شوقي الطبيب ينهي اعتصامه بدار المحامي ويقرر    العاصمة: إفتتاح واجهة لبيع زيت الزيتون الممتاز    الليلة: طقس مغيم والحرارة تتراوح بين 17 و25 درجة    اختفى منذ 1996: العثور على كهل داخل حفرة في منزل جاره!!    عاجل : مطار القاهرة يمنع هذه الفنانة من السفر الى دبي    للسنة الثانية على التوالي..إدراج جامعة قابس ضمن تصنيف "تايمز" للجامعات الشابة في العالم    دراسة : المبالغة بتناول الملح يزيد خطر الإصابة بسرطان المعدة    إزالة أكشاك فوضوية بمنطقتي سيدي علي المكي وشاطئ الميناء بغار الملح    هل الوزن الزائد لدى الأطفال مرتبط بالهاتف و التلفزيون ؟    الكاف: إخماد حريق بمعمل الطماطم    عاجل/ إصابة تلميذتين في حادث دهس بقفصة    عاجل/ فرنسا: قتلى وجرحى في كمين مسلّح لتحرير سجين    كميات الأمطار المسجلة بعدة ولايات خلال ال24 ساعة الماضية    سليانة: القبض على عنصر تكفيري    تونس تصنع أكثر من 3 آلاف دواء جنيس و46 دواء من البدائل الحيوية    بن عروس: جلسة عمل بالولاية لمعالجة التداعيات الناتجة عن توقف أشغال إحداث المركب الثقافي برادس    العجز التجاري يتقلص بنسبة 23,5 بالمائة    نبيل عمار يشارك في الاجتماع التحضيري للقمة العربية بالبحرين    قابس : اختتام الدورة الثانية لمهرجان ريم الحمروني    الكاف: يوم تحسيسي حول التغيرات المناخية ودعوة إلى تغيير الأنماط الزراعية    أعوان أمن ملثمين و سيارة غير أمنية بدار المحامي : الداخلية توضح    قضية انستالينغو :محكمة التعقيب تقرر تاجيل النظر    ستشمل هذه المنطقة: تركيز نقاط بيع للمواد الاستهلاكية المدعمة    الخميس القادم.. اضراب عام للمحامين ووقفة احتجاجية امام قصر العدالة    كل التفاصيل عن تذاكر الترجي و الاهلي المصري في مباراة السبت القادم    سوسة: تفكيك شبكة مختصّة في ترويج المخدّرات والاحتفاظ ب 03 أشخاص    بعد تغيير موعد دربي العاصمة.. الكشف عن التعيينات الكاملة للجولة الثالثة إياب من مرحلة التتويج    كأس تونس: تحديد عدد تذاكر مواجهة نادي محيط قرقنة ومستقبل المرسى    فتح تحقيق ضد خلية تنشط في تهريب المخدرات على الحدود الغربية مالقصة ؟    الرابطة الأولى: الكشف عن الموعد الجديد لدربي العاصمة    وادا تدعو إلى ''الإفراج الفوري'' عن مدير الوكالة التونسية لمكافحة المنشطات    أول امرأة تقاضي ''أسترازينيكا''...لقاحها جعلني معاقة    باجة: خلال مشادة كلامية يطعنه بسكين ويرديه قتيلا    عقوبة التُهم التي تُواجهها سنية الدهماني    المعهد النموذحي بنابل ...افتتاح الأيام الثقافية التونسية الصينية بالمعاهد الثانوية لسنة 2024    مدنين: انقطاع في توزيع الماء الصالح للشرب بهذه المناطق    تونس: 570 مليون دينار قيمة الطعام الذي يتم اهداره سنويّا    عاجل/ مستجدات الكشف عن شبكة دولية لترويج المخدرات بسوسة..رجلي اعمال بحالة فرار..    في إطار تظاهرة ثقافية كبيرة ..«عاد الفينيقيون» فعادت الحياة للموقع الأثري بأوتيك    منها زيت الزيتون...وزير الفلاحة يؤكد الاهتمام بالغراسات الاستراتيجية لتحقيق الأمن الغذائي ودعم التصدير    عاجل : أكبر مهربي البشر لأوروبا في قبضة الأمن    ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الصهيوني على غزة الى أكثر من 35 ألف شهيد وأكثر من 79 ألف جريح..    بقيمة 25 مليون أورو اسبانيا تجدد خط التمويل لفائدة المؤسسات التونسية    بادرة فريدة من نوعها في الإعدادية النموذجية علي طراد ... 15 تلميذا يكتبون رواية جماعية تصدرها دار خريّف    مبابي يحرز جائزة أفضل لاعب في البطولة الفرنسية    برشلونة يهزم ريال سوسيداد ويصعد للمركز الثاني في البطولة الإسبانية    الاحتفاظ بنفرين من أجل مساعدة في «الحرقة»    هام/هذه نسبة امتلاء السدود والوضعية المائية أفضل من العام الفارط..    الهند: مقتل 14 شخصاً بعد سقوط لوحة إعلانية ضخمة جرّاء عاصفة رعدية    الطواقم الطبية تنتشل 20 شهيداً جراء قصف للاحتلال الصهيوني على منازل جنوب قطاع غزة    نابل..تردي الوضعية البيئية بالبرج الأثري بقليبية ودعوات إلى تدخل السلط لتنظيفه وحمايته من الاعتداءات المتكرّرة    جراحة التجميل في تونس تستقطب سنويا أكثر من 30 ألف زائر أجنبي    نور شيبة يهاجم برنامج عبد الرزاق الشابي: ''برنامج فاشل لن أحضر كضيف''    مفتي الجمهورية... «الأضحية هي شعيرة يجب احترامها، لكنّها مرتبطة بشرط الاستطاعة»    أولا وأخيرا: نطق بلسان الحذاء    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الذكرى الخامسة لإحتلال العراق وإنطلاق المقاومة المسلّحة فيه :(1/2)

في الذكرى الخامسة لإحتلال العراق وإنطلاق المقاومة المسلّحة فيه :
الأهداف الإستراتيجيّة للحرب الإمبرياليّة على العراق
(1/2)
بقلم :د. عبدالله بنسعد
- تونس -
1. الإطار العام للحرب
يجب التأكيد أولا على أن الحرب التي تقودها أمريكا ضد العراق حاليا تهدف أساسا إلى تكريس ما يسمّي بالنظام العالمي الجديد ذو القطب الواحد الذي أتى ليعوّض الحرب الباردة التي دامت حوالي 40 سنة (من 1947 إلى 1989). وجوهر هذا النظام العالمي الجديد هو ما يعرف بالعولمة التي ترتكز على ثلاث مرتكزات : الفكر الواحد ، الفكر الليبرالي والإقتصاد الواحد ، إقتصاد السوق والثقافة الواحدة ، ثقافة الإستهلاك.
ولو نعد قليلا لقراءة التاريخ نجد أن الإستراتيجيين الأمريكيين وضعوا سنة 1947 (بعد نهاية الحرب العالمية الثانية) ما سمّي بسياسة الإعتراض (Politique d'endiguement) لمحاولة التصدّي للزحف الشيوعي في العالم. لكن بعد إنتصار الثورة المضادة في الإتحاد السوفياتي وتفكّكه إلى دويلات عديدة في أواخر الثمانينات ، كلّف بيل كلينتون (الذي صعد إلى دفّة الحكم سنة 1993) مستشاره للأمن القومي المدعو "أنطوني لايك" للبحث عن سياسة جديدة تأخذ بعين الإعتبار التحوّلات الحاصلة ، فتفتّحت قريحته عن سياسة جديدة سميت بسياسة التوسّع (Politique d'élargissement) أي توسيع نفوذ إقتصاد السوق.
أما الأسس التي ترتكز عليها هذه السياسة فهي الآتية :
 ضرورة سيطرة الولايات المتحدة على العالم سياسيا وإقتصاديا وذلك لفتح أقصى ما يمكن من الأسواق للشركات والإحتكارات الأمريكية لبيع منتوجاتها وتحقيق أقصى ما يمكن من الأرباح.
 ضرورة إعتماد الولايات المتحدة على المؤسسات المالية العالمية : البنك العالمي وصندوق النقد الدولي (الذان كلفا بفرض ما يسمى ببرامج الإصلاح الهيكلي للإقتصاد) إظافة إلى المنظمة العالمية للتجارة التي وقع بعثها سنة 1995 .
 ضرورة إستعمال الولايات المتحدة للحل العسكري كلما لزم الأمر ولو دون موافقة مجلس الأمن.
 ضرورة التشهير والتصدي لدول الشرّ (Les Etats voyous) التي ترفض هذا النظام العالمي الجديد.
نلاحظ إذا أن ما يقوم به الرئيس الأمريكي بوش حاليا ليس سوى تطبيق حرفي لهذه الأسس التي وضعها أنطوني لايك. إذا يتضح جليا أنه لا يمكن فهم ما يحدث الآن دون الوقوف عند التحوّل الإستراتيجي الذي حصل منذ سنة 1989 بإنتصار الثورة المضادة في الإتحاد السوفياتي وبقية بلدان أوروبا الشرقية وهو ما أدّى إلى إنفلات الرأسمالية من تحت عقالها حيث فسح لها المجال لمزيد نهب وإضطهاد الشعوب والأمم. وقد نظّر لذلك فرانسيس فوكوياما في كتابه : نهاية التريخ والإنسان الأخير (La fin de l'histoire et le dernier homme) ، حيث أكد على الإنتصار النهائي للفكر الليبرالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وبالتالي التأسيس لعالم ذي قطب واحد وهو ما ذهب إليه أيظا هنري كيسنجر في كتاب له حول السياسة الخارجية الأمريكية صدر له سنة 1995 حيث قال : « في بداية هذا القرن الجديد تتمتّع الولايات المتحدة الأمريكية بتفوّق لم يسبق لأي إمبراطورية في التاريخ أن بلغته ، من التسليح إلى المقاولات ومن العلوم إلى التكنولوجيا ومن التعليم إلى الثقافة ، أمريكا تتفوّق على كل العالم ». هذا هو إذا الإطار العام لهذه الحرب الإمبريالية الصهيونية الرجعية التي تخاض ضد العراق.
2. الأهداف الإستراتيجية
الأهداف الإستراتيجية نختزلها في ثلاث أهداف فقط :
* هدف إقتصادي : وضع اليد على منابع النفط
* هدف سياسي : السيطرة على العالم وفرض المخطط الإمبريالي-الصهيوني على منطقة الشرق الأوسط (الشرق الأوسط الكبير)
* هدف علمي-ثقافي : إغتيال »العقل العربي « وتكريس ثقافة الهزيمة والخنوع
1.2. الهدف الإقتصادي : وضع اليد على منابع النفط
البلدان المنتجة للنفط كما البلدان التي وضعا حظّها في طريق مرور أنابيب النفط تعرّضت أو ستتعرّض لدمار الحرب الإمبريالية إن هي رفضت مخططات الشركات المتعددة الجنسيات والتي تقف على رأسها الشركات الأمريكية. فالصناعة البترولية إحتلت دائما موقعا مؤثرا وسلطة قوية داخل الإدارات الأمريكية المتعاقبة إذ إنتمى كل وزراء خارجية أمريكا منذ الحرب العالمية الثانية إلى هذه الصناعة : جون فوستر 53-59 ، كريستيان هارتر 59-61 ، دين روكس 61-69 ، هنلري كيسنجر 73-77 ، سيروس فانس 77-80 ، ألكسندر هايق 81-82 جورج شولتز 82-89 وجيمس بيكر 89-94 . إثنان فقط لم ينتميا إلى هذا اللوبي أحدهما وزير الخرجية الحالي كولين باول.
لكن باول عوّضه رئيسه جورج وولكر بوش الذي ينتمي إلى عائلة من أهم العائلات المستثمرة في قطاع البترول في أمريكا. الشخصية الثانية في الحكومة الأمريكية الحالية التي تعتبر من الوزن الثقيل في هذا القطاع هو نائب الرئيس ديك تشيني الذي تراءس ولمدّة طويلة إحدى أهم الشركات البترولية في العالم وهي شركة "هالي بيرتون" المنتصبة في أكثر من 130 دولة والمشغّلة لحوالي 100 ألف موظّف. كما لا يمكن أن ننسى كونوليزا رايس التي كانت عضوة بمجلس إدارة إحدى الشركات النفطية الهامة وهي شركة "شوفرون" (Chevron). هكذا إذا وبعد أن وضعت يدها على منابع النفط في الخليج بعد الحرب الأولى حيث أصبحت لها قواعد عسكرية هامة ودائمة في مختلف بلدان الخليج ، كان لا بد للصناعة البترولية الأمريكية أن تحرّك الآلة العسكرية نحو العراق الذي يحتفظ بثاني أكبر إحتياطي نفط في العالم بعد السعودية (10.5 للعراق مقابل 24 % للسعودية) من ناحية ولجودة البترول العراقي وخاصة للإنخفاظ الكبير لكلفة إنتاجه مقارنة ببقية الدول من ناحية أخرى. فإستخراج برميل نفط عراقي لا يتجاوز ثمنه دولارا واحدا مقابل 6 دولارات لإستخراج برميل نفط سعودي ، كما أنه على كل 5 آبار في العراق 4 تنتج النفط مقابل 1 فقط على 5 في السعودية. إظافة إلى كل ذلك فإن حوالي 90 % من الأراضي العراقية لم يقع إستكشافها بعد أي أن البترول العراقي الحالي لا يهم إلا 10 % من الأراضي. كل هذه المؤشرات جعلت الإمبريالية تسعى بكل الطرق لوضع يدها على النفط العراقي وقد عبّر عن هذه الأطماع أحد أباطرة النفط في أمريكا المدعو "مايكل تيلينق" الذي قال «ليس من المعقول أن نهدر أموالا طائلة للبحث عن النفط هنا وهناك ونحفر مئات الأمتار في البحار والمحيطات بينما نعرف أن هناك مخزونا نفطيا يساوي 40 مليار برميل في العراق وعلى عمق قليل جدا». لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو : هل أمريكا في حاجة إلى كل هذا النفط والغاز لتشغيل وتسيير منشآتها ومركباتها ؟
الإجابة تكون طبعا بلا لأن منابع النفط والغاز لا تمثّل سوى سلاحا تستعمله الإمبريالية الأمريكية في صراعها مع بقية الإمبرياليات وكما قال "ميشال كولون : « من يريد السيطرة على العالم عليه السيطرة على منابع النفط أينما كانت ». فبالنسبة لأوربا يمثّل نفط الشرق الأوسط أهم مصدر لها حاضرا ومستقبلا إذ من المتوقّع أن تبلغ واردات أوروبا سنة 2010 ، 87 % من حاجياتها من النفط و 66 % من حاجياتها من الغاز. وقد إستغلت بعض الدول الأوروبية التي لها علاقات مع العراق لإستغلال حالة الحصار لعقد عديد عقود الإستكشاف في العراق مثل شركات طوطال وفينا وألف. روسيا أيظا إستغلت هذه الوضعية حيث عقدت أكبر شركة بترول روسية "لوك أويل" (Lukoil) عقدا هاما مع الحكومة العراقية الشرعية قبل سقوط بغداد لإستغلال حقل بترولي جنوب العراق به إحتياطي يبلغ حوالي 7.8 مليار برميل من النفط. إظافة إلى أن ديون العراق لدى روسيا تبلغ 12 مليار دولار وتعلم روسيا أن ديونها لا يمكن إستردادها إلا عن طريق النفط. أما بالنسبة للصين فإن الدراسات الإستراتيجية تؤكّد أنها ستصبح أكبر مستهلك للنفط والغاز في العالم مع حلول سنة 2015 حيث ستستهلك 3 أرباع الإنتاج النفطي العربي وذلك نتيجة نموها الإقتصادي الكبير الذي يفوق نمو البلدان الصناعية بنسب كبيرة (قدّرت نسبة نمو الإقتصاد الصيني سنة 2003 ب حوالي 10% بينما بلغت أعلى نسبة في البلدان الصناعية 1.5 % (ألمانيا). ولهذا يمكن أن نفهم سبب معارضة هذه المجموعة من الدول للحرب على العراق في مجلس الأمن. ولإستكمال مشروعها المتعلّق بوضع يدها على كل منابع النفط في العالم ، يجدر التذكير بالحرب المدمّرة التي إستهدفت أفغانستان بدعوى محاربة الإرهاب بينما الهدف هو الإقتراب أكثر ما يمكن من بلدان الإتحاد السوفياتي السابقة التي تحتفظ هي أيظا بإحتياطي كبير من النفط والغاز وهي كازاخستان وتركمانستان وطاجاكستان وأوزباكستان وأذربيدجان حيث يقدّر إحتياطي النفط بها ب 28 مليار برميل و 7000 متر مكعّب من الغاز. وإذا ألقينا نظرة على الخارطة الجغرافية نلاحظ بأن البلدان المذكورة موجودة شمال أفغانستان. لكن المشكل الذي يؤرّق الإدارة الأمريكية حاليا هي طرق مرور أنابيب النفط والغاز نحو الغرب فبإستثناء روسيا وإيران لا توجد دولة من تلك الدول المذكورة تملك منفذا على البحر وبالتالي فإنه ليس أمام أمريكا سوى حل واحد وهو بناء أنبوب يربط بين باكو عاصمة أذربيدجان وميناء صيحان التركي مرورا بجورجيا. وهو ما يفسّر الصراع الحالي الدائر بين أمريكا وروسيا على الساحة الجيورجية والذي يبدو أنّه حسم مبدئيّا لصالح الإمبريالية الأمريكيّة.
2.2. الهدف السياسي : السيطرة على العالم وفرض المخطط الإمبريالي-الصهيوني على منطقة الشرق الأوسط (مشروع الشرق الأوسط الكبير)
لأسباب منهجيّة يمكن تقسيم هذا الهدف إلى جزئين ، جزء يتعلّق بالسيطرة على العالم وجزء يتعلّق بفرض المخطط الإمبريالي-الصهيوني على منطقة الشرق الأوسط.
1.2.2. السيطرة على العالم وتثبيت النظام العالمي الجديد
من أجل السيطرة على العالم وتثبيت النظام العالمي الجديد الذي أتينا على ذكر تفاصيله ، قامت جمعية تعرف بإسم "مشروع القرن الأمريكي الجديد" (Projet pour le nouveau siècle américain) بوضع إستراتيجية تعرف بإسم "إستراتيجية القتل في المهد" (Tuer dans l'œuf) وذلك سنة 1995 ، وهذه الجمعية تضم العناصر المسيحيّة الأكثر تطرّفا داخل الإدارة الأمريكية والأكثر موالاة للصهيونية ، يمكن أن نذكر منها على السبيل الذكر لا الحصر : ديك تشيني نائب الرئيس الحالي، لويس لبّي مستشاره الخاص ، دونالد رامسفيلد وزير الدفاع ، بول وولفويتز مساعد وزير الدفاع ، بيتر رودمان سكريتير السياسة الخارجية ، فرانسيس فوكوياما صاحب كتاب نهاية التاريخ ، جاب بوش الأخ الأصغر للرئيس بوش وحاكم ولاية فلوريدا ، دان كايل نائب الرئيس بوش الأب ، فراد إيكلي نائب وزير الدفاع لدى بوش الأب وفرانك قافني ضابط بالبنتاغون والمعروف بعدائه الشديد للشيوعيين وللعرب تماما مثل كوندوليزا رايس التي قالت في إحدى تصريحاتها لقد ربّني جدّي على كره الشيوعيين والعرب. نلاحظ إذا أنّ الأغلبية الساحقة لهذا الفريق يمسكون اليوم بزمام الأمور بالبيت الأبيض وهم معروفون بفريق الصقور ونقرأ في التقرير الذي كتبوه ما يلي : « يجب أولا تحديد الدول التي تستطيع خلق ديناميكية جيوستراتيجية وبإمكانها تهديد النظام العالمي الحالي. وفي مرحلة ثانية وضع الإستراتيجية الضرورية لإحتواء هذه الدول أو إلجماها قبل أن تمثّل خطرا على الولايات المتحدة الأمريكية ». وقد تكفّل زبيقنيو بريجنسكي في كتابه الإستراتيجي الشهير "رقعة الشطرنج الكبرى" (Le grand échiquier) بتحديد هذه الدول التي تمثّل خطرا على موقع أمريكا في النظام العالمي الجديد وهي : الإتحاد الأوروبي ، اليابان ، روسيا والصين. وسنتناول هذه الدول واحدة بواحدة لنرى أهميتها الإستراتيجية وموقعها داخل النظام العالمي الجديد.
* أوروبا
تمثّل أوروبا في حال توحّدها فعليا قوّة إقتصادية وعسكرية وتكنولوجية وسياسية تظاهي أمريكا. فعلى سبيل المثال بلغ الناتج الداخلي الخام لدول أوروبا ال 15 سنة 2000 حوالي 7000 مليار دولار بينما لم يبلغ الناتج الداخلي الخام لأمريكا في نفس السنة سوى 5000 مليار دولار. كما أن مختلف بلدان أوروبا مازالت تحتفض بعلاقات جيدة مع مستعمراتها السابقة وهو ما يمثّل أسواقا هامة لها وخاصة في إفريقيا (فرنسا ، بلجيكيا ، البرتغال ، إيطاليا). إلا أن أوروبا ليست موحّدة إلا على المستوى الإقتصادي بينما تغيب هذه الوحدة على المستوى الإجتماعي وخاصة السياسي حيث نلاحظ أن هذه الدول لا تتكلّم لغة واحدة وهو ما برز في الموقف من الحرب على العراق حيث تقف أغلب الدول الأوروبية إلى جانب أمريكا (إنقلترا ، إيطاليا ، أسبانيا ، البرتغال ، الدنمارك ، هولندا ، اليونان...) بينما تقود فرنسا وألمانيا وبلجيكيا جبهة الرفض. وحسب إعتقادي فإن سبب عدم الوحدة الأوروبية الفعلية هو تعدد القوميات التي تتكوّن منها أوروبا وبالتالي فإن هذا الهدف لن يتحقق في ظل الظروف الحالية لأنه لا يمكن بتاتا توحيد قوميات متعددة على أساس برنامج إقتصادي ليبيرالي والتاريخ علّمنا أن التجربة الوحيدة التي توحدت على أساسها عدة قوميات هي تجربة الإتحاد السوفياتي التي قامت على أساس برناج إشتراكي. إظافة إلى هذا المعطى فإن أمريكا تعتمد في إستراتيجيتها على شق الصف الأوروربي والتأثير في القرارات على قواعدها العسكرية العديدة المتواجدة في إيطاليا وأسبانيا والبرتغال واليونان وإنقلترا وخاصة في ألمانيا بحوالي 70000 جندي منذ الحرب العالمية الثانية إظافة إلى علاقاتها المتميّزة مع إنقلترا التي تستعملها في كل مرّة لضرب أي قرار لا يخدم مصالح أمريكا وإظافة إلى دخول إنقلترا في الحرب فإنه يجدر التذكير بأنها بقيت الدولة الوحيدة الرافضة للعملة الأوروبية الموحّدة الأورو.
* اليابان
تمثّل اليابان ثاني الدول المحتملة لمواجهة أمريكا حسب الإستراتيجيين الأمريكيين. فمن الناحية الإقتصادية تعتبر اليابان الدولة التي شهدت قفزة نوعية لا مثيل لها منذ الحرب العالمية الثانية حيث أصبحت اليابان تسيطر على قطاعات إقتصادية هامة مثل صناعة السيارات والإلكترونيك وصناعة الروبوط (Robots) وغيرها. غير أن نفوذها السياسي ما زال هشا وهي تدور حاليا في فلك الولايات المتحدة. غير أن إتجاه اليابان في السنوات الأخيرة إلى الصناعة العسكرية والفضائية بدأ يثير إهتمام واشنطن وهي تنظر بعين الريب لذلك. غير أن السؤال الذي يؤرّق حاليا الإستراتيجيين الأمريكيين هو ماذا لو طلبت الحكومة أو الشعب الياباني ترحيل ال 43000 عسكري أمريكي المتواجدين في أراضيها منذ الحرب العالمية الثانية نظرا لإنتفاء سبب وجودها ؟
* روسيا
المنافس المحتمل الثالث للولايات المتحدة الأمريكية هي روسيا. فرغم الأزمة الإقتصادية والإجنماعية التي تتخبط فيها روسيا بعد التخلي عن النظام الإشتراكي الذي كان له الفضل في بناء الإتحاد السوفياتي والذي مثّل لنصف قرن عنصر توازن في العالم ، فإنها تحاول جاهدة لعب دور إقليمي ودولي أكثر فاعلية من بداية التسعينات. فمرّة تركب قطار الغرب بإنتهازية لتحقيق بعض المصالح الإقتصادية (الحصول على قروض...) ومرة أخرى تلعب ورقة خاصة بها تتمثّل في الضغط على أمريكا بالتلويح بالتحالف ، ولو بإنتهازية ، مع ما يسمّى بدول محور الشر (كوريا الشمالية ، إيران ...). لكن بالمقابل تلعب أمريكا حاليا ورقة الشيشان وذلك بدعم وتسليح المقاتلين الشيشان من ناحية وتأليب البلدان المجاورة الأخرى ضدها وخاصة جورجيا من ناحية أخرى. وأخشى ما تخشاه أمريكا حاليا هو عودة الحزب الشيوعي الروسي رغم تحريفيته إلى سدة الحكم خاصة وأنه يعتبر الحزب الأكثر تنظيما والأكثر جماهيرية.
ولقطع كل إمكانية إنفلات في روسيا يقترح زبيقنيو بريجنسكي العمل على تفكيك روسيا إلى ثلاث دول : واحدة أوروبية والثانية في سيبيريا والثالثة في الشرق الأقصى.
* الصين
يجمع كل الإستراتيجيين في أمريكا على أن الصين هي الأكبر الداهم الذي يهدّد مستقبل أمريكا. فالصين هي الدولة الأكثر سكانا في العالم وهي خاصة الدولة التي تحقق أعلى نسبة نمو في ظل هذا النظام العالمي الجديد ، إذ في الوقت الذي لم تتجاوز فيه نسبة نمو الإقتصاد الأمريكي منذ بداية التسعينات معدل 3 % في السنة ، تجاوزت الصين نسبة 10 % سنويا. الصين هي أيظا دولة مازال يحكمها حزب شيوعي ورغم تحريفيته فهو يحرص على ضمان الأمن القومي الصيني. تقول كوندوليزا رايس حول الصين ما يلي : « الصين هي تهديد حقيقي للمصالح الأمريكية في آسيا. صحيح أن قوتها العسكرية لا يمكن أن تظاهي القوة العسكرية الأمريكية لكن هذه الوضعية لن تدوم طويلا لأن الصين تعمل على قلب الأوضاع لصالحها في المستقبل. لذلك يجب أن نعتبر أن الصين هي العدو الإستراتيجي رقم واحد ». وتضيف قائلة : « يجب دفع الصين إلى تغيير نظامها الإشتراكي الحالي بنظام ليبرالي والسير بكل وضوح في نهج إقتصاد السوق والتخلي عن مشاريعها العسكرية والفضائية. لكن يجب أن نكون مستعدين في صورة عدم تمكننا من ذلك من المواجهة معها ». ربما نحن على أبوب حرب باردة ثالثة بين أمريكا والصين.
نصل الآن إلى الجزء الثاني من الهدف السياسي الذي ذكرناه في البدياة والمتعلق بفرض المخطط الإمبريالي-الصهيوني على منطقة الشرق الأوسط.
2.2.2. فرض المخطط الإمبريالي-الصهيوني على منطقة الشرق الأوسط عبر مشروع الشرق الأوسط الكبير
لا يمكن أن يخفى على أي متتبع لمجريات الأحداث أن إحدى أهداف الحرب الإمبريالية على العراق هي حماية الكيان الصهيوني رأس حربتها في الشرق الأوسط وتوسيع نفوذه في المنطقة. فهذا الكيان يمثّل المثال الساطع لجوهر العولمة التي تريد الإمبريالية فرضها على الشعوب والأمم المظطهدة. فالكيان الصهيوني يبيح لنفسه الإستحواذ على الأراضي الفلسطينية ، سرقة المياه ، الإعتداء على أبسط حقوق الإنسان ، الإحتفاظ بأسلحة الدمار الشامل ، الدوس على قرارات الأمم المتحدة ومستعملا كل أنواع الجرائم والإرهاب والتقتيل والتشريد دون رادع. فما يعيشه شعبنا العربي في فلسطين هو حرب إبادة بكل ما في هذه الكلمة من معنى دون أن تحرّك الدول التي ترفع شعار حقوق الإنسان ومقاومة الإرهاب وعلى رأسها أمريكا أي ساكن وحتى المنظمة الأممية إنخرطت في هذه السياسة حيث إعتبر التقرير الصادر عنها أن ما إرتكبه الجيش الصهيوني في مخيم جنين لا يدخل في خانة جرائم الحرب رغم الصور التلفزية الفاضحة التي تبيّن كيف وقع تهديم المنازل على ساكنيها. فالظروف الآن مواتية أكثر من أي وقت مضى لفرض ما سمّي "بالنظام الشرق أوسطي" الذي لا يعني في الحقيقة إلا التطبيع مع الكيان الصهيوني كمقدّمة لدمجه في الدورة الإقتصادية والسياسية والثقافية العربية ويصبح بالتالي المحور الذي يرتكز عليه النظام العالمي الجديد في المنطقة حسب المنظور الأمبريالي. فبعد أن وقع إمضاء إتفاقيات "سلام" بين الكيان الصهيوني من ناحية ومصر والأردن من ناحية أخرى وبعد أن وقع تدمير الترسانة العسكرية والقاعدة الإقتصادية للعراق وبعد ربط الأنظمة الخليجية بركاب أمريكا إقتصاديا وسياسيا لم يبقى إلا تدمير المقاومة وتصفية القضية الفلسطينية نهائيا. وتدمير المقاومة الفلسطينية لا يقتصر فقط على المجازر وعمليات الإغتيال ومحاولة القضاء على المنظمات الفلسطينية الراديكالية (أنظر ما تتعرّض له الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين) بل يمر أيظا عبر المخطط السياسي الذي تحاول الإمبريالية فرضه على شعبنا العربي في فلسطين عبر القيادات العميلة للإمبرياليّة والصهيونيّة والرجعيّة العربيّة إذ تقول كوندوليزا رايس "الفلسطنيون في حاجة إلى قيادة جديدة قادرة على القيام بالإصلاحات الضرورية مثلما حصل في صربيا وأفغانستان".
فهذان النظامان الذان هما من "صنع أمركي" (Made in USA) لم يقوما فقط بتصفية المعارضين للمخطط الإمبريالي بل قاما بإلقاء القبض على العديد من القادة المناهضين لذلك المخطط وتسليمهم لأمريكا لمحاكمتهم محاكمة غير عادلة أو لإعدامهم تحت التعذيب.
وقد سقطت القيادة الفلسطينية في هذه اللعبة بإيقاف عشرات المقاتلين والمناضلين وعلى رأسهم الرفيق أحمد سعادات الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الذي وقع إيقافه دون أي تهمة وتسليمه إلى المخابرات الأمريكية والإنقليزية التي تحبسه في سجن يعرف بإسم غوانتانامو فلسطين رغم معارضة المجلس الوطني الفلسطيني من ناحية وقرار الرفض الصادر عن المحكمة العليا الفلسطينية ويدخل ذلك في إطار هذه السياسة الجديدة التي تعتمد على "تحقيق الأهداف بأقل التكاليف" (Atteindre les objectifs avec le minimum de dégats). لكن أمريكا تعرف أن ضمان نجاح هذا المخطط مرتبط شديد الإرتباط بالقضاء على العراق وتفتيه إلى كنتونات على شاكلة المثال اليوغسلافي.
إذ تشير العديد من التقارير أن المخطط الأمريكي يرمي إلى تقسيم العراق إلى ثلاث دول : دولة كردية في الشمال ودولة شيعية في الجنوب ودولة سنية في الوسط. أما في علاقة بالقضية الفلسطينية فإن هذا المخطط يمكّن من نفي جزء من الفلسطنيين إلى الدولة السنية في وسط العراق كجزء من الحل المتعلّق بتصفية القضية الفلسطينية.
3.2. الهدف العلمي-الثقافي : تأبيد التخلّف بتدجين أو إغتيال العلماء العراقيين (أو مثلما يسميه البعض إغتيال »العقل العربي« ) وتكريس ثقافة الهزيمة والخنوع
أعتقد بأن الإمبريالية الأمريكية إتعضت من تجاربها السابقة مع ألمانيا واليابان إبان الحرب العالمية الثانية. فقد ركّزت أمريكا تدخلّها على الجانب العسكري بأن ركّزت قواعد عسكرية كبيرة بهاتين الدولتين لكنها لم تنتبه إلى أن الشعبين الياباني والألماني عوّضا الهزيمة العسكرية بنصر علمي وتكنولوجي منقطع النظير وهو ما جعلهما الآن يتبوّآن المراتب الأولى عالميا في العديد من القطاعات الإقتصادية وخاصة في المجالات التكنولوجية والمعلوماتية.
لذلك لاحظنا التركيز الملفت للإنتباه للإمبرياليّة الأمريكية في حربها مع العراق، قبل الإحتلال العسكري وعن طريق لجان التفتيش ، على العلماء العراقيين لا لمسائلتهم عن برامج السلّح فقط وإنما أساسا لحصر عددهم والتعرّف على كل التفاصيل التي تخصّهم ثم المرور في مرحلة ثانية إلى إغرائهم للعمل لصالحها أو إغتيالهم بكل بساطة لمنع كل إمكانية إنفلات كتلك التي حصلت في اليابان وألمانيا. والدليل على ذلك هو عدم إقتصار البحث عن العلماء المرتبطين ببرامج التسلّح العسكري بل تعدى ذلك إلى العلماء العاملين في كل المجالات من الطب إلى الفلاحة إلى الأدوية وغيرها من القطاعات التي لا علاقة لها تماما بالجوانب العسكرية. وتعلم أمريكا أن العراق يضم آلاف العلماء والخبراء (يقدّر عدد العلماء العراقيين بين 5 و 7 آلاف قبل الإحتلال) الذين حققوا نتائج باهرة خلال الحصار وخاصة في المجالين الفلاحي و الطبي. وأعتقد بأن إحدى مهام الجيش الأمريكي في العراق هي كيفية التعامل مع العلماء الذين رفضوا التعاون مع أمريكا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.