انتخاب تونس عضوا بالمجلس الوزاري الإفريقي المعني بالأرصاد الجوية    عاجل : الكشف عن مصنع عشوائي لتعليب المنتوجات الغذائية و الأمن يتدخل    اتحاد الفلاحة: أسعار أضاحي العيد ستكون باهضة .. التفاصيل    قابس: تراجع عدد الأضاحي خلال هذه السنة    إسبانيا تمنع السفن المحملة بأسلحة للكيان الصهيوني من الرسو في موانئها    الخارجية : نحو إبقرام إتفاقية مع الدول الإفريقية بخصوص المهاجرين .. التفاصيل    حريق بمستودع بين المروج 6 ونعسان    أبطال إفريقيا: الترجي الرياضي يستضيف الأهلي المصري برغبة تعبيد الطريق نحو الظفر باللقب    خلافا لما صرح به شوبير: جماهير النادي الإفريقي لم تكن حاضرة في تمارين الأهلي المصري    مباراة الكرة الطائرة بين الترجي و الافريقي : متى و أين و بكم أسعار التذاكر؟    يصنعون ''مواد المسكرة محلية الصنع القرابا'' و يقومون ببيعها بمدينة أم العرائس    الحماية المدنية: تسجيل 16 حالة وفاة و 503 إصابات في حوادث مختلفة    هام/ مناظرة لانتداب 34 متصرفا بالبريد التونسي..    كأس أوروبا 2024: كانتي يعود لتشكيلة المنتخب الفرنسي    كاتب دولة سابق : تعلية السدود لرفع طاقة إستيعابها جزء من الحل    تونس : 80 % من الشباب ليس له مدخول    الكيان الصهيوني يرد اليوم على اتهامات جنوب إفريقيا بتصعيد "الإبادة"    النائب طارق مهدي يكشف: الأفارقة جنوب الصحراء احتلوا الشريط الساحلي بين العامرة وجبنيانة    اعزل الأذى عن طريق المسلمين    دراسة عالمية: ارتفاع وتيرة الإساءة الأسرية للرجل    روعة التليلي تحصد الذهبية في بطولة العالم لألعاب القوى لذوي الاحتياجات الخاصة    بطولة اسبانيا : برشلونة يتخطى ألميريا بثنائية وريال بيتيس يسقط في فخ التعادل أمام لاس بالماس    محيط قرقنة اللجنة المالية تنشد الدعم ومنحة مُضاعفة لهزم «القناوية»    بطاقة إيداع بالسجن في حق مسؤولة بجمعية تُعنى بمهاجري دول جنوب الصحراء    الجزائر تواجه الحرائق مجدّدا.. والسلطات تكافح لاحتوائها    البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يدعم انتاج الطاقة الشمسية في تونس    نجاح الأسرة في الإسلام ..حب الأم عبادة... وحب الزوجة سعادة !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    خطبة الجمعة...الميراث في الإسلام    التحدي القاتل.. رقاقة بطاطا حارة تقتل مراهقاً أميركياً    الشرطة الفرنسية تقتل مسلحا حاول إضرام النار في كنيس بشمال غرب البلاد    منها الشيا والبطيخ.. 5 بذور للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    التوقعات الجوية لهذا اليوم…    الاطاحة بمنحرف خطير بجهة المرسى..وهذه التفاصيل..    الصحة العالمية.. استهلاك الملح بكثرة يقتل 10 آلاف شخص يوميا في أوروبا    عُثِرَ عليه بالصدفة.. تطورات جديدة في قضية الرجل المفقود منذ حوالي 30 سنة بالجزائر    عاجل: لأول مرة: تونس تصل المرتبة الثانية ضمن التصنيف الدولي للبيزبول    المنستير .. المؤبّد لقاتلة صديقها السابق خنقا    ارتفاع عجز الميزان الطاقي    دخول مجاني للمتاحف والمواقع الأثرية    وزارة الثقافة تنعى المطربة سلمى سعادة    صفاقس تستعدّ للدورة 44 لمهرجانها الصيفي    وكالة (وات) في عرض "المتوسط" مع الحرس .. الموج هادر .. المهاجرون بالمئات .. و"الوضع تحت السيطرة" (ريبورتاج)    القيروان: إنقاذ طفل إثر سقوطه في بئر عمقها حوالي 18 مترا    الناطق باسم وزارة الداخلية: "سيتم تتبع كل من يقدم مغالطات حول عمل الوحدات الأمنية في ملف المحامي مهدي زقروبة"    توقيع إتفاقية قرض مجمع بالعملة لدى 16 مؤسّسة بنكية محلية لفائدة تمويل ميزانية الدولة لسنة 2024    باجة: باحثون في التراث يؤكدون ان التشريعات وحدها لا تكفي للمحافظة علي الموروث الاثري للجهة    توزر: تظاهرة احتفالية تستعرض إبداعات أطفال الكتاتيب في مختتم السنة التربوية للكتاتيب بالجهة    جندوبة: وزير الفلاحة يُدشن مشروع تعلية سد بوهرتمة    عاجل: "قمة البحرين" تُطالب بنشر قوات حفظ السلام في فلسطين..    استشهد 3 فلسطينيين برصاص الجيش الصهيوني في الضفة الغربية..#خبر_عاجل    سيدي بوزيد: انطلاق الدورة 19 من مهرجان السياحة الثقافية والفنون التراثية ببئر الحفي    عاجل: متحوّر كورونا جديد يهدّد العالم وهؤلاء المستهدفون    ظهورالمتحور الجديد لكورونا ''فيلرت '' ما القصة ؟    الأيام الرومانية بالجم . .ورشات وفنون تشكيلة وندوات فكرية    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الباحث والمفكر التونسي الهرماسي:الحداثة الغربية ورثت عن المسيحية عداءها للإسلام
نشر في الفجر نيوز يوم 04 - 12 - 2010


تونس
يشرح الباحث والمفكر التونسي عبد اللطيف الهرماسي في هذا الحوار العوامل التي أدت إلى انتشار الفكر السلفي الجهادي في السنوات الأخيرة في بلداننا العربية والإسلامية، ومن بينها بلدان المغرب العربي بما في ذلك تونس.
ويربط الهرماسي هذا الانتشار بعوامل عدة، من بينها اشتداد الهجمة الغربية على البلاد الإسلامية، والتناقضات الاجتماعية والسياسية الحادة التي تعيشها تلك البلدان. ويغوص الباحث عميقا في تناوله لمختلف العوامل التي ساعدت على انتشار التيارات "الأصولية" مقابل تراجع أو "فشل" التيار الإصلاحي سواء في نسخته "التحديثية" العلمانية أو الدينية الإخوانية. ويذهب الباحث في ذلك إلى حد العودة للنبش في جوهر الأزمة التي تعيشها أمتنا منذ قرون، والتي تكمن في كيفية تمثّل المسلمين اليوم لتراثهم الديني.
ويُعتبر المفكر والباحث عبد اللطيف الهرماسي واحداً من أبرز المهتمين بحركات الإسلام السياسي، لكونه من المتخصصين القلائل في علم اجتماع الظواهر الدينية، إذ بدأ اهتمامه بهذه الظواهر منذ أواسط الثمانينات بنشره لبحث قيم حول الحركة الإسلامية في تونس، مازال إلى الآن يعتبر من أهم ما كُتب في هذا الموضوع. ثم تابع نشر دراسات حول هذه الظاهرة طيلة العقدين الماضيين في الكثير من الدوريات العلمية المتخصصة، كان آخرها كتاب "ظاهرة التكفير في المجتمع الإسلامي، من منظور العلوم الاجتماعية للأديان" الصادر حديثا عن مركز دراسات الجزيرة والدار العربية للعلوم في بيروت.
وهنا نص الحوار:

مشكل التعاطي مع النص
·يعيش كثير من بلدان العالم الإسلامي حوادث تفجير وخطف وصراعات مسلحة قد يدوم بعضها سنوات طويلة، وغالبا ما ترتكز على مبررات "دينية"، فكيف يمكن فهم ذلك؟
- تتضمن هذه الأحداث خصوصيات مرتبطة بالوضع في البلدان الإسلامية التي شهدت تلك الأحداث. ولكنها تطرح أيضا أسئلة وتشير إلى وجود قضايا ومشكلات مشتركة، من أبرزها مشكلة تعاطي المسلمين مع تراثهم الديني. فهذا الموروث يتضمن جانبا مطلقا عابرا للزمان وللمكان، وهو ما نعبر عنه بجوهر الرسالة المحمدية من حيث مقاصدها، وجانبا آخر هو الترجمة التاريخية لهذه الرسالة.
فالمسلمون عبر تاريخهم فهموا الرسالة وعاشوها في ضوء شروط اجتماعية وسياسية واقتصادية متغيرة، والموروث الديني هو نتاج أو حصيلة هذا التفاعل بين الرسالة وبين الناس الذين فهموها وأدركوها وهم مشروطين بأوضاعهم ومصالحهم المعينة. فإذا كان مضمون وجوهر الرسالة المحمدية متعاليا على التاريخ، فإن تجسيداته وترجمته الواقعية إنما تمت في أوضاع تاريخية محددة لها طابع تاريخي ينبغي وعيه، وبالتالي لا يمكن تقديسها.

والمشكل أن ما حصل هو العكس، ذلك أن الإنتاج العقدي والفقهي - بل وحتى المؤسسات الدينية والسياسية والاقتصادية التي كانت ثمرة فعل الرسالة في الواقع وتأثير الواقع في فهم تلك الرسالة- هذا الفكر وهذه الرسالة وهذه التجربة عموما كانت مشروطة بأوضاع معينة تم تقديسها فيما بعد، على الرغم من أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم لم يعتبر أن كل ما فعله وما صدر عنه مقدس أو وحي إلهي بأدلة عديدة منها مثلا "أنتم أعرف بشؤون دنياكم"، ولكننا على الرغم من ذلك نجد أن كل ما نسب إلى النبي محمد (ص) من قول أو فعل، سواء صدر عنه أو لم يصدر، أصبح مقدسا.
كما تم تقديس مؤسسة الخلافة أيضا، وهي مؤسسة أنشأها المسلمون لمجابهة مشكلة استمرار الجماعة المسلمة واستمرار الدولة التي أسسها النبي (ص)، والشيء نفسه بالنسبة للإنتاج الفقهي والعقدي. فهذا الموروث إنتاج بشري تاريخي ولكن تم تقديسه، ومشكلة المسلمين اليوم تكمن في هذه النقطة.
· ولكن ما الرابط بين تقديس الموروث الديني وظهور التيارات الإسلامية الحديثة ومنها التيارات الجهادية الأعلى صوتا هذه الأيام والأكثر شغلا للناس؟
- العلاقة تتضح من خلال بعض المفاهيم الأساسية التي تروج لها بعض الخطابات الدينية، ومن بينها مفهوم الجهاد. فطريقة التعاطي مع هذا المفهوم تضرب لنا مثالا عن هذه العلاقة القائمة مع الرسالة ومع الماضي. إن دراستنا لبعض التيارات الإسلامية وخاصة الجهادية منها كشفت لنا أن هذه التيارات تريد إحياء لحظات الإسلام الأولى، لحظة التوسع والصراع. هذا فيما يتعلق بالتعاطي مع الماضي.
أما فيما يتعلق بالتعاطي مع النص وأقصد هنا بعض الآيات القرآنية التي تتعلق بالجهاد والقتال، فقد فهمها أبناء هذا التيار فهما حرفيا وأسبغوا عليها معنى مطلقا يتجاوز المكان والزمان، ومن ذلك مثلا الآيات التي أعطت الإذن للنبي محمد (ص) بمقاتلة المشركين من قريش الذين نقضوا العهد، تلك الآيات نزلت في سياق محدد، لكن بعض التيارات الإسلامية أعطت لهذه الآيات أبعادا تجعلها عابرة للتاريخ وقابلة ومنطبقة حتى على الأوضاع الحاضرة.
كل الآيات التي تتعلق بالقتال يحيّنها أبناء التيار الجهادي ويعتبرونها مازالت صالحة لإدارة شؤون المسلمين وعلاقتهم ببقية البشرية في الوضع الحاضر.
وهذا ما يفسر أن التيار السلفي الجهادي يضع من ضمن - أو في صدارة - أهدافه استعادة الخلافة الراشدة وليس استعادة الخلافة بالمعنى والمضمون المتعارف عليه تاريخيا فقط، وإنما بمعنى بسط سلطان الإسلام على العالم كله تطبيقا لمقولة "حتى يكون الدين كله لله".
دفاعاً عن الهوية
· هناك من يعتبر استعادة لحظة ولادة الدولة الإسلامية، واستعادة المفاهيم المرتبطة بتلك اللحظة، ومن بينها الجهاد والردة، نتيجة للهجمة الغربية التي تستعمل الحداثة لضرب مقومات الهوية لكل المجتمعات، ولم تبق إلا الحصون الإسلامية كآخر حصون الممانعة، فهل نعتبر ظهور التيار السلفي الجهادي مظهراً لانكفاء العالم الإسلامي على نفسه خوفاً من هجوم خارجي؟
- للإجابة عن هذا التساؤل، لا بد أن نستحضر واقع العلاقة التاريخية بين الإسلام والغرب، هناك توتر تاريخي طويل الأمد ميز علاقة الإسلام بالغرب المسيحي في مرحلة أولى، وغرب الحداثة في مرحلة ثانية. فالمسلمون المعتزون برسالتهم الكونية وجدوا أنفسهم في مجابهة فضاء ثقافي يحمل بدوره رسالة كونية.
وفي الواقع فإن ما يفسر ديمومة الصراع الغربي مع الإسلام أن المسيحية والإسلام يحملان رسالة كونية من دون سائر الأديان. ولكن المسلمين لم يستعدوا لهذا الصراع. وعندما جاءت الحداثة ورثت المسيحية في طرحها الكوني التوسعي، ورثتها في مسألة فصل الدين عن الدولة وأضافت إلى ذلك أشياء أخرى، هناك إذا تناقض أساسي بنيوي لا بد أن نضعه في الحسبان.
وعلى قاعدة هذا التناقض الأول والبنيوي ترتب تناقض ثانٍ من نشأة الحداثة التي اتخذت ومازالت تتخذ طابعا استعماريا. فالحداثة وفدت كحداثة استعمارية، وبالتالي كان من الطبيعي أن تجابه بمقاومة، وعلى الرغم من انقضاء الاستعمار التقليدي، فإن التناقضات ما زالت شديدة وحادة نتيجة الهيمنة الإمبريالية ونتيجة الاستعمار الجديد، ونتيجة لزرع الكيان الصهيوني بدعم من الغرب والحفاظ عليه قويا في وجه العرب والمسلمين.
وكذلك نتيجة ما واكب العولمة من انفراد الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة العالم وبحثها عن خصوم جدد. والإسلام شكل بمعنى ما هذا الخصم الجديد. وربما جاز القول إن أحداث 11 سبتمبر 2001 أعطت لهذه القوة العظمى المبرر الذي كانت تبحث عنه لتوجيه الصراع ضد الإسلام ومحاولة جر العالم إلى معركة يجد المسلمون أنفسهم متهمين فيها بتفريخ الإرهاب.
يمكن القول إذا إنه منذ صدمة الحداثة أواسط القرن التاسع عشر، وجد العالم الإسلامي نفسه محشورا في وضعية دفاعية، فهناك شعور بالاستهداف ليس فقط على مستوى المصالح الإستراتيجية والاقتصادية، وإنما الإسلام نفسه كمنظومة دينية وثقافية أيضا بات مستهدفا.
وظهور بعض النزعات الدفاعية المضادة تكتسي أكثر فأكثر طابعا عنيفا وهذا العنف يتغذى من عدوانية الطرف المقابل. وهذا جانب مهم لفهم طبيعة ردة الفعل الذي تمثله بعض التيارات الإسلامية والذي يمثل التيار السلفي الجهادي على وجه التحديد تعبيراته القصوى.
قبل صدمة الحداثة كان المسلمون يعيشون إسلامهم بشكل طبيعي وعفوي، ولم تكن هنالك مشكلة في مدى تلاؤم منظومتهم الدينية مع الواقع، والآن نتيجة الحداثة والتحديث نلاحظ أن هناك تباعدا بين المنظومة الموروثة وبين المفاهيم والمبادئ التي أتت بها الحداثة، وهو ما نتج عنه تحد لمصداقية الموروث الديني.

· قُلتَ إن علاقة العالم الغربي بالعالم الإسلامي كانت علاقة صراع من جهة، وعودة إلى الماضي من جهة ثانية. فهل هذه العودة طبيعية؟ وهل عاش العالم الغربي الأزمة نفسها مع موروثه الديني المسيحي أو الفكري اليوناني خلال فترات المد الإسلامي؟
- ليس من أمة، أو ثقافة جابهت تحديا تاريخيا خطرًا إلا وعادت إلى الماضي، لكن طريقة هذه العودة تختلف وكذا غاياتها. العودة إلى الماضي تمثل عودة إلى الجذور، إلى الأصل وهنا يبرز موقفان أساسيان:
الأول: موقف يعود إلى الماضي من أجل إعطاء شرعية للتغيير، أي يعيد تأويل وقراءة الأصول والمرجعيات الأساسية (بالنسبة للمسلمين القرآن والسنة أساسا) وتوظيف هذه العودة لفائدة قراءة جديدة تأخذ بالاعتبار المستجدات والمتغيرات وتكون قاعدة للإصلاح. وهذا النوع من العودة هو ما سجلناه مع الحركة الإصلاحية الحديثة انطلاقا من الأفغاني ومحمد عبده، والتي أثمرت مع محمد إقبال في باكستان والثعالبي في تونس وجمعية العلماء برئاسة ابن باديس في الجزائر وعلالة الفاسي في المغرب. هذه عودة للماضي من أجل قراءة جديدة للتراث وإعطاء شرعية للإصلاح والتغيير.
الثاني: لكن هناك شكلاً آخر من العودة جسدته بعض التيارات الأصولية منذ أواخر حياة محمد رشيد رضا ومع تيار الإخوان المسلمين. هذه العودة شكلت نكوصا وتراجعا عن المنزع الإصلاحي وبالتالي عودة إلى التفسيرات الحرفية النصية وإلى النصوصية مما أدى إلى محاصرة التيار التجديدي والإصلاحي.
وفي الواقع العالم العربي والإسلامي خلال القرن العشرين شهد موجات من التراجع، فالإخوان المسلمون مع سيد قطب وعبد القادر عودة شكلا محاولة عودة جديدة إلى الفهم الماضوي للدين وللتراث الديني.

الحركات والإصلاح
· لكن بعض الحركات الإخوانية مثلت بشكل ما امتداداً، أو هي على الأقل لم تكن في قطيعة مع الحركة الإصلاحية، وهذا ينطبق على الحركة الإسلامية في تونس. فهل تمثل الحركات الإخوانية وما تلاها من حركات سلفية جهادية تطورا داخل المنظومة، بحيث كلما فشلت تجربة انتقلنا إلى تجربة أخرى أكثر تجذراً في الماضي وأكثر "تشدداً" تجاه الآخر؟
- الفكر الإخواني في تفاعله مع المعطيات والمستجدات اللاحقة تفرع، وحصلت تجاذبات وانقسامات داخله، أفرزت اتجاهات مختلفة يمكن أن نستشهد على ذلك بالفرق الواضح الذي نجده في تطور الحركة الإسلامية في تونس مثلا، والاستقرار والمحافظة التي ميزت الحركات الإسلامية في أصقاع أخرى ومنها مصر والجزائر. وينبغي أن ننتبه إلى أن المفكر والداعية لا يعيش في عالم مجرد وإنما يتفاعل مع الواقع، والحركة الإسلامية في تونس وجدت نفسها في محيط وفي تجربة تحديثية قادها زعيم الحركة الوطنية الحبيب بورقيبة في اتجاهاتها التحديثية الإصلاحية.
ووجدت مقاومة شديدة من التيار العلماني التحديثي، ونقدا شديدا لأطروحاتها التقليدية، وكان لديها - نتيجة التكوين المخضرم لعناصرها- القدرة على تغيير وتعديل توجهاتها، وتغيير خطابها بما يتلاءم مع الوضع التونسي. وهذا ما أعطى في بداية الثمانينيات نقدا ذاتيا، توجهت به قيادة الحركة الإسلامية في تونس لخطابها المعروف في السبعينيات، سواء تعلق الأمر بالأخذ بالمفاهيم المرتبطة بالديمقراطية والتعددية السياسية وحق التنافس والتسليم بأن لا أحد من حقه أن يحتكر الحديث باسم الإسلام، أو بقضية المرأة وكان لراشد الغنوشي رئيس حركة النهضة كلام في هذا المجال.
السلفية التونسية
· سنة 2007 حوكمت مجموعة سلفية جهادية في تونس رفعت السلاح بوجه النظام وكانت نتيجة العملية مواجهات مسلحة وقتلى وجرحى من الطرفين. ومنذ سنة 2004 تشهد تونس محاكمات متواصلة لأبناء التيار السلفي. فكيف أمكن لهذا الفكر أن يجد له مكانا وينتشر بشكل واسع في تونس بهذه السهولة، على الرغم مما قلته عن التجربة التحديثية التونسية المتميزة حسب رأيك ؟
- الإسلام موروث ثقافي مشترك ورؤية للكون وللمجتمع وللإنسان بين مكونات العالم الإسلامي ومن الطبيعي أن تتنوع وتختلف أساليب التعاطي مع هذا الموروث، وفقا لتنوع واختلاف الأوضاع.
لذلك لا ينبغي أن نستغرب أو نتعجب إن وجدت تأويلات انفتاحية تحديثية للإسلام في مقابل قراءات محافظة.
من حيث المبدأ الرسالة قابلة لكل التأويلات، كما أن هناك عوامل اجتماعية وسياسية، قطرية وإقليمية ودولية، دفعت إلى إعادة إنتاج وتجديد بعض النزعات المتشددة. التناقضات الاجتماعية والسياسية التي تشق المجتمعات الإسلامية من الداخل، إضافة إلى تناقضات العالم الإسلامي مع القوى الغربية، وما تحدثنا عنه سابقا من شعور متزايد في العالم الإسلامي بانسداد الآفاق بسبب عدم التقدم في حل قضايا أساسية مطروحة على العالم الإسلامي، على رأسها القضية الفلسطينية، كل ذلك دفع بعدد من التيارات الإسلامية إلى اتخاذ مواقف حدية في التعاطي مع هذا الوضع.
كما ساعد هذا الوضع على توظيف المتخيل الإسلامي التقليدي، متخيل الصراعات القديمة سواء داخل المنظومة الإسلامية (سنة وشيعة) أو الصراع بين المسلمين والمسيحيين... الذاكرة الجماعية حاضرة هنا، وتشكل مخزونا تغرف منه بعض التيارات، لتبرير وشرعنة أطروحاتها ومواقفها وغاياتها، وذلك عبر قراءة رهانات الحاضر وتراكماته وصراعاته من خلال مفاهيم ومصطلحات ومفردات الصراعات القديمة.
نحن كثيرا ما نعمد إلى تفسيرات مطمئنة عندما نخوض في مواضيع كهذه، ومن بين تلك التفسيرات الحديث عن الطبيعة المسالمة للشعب التونسي وسماحته واعتداله ووسطيته. في حين أن الطبائع ليست موقفا ثابتا، ويمكن القول إن الظواهر الاجتماعية ترتبط بالأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية أكثر مما ترتبط بما يقال عن الطبائع.
وعلى هذا الصعيد علينا أن ننتبه إلى أن الأوضاع في تونس تغيرت كثيرا عما كانت عليه في العهد البورقيبي. صحيح أن التحديث الذي قاده الرئيس السابق كان فوقيا وكان من فعل النخبة، ولكنه تمكن من أن يحقق انغراساً ما في المجتمع وأن يحصل على قبول اجتماعي نسبي، وأن يغير من بنية المجتمع التونسي.
الآن يمكن القول إن المشروع البورقيبي يعيش نتائج تناقضاته، لأن هذا المشروع تعاطى مع الشعب التونسي كشعب قاصر، والمواطنة التي فرضها عليه بورقيبة مواطنة سلبية بالأساس. علاوة على ذلك، رافقت ذلك المشروع ممارسة استبدادية وحكم فردي أصبح الآن يشكل مناخا ملائما لنمو ظواهر خطيرة، كاستشراء الفساد والمحسوبية، والانحراف والجريمة، ونتج عنه أيضا شعور بالغبن نتيجة الفوارق الاجتماعية المتنامية والشعور بالإقصاء، يجد النظام الحالي صعوبة كبيرة في مجابهة هذه الأوضاع إن لم يكن مساهما بشكل أو بآخر في تغذيتها .
هذه الأوضاع التي تترافق مع شعور متزايد بالإقصاء والتهميش ستبحث لها عن منفذ أو عن تعبير من خلال تبني أيديولوجيات قصووية .. إجابة عن أوضاع قصووية.
إسلام أون لاين - تونس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.