أمين قارة يكشف سبب مغادرته قناة الحوار التونسي    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو إلى تنظيم تظاهرات طلابية تضامنًا مع الشعب الفلسطيني    مصر.. تصريحات أزهرية تثير غضبا حول الشاب وخطيبته وداعية يرد    خط تمويل ب10 مليون دينار من البنك التونسي للتضامن لديوان الأعلاف    وزيرة الاقتصاد والتخطيط تترأس الوفد التونسي في الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية    وزير الخارجية يتناول مع وزير المؤسسات الصغرى والمتوسطة الكامروني عددا من المسائل المتعلقة بالاستثمار وتعزيز التعاون الثنائي    صادم/ العثور على جثة كهل متحللة باحدى الضيعات الفلاحية..وهذه التفاصيل..    رئيس الاتحاد المحلي للفلاحة ببوعرقوب يوجه نداء عاجل بسبب الحشرة القرمزية..    ملامحها "الفاتنة" أثارت الشكوك.. ستينيّة تفوز بلقب ملكة جمال    القصرين: مشاريع مبرمجة ببلدية الرخمات من معتمدية سبيطلة بما يقارب 4.5 ملايين دينار (معتمد سبيطلة)    فرنسا تعتزم المشاركة في مشروع مغربي للطاقة في الصحراء    الرابطة الأولى: تشكيلة النادي البنزرتي في مواجهة نجم المتلوي    دورة اتحاد شمال افريقيا لمنتخبات مواليد 2007-2008- المنتخب المصري يتوج بالبطولة    وزيرة التربية تطلع خلال زيارة بمعهد المكفوفين ببئر القصعة على ظروف إقامة التلاميذ    القطب المالي ينظر في اكبر ملف تحيل على البنوك وهذه التفاصيل ..    سيدي حسين : قدم له يد المساعدة فاستل سكينا وسلبه !!    استقرار نسبة الفائدة الرئيسية في تركيا في حدود 50%    بي هاش بنك: ارتفاع الناتج البنكي الصافي إلى 166 مليون دينار نهاية الربع الأول من العام الحالي    سيدي بوزيد: انطلاق فعاليات الاحتفال بالدورة 33 لشهر التراث بفقرات ومعارض متنوعة    صفاقس : "الفن-الفعل" ... شعار الدورة التأسيسية الأولى لمهرجان الفن المعاصر من 28 إلى 30 أفريل الجاري بالمركز الثقافي برج القلال    الناطق باسم محكمة تونس يوضح أسباب فتح تحقيق ضد الصحفية خلود مبروك    بنزرت: الافراج عن 23 شخصا محتفظ بهم في قضيّة الفولاذ    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم السبت 27 أفريل    خبير تركي يتوقع زلازل مدمرة في إسطنبول    المجلس المحلي بسيدي علي بن عون يطالب السلطات بحل نهائي لإشكالية انقطاع التيار الكهربائي    استشهاد شابين فلسطينيين وإصابة اثنين آخرين بنيران الاحتلال الصهيوني غربي "جنين"..#خبر_عاجل    عاجل/ نحو إقرار تجريم كراء المنازل للأجانب..    هوغربيتس يحذر من زلزال قوي خلال 48 ساعة.. ويكشف عن مكانه    طقس السبت: ضباب محلي ودواوير رملية بهذه المناطق    عاجل/ الحوثيون يطلقون صواريخ على سفينتين في البحر الأحمر..    كيف نتعامل مع الضغوطات النفسية التي تظهر في فترة الامتحانات؟    "حماس" تعلن تسلمها رد الاحتلال حول مقترحاتها لصفقة تبادل الأسرى ووقف النار بغزة    مانشستر سيتي الانقليزي يهنّئ الترجي والأهلي    فضاءات أغلقت أبوابها وأخرى هجرها روادها .. من يعيد الحياة الى المكتبات العمومية؟    أخبار الملعب التونسي ..لا بديل عن الانتصار وتحذير للجمهور    ابتكرتها د. إيمان التركي المهري .. تقنية تونسية جديدة لعلاج الذقن المزدوجة    الكاف..جرحى في حادث مرور..    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    طقس الليلة    تسجيل مقدّمة ابن خلدون على لائحة 'ذاكرة العالم' لدى اليونسكو: آخر الاستعدادات    عاجل/ ايقاف مباراة الترجي وصانداونز    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    الرابطة 1 ( تفادي النزول - الجولة الثامنة): مواجهات صعبة للنادي البنزرتي واتحاد تطاوين    منظمات وجمعيات: مضمون الكتيب الذي وقع سحبه من معرض تونس الدولي للكتاب ازدراء لقانون البلاد وضرب لقيم المجتمع    بطولة الرابطة 1 (مرحلة التتويج): حكام الجولة الخامسة    وزارة التجارة تتخذ اجراءات في قطاع الأعلاف منها التخفيض في أسعار فيتورة الصوجا المنتجة محليا    مدير عام وكالة النهوض بالبحث العلمي: الزراعات المائية حلّ لمجابهة التغيرات المناخية    أكثر من 20 ألف طالب تونسي يتابعون دراساتهم في الخارج    تقلص العجز التجاري الشهري    أخصائي في أمراض الشيخوخة: النساء أكثر عُرضة للإصابة بالزهايمر    تُحذير من خطورة تفشي هذا المرض في تونس..    عاجل : القبض على منحرف خطير محل 8 مناشير تفتيش في أريانة    دورة مدريد : أنس جابر تنتصر على السلوفاكية أنا كارولينا شميدلوفا    أمين قارة: إنتظروني في هذا الموعد...سأكشف كلّ شيء    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حلاوة الإيمان : عبد الحميد العداسي
نشر في الفجر نيوز يوم 25 - 09 - 2010


بسم الله الرحمن الرّحيم
يقول الحبيب المصطفى صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم، في ما رواه عنه أنس بن مالك رضي الله عنه: "ثلاث من كنّ فيه وجد بهنّ حلاوة الإيمان: مَن كان اللهُ ورسولُه أحبّ إليه مما سواهما، ومن أحبّ عبدا لا يحبّه إلا لله، ومن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار"... حديث استفتح به الشيخ أبو أحمد، ثمّ انطلق معرّفا الإيمان بما أجاب به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على سؤال جبريل عليه السلام الذي جاء يعلّم الصحابة - بأسئلته - دينهم كما بيّن ذلك رسول الله، فقد أجاب صلّى الله عليه وسلّم لمّا سئل: فأخبرني عن الإيمان: "أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ"... والإيمان كما عرّفه علماؤنا هو قول باللسان وتصديق بالجنان (أي القلب) وعمل بالجوارح والأركان... فمن قال بلسانه واكتفى كان جهميا، ومن قال وصدّق دون عمل كان مرجئا، والصواب أن يتحقّق الإيمان – كما رأى وأجمع عليه أهل السنّة والجماعة – بثلاثة عناصر هي قول وتصديق وعمل... والإيمان يزيد وينقص كما بيّن العلماء، فهو يزيد بالإحسان وينقص بالعصيان...

وأمّا حلاة الإيمان فهي تتحقّق بما جاء في قوله صلّى الله عليه وسلّم:

- حبٌّ لله ولرسوله لا يضاهيه حبّ لغيرهما: فقد روى البخاري وغيره عن عقيل زهرة بن معبد أنه سمع جده عبد الله بن هشام قال: كنا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب فقال له عمر يا رسول الله لأنت أحب إليّ من كل شيء إلّا من نفسي، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحبّ إليك من نفسك"، فقال له عمر فإنه الآن والله لأنت أحبّ إليّ من نفسي. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "الآن يا عمر"، أي لا يتحقّق حبّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلاّ بغياب الندّ في حبّه، وأنّ حبّ الرّسول من حبّ الله تعالى... وحبّ الله تعالى يكون باتّباع الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، بتنفيذ الأوامر واجتناب النّواهي... والوقّاف يرى الأوامر والنّواهي خمسا: نهي عن حرام ونهي عن مكروه وبالوسط مباح يليه مستحبّ (وهو من مقتضى الإيمان) ثمّ واجب (وهو من مقتضى الإسلام)

- حبّ المرء لله: ف"إنّ أوثق عرى الإيمان أن تحب في الله وتبغض في الله"، كما بيّن ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم... وفي الحديث الآخر: "من أعطى لله ومنع لله وأحب لله وأنكح لله فقد استكمل إيمانه"... وفي الحديث الصحيح المشهور عن أبي هريرة رضي الله عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "خرج رجل يزور أخا له في الله عزّ وجلّ في قرية أخرى فأرصد الله عزّ وجلّ بمدرجته ملكا فلما مر به قال: أين تريد؟ قال: أريد فلانا. قال لقرابة؟ قال: لا. قال: فلنعمة له عندك تربها؟ قال: لا. قال: فلم تأتيه؟ قال: أني أحبه في الله. قال فإني رسول الله إليك أنه يحبك بحبك إياه فيه"... وعلامات الحبّ تتلخّص في النصرة وعدم الخذلان مهما كانت الملابسات والظروف والمواقف والفتن المعترضة...

- الكره الشديد للكفر وللعودة فيه: ولعلّ موقف سيّنا بلال بن رباح، وما لاقاه من عنت وتعذيب وإيذاء وثباته على "أَحَدٌ... أَحَدٌ" يغنينا عن كلّ تفسير وبيان...

نسأل الله زيادة الإيمان وحلاوته، ونسأله أن يثبّت قلوبنا على دينه...


كنتم خير أمّة أخرجت للنّاس...

بسم الله الرحمن الرّحيم

عن مجاهد أن أبا هريرة كان يقول: آلله الذي لا إله إلا هو إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع ولقد قعدت يوما على طريقهم الذي يخرجون منه، فمر أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا ليشبعني فمر ولم يفعل، ثم مر بي عمر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا ليشبعني فمر ولم يفعل، ثم مر بي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم فتبسم حين رآني وعرف ما في نفسي وما في وجهي ثم قال: "يا أبا هر". قلت لبيك يا رسول الله قال: "الحق". ومضى فاتبعته، فدخل فاستأذن فأذن لي فدخل فوجد لبنا في قدح، فقال: "من أين هذا اللبن؟". قالوا أهداه لك فلان أو فلانة. قال: "أبا هر" ! قلت: لبيك يا رسول الله. قال: "الحق إلى أهل الصفة فادعهم لي". قال وأهل الصفة أضياف الإسلام لا يأوون على أهل ولا مال ولا على أحد إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئا وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها فساءني ذلك، فقلت: وما هذا اللبن في أهل الصفة كنت أحق أنا أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها فإذا جاء أمرني فكنت أنا أعطيهم وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن. ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم بد، فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا فأذن لهم وأخذوا مجالسهم من البيت، قال: "يا أبا هر". قلت: لبيك يا رسول الله! قال: "خذ فأعطهم". قال: فأخذت القدح فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتى يروى ثم يرد علي القدح فأعطيه الرجل فيشرب حتى يروى ثم يرد علي القدح فيشرب حتى يروى ثم يرد علي القدح حتى انتهيت إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم وقد روي القوم كلهم، فأخذ القدح فوضعه على يده فنظر إلي فتبسم فقال: "أبا هر". قلت: لبيك يا رسول الله... قال: "بقيت أنا وأنت". قلت صدقت يا رسول الله. قال: "اقعد فاشرب". فقعدت فشربت. فقال: "اشرب". فشربت فما زال يقول "اشرب"، حتى قلت: لا والذي بعثك بالحق ما أجد له مسلكا! قال: "فأرني"، فأعطيته القدح فحمد الله وسمى وشرب الفضلة.

يقول الشيخ أبو أحمد أنّه كان بصدد النظر في تفسير قوله تعالى: "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ"، وكان النّظر فيه بمناسبة عزمه على الكلام عن الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر... وقد وجد فيما وجد أنّ الخطاب خاصّ بجيل الصحابة عليهم الرضوان، فيما قال الرأي الثاني أنّ الخطاب للصحابة ولعموم المسلمين المنتسبين للأمّة... وقد حرّضه الرّأي الأوّل على تصفّح سيرة صحابة كانوا خير أمّة أخرجت للنّاس!... فوجدهم قد ملكوا الدنيا فوضعوها في أيديهم دون أن تعمر قلوبهم، فكانوا يطوّعونها لخدمة أغراض آخرتهم ولنشر رسالتهم في دنياهم... وقد توقّف بالمناسبة مع أبي هريرة راوي الحديث أعلاه وموضوعه. فقد كان جائعا رغم أنّه كان من ملاّك الدنيا...

وقد توقّف الشيخ مع عناصر مهمّة في الحديث أجملها فيما يلي:

- معرفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه ولظروف أصحابه، فقد كان يفهمهم دون حاجة إلى كلام منهم، كما ظهر هنا جليّا مع أبي هريرة رضي الله عنه، فإنّ أبا بكر وعمر لم ينتبها إلى مقصده من السؤال عن آية في القرآن يعرف هو معناها، ولكنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم بادره باستدعائه إلى البيت وهو يرى ما به من جوع ألجأه إلى اعتراض المارّة من إخوانه...

- "يا أبا هرّ"، ترخيم (وهو أن تحذف من الاسم حرفا أو أكثر) فيه ملاطفة من الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، تُشعر المخَاطب بالقرب والأمن والمحبّة... ونظير ذلك كثير عنده صلّى الله عليه وسلّم كما في الحديث الذي رواه محمد بن قيس بن مخرمة عن عائشة رضي الله عنها قالت: ألا أحدثكم عني وعن النبيّ صلى الله عليه وسلم؟ قلنا: بلى. قالت: لما كانت ليلتي التي هو عندي - تعني النبيّ صلى الله عليه وسلم - انقلب فوضع نعليه عند رجليه ووضع رداءه وبسط طرف إزاره على فراشه فلم يلبث إلا ريثما ظن أني قد رقدت ثم انتعل رويدا وأخذ رداءه رويدا ثم فتح الباب رويدا وخرج فأجافه رويدا، وجعلت درعي في رأسي واختمرت وتقنعت إزاري وانطلقت في أثره فجاء البقيع فرفع يديه ثلاث مرات وأطال القيام ثم انحرف فانحرفت فأسرع فأسرعت وهرول فهرولت فأحضر فأحضرت وسبقته فدخلت. فليس إلا أن اضطجعتُ فدخل فقال: "مالك يا عائش حشيا رابية"؟! قالت: لا. قال: لتخبريني أو ليخبرني اللطيف الخبير! قلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي، فأخبرته الخبر. قال: فأنت السواد الذي رأيت أمامي؟ قالت: نعم. فلهدني في صدري لهدة أوجعتني. ثم قال: أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله؟ قلت: مهما يكتم الناس فقد علمه الله. قال: نعم! فإنّ جبريل أتاني حين رأيت ولم يكن يدخل عليك وقد وضعت ثيابك فناداني فأخفى منك فأجبته فأخفيت منك وظننت أن قد رقدت وخشيت أن تستوحشي فأمرني أن آتي أهل البقيع فأستغفر لهم... وفي الحديث، "مالك يا عائش حشيا رابية"؟! ولم يقل يا عائشة... وقد يلتي الترخيم للزجر والتوبيخ!..

- "من أين هذا اللبن؟":دقّق أيّها المسلم في مصادر رزقك فلا تأكل إلاّ حلالا!.. فإنّ الله لا يستجيب لدعاء آكل الحرام والواقع في الشبهات... ولقد وجدنا آثار هذا الخلق عند صحابته الأجلاّء، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان لأبي بكر غلام يخرج له الخراج وكان أبو بكر يأكل من خراجه فجاء يوما بشيء فأكل منه أبو بكر فقال له الغلام تدري ما هذا؟ فقال أبو بكر وما هو؟ قال كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية وما أحسن الكهانة إلا أني خدعته فلقيني فأعطاني بذلك فهذا الذي أكلت منه فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شيء في بطنه... رضي الله عنه وأرضاه.

- "الحق إلى أهل الصفة فادعهم لي".. ليست هذه الأولى في مواقف الرّسول صلّى الله عليه وسلّم المعبّرة عن عنايته بإخوانه (رعيّته)، فهو لا يأكل صلّى الله عليه وسلّم حتّى يأكلوا ولا يشبع إلاّ إذا شبعوا، ولعلّكم تذكرون قصّة العناق أيّام الخندق فقد أخبر سعيد بن ميناء قال: سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: لما حفر الخندق رأيت بالنبيّ صلى الله عليه وسلم خمصا شديدا فانكفأت إلى امرأتي فقلت هل عندك شيء فإني رأيت برسول الله صلى الله عليه وسلم خمصا شديدا؟ فأخرجت إليّ جرابا فيه صاع من شعير ولنا بهيمة داجن فذبحتها وطحنت الشعير ففرغت إلى فراغي وقطعتها في برمتها ثم وليت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت لا تفضحني برسول الله صلى الله عليه وسلم وبمن معه. فجئته فساررته فقلت يا رسول الله ذبحنا بهيمة لنا وطحنا صاعا من شعير كان عندنا فتعال أنت ونفر معك. فصاح النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: "يا أهل الخندق إنّ جابرا قد صنع سورا فحيّ، هلا بكم". فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تنزلنّ برمتكم ولا تخبزن عجينتكم حتى أجيء". فجئت وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم الناس حتى جئت امرأتي. فقالت بك وبك (أي لامته) فقلت قد فعلت الذي قلتِ، فأخرجت له عجينا فبصق فيه وبارك ثم عمد إلى برمتنا فبصق وبارك ثم قال: "ادع خابزة فلتخبز معي واقدحي من برمتكم ولا تنزلوها". وهُم ألف، فأقسم بالله لقد أكلوا حتى تركوه وانحرفوا وإنّ برمتنا لتغط كما هي وإنّ عجيننا ليخبز كما هو... رواهالبخاري ومسلم وخيرهما من الصحاح.

- "اقعد فاشرب"، في هذه لمسة بيانيّة!... فقد أشار الشيخ أنّ القعود يكون من وقوف وأمّا الجلوس فيكون من اتّكاء أو اضطجاع!... فمن كان واقفا قعد، ومن كان مستلقيا أو متّكئا جلس، كما في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره عن ابن أبي بكرة عن أبيه رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟!". (ثلاثا)... قالوا بلى يا رسول الله. قال: "الإشراك بالله وعقوق الوالدين - وجلس وكان متكئا فقال - ألا وقول الزور". قال: فما زال يكررها حتى قلنا ليته يسكت!...

- فحمد الله وسمى وشرب الفضلة: فيها فضائل الأخلاق وفنون الإمرة والإمارة، فبعد أن شبع قومه (رعيته)، وتمتّع بهم يراهم يشبعون، حمد الله على ذلك وعلى أن جعله رسولا، له من الكرامات ما بها الله أطعم رعيّته من جوع، علّمنا صلّى الله عليه وسلّم البدء باسم الله، وعلّمنا كيف تكون الإمارة والقيادة... فقد شرب صلّى الله عليه الفضلة، ولم يشرب ما في الإناء ليترك لرعيّته الفضلة!...

مراكب السير إلى الله

شهادة التوحيد [لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله] تقتضي العبادة والاتّباع: عبادة الله القائل: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ"، واتّباع الرّسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم الذي ارتبطت طاعة الله ومحبّته باتّباعه كما في قوله جلّ وعلا "قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ"... والإنسان أو المسلم على وجه الخصوص وهو يكدح إلى الله ويحثّ الخطى باتّجاهه كما قال ربّ العزّة تعالى: "يَا أَيُّهَا الإنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ" يركب – كما قال الشيخ أبو أحمد حفظه الله – مراكب ثلاثة، إمّا مركب الخوف وإمّا مركب الرّجاء وإمّا مركب الحبّ، وقد رأى راكبِي مركبَي الخوف والرّجاء قد ركبا مركب الطمع في الله - والجميع يطمع في الله سبحانه وتعالى، فإنّه لا يدخل أحدٌ الجنّة بعمله كما بيّن ذلك محمّد بن عبدالله صلّى الله عليه وسلّم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما منكم من أحد ينجيه عمله) فقال له رجل: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: (ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته ولكن سددوا) – وهو مركب أقلّ قيمة من مركب الحبّ... فإنّ راكب مركب الطمع شديد الاتّصال بالفرص الموسميّة، فتراه مثلا يُقبل على الله في رمضان بالصلاة والقيام ومختلف الطاعات حتّى إذا انقضى الشهر، أقلع أو ضمر مردوده. وأمّا راكب مركب الحبّ فأداؤه لا يتغيّر، ذلك أنّه يعبد معبودا أحبّه في رمضان وفي غير رمضان... فمقام مركب الحب أعلى وأجلّ من مقام الخوف والرجاء، وإن كان حال السواد الأعظم من النّاس إن لم نقل كلّ النّاس قد وقع بين الخوف والرّجاء!... قال عمر رضي الله عنه: لو نادي مناد من السماء: أيها الناس، إنكم داخلون الجنة إلا رجلا واحدا لخفت أن أكون أنا هو، ولو نادى مناد من السماء: أيها الناس، إنكم داخلون النار كلكم إلا رجلا واحدا لرجوت أن أكون أنا هو...

قال الشيخ أبو أحمد، وكما أنّ سفر الرّجل في الدنيا يقتضي منه التزوّد في المحطّات بما يساعد مركبه على الحركة، كالبنزين والزيوت وغيرذلك ممّا تتطلّبه الصيانة، فإنّ مركب السير إلى الله يحتاج كذلك إلى محطّات تزوّد يتمّ بفضلها ضمان الوصول إلى الله – إن شاء الله – وقد يمّن كتابه ورجا يسر حسابه، قال جلّ وعلا: "فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا"... وقالت عائشة رضي الله عنها: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بعض صلاته: "اللَّهُمَّ حَاسِبْنِي حِسَابًا يَسِيرًا"، فلما انصرف قلت: يا رسول الله ما الحساب اليسير؟ قال: "يُنْظَرُ فِي كِتَابِهِ، وَيُتَجَاوَزُ عَنْهُ، إنَّهُ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ يَوْمَئِذٍ يا عَائِشَةُ هَلَكَ"... وإنّ من أهمّ تلكم المحطّات – كما قال الشيخ - التوبة المتجدّدة والاستغفار المستمرّ، فإنّ "كل بني آدم (وفي رواية كلّ ابن آدم) خطاء، وخير الخطائين التوابون" كما جاء في الحديث الذي رواه أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسّنه الشيخ الألباني رحمه الله... وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنّ عبدا أصاب ذنبا فقال: يا رب إني أذنبت ذنبا فاغفره لي فقال له ربه: علم عبدي أنّ له ربا يغفر الذنوب ويأخذ به فيغفر له ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنبا آخر ودعا قال: ثم أذنب ذنبا آخر فقال: يا رب إني أذنبت ذنبا فاغفره لي قال له ربه: علم عبدي أنّ له ربا يغفر الذنب ويأخذ به فغفر له ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنبا آخر وربما قال: ثم أذنب ذنبا آخر فقال: يا رب إني أذنبت ذنبا فاغفره لي فقال له ربه: علم عبدي أنّ له ربا يغفر الذنب ويأخذ به فقال ربه: غفرت لعبدي فليعمل ما شاء... وليس معنى هذا أن يتواكل العبد فيستهين بكرم ربّه، فقد كان الرّسول صلّى الله عليه وسلّم – وهو الذي قد غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر – يجتهد في الطاعة ويقوم الليل حتّى تتورّم قدماه. فقد جاء في الصحيح أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قام حتى تورمت قدماه، قالوا (أو قالت له عائشة): قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر! قال: أفلا أكون عبدا شكورا!.. ثمّ أفاد الشيخ بأنّ التوبة قد يصرف عنها غفلةٌ وجهلٌ مفضٍ إلى القنوط، فمن جهل كرم الله وعفوه وصفحه ومغفرته قنط من رحمته فأعانه ذلك على الاستمرار في معصيته، وذكر هنا قصّة ذلك الرجل الذي قتل تسعا وتسعين نفسا، وكيف أيأسه الرّاهب بجهله في التوبة فأكمل به المائة فقتله، ثمّ استشار عالما فرغّبه في التوبة مبيّنا له أنّ الله يغفر للعبد ما لم يغرغر مشيرا عليه ناصحا بمغادرة البلدة التي هو فيها لما فيها من السوء وأهل السوء، وفي هذا تأصيل إلى الهجرة بمعنييها الأوّل (قبل الفتح) والثاني (بعد الفتح)، وقد جاء في سنن البيهقي ما رواه معاوية رضي الله عنه عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: "لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها"... وأمّا الذي يشجّع على التوبة فهي المحاسبة المستمرّة للنّفس، فمن حاسب نفسه بالنظر في نِعَم الله وما قابلها منه من شكر، أدرك لا محالة تقصيره فتاب منه وتاب من كلّ ما ترتّب عليه، وأمّا الذي فرح بعمله فقد صعّب عليه المحاسبة وجعل نفسه تتخلّص من قيودها حتّى لتكاد ترديه عياذا بالله تعالى!...

يتبع بإذن الله تعالى...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.