الى نموذج الوحدة الاوروبية، لانه نموذج ينطوي على الكثير من الفوائد ويشكل كتلة اوروبية صلبة في مواجهة قوى عظمى جديدة تتبلور في الصين والهند وروسيا والبرازيل علاوة على امريكا. فلماذا يحدث العكس حاليا في مجلس التعاون الخليجي، حيث انسحبت الامارات وسلطنة عمان من العملة الخليجية الموحدة، والخلافات السعودية الاماراتية الحدودية في ذروتها، والتنقل بالبطاقة الشخصية ما زال يواجه العثرات.
التجربة الاوروبية الوحدوية حققت نجاحا كبيرا لان الدول الكبرى تواضعت امام الصغرى، والدول الغنية ساعدت اقتصاديات الدول الفقيرة لرفع مستواها المعيشي والتنموي لتسهيل انضمامها الى الاتحاد الاوروبي (اسبانيا، البرتغال، اليونان)، ولم تصر هذه الدول الكبرى على ان يكون مقر الاتحاد في عواصمها، بل اقامت مؤسساته في اصغر الدول. فهل نرى اوجه شبه في تجربة مجلس التعاون الخليجي؟
' ' '
نتمنى ان نرى نموذجا سعوديا جاذبا وليس طاردا للدول الخليجية الصغيرة. ولكن هناك شروطاً اساسية، وضرورة، لا بد من توفرها في هذا النموذج السعودي، ابرزها توفير الحماية العسكرية الذاتية لاي اتحاد ينشأ، وتحقيق اصلاحات ديمقراطية جذرية، واحترام حقوق الانسان، واطلاق الحريات، وتوسيع المشاركة في نظام الحكم امام القوى الشعبية، واقامة قضاء عادل مستقل، وفوق كل هذا وذاك 'التواضع' والانفتاح عربيا، والتفاعل مع قضايا المنطقة بشكل ايجابي، وليس العزلة التي نراها حاليا.
النموذج السعودي اذا اراد ان يكون نقطة جذب لدول الخليج الصغيرة، عليه ان يؤسس جيشا قويا، يفرض هيبة البلاد على جوارها، ويتصدى لاي اطماع داخلية او خارجية، ويقود الامة للتصدي للغطرسة الاسرائيلية، وما نراه الآن مختلف بدليل ان معظم الدول الخليجية الصغيرة اضطرت الى توقيع معاهدات دفاع مشترك وبشكل منفرد مع الولايات المتحدة، بعد ان ادركت بعد غزو العراق للكويت ان الشقيقة الكبرى لا تستطيع حمايتها.
فاجأنا الامير سلمان بن عبد العزيز امير منطقة الرياض، بتصريح ادلى به اثناء زيارته قبل اسبوعين لاوسلو، ردا على سؤال احد الصحافيين عما اذا كانت المملكة تبحث عن دور، قال فيه ان المملكة لا تبحث عن دور.. بل ان الادوار تبحث عنها'.
نتمنى ان تتجاوب المملكة مع اي من هذه الادوار التي 'تطاردها' حاليا، وتتوسل اليها مثل انهاء الحصار على مليوني مسلم في قطاع غزة، وتحرير المقدسات في القدس، والتصدي للغطرسة الاسرائيلية، تماما مثلما تفعل تركيا وايران حاليا، فالمملكة بحكم مكانتها الاسلامية أولى من هؤلاء بهذا الدور. فاذا فعلت ذلك، فانه ليس المطلوب من الدول الخليجية الصغيرة الانضواء تحت رايتها وانما الدول العربية الاخرى كبيرة كانت او صغيرة.
القدس العربي
6/15/2010


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.