وزير الخارجية يبحث في العراق فتح خط جوي مباشر ومشاريع اتفاقيات في مجال النقل    أبحاث جارية مع الإعلامييْن برهان بسيس ومراد الزغيدي    تسجيل عودة قرابة 2500 أجنبيا من أفارقة جنوب الصحراء الى بلدانهم منذ بداية السنة (الحرس الوطني)    41 % هي نسبة شعور الشباب بالظلم    مع الشروق .. زيت يضيء وجه تونس    سوسة: أيّام تكوينية لفائدة شباب الادماج ببادرة من الجمعية التونسية لقرى الأطفال "أس أو أس"    تطاوين: إجماع على أهمية إحداث مركز أعلى للطاقة المتجددة بتطاوين خلال فعاليات ندوة الجنوب العلمية    سليانة: الأمطار الأخيرة ضعيفة ومتوسطة وأثرها على السدود ضعيف وغير ملاحظ (رئيس قسم المياه والتجهيز الريفي)    ماسك يوضح تأثير العاصفة الشمسية الجيومغناطيسية الكبرى على أقمار "ستارلينك"    قيادات فلسطينية وشخصيات تونسية في اجتماع عام تضامني مع الشعب الفلسطيني عشية المنتدى الاجتماعي مغرب-مشرق حول مستقبل فلسطين    الجمعية التونسية للفضاء: الشمس تطلق توهجات قوية باتجاه الأرض    النادي الافريقي: فك الارتباط مع المدرب منذر الكبير و تكليف كمال القلصي للاشراف مؤقتا على الفريق    النادي الافريقي - اصابة حادة لتوفيق الشريفي    بطولة الاردن المفتوحة للقولف - التونسي الياس البرهومي يحرز اللقب    فظيع : تاكسيست يحول وجهة طفل يجرده من ملابسه ويعتدى عليه بالفاحشة داخل سيارته !!    6 سنوات سجنا لقابض ببنك عمومي استولى على اكثر من نصف مليون د !!....    كيف قاومت بعض الدول الغش في الامتحانات وأين تونس من كل هذا ...؟؟!!.    الدورة 33 لشهر التراث: تنظيم ندوة علمية بعنوان "تجارب إدارة التراث الثقافي وتثمينه في البلدان العربيّة"    تنظيم الدورة 35 لأيام قرطاج السينمائية من 14 إلى 21 ديسمبر 2024    مهرجان الطفولة بجرجيس عرس للطفولة واحياء للتراث    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    نحو 6000 عملية في جراحة السمنة يتم اجراؤها سنويا في تونس تشمل اغلبها اجانب (رئيس الجمعية التونسية لجراحة السمنة)    مدير مركز اليقظة الدوائية: سحب لقاح استرازينيكا كان لدواعي تجارية وليس لأسباب صحّية    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    أسعارها في المتناول..غدا افتتاح نقطة بيع من المنتج إلى المستهلك بالعاصمة    المهدية.. إفتتاح "الدورة المغاربية للرياضة العمالية والسياحة العائلية"    سليانة.. يحول مستودع لتخزين الغلال الى مستودع لتجميع محركات السيارات    الجامعة التونسية لكرة القدم تسجل عجزا ماليا قدره 5.6 مليون دينار    غدا الاحد.. انقطاع التيار الكهربائي بعدد من المناطق من ولاية المنستير    لويس إنريكي.. وجهة مبابي واضحة    عاجل : رفض الإفراج عن المدير العام الأسبق للمصالح المختصة بالداخلية    رئيس الجامعة بالنيابة جليّل: اعجاب كبير بعمل الوحيشي وسنبقي عليه    نيوزيلندا تتخذ إجراءات عاجلة لمواجهة العاصفة الشمسية الجيومغناطيسية الكبرى    مدير عام المجمع الكيميائي : ''نقل الفسفاط يعدّ المشكل الحقيقي''    يوم تاريخي في الأمم المتحدة: فلسطين تنتصر.. العالم يتحرر    صفاقس: الإحتفاظ بشخصين من أجل مساعدة الغير على إجتياز الحدود البحرية خلسة    استشهاد 20 فلسطينياً في قصف للاحتلال على وسط قطاع غزة..#خبر_عاجل    تونس تشهد موجة حر بداية من هذا التاريخ..#خبر_عاجل    القصرين: بطاقة إيداع بالسجن في حق شخص طعن محامٍ أمام المحكمة    مهرجان ريم الحمروني للثقافة بقابس.. دورة الوفاء للأثر الخالد    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    من الأعماق..الفنان الخالد بلقاسم بوقنة: عاش عزيزا متعففا ... ورحل في صمت !    مسيرة فنية حافلة بالتنوّع والتجدّد...جماليات الإبدالات الإبداعية للفنان التشكيلي سامي بن عامر    الجزائر تتوقع محصولا قياسيا من القمح    البطولة العربية لألعاب القوى تحت 20 عاما : تونس ترفع رصيدها الى 5 ميداليات    طقس السبت: ارتفاع طفيف في درجات الحرارة    38 مليار دينار ايرادات الضرائب.. الجباية تسعف المالية العمومية    بعيداً عن شربها.. استخدامات مدهشة وذكية للقهوة!    تونس تشدّد على حقّ فلسطين في العضوية الكاملة في منظمة الأمم المتّحدة    بايدن يخطئ مجددا و"يعين" كيم جونغ رئيساً لكوريا الجنوبية    الكريديف يعلن عن الفائزات بجائزة زبيدة بشير للكتابات النسائية لسنة 2023    في تونس: الإجراءات اللازمة لإيواء شخص مضطرب عقليّا بالمستشفى    نرمين صفر تتّهم هيفاء وهبي بتقليدها    وزير السياحة يؤكد أهمية إعادة هيكلة مدارس التكوين في تطوير تنافسية تونس وتحسين الخدمات السياحية    منبر الجمعة .. الفرق بين الفجور والفسق والمعصية    خطبة الجمعة .. لعن الله الراشي والمرتشي والرائش بينهما... الرشوة وأضرارها الاقتصادية والاجتماعية !    إتحاد الفلاحة : '' ندعو إلى عدم توريد الأضاحي و هكذا سيكون سعرها ..''    دراسة: المبالغة بتناول الملح يزيد خطر الإصابة بسرطان المعدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفساد آفة العصر : سليم الحص
نشر في الفجر نيوز يوم 21 - 06 - 2010

اللافت لا بل الفاجع أن ظاهرة استشراء الفساد في لبنان أضحت من المسلمات التي لا تخضع لخلاف أو جدل، ومن آيات ذلك أن الثري محترم في المجتمع بصرف النظر عن كيفية اكتسابه ثروته، وكثيراً ما يختلط الأمر في الأحاديث اليومية في صفوف الناس بين الإثراء غير المشروع والشطارة .
وقد يزج بأحدهم في السجن بموجب أحكام قضائية، وتبقى مكانة الجاني محفوظة في المجتمع . لا بل كانت هناك حالة أصدر مجلس النواب تشريعاً يتيح الإفراج عن جان محكوم بقضايا قتل، وبقي الجاني محافظاً على مكانته في المجتمع ولم يكن لما ارتكب في حياته من جرائم وآثام أي تأثير على مسار حياته أو تصرفه .
وأكثر اللبنانيين يدركون أن ثمة معاملات في الدولة لا يمكن إنجازها إلا برشى صريحة تدفع لأصحاب القرار في الإدارة وأحياناً في مواقع سياسية رفيعة . واستشراء الفساد في المجتمع اللبناني آل إلى تسليم عام بوجوده، فلا مساءلة ولا محاسبة بالمعنى الجدي للكلمة . في الواقع أن آليات المساءلة والمحاسبة إما هزيلة أو غائبة أو مغيبة، فالقضاء هو المرجع الأساسي للمساءلة والمحاسبة على هذا الصعيد، إلا أن الواقع أن القضاء لم يكن فاعلاً على الوجه المطلوب في أداء هذه المهمة . وهناك آليات متخصصة في هيكلية الإدارة من المفترض أن تكون مكملة للقضاء في هذا المضمار، من مثل هيئة التفتيش المركزي والمجلس التأديبي وحتى مجلس الخدمة المدنية على صعيد مراقبة أداء الإدارة الحكومية بوجه عام .
بالطبع قلما وجد بلد في العالم كان بريئاً من آفة الفساد كلياً . فحتى أرقى المجتمعات في العالم لم يخلُ من وجود فاسدين ومفسدين . وسلامة المجتمع، أي مجتمع، هي بالضرورة ذات مفهوم نسبي، فيكون المجتمع أقل أو أكثر فساداً من سواه وفق معايير معينة، والدراسات والتقارير التي وضعت حتى الآن من جانب مؤسسات داخلية أو خارجية صنفت لبنان من المجتمعات التي يشتد فيها الفساد قياساً إلى حال مجتمعات أخرى في الشرق الأوسط وفي العالم .
لعل استفحال ظاهرة الفساد جعل مكافحتها عملية بالغة التشابك والتعقيد، فالفساد إذ يبدو غامراً بتغلغله في مفاصل المجتمع لا تعود مكافحته أمراً هيناً أو ميسوراً، وهذا ينطبق على لبنان كما ينطبق على عدد لا يستهان به من الأقطار العربية الشقيقة . ولقد أنشئت في بيروت منذ بضع سنوات المنظمة العربية لمكافحة الفساد وسُميت رئيساً لها، فلم تستطع أن تسجل حتى الآن تقدماً مرموقاً على صعيد مكافحة هذه الآفة جرّاء الصعوبات الجمّة التي تواجهها عمليات التحقيق في حالات الفساد بفعل الاصطدام باعتبارات شائكة: من ذلك القوانين التي تحمي خصوصيات الناس، أو التي تضع في أيدي المخالفين سلاح التهويل بالمطالبة بالعطل والضرر والمقاضاة على تشويه السمعة أو الإساءة أو الافتراء، ومن ذلك أن المتهمين قد يكونون من المسؤولين في الدولة، وربما من كبارهم وأشدهم شأواً .
ثم إن أي محاولة لمكافحة الفساد لن تجدي في أجواء لا تدين الفاسد أو المفسد كما هي الحال في لبنان وسائر المجتمعات العربية إلى حد ما . فأي توجه جدي لمكافحة الفساد لا بد أن يرمي أول ما يرمي إلى تصحيح واقع مجتمعاتنا التي لا تدين الفاسد أو المرتكب وتختلط لديها مفاهيم التجاور والعمل غير المشروع والشطارة .
إننا ندعو الحكومة اللبنانية، حاضراً ومستقبلاً، إلى إيلاء موضوع الفساد اهتماماً منهجياً بهدف كسر الحلقة المفرغة التي جعلت أي جهد في هذا السبيل مهدراً وبلا طائل . والعمل المطلوب لا بد أن يوجه إلى تعزيز القيم الأخلاقية في المجتمع بحيث يكون للمجتمع موقف صارم من قضايا الفساد، فيدين الفاسد والمفسد وينبذه . وكثيراً ما كانت الأديان تؤدي هذا الدور فتجعل من ضمائر الناس سداً منيعاً يحول دون تفاقم مشكلة الفساد في المجتمع . فكان لانحسار الأديان والتدين في المجتمعات تحت ضغط التطورات العصرية أثر سلبي على قدرة المجتمعات على درء مدّ الفساد عن المجتمعات العصرية . وللمدرسة والتربية الوطنية عموماً دور مشهود في توطيد أسباب المناعة في المجتمعات في وجه تعاظم موجات الفساد والإفساد النابعة من نسيج المجتمع أو الوافدة إليه من الخارج .
ومكافحة الفساد تفترض أيضاً وجود آليات فعّالة لمحاربته داخل النظام السياسي والإداري والقانوني المطبق . وأول الشروط التي ينبغي توافرها من أجل تفعيل هذه الآليات الفصل بين السلطات . فحيث تختلط السلطات، السلطة الإجرائية أو التنفيذية مع السلطة التشريعية والسلطة القضائية فإن فعالية مكافحة الفساد تغدو عرضة للتضاؤل والتآكل . وفي بلادنا كثيراً ما تتداخل السلطات على نحو يؤول إلى اضمحلال فعالية المكافحة . فكثيراً ما تغيب الفوارق العملية بين السلطة الإجرائية والسلطة القضائية، فتكون الأجهزة القضائية خاضعة إلى حد ملموس إلى السلطة الإجرائية أو التنفيذية . وكثيراً ما تتلاشى الفوارق بين السلطة التشريعية والسلطة الإجرائية فتنتفي معها فعالية المساءلة والمحاسبة على الصعد الإدارية والسياسية وخلافها . ونظامنا في لبنان حافل بالشواهد على مثل هذه الحالات .
مكافحة الفساد قضية في منتهى الحيوية، فهي تتعلق بتماسك المجتمع وكرامته وثقته بنفسه . فلا يجوز في حال من الأحوال إغفالها أو التقليل من خطورتها أياً تكن الاعتبارات . علينا جميعاً أن نتجند لمكافحة الفساد بكل الوسائل المتاحة . فإن لم نفعل فإننا نكون قد اخترنا طريق الانتحار وطنياً .
* رئيس وزراء لبنان الأسبق، رئيس المنظمة العربية لمكافحة الفساد
الخليج:الاثنين ,21/06/2010


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.