وزيرة الاقتصاد والتخطيط تترأس الوفد التونسي في الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية    بوعرقوب: رئيس اتحاد الفلاحة يستنكر عدم اتّخاذ قرارات فعّالة للحد من انتشار الحشرة القرمزية    جامعة كرة السلة تهنئ الترجي الرياضي بلوغ نهائي أبطال إفريقيا والتأهل لكأس العالم للأندية    ملامحها "الفاتنة" أثارت الشكوك.. ستينيّة تفوز بلقب ملكة جمال    توقيع اتفاق بين الحكومة التونسية ونظيرتها البحرينية بشأن تبادل قطعتيْ أرض مُعدّتيْن لبناء مقرّين جديدين لسفارتيهما    فاطمة المسدي تطالب بترحيل الأفارقة.    هوغربيتس يحذر من زلزال قوي خلال 48 ساعة.. ويكشف عن مكانه    فرنسا تعتزم المشاركة في مشروع مغربي للطاقة في الصحراء    وزيرة التربية تطلع خلال زيارة بمعهد المكفوفين ببئر القصعة على ظروف إقامة التلاميذ    الرابطة الأولى: تشكيلة النادي البنزرتي في مواجهة نجم المتلوي    رابطة الابطال الافريقية لكرة القدم - الاهلي المصري الى النهائي    دورة اتحاد شمال افريقيا لمنتخبات مواليد 2007-2008- المنتخب المصري يتوج بالبطولة    القطب المالي ينظر في اكبر ملف تحيل على البنوك وهذه التفاصيل ..    سيدي حسين : قدم له يد المساعدة فاستل سكينا وسلبه !!    سيدي بوزيد: المجلس المحلي بسيدي علي بن عون يطالب السلطات بحل نهائي لإشكالية انقطاع التيار الكهربائي    سيدي بوزيد: انطلاق فعاليات الاحتفال بالدورة 33 لشهر التراث بفقرات ومعارض متنوعة    مسابقة أكاديمية الشّرق الأوسط للأطبّاء الشّبان بدبي: الدكتورة التونسية مريم بن عياد تفوز بالجائزة الأولى في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم السبت 27 أفريل    بنزرت: الافراج عن 23 شخصا محتفظ بهم في قضيّة الفولاذ    الرابطة الأولى: تشكيلة الإتحاد المنستيري في مواجهة الملعب التونسي    الناطق باسم محكمة تونس يوضح أسباب فتح تحقيق ضد الصحفية خلود مبروك    خبير تركي يتوقع زلازل مدمرة في إسطنبول    استشهاد شابين فلسطينيين وإصابة اثنين آخرين بنيران الاحتلال الصهيوني غربي "جنين"..#خبر_عاجل    عاجل/ الحوثيون يطلقون صواريخ على سفينتين في البحر الأحمر..    عاجل تلاميذ منطقة الحاج قاسم 2يستغيثون للمرة الثانية في نفس الأسبوع..الحافلة معطلة    طقس السبت: ضباب محلي ودواوير رملية بهذه المناطق    كيف نتعامل مع الضغوطات النفسية التي تظهر في فترة الامتحانات؟    رئيس الجمهورية قيس سعيّد.. المفسدون... إمّا يعيدون الأموال أو يحاسبهم القضاء    مذكّرات سياسي في «الشروق» (5) وزير الخارجية الأسبق الحبيب بن يحيى... يتكلّم الصادقية حاضنة المعرفة والعمل الوطني...!    فضاءات أغلقت أبوابها وأخرى هجرها روادها .. من يعيد الحياة الى المكتبات العمومية؟    تنديد بمحتوى ''سين وجيم الجنسانية''    "حماس" تعلن تسلمها رد الاحتلال حول مقترحاتها لصفقة تبادل الأسرى ووقف النار بغزة    مع الشروق .. «طوفان الأقصى» أسقط كل الأقنعة.. كشف كل العورات    ابتكرتها د. إيمان التركي المهري .. تقنية تونسية جديدة لعلاج الذقن المزدوجة    الكاف..جرحى في حادث مرور..    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    طقس الليلة    تسجيل مقدّمة ابن خلدون على لائحة 'ذاكرة العالم' لدى اليونسكو: آخر الاستعدادات    أكثر من 20 ألف طالب تونسي يتابعون دراساتهم في الخارج    الجزائر تسجل حضورها ب 25 دار نشر وأكثر من 600 عنوان في معرض تونس الدولي للكتاب    المؤرخ الهادي التيمومي في ندوة بمعرض تونس الدولي للكتاب : هناك من يعطي دروسا في التاريخ وهو لم يدرسه مطلقا    توزر: المخيم الوطني التدريبي للشباب المبادر في مجال الاقتصاد الأخضر مناسبة لمزيد التثقيف حول أهمية المجال في سوق الشغل    مدير عام وكالة النهوض بالبحث العلمي: الزراعات المائية حلّ لمجابهة التغيرات المناخية    بطولة الرابطة 1 (مرحلة التتويج): حكام الجولة الخامسة    وزارة التجارة تتخذ اجراءات في قطاع الأعلاف منها التخفيض في أسعار فيتورة الصوجا المنتجة محليا    افتتاح المداولات 31 لطب الأسنان تحت شعار طب الأسنان المتقدم من البحث إلى التطبيق    تضم فتيات قاصرات: تفكيك شبكة دعارة تنشط بتونس الكبرى    رقم قياسي جديد ينتظر الترجي في صورة الفوز على صن داونز    تراجع إنتاج التبغ بنسبة 90 بالمائة    تقلص العجز التجاري الشهري    أخصائي في أمراض الشيخوخة: النساء أكثر عُرضة للإصابة بالزهايمر    عاجل : القبض على منحرف خطير محل 8 مناشير تفتيش في أريانة    دورة مدريد : أنس جابر تنتصر على السلوفاكية أنا كارولينا شميدلوفا    أمين قارة: إنتظروني في هذا الموعد...سأكشف كلّ شيء    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هكذا تحدث علي عزت بيجوفيتش ( 2 ) عبدالباقي خليفة
نشر في الفجر نيوز يوم 12 - 11 - 2010


التعليم .. الثقافة ..وسائل الاعلام
عبدالباقي خليفة
تأتي الذكرى السابعة لرحيل المفكر العضوي علي عزت بيجوفيتش ،( 1925 / 2003 م ) والرجل حاضر بقوة في المشاهد كلها . ثقافيا، واجتماعيا، وسياسيا. وكان رحمه الله يؤكد بأن التعليم وليس السياسة ، هو ما كان يشده ، ويسيطر على تفكيره. وأنه رحمه الله كان ينوي التفرغ لهذا العامل الاستراتيجي في رقي الأمم ، والطواف على البلاد الاسلامية لترسيخ هذه الحقيقة ، لكن الظروف السياسية ، وأوضاع بلاده بعد انهيار يوغسلافيا فرض عليه نسقا آخر لحياته ، وهو الاهتمام بالسياسة من موقع التدافع الإثني والثقافي في أبعاده المحلية والإقليمية والعالمية .
علي عزت رحمه الله ، لم يكن مذيعا يبحث عن الشهرة ، ولا كاتبا يسترزق بقلمه ، ولكنها كان مناضلا ومشاهدا قدم زهرة شبابه لما يؤمن به من ، داخل الزنازين ، وعاش حياته حتى آخر لحظة وهو لم يحد على المبدأ ، وعندما زاره رئيس وزراء تركيا الحالي رجب طيب أردوغان في مرض وفاته ، لم ينس ما نضر نفسه له ، حيث طلب منه الاهتمام بالتعليم ، وإقامة جامعة تركية في سراييفو وهو ما كان .
إن علي عزت له تأثير كبير، وما تحققه تركيا هو جزء من نشاطه وأحلامه وتوجيهاته ، فليس بالضرورة أن يحقق المصلحون كل ما يصبون إليه في بلدانهم الأصلية ، وإن كانت تركيا ضمن مجاله الأممي .
التعليم الأعرج : ينتقد علي عزت بيجوفيتش التعليم العلماني ، الذي يجعل من الانسان مجرد آلة ضمن أدوات الانتاج ، وليس انسانا له مشاعر ومآرب روحية أخرى فيقول " في هذه الأيام من الممكن جدا أن تتخيل شابا قد مر بجميع مراحل التعليم في المدرسة الابتدائية حتى الكلية دون أن يكون قد ذكر له ضرورة أن يكون إنسانا خيرا وأمينا ". ويضيف "يتعلم أولا أن يكتب ويحسب، ثم يدرس الطبيعة والكيمياء، وعلم الأعراق البشرية، والجغرافيا، النظريات السياسية، وعلم الاجتماع وعلوما أخرى كثيرة ، إنه يجمع عددا هائلا من الحقائق، وعلى أحسن الفروض يتعلم كيف يفكر.ولكنه لم يكتنز، ثقافيا وروحيا "ويؤكد" لم نعد نسمع إلا قليلا عن برامج التاريخ، والفنون، والآداب والأخلاق، والقانون" .
يشير علي عزت بأن "التعليم التقني سبب للحضارة، ونتيجة لها، فهذا النوع من التعليم يهيئ العضو للدخول في المجتمع، وهو تعليم مصمم لتحقيق هذا الغرض . فهو موجه لغاية محددة بإحكام واهتمامه منصب على السيطرة على الطبيعة أوالعالم الخارجي . أما التعليم الكلاسيكي فعلى العكس من ذلك، يبدأ وينتهي عند الانسان، أي أن اللاهدف هو غايته ".
ويرى علي عزت أن "معظلة التعليم التقني في مقابل التعليم الكلاسيكي ليست معظلة فنية وإنما هي مسألة ايديولوجية تكمن وراءها فلسفة معينة . ففي هذين النوعين من التعليم ينعكس التضاد بين الثقافة والحضارة بكل ما يترتب عليه من نتائج ". ويقول "سنجد أن المجتمع غير الصناعي يغلب عليه الاتجاه نحو التعليم الكلاسيكي، بينما المجتمع الصناعي، وبخاصة المجتمع الاشتراكي، ينحو باتجاه التعليم التقني" . وكعادته عند ضبط أفكاره يقر بأن القضية ليست أبيض وأسود كمنا يقال "بطبيعة الحال هذا مجرد مبدأ عام قد يعاني من الانحراف في الممارسة هنا وهناك، ولكن يظل الاتجاه العام قائما متحققا من خلال التصحيحات التي لا مفر منها ". ويمضي في طرحه المتعقل " إن المقارنة بين البرامج الدراسية في الاتحاد السوفياتي ، سابقا ، وفرنسا والصين ، أو اليابان على الأخص في مواد التاريخ والقانون والأخلاق والآداب واللغة اللاتينية والاغريقية ، قد تكشف عن فروق ذات أهمية".
ارتهان التعليم للسياسة :يشرح علي عزت كيف أن التعليم يظل مرتهنا للسياسة ، وينطوي على خطورة تحريفه من خلال أدلجته ،وأدوتت الانسان ، أي جعله آلة وحسب "إن السياق المنطقي للتعليم التقني هو التخصص . فقبل كل شئ نستطيع أن نرى الذكاء والعلم والصناعة تشكل خطا واحدا وأنها مرتبطة بعضها ببعض كسبب ونتيجة . فالعلم نتيجة الذكاء والصناعة هي مجرد تطبيق العلم ". وهي جميعا " شروط وأشكال لتأثير الانسان على الطبيعة، على العالم الخارجي . يوفرالتخصص للفرد وضعا أفضل وأقوى في النظام الاجتماعي، أي في الآلة الاجتماعية ". ولكن التخصص "يقلص الشخصية الفردية، ويعلي من شأن المجتمع ويجعله أكثركفاءة، فالمجتمع يأخذ في التناقص" . ويخلص إلى القول "إن تفتيت العمل وتجريد الانسان من شخصيته باعتباره أحد الرعايا العاملين، يميلان في زحفهما إلى الأمام، إلى الحالة المثلى للطوبيا".
إن التأمل في التوسع الذي طرأ على التعليم يسبب الدواركما يقول رحمه الله . ويذكر أرقاما تجاوزها الزمن ولكن تصاعدها يدل على الاهمية ، رغم حالة البطالة التي أفرزها التعليم التقني ففي اسبانيا اليوم ( 2010 م ) هناك أكثر من 4 ملايين عاطل عن العمل ، وهناك أكثر من 40 مليون عاطل في دول الاتحاد الاوروبي " إن العالم الغربي حققا تقدما صناعيا هائلا، ولكنه ليس أعظم دول العالم ثقافة ". فعلي عزت في موضع آخر يشرح معنى الثقافة والحضارة اللتين يخلط بينهما الكثير من الناس ، فالثقافة كل ما له علاقة بالروح والنفس كالدين ، والفنون ، والمسرح ، أما الحضارة فهي انجازات الانسان التقنية المعتمدة على خبراته الهندسية وتعاطيه مع مشكلاته المادية . ولذلك يرى علي عزت بأن التعليم " كقاعدة هو تعليم مجهز وفق وصفة الحضارة ".
يتحدث علي عزت عن الدول الشيوعية السابقة ، والتي أخذت مكانها في عصرنا الدول الديكتاتورية التي تفكر نيابة عن الشعب وباسمه دون استشارته في شئ من أموره "في الدول الشيوعية ينطوي التعليم على أن يتشرب الأفراد نظام الدولة الإيديولوجي والسياسي ، ويخضع لمصالحها. وفي الدول الرأسمالية يتلاءم التعليم عموما مع المتطلبات الاقتصادية ويخدم النظام الصناعي. وفي كلتا الحالتين، فالتعليم هو تعليم وظيفي وفي خدمة النظام ". وكما لو أنه يشرح واقعنا في البلاد الاسلامية "هذا الاتجاه سائد على الرغم من التصريحات الوردية عن التحسينات التي تحققت في جوانب متعددة للشخصية الانسانية وعن الخصائص الانسانية للتعليم " .
ويضرب علي عزت أمثلة عن أدلجة التعليم ، كما كان في عهد أول رئيس للاتحاد السوفياتي ، زعيم ثورة 17 أكتوبر 1917 م فلاديمير لينين" لقد أكد لينين مرارا، أن التعليم لا يجب أن يكون محايدا ، وموضوعيا لا سياسيا ، ففي المؤتمر الأول للتعليم السوفيتي الذي انعقد في سنة 1918 م وضع لينين المبدأ الأول للتعليم على هذا النحو، إن عملنا في التعليم يستهدف تحطيم الطبقة البرجوازية ونحن نعلن أنه ليس هناك مدرسة خارج السياسة فهذا كذب ونفاق، إن صياغة التعليم في قالب ايديولوجي ظل هو المبدأ في النظام التعليمي للاتحاد السوفياتي"، سابقا .
ارتهان التعليم لحاجيات النظام الصناعي : ومن النظام الشمولي، ينقلنا علي عزت إلى النظام الذي يصف نفسه ب ( الحر ) فقد بنى علي عزت مشروعه الثقافي على إظهارعيوب الحضارة الغربية العرجاء ، وتناقضاتها بين الروح والمادة، وبين التقني والكلاسيكي، وبين الاديولوجيا والحاجيات، وليخلص بأن الاسلام وحده، جمع بين الدنيا والآخرة، وبين متطلبات الجسد وأشواق الروح، ولكننا سنقف هناعند حديث علي عزت عن معضلات التعليم في عصره ، مستشهدا بآراء شهود الحضارة الغربية أنفسهم " جون ك . جالبرايث، وهو منظر اقتصادي شهيروأحد أفضل الخبراء في النظام الصناعي فيقول ، لا شك أن المدرسة الثانوية الحديثة قد تكيفت تماما لتلاءم مع احتياجات النظام الصناعي ... فالذي يتمتع بالقدر الأكبر من الاعتبار هو العلوم البحتة، والتطبيقية، والرياضيات، وليس هذا إلا انعكاسا لمتطلبات البنية التقنية.... بينما الاعتبار الأقل والتدعيم الأقل يختص بالفنون والعلوم الانسانية انعكاسا لقلة أهميتها ".... ويقول "إن المدارس التقنية والتجارية ذات قيمة عالية لما لها من خاصية نفعية ... ولقد شجع النظام الصناعي على التوسع الهائل في التعليم، ولا يسعنا إلا الترحيب بهذا. ولكن ما لم نستطع التنبؤ بنزعات هذا النظام بوضوح ومقاومتها بشدة ، فإن هذه النزعات ستضع بالتأكيد عائقا على التعليم من شأنه أن يخدم أكثر ما يخدم احتياجات هذا النظام وأهدافه، وأقل ما يفعله هوأن يعرض هذه الأهداف للمناقشة" .
الثقافة الجماهيرية والثقافة الشعبية : ينتقد علي عزت بشدة ما يسمونه دجلا وديماجوجية ، بالثقافة الجماهيرية ، التي هي في الحقيقة ، املاءات من السلطات الغاشمة على الشعب المغلوب على أمره "في ضوء الاعتبارات السابقة سيكشف القارئ بنفسه حقيقة ما يسمونه " الثقافة الجماهيرية، هل هي ثقافة حقا أم مجرد ملمح من ملامح الحضارة ". ويوضح بأن "موضوع أي ثقافة هو الانسان فردا أو شخصية أي الفردية المتفردة التي لا تتكرر. أما موضوع الثقافة الجماهيرية وهدفها، فهو الجمهور. يملك الانسان روحا ، أما الجمهور فلا شئ لديه سوى حاجاته ، ومن ثم فكل ثقافة هي تنمية للإنسان بينما الثقافة الجماهيرية مجرد إشباع للرغبات ".
وعندما يتحدث علي عزت عن الثقافة الفردية ، فلا يعني الانسان الفرد ، ولكن الانسان في البنية الثقافية لكل ثقافة ، كقول أمة على قلب رجل واحد ، وعندما يتحدث عن الثقافة الجماهيرية ، فإنه يعني ما تزعمه الطغم الحاكمة كما سلف تعريفها "تنحو الثقافة تجاه الفردية أما الثقافة الجماهيرية، فتصب في الاتجاه المعاكس نحو التماثل . عند هذه النقطة تنحرف الثقافة الجماهيرية عن الإخلاق وعن الثقافة . فالانتاج بالجملة ، للسلع ، والنسخ المكرر للأدب المزخرف الرخيص ، يؤديان إلى سلب الشخصية ". ويبين علي عزت ما يعنيه بالثقافة الجماهيرية ، والتي تختلف عن الثقافة الأصيلة الثقافة المتجذرة في الوعي الأممي أو حتى الثقافة الشعبية"إن الثقافة الجماهيرية تختلف عن الثقافة الأصيلة في أنها تحد من الحرية الانسانية من خلال هذا الاتجاه نحو التماثل، ذلك لأن الحرية هي مقاومة التماثل . ( نقلا عن ماكس هوركيثمر ) وهناك خطأ شائع يخلط بين الثقافة الجماهيرية والقافية الشعبية، وهذا الخلط يسئ إلى الأخيرة . حيث تختلف الثقافة الشعبية عن الثقافة الجماهيرية. في أنها ثقافة حية وأصيلة ومباشرة . وهي بريئة من البهرجة ومن الأعمال الأدبية والفنية الهابطة ، والتي هي نتاج المدن الكبرى" .
في نظر علي عزت هناك ثلاثة أنواع من الثقافات، هي الثقافة الأصيلة،أوالأممية ، والثقافة الشعبية ، عادات وتقاليد ، والثقافة الجماهيرية التي تصنعها الأنظمة بشكل متعسف ومزيف "الثقافة الشعبية قائمة على الإجماع والمشاركة ، بينما المبدأ السائد في الثقافة الجماهيرية هو التلاعب . في إطار الثقافة الشعبية نجد أن الطقوس والرقصات والأغاني هي ممتلكات مشتركة في القرية أوالقبيلة . فالذين يؤدونها هم في الوقت نفسه جمهور المشاهدين . والعكس صحيح . فإذا بدأ الاحتفال ، يأخذ كل واحد جوره فيه ، كل شخص يتحول إلى مؤد" . أما الثقافة الجماهيرية ، فإنها "تقدم نموذجا آخر مختلفا . فالناس هنا منفصلون انفصالا تاما ، منتجين ، ومستهلكين للسلع الثقافية ، فهل هناك من يعتقد حقا أنه يستطيع التأثير في برنامج تلفزيوني إلا إذا ، طبعا ، ينتمي إلى الفيئة القليلة التي تصنع هذه البرامج ؟ إن ما يسمى بوسائل الاعلام الجماهيرية ، كالصحافة والراديو ، والتلفزيون ، وهي في الحقيقة وسائل للتلاعب بالجماهير . فمن ناحية ، يوجد مكتب المحررين وهو مكون من عدد من الناس عملهم هو انتاج البرامج . وعلى الناحية الأخرى ملايين المشاهدين السلبيين ". وأشار إلى دراسة تؤكد أن بلدا أوروبيا يشاهد الناس العاديين فيه التلفزيون بين 16 و18 ساعة يوميا ، أصبح التلفزيون يحتل مكان الأدب بشكل مطرد فهو قرينه في الحقل الثقافي . ووجد أن واحدا من 3 فرنسيين لم يقرأ في حياته كتابا وأن الفرنسيين يقضون معظم وقتهم أمام التلفزيون . ( نحن ) وينقل عن ، هوريكاوا ، من جامعة سان فرانسيسكو قوله أن التلفزيون قد حل محل الأدب والتفكير، وبالتالي استطاع أن يقلص النشاط الفكري وبالتالي استطاع أن يقلص النشاط الفكري .
وسائل الاعلام ( الجماهيرية ) : ويمدنا هذا العصر كما يقول علي عزت ، بأمثلة تدلنا على أن وسائل الإعلام الجماهيرية للثقافة ،عندما تحتكرها الحكومة ، تستخدمها وسائل لتضليل الجماهير كأسوأ ما يكون التضليل . تونس نموذجا ، فلم يعد هناك حاجة للقوة الغاشمة لحمل الشعب على عمل شئ ضد إرادته . حيث يمكن الوصول إلى ذلك اليوم بطريقة مشروعة ، وذلك بشل إرادة الشعب عن طريق تغذيته بمعلومات مغلوطة جاهزة ومكررة ، ومنع الناس من التفكير أو الوصول بأنفسهم إلى أحكامهم الخاصة عن الناس أو الأحداث .
لقد أثبت علم نفس الجماهير، كما أكدت الخبرة ، أنه من الممكن التأثير على الناس من خلال التكرار الملح لإقناعهم بخرافات لا علاقة لها بالواقع . وتنظر سيكولوجية وسائل الاعلام الجماهيرية إلى التلفزيون على الأخص باعتباره وسيلة ، ليس لإخضاع الجانب الواعي في الانسان فحسب ،بل الجوانب الغريزية والعاطفية ، بحيث تخلق فيه الشعور بأن الآراء المفروضة عليه هي آراؤه الخاصة .
وترى جميع المجتمعات الشمولية فرصتها في التلفزيون وتندفع لاستخدامه وهكذا أصبح التلفزيون تهديدا للحرية الانسانية ، أكثر خطرا من البوليس والسجون ومعسكرات الإعتقال السياسي . و"أعتقد أن الأجيال القادمة ،ما لم تكن قدرتها على التفكير قد دمرت تماما . سوف تصدم باستشهاد الجيل الحالي المستهدف بدون عائق لتأثير هذه القوة الضارية التي لا رابط لها . فإذا كانت الدساتير في الماضي توضع للحد من سطوة الحكام ، فإن دستورا جديدا سنحتاج إليه لكبح جماح هذا الخطر الجديد الذي يهدد بإقامة عبودية روحية من أسوأ الأنواع ". ونختم هذه الإطلالة على فكر عظيم من عظماء الفكر الاسلامي الانساني بقوله " تتسم الثقافة الجماهيرية بحالة عقلية أشار إليها ، يوهان هويزنجا ، باسم الصبيانية ....أي بطريقة تتفق مع المستوى العقلي للمراهقة ، تسليات مبتذلة ، غياب روح الفكاهة الأصلية ، الحاجة إلى أحداث مثيرة ومشاعر قوية ، الميل إلى الشعارات الرنانة والاستعراضات ، والتعبير عن الحب والكراهية بأسلوب مبالغ فيه ، اللوم والمدح المبالغ فيهما ، وغير ذلك من العاوطف القاسية .... لنتذكر التحذيرات التي عبر عنها كل من طاغور، وتولستوي، وهيدجر، ونايزفستي، وفوكنر،وآخرون ".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.