تونس:رغم تصاعد الاشتباكات ميدانيا بين الشرطة ومتظاهرين في سيدي بوزيد ومناطق مجاورة لها، واصلت وسائل الإعلام الرسمية تكتمها وتعتيمها للأزمة، في حين خرجت بعض الصحف المكتوبة عن صمتها وأعدت تغطيات بشأنها.ووسط مناخ يرى مراقبون أنه يفتقد لحرية التعبير، تخلّت الصحف الرسمية عن تغطية الأحداث، بينما خرجت "الصحف المستقلة" عن صمتها بعد أربعة أيام من صدور بيان الحكومة حول الحادثة، لكن تغطيتها الإعلامية جاء فيها كثير من "المغالطات"، وفق قول البعض.
بالمقابل، اشتكت صحف معارضة من أنّ السلطة قامت بتعطيل توزيع أعدادها الأخيرة التي صدرت نهاية هذا الأسبوع بسبب نشرها ملفات ومقالات ناقدة عن التحركات الشعبية بسيدي بوزيد.
تعتيم ولم تنشر الحرية والرونوفو الجريدتان الناطقتان بلسان الحزب الحاكم، وجريدتا الصحافة ولابراس الحكوميتان، بأعدادها الصادرة، أمس الأحد، أي خبر عما يجري في سيدي بوزيد.
وجاءت صفحاتها فارغة من أي محتوى يخصّ الأوضاع بالجنوب المشتعل بالاحتجاجات، رغم أنّ شهود عيان ونقابيين أكدوا للجزيرة نت استمرار الاشتباكات مع الشرطة في كثير من المناطق ليلة أمس.
بالمقابل، خصّت هذه الدوريات صفحاتها الأولى بأخبار أشادت من خلالها بقرارات الرئيس زين العابدين بن علي لبعث مشاريع في المستقبل بمحافظة الكاف (شمال غرب) وهي منطقة أخرى ترتفع بها معدلات البطالة.
وفي السياق، انتقد نقيب الصحفيين السابق ناجي البغوري "التعتيم" الذي يقوم به الإعلام التونسي. وقال للجزيرة نت إنّ "القارئ التونسي لا يثق بالإعلام الرسمي ولا بلغته الخشبية".
وبينما حاولت الصحف المقربة من السلطة أن تحفظ ماء الوجه بالتطرق لأحداث سيدي بوزيد، إلا أنّ تغطيتها للأحداث كانت منقوصة من المتابعة الآنية للتطورات على غرار ما تقوم به بعض الفضائيات.
تغطية الصباح ونشرت الصباح اليومية في عددها أمس جزءا ثانيا من تحقيق عن سيدي بوزيد بعنوان "ممثلو المجتمع المدني والأحزاب يحللون الأزمة". لكنها لم تعرج على الاشتباكات والمسيرات.
كما تضمن تحقيقها انتقادات للأحزاب الراديكالية جاءت على لسان رئيس فرع رابطة حقوق الإنسان بسيدي بوزيد رؤوف النصيري، الذي اتهمها بتوظيف الأحداث سياسيا. علما بأن النصيري عضو بالحزب الحاكم.
وجاء في المقال تأكيد على لسان الكاتب العام للاتحاد الجهوي للشغل بسيدي بوزيد التوهامي الهاني بأنّه تمّ الإفراج عن الموقوفين بكل الجهات. لكن أعضاء لجنة دعم أهالي سيدي بوزيد أكدوا للجزيرة نت عكس ذلك.
ونشرت الصحيفة مقالا آخر بعنوان "هدوء بعد حريق القطار.. وأسف للاعتداء على الممتلكات العامة". وذكرت فيه أنّ الأمور عادت للهدوء. كما نقلت مطالب من استجوبتهم بضرورة الاستماع لمشاغل الشباب. وانتقد المقال لجوء المواطنين إلى العنف.
أمّا صحيفة الصريح اليومية فقد كتبت مقالا بعنوان "سيدي بوزيد.. شهود عيان يفتحون قلوبهم للصريح" والذي دعت فيه المسؤولين الإداريين للالتزام بتعليمات الرئيس والاستماع لمشاغل المواطن.
من جهتها، نشرت الشروق اليومية، أمس الأحد، ملفا عن سيدي بوزيد بعنوان "من محاولة الانتحار إلى انفلات الأحداث.. من المتهم وماهي وصفة العلاج؟". وهي الوحيدة التي عادت لسرد بعض أحداث منزل بوزيان والمكناسي والرقاب، لكن باقتضاب شديد.
وأبرزت الصحيفة على لسان عدد من السياسيين والنقابيين أنّ المشكلات التنموية والبطالة والتهميش هي السبب الرئيسي لاندلاع أحداث سيدي بوزيد، وأنّ القرارات الرئاسية لإحداث المشاريع بالجهة "أفضل دواء" لحل الأزمة.
حجب أما صحف المعارضة الراديكالية التي تعتبر أن قرارات الحكومة هي "حلول ترقيعية" فقد اتهم المشرفون عليها بأنّ هناك "حجبا مقنعا" لأعدادها تقف وراءه السلطة بسبب تغطيتها لاحتجاجات سيدي بوزيد.
وأكد رشيد خشانة رئيس تحرير الموقف الأسبوعية الناطقة بلسان الحزب الديمقراطي التقدمي للجزيرة نت أنّ العدد 572 الصادر يوم 24 ديسمبر/ كانون الأول الحالي تم سحبه من العديد من الأكشاك. ونشرت الصحيفة بهذا العدد ملفا بعنوان "سيدي بوزيد.. حذار من انتشار الحريق" وانتقدت فيه سياسة السلطة التنموية.
من جهته، أكد سفيان شورابي صحفي بجريدة الطريق الجديد الأسبوعية الناطقة بلسان حركة التجديد المعارضة أنّ السلطة ضغطت على شركة التوزيع الخاصة لتعطيل توزيع عدده الصادر السبت الماضي في الأكشاك. وقال للجزيرة نت "من الأكيد أنّ السلطة هي التي تقف وراء هذا الحجب".
وبرر شورابي هذا الاتهام بأن السلطة تحاول تعتيم الأخبار التي تكشف المستور عن حقيقة ما يجري بسيدي بوزيد. وخصت الطريق الجديد عددها الأخير بملف بعنوان "أحداث سيدي بوزيد وتداعياتها" وتناولت فيه الاحتجاجات والاعتقالات.
يُشار إلى أنّ صحيفة الموقف والطريق الجديد ومواطنون الناطقة بلسان التكتل من أجل العمل والحريات المعارض، كانوا قد قرروا في السابق الاحتجاب طيلة أسبوع بسبب ما اعتبرونه تضييقا على النشر من قبل السلطة.