منذ قرنين من الزمان ساعدت الثورتان الأميركية والفرنسية في إبراز المفهوم القانوني الطبيعي الخاص بحقوق الإنسان الثابتة. إلا أن الأمر استغرق قرنين من الحروب، والكوارث السياسية والاجتماعية، ثم التحرر من الاستعمار، قبل أن تحظى هذه الفكرة بالقبول على مستوى العالم، أو على الأقل من حيث النظرية. في البداية كانت فكرة حقوق الإنسان محصورة في السياسة الداخلية. أما على صعيد العلاقات الدولية فقد ظلت القوة، وليس الحق، تشكل القيمة الوحيدة الحقيقية: حيث كان المفهوم التقليدي لسيادة الدولة يركز بصورة شاملة على القوة، أو بعبارة أخرى فرض السيطرة على الناس والأرض، وحماية سلطة الدولة، بصرف النظر عما إذا كان ذلك يتم بأسلوب متحضر أو وحشي، ديمقراطي أو استبدادي. كانت محاكمات نورمبيرغ لمجرمي الحرب الألمان بعد الحرب العالمية الثانية بمثابة التغيير الأول المهم في فهم العالم لمفهوم السيادة. فللمرة الأولى خضعت قيادات دولة بالكامل للمحاكمة عن جرائمها. كانت محاكمات نورمبيرغ، ثم في ذات الوقت تأسيس الأممالمتحدة، وإعلانها العالمي لحقوق الإنسان، بمثابة الإشارة إلى تعاظم أهمية القانون في إدارة العلاقات الدولية. ولم تعد السيادة تعتمد على القوة وحدها، بل لقد تزايد اعتمادها على القانون واحترام حقوق المواطنين. تجمدت هذه العملية إلى حد كبير أثناء الحرب الباردة التي دامت خمسة عقود من الزمان. بيد أن أهمية حقوق الإنسان وحكم القانون عادت إلى البروز من جديد باعتبارها الموضوع الرئيسي للسياسة الغربية، خاصة في أعقاب مؤتمر هلسنكي حول الأمن والتعاون الأوروبيين، ثم استخدامها من جانب رئيس الولاياتالمتحدة جيمي كارتر، علاوة على العديد من المنظمات غير الحكومية التي احتجت على المعاملة التي يلقاها المنشقون السوفييت. وتجسدت الخطوة الثانية الكبرى في نشوء مفهوم التدخل لأسباب إنسانية بعد حملة التطهير العرقي التي شهدتها رواندا وحروب البلقان التي دارت أثناء تسعينيات القرن العشرين. ونتيجة لهذا، اعترف القانون الدولي بِ"حق الحماية" ضد استبداد الحكومات وجرائم الدولة ضد شعبها، ولو أن مسألة فرض هذا الحق ظلت غير مؤكدة إلى حد كبير. وأخيراً أدت نفس التطورات في السياسة الدولية والقانون الدولي إلى إنشاء محكمة العدل الدولية. ومع إنشاء هذه المحكمة، نتيجة لخبرات طويلة ورهيبة، قطع المفهوم الأساسي للحداثة شوطاً طويلاً والحداثة هنا تعني أن سلطة الدولة وحكامها لابد وأن تكون خاضعة لحكم قانون أعلى، وبالتالي وضع حقوق الأفراد فوق سيادة الدولة. لم يكن هذا التطور من قبيل المصادفة بأي حال من الأحوال. ففي مواجهة التحديات الشمولية الاستبدادية المتمثلة في الفاشية والشيوعية أثناء القرن العشرين، أدركت أوروبا والولاياتالمتحدة أن حكم القانون، والفصل بين السلطات، والديمقراطية من العوامل الحاسمة في تحديد السياسة الخارجية، وتشكل أهمية عظمى من وجهة نظر الأمن الدولي. فقد أثبتت الأنظمة الديمقراطية أنها أكثر مسالمة من الأنظمة الاستبدادية والدكتاتورية. بيد أن كل ما تحقق من تقدم حتى الآن أصبح اليوم مهدداً. إذ أن نهضة الصين وعودة روسيا إلى البروز على الساحة الدولية من الأمور التي تشير إلى عدم وجود ارتباط لازم بين التنمية الاقتصادية من ناحية، وبين الحداثة السياسية والثقافية من ناحية أخرى. ويبدو النجاح الاقتصادي المبهر الذي أحرزته الصين بصورة خاصة وكأنه إشارة إلى وجود بدائل شمولية عملية للفكرة الغربية التي تربط بين الحرية والديمقراطية وحكم القانون واقتصاد السوق. والحقيقة أن نجاح الصين يشير إلى أن الحداثة الانتقائية أمر ممكن (أو الحداثة على طريقة الاختيار من القائمة بعبارة أخرى)، ويسمح للدول باختيار تطبيق عناصر الحداثة التكنولوجيا، والاقتصاد الحديث، والبنية الأساسية، والمؤسسات السياسية، والقيم السياسية التي تراها مناسبة لظروفها. إلا أن الحداثة بالاختيار ليست أكثر من مجرد وهم. ويبدو أن أنصار هذه الفكرة قد نسوا التجارب التي شهدها النصف الأول من القرن العشرين، حين جربت كل من ألمانياوروسيا تطبيق الحداثة بأساليب استبدادية وكانت النتائج مأساوية. إن الحداثة غير قابلة للتجزئة في الأمد المتوسط: فإما أن تحظى بكل عناصرها أو لا شيء منها على الإطلاق. والحقيقة أن التغيرات التكنولوجية والاجتماعية العميقة التي أطلقتها قوى الحداثة تخلق نوعاً من التوتر غير القابل للانحلال في النهاية في غياب الاستجابات المعيارية والمؤسسية اللائقة. وليس لنا أن نستثني الصين وروسيا اليوم من هذه القاعدة. إذ أن أعراض مرض الحداثة الانتقائية تتجلى بوضوح في الفساد المتفشي في كل من الدولتين. فالصين، على سبيل المثال، تواجه مصاعب متزايدة في التصدير بسبب عجزها عن السيطرة على سلامة منتجاتها، وهذا العجز يرجع إلى الفساد إلى حد كبير. وبدون الالتزام بصحافة حرة وجهاز قضائي مستقل فلابد وأن تتفاقم هذه الصعوبات. وقبل أن يمر وقت طويل لابد وأن تضطر الحداثة "الموجهة" (الاستبدادية بين قوسين) إلى السماح بحكم القانون والفصل بين السلطات، وإذا لم يحدث ذلك فلسوف تظل الدولة معتمدة على ارتفاع أسعار النفط والغاز، حتى تنزلق إلى صراع وحشي على السلطة، والنفوذ، والمال. فضلاً عن ذلك فلن تتمكن احتياطيات روسيا من النفط والغاز ولا سياساتها الإمبراطورية من إيقاف انحدار روسيا. ففي غياب المؤسسات الديمقراطية العاملة، سوف يكون مصير محاولة روسيا التالية في انتقاء عناصر الحداثة الفشل في النهاية، تماماً كما انتهت الحال بالاتحاد السوفييتي. في عصر العولمة الذي يعيشه القرن الحادي والعشرين، حيث قد تنتشر الأزمات من جزء ما من العالم إلى بقية أجزائه كانتشار النار في الهشيم، تصبح الحداثة الانتقائية، القائمة على قمع الصراعات والتوترات التي تولدها الحداثة، أشد خطراً. ورغم أن أعظم المخاطر التي تهددت السلام العالمي كانت سياسات القوة والمنافسة الاقتصادية منبعاً لها، إلا أن المخاطر والتهديدات أصبحت اليوم تنشأ على نحو متزايد من العواقب الإقليمية والعالمية المترتبة على التفسخ السياسي والاجتماعي للدول المستقرة، وانحدار أنظمتها المعيارية والمؤسسية، والإيديولوجيات الاستبدادية الجديدة. ولهذا السبب أصبح التضارب بين "الواقعيين" و"المثاليين في السياسة الخارجية، وبين أنصار القوة "الصارمة" و"الناعمة" شيئاً من الماضي. ومما لا شك فيه أن العديد من الدول ما زالت تتبنى سياسات تقليدية قائمة على المصلحة. إلا أن مثل هذه السياسات سوف تصبح بالتدريج أقل قدرة على ضمان السلام والاستقرار في المستقبل. وفي القرن الحادي والعشرين سوف تصبح حقوق الإنسان مغزولة مع الأمن في نسيج واحد لا يمكن حله. وهذه هي العولمة، أو بعبارة أخرى، الاعتماد المتبادل بين البشر الذين بلغ تعدادهم 6.5 مليار نسمة، يتقاسمون اقتصاداً عالمياً واحداً ونظاماً واحداً في إدارة الدولة. ü يوشكا فيشر وزير خارجية ألمانيا ونائب مستشارها السابق أثناء الفترة من 1998 إلى 2005، وزعيم حزب الخضر في ألمانيا لمدة تقرب من العشرين عاماً. بروجيكت سنديكيت التحرير : من هو يوشكا فيشر : يوشكا فيشر: من سائق تاكسي إلى وزير خارجية يوشكا فيشر من يساري مشاغب إلى وزير خارجية ألمانيا: يوشكا فيشر السياسي الألماني المحنك ورجل المهام الصعبة. على الرغم من الجدل الكبير حول ماضيه، إلاّ أنه يبقى شخصية سياسة استطاعت فرض نفسها في الوسط السياسي الألماني
ينحدر يوشكا فيشر من عائلة ألمانية هنغارية اضطرت لترك بودابست إلى ألمانيا في عام 1946. ترك يوشكا (أو يوسف باللغة الهنغارية) المدرسة عام 1965 قبل إنهائه للمرحلة الثانوية. التحق بعد ذلك بمدرسة للتصوير في مدينة فِلباخ، لكنه تركها أيضا عام 1966.
فيشر والحركة الطلابية
كان فيشر أحد ناشطي التيار اليساري في السبعينيات من القرن الماضي، حيث انخرط عام 1967 في الحركة الطلابية وانتسب إلى المعارضة من خارج البرلمان (APO). عاش منذ عام 1968 في مدينة فرانكفورت كعامل مؤقت واستمع إلى محاضرات كل من أدورنو وهابرماس. كما تعمق في دراسة كتابات ماركس وماو وهيغل. أثناء عمله في شركة Adam Opel AG في روزلسهايم عام 1971 حاول تأسيس خلية من العمال المسيسيين للقيام بثورة، لكن مخططه باء بالفشل وطرد من عمل. حتى عام 1975 كان عضواً في أقصى يسار مجموعة "النضال الثوري" وشارك المشاغب اليساري في كثير من اشتباكات شوارع واعترف لاحقاً أنه سدد بعض اللكمات إلى رجال الشرطة ولكنه لم يمارس الإرهاب. وشارك فيشر عام 1969 في الجزائر في مؤتمر لمنظمة التحرير الفلسطينية. مارس يوشكا فيشر عدة أعمال منها مترجم روايات لدى دار نشر، ثم عمل في فرانكفورت حتى عام 1981 كسائق تاكسي و حتى عام 1982 كمساعد في مكتبة بيع كتب في فرانكفورت. تم إلقاء القبض عليه في 14 أيار/ مايو 1976 إثر إلقاء زجاجة حارقة على شرطيين و إصابتهما بجراح خطيرة، إلا أن حبسه لم يدم سوى يومين. أثناء إقامته في فرانكفورت نشأت صداقته مع دانيل كون بينيديت المسئول الطلابي الألماني الفرنسي.
فيشر وحزب الخضر
قبل انضمامه إلى حزب الخضر الذي لم يمضي على تأسيسه سوى وقت قصير آنذاك، قام فيشر مع دانيل كون بينيديت وآخرين بتأسيس مجموعة أو "حزب سياسة الواقع" التي تؤمن برؤية الواقع واتخاذ القرارات السريعة وفقاً للحقائق الموجودة والملموسة على أرض الواقع. وكان حزب الخضر قد تأسس في 13 يناير / كانون الثاني من عام 1980 من تحالف أو اندماج مجموعات "الحركات الشعبية الجديدة" في ذلك الوقت. وتؤمن أيديولوجية حزب الخضر بالمجتمع والبيئة والديموقراطية واللاعنف في حل النزاعات. وفي عام 1983 استطاع الخضر الدخول في البرلمان الألماني كحزب بعد حصولهم على نسبة 5.6 من الأصوات أي على 27 مقعداً في البرلمان. في عام 1979 تأسس حزب "الخضر" على المستوى الاتحادي. وانضم عام 1993 مع "تحالف 90" الممثل في الولايات الألمانية الشرقية ليشكلا حزباً واحدًا.
فيشر وزيراً للخارجية
بعد تكوين أول حكومة تحالف بين حزب الخضر والحزب الاشتراكي الديموقراطي (SPD) في ولاية هيسن في عام 1985، أصبح فيشر وزيراً للبيئة والطاقة في هذه الولاية، وفي عام 1991 وزيراً للبيئة في نفس الولاية ونائباً لرئيس الوزراء فيها. وبعد انتهاء حكم التحالف المكون الحزب المسيحي الديموقراطي (CDU) والحزب الديموقراطي الليبرالي (FDP) والذي دام 16 عاماً برئاسة هيلموت كول، حلت مكانها أول حكومة تحالف مؤلفة من الحزب الديموقراطي الاشتراكي (SPD) وحزب نحالف الخضر (Bündnis 90 / Die Grünen) للمرة الأولى في تاريخ ألمانيا. وتم تعيين يوشكا فيشر في عام 27 أكتوبر / تشرين الأول عام 1998 من قبل المستشار الحالي غيرهارد شرودر نائباً له ووزيراً للخارجية. وكان فيشر قد تعرض لانتقادات شديدة من داخل حزبه عندما وافق على إرسال قوات عسكرية من الجيش الألماني إلى كوسوفو، حيث يتنافى ذلك مع مبادئ الحزب الداعية إلى السلم في فض النزاعات.
غيرهارد شرودروقد أوقع فيشر المعروف بحلال المشاكل نفسه مؤخراً في مشكلة كبيرة كادت تكلفه مركزه السياسي عندما اضطر للخضوع أمام لجنة تحقيق برلمانية للدفاع عن دوره في فضيحة التأشيرات في السفارات الألمانية في أوروبا الشرقية. -------- نقلا عن