من كل قلبه الموجوع كان يضحك الأستاذ فتحي محمد الذي يعمل مدرساً في الأونروا، وهو يقول: أفهم أن لفظة "أتحدى" تعني القوة والصلابة، ونفاذ الإرادة، والتحدي تعني المواجهة في الحرب، ولفظة "التحدي" في اللغة تعني الغضب، والبأس الشديد، فكيف تحول مدلول اللفظة في السياسة الفلسطينية إلى معاني الإذعان والتذلل والخنوع؟ أضاف الأستاذ فتحي مدرس التاريخ قائلاً: استمعت قبل يومين للسيد محمود عباس، وكان يتحدث بلا خوفٍ أو وجلٍ، ويقول بصوت مجلجل: إنني أتحدى "نتانياهو" أن يثبت أننا لم ننفذ أي التزام من التزاماتنا، وأنا أتحدى إن كانت إسرائيل قد نفذت التزاماً واحداً. إن إسرائيل تقوم بأعمال أحادية الجانب منذ عقود، فيما نحن نفذنا كل التزاماتنا. أمر مضحكٌ حقاً أن يكون التحدي في مجال الإذعان، والتفاخر بتنفيذ المطلوب، بينما (الطرف الآخر) لم ينفذ شيئاً، لأنه لا يرى في الذي يتحداه نداً، ولا يحسبه جديراً! لقد أعادت إسرائيل إلى لفظة التحدي مدلولها الحقيقي حين تحدث "عاموس يادلين" الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية في الكيان الصهيوني، وتحدى جميع العرب وهو يقول: لقد نظمنا خط إيصال السلاح للقوى الانفصالية في جنوب السودان، ودرّبنا العديد منها، وقمنا أكثر من مرة بأعمال إسناد لمساعدتهم، ونشرنا هناك في الجنوب ودارفور شبكات رائعة وقادرة على الاستمرار بالعمل إلى ما لا نهاية، ونشرف حاليا على تنظيم (الحركة الشعبية) هناك، وشكلنا لهم جهازاً أمنياً استخبارياً ". ويضيف عاموس وهو يتحدى: لقد نشرنا شبكات التجسس في كل من ليبيا وتونس والمغرب، والتي أصبح فيها كل شيء في متناول أيدينا، وهي قادرة على التأثير السلبي أو الإيجابي في مجمل الأمور في هذه البلاد. أما في مصر، الملعب الأكبر لنشاطاتنا، فإن العمل تطور حسب الخطط المرسومة منذ عام 1979، فلقد أحدثنا الاختراقات السياسية والأمنية والاقتصادية والعسكرية في أكثر من موقع، ونجحنا في تصعيد التوتر والاحتقان الطائفي والاجتماعي، لتوليد بيئة متصارعة متوترة دائماً، ومنقسمة إلى أكثر من شطر في سبيل تعميق حالة التآكل داخل البنية والمجتمع والدولة المصرية، لكي يعجز أي نظام يأتي بعد حسني مبارك عن معالجة الانقسام والتخلف والوهن المتفشي في مصر. هذا هو التحدي الذي تتكسر أمامه الإرادات، فشتان ما بين تحدٍ وتحدٍ.