سامية عبو: 'شو هاك البلاد' ليست جريمة ولا يوجد نص قانوني يجرّمها    ما الجديد في القروض المسندة من قبل صندوق الضمان الاجتماعي ؟    عاجل : سعيد يأمر بإدراج حكم جديد ضد من يعرقل المرفق العمومي    البرلمان يعقد جلستين عامتين اليوم وغدا للنظر في عدد من مشاريع القوانين الاقتصادية    الحماية المدنية التونسية تشارك في عملية بيضاء لمجابهة حرائق الغابات مع نظيرتها الجزائرية بولايتي سوق أهراس وتبسة الجزائريتين    هذا ما قرره قاضي التحقيق في حق المحامية سنية الدهماني    وزارة الفلاحة: مسافرة قدمت من المغرب جاءت بالحشرة القرمزية على ثيابها ثم انتشرت في البلاد    سليانة: معاينة ميدانية للمحاصيل الزراعية و الأشجار المثمرة المتضرّرة جراء تساقط حجر البرد    تونس تحصد 28 ميدالية ذهبية وتفوز بالمرتبة الأولى في المسابقة الاسكندنافية الدولية لزيت الزيتون    منظمة ارشاد المستهلك تدعو رئيس الدولة الى التدخل للتسريع في تسقيف أسعار اللحوم الحمراء للتخفيض في اسعار الاضاحي    عشرات الهزات الأرضية غير المسبوقة تثير الذعر في جنوب إيطاليا    وزير الدفاع الأميركي: لا دور لواشنطن بحادثة تحطم طائرة رئيسي    وزير الأعمال الإيطالي يزور ليبيا لبحث التعاون في مجالات الصناعة والمواد الخام والطاقة المتجددة    اليونان.. محاكمة مصريين بتهمة التسبب في إغراق سفينة مهاجرين    انطلاق مراسم تشييع جثامين الرئيس الإيراني ومرافقيه..    عاجل/ تركيا تكشف معطيات خطيرة تتعلق بمروحية "الرئيس الإيراني"..    بودربالة يوجه الى نظيره الايراني برقية تعزية في وفاة إبراهيم رئيسي (بلاغ)    كوبي - ياسين القنيشي يتوج بذهبية دفع الجلة ورؤي الجبابلي يحرز فضية سياق 1500م    ميسي يقود تشكيلة الأرجنتين في مباراتين وديتين قبل كوبا أمريكا    الرابطة 1 (مرحلة تفادي النزول) مواجهات صعبة لفرق أسفل الترتيب    الرّابطة الأولى : تعيينات حُكّام مباريات الجولة الحادية عشرة من مرحلة تفادي النزول    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    حادث مروع بهذه المنطقة..وهذه حصيلة الجرحى..    كان يتنقل بهوية شقيقه التوأم : الاطاحة بأخطر متحيل عبر مواقع التواصل الاجتماعي ...    العثور على جثة شاب في بحيرة جبلية    أريانة : الإحتفاظ ب3 أشخاص وحجز كمية من المواد المخدرة    سليانة: إصابة 10 أشخاص في حادث انقلاب شاحنة خفيفة بمنطقة العوامرية ببرقو    الشاعر مبروك السياري والكاتبة الشابة سناء عبد الله يتألقان في مسابقة الدكتور عبد الرحمان العبد الله المشيقح الأدبية    عمرو دياب يضرب مهندس صوت في حفل زفاف.. سلوك غاضب يثير الجدل    الدورة 24 للمهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون تحت شعار "نصرة فلسطين" و289 عملا في المسابقة    الحكومة تتطلع إلى الترفيع في حجم التمويلات الموجهة لإجراء البحوث السريرية    قبلي: تخصيص 7 فرق بيطريّة لإتمام الحملة الجهوية لتلقيح قطعان الماشية    استشهاد 7 فلسطينيين وإصابة 9 خلال اقتحام جيش الاحتلال لجنين    منوبة.. إيقاف شخص أوهم طالبين أجنبيين بتمكينهما من تأشيرتي سفر    ليفربول يعلن رسميا خليفة كلوب    الدّورة الثّالثة لمؤتمر مستقبل الطّيران المدني: وزيرة التّجهيز تقدّم رؤية تونس في مجال الطّيران المدني في أفق 2040    دعما لأهالي غزة : مهرجان جربة تونس للسينما العربية يقدّم برمجة خاصة للجمهور    رئيس الحكومة في زيارة ميدانية للشمال الغربي للبلاد التونسية    جدل وضجّة وتهديدات بالقتل: لماذا منع رشدي بلقاسمي من تنشيط ورشة بمساكن؟    تنبيه/ تحويل ظرفي لحركة المرور ليلا لمدة أسبوع بهذه الطريق..    هل فينا من يجزم بكيف سيكون الغد ...؟؟... عبد الكريم قطاطة    الليلة: سحب عابرة ورياح قوية والحرارة تتراوح بين 16 و26 درجة    مدير عام ديوان تربية الماشية: النحل يساهم في ثلث غذاء الإنسان    عروض ثريّة للإبداعات التلمذيّة.. وتكريم لنُجوم الدراما التلفزيّة    أغنية لفريد الأطرش تضع نانسي عجرم في مأزق !    الافريقي يرفض تغيير موعد الدربي    أبطال إفريقيا: الكشف عن مدة غياب "علي معلول" عن الملاعب    تقرير يتّهم بريطانيا بالتستر عن فضيحة دم ملوّث أودت بنحو 3000 شخص    تونس : أنواع و أسعار تقويم الأسنان    النادي الإفريقي: اليوم عودة التمارين إلى الحديقة .. ومعز حسن يغيب عن الدربي    انطلقت أشغاله الميدانيّة: التعداد السكاني دعامة للتنمية الاقتصادية    تونس تقدم التعازي في وفاة الرئيس الايراني    تحذير من موجة كورونا صيفية...ما القصة ؟    4 تتويجات تونسية ضمن جوائز النقاد للأفلام العربية 2024    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قبل أن ينفذ الحوار!!!: د. أكرم حجازي
نشر في الفجر نيوز يوم 18 - 03 - 2011

ليست النظم العربية ديكتاتورية بالمعنى التقليدي الذي عرفناه لدى نظم أخرى في العالم. ففي كثير من التجارب تبيَّن أن هناك نظم ديكتاتورية ذات طموح سياسي، ومشروع نهضة، ولو بوسائل قسرية واستبدادية. لكن النظم العربية امتازت على الدوام بنزعة التملك الشامل للدولة والمجتمع والأمة إلى حد الربط المصيري بينها وبين الحاكم. فالدولة .. المجتمع .. الأمة .. باقية ما بقي الحاكم .. وآمنة ما أمن الحاكم. فإذا زال أو شعر بالتهديد كان على الآخرين أن يزولوا، أو يدفعوا الثمن معه، أضعافا مضاعفة!!! طبقا لمعادلة « أنا ومن بعدي الطوفان» .. معادلة قائمة وشائعة منذ زمن بعيد عبر عبارات نسمعها في أغلب البلدان من نوع: « أخذناها بالسيف! فمن عنده زود فليتفضل»!!! أو « جئنا إليها صحراء خربة .. ونخرج منها كذلك»!!!
ميزة الدول العربية بالذات أنها الأضعف في العالم، والأحط مكانة بين الأمم، والأشد استباحة للحرمات والكرامات والأنفس. فما من دولة عربية، مهما بلغت من القوة، المادية والمعنوية، قادرة على حماية نفسها من أي تهديد داخلي أو خارجي. وما من نظام سياسي عربي إلا ويتعامل مع شعبه وكأنه لحظة من الرفاهية المسخَّرة لاستمتاع السلطة وتلبية احتياجاتها. وما من نظام إلا حارب الدين وأهله أو سخره لطغيانه أو صادر الحقوق والحريات أو رهن البلاد والعباد لألد الأعداء أو استولى على المال العام والخاص وصادر الثروات واستحوذ على الموارد وأخرجها من البلاد ليودعها في حسابات سرية أو علنية أو بنى بها القصور وأقام الشركات واشتري العقارات وخاض كل مخاض.
سبحان الله!! كل الدولة آمنة إلا دولة الحاكم .. وكل الشعوب مثقفة ورقيقة إلا شعب الحاكم، مهلوس وحشاش .. وكل أهل الأوثان والأديان كِرام إلا أهل الإسلام فإرهابيون أوباش .. وكل القوانين واجبة الاحترام إلا بلاد الحاكم فهي بلا قوانين .. وكل الحقوق مهدورة إلا حقوق الحاكم فمصانة .. وكل الحريات، العامة والخاصة، متاحة للحاكم إلا الشعب فليس له حتى من الحريات الخاصة نصيب .. كل البلاد والعباد مشاع للحاكم ..
لما لا يبقى للحاكم ما يحكمه فإننا نكون ضحية الطغيان .. لكنه طغيان ما بعده ولا مثله طغيان .. سواء في السياسة أو الإدارة أو الأمن أو الاجتماع أو الاقتصاد أو الثقافة أو العلم ... ولعل أطرف ما في النظم العربية أن أغلبها تحولت إلى أسر وعائلات حاكمة بقطع النظر عن طبيعة النظام أكان ملكيا أو جمهوريا أو سلطانيا أو أميريا. وأعجب ما في الدول العربية أنها صارت تنسب إلى حكامها أو تُعرف بهم!!! فليبيا المختار صارت ليبيا القذافي وأبناؤه ومرتزقته، وسوريا الشام صارت سوريا الأسد وابنه، ومصر الكنانة صارت مصر مبارك وعائلته وعصابتهما، وبغداد الرشيد صارت بغداد الروافض واللصوص .. ويمن الحكمة صارت يمن الشاويش علي عبد الله صالح وإخوته وأبنائهم وأحفادهم، وأرض الحرمين صارت أرض السعوديين، وتونس ابن خلدون صارت تونس بورقيبة وزين العابدين، وبلد المليون شهيد صارت بلد بوتفليقة وعصابة العسكر المتفرنسة .. ومراكش غدت مغرب الخامس والسادس ... والقائمة تطول.
كل واحد من الحكام العرب استأثر بعشرات الألقاب والكنى التي تمجده وتجعل منه نابغة العصر والزمان، والذي بدون توجيهاته السديدة وحكوماته الرشيدة وفطنته وحكمته وشجاعته وحزمه وعطفه ولطفه وأعطياته ما كان للأمة أن تأكل أو تشبع أو تعيش أو تأمن على نفسها أو تتعلم أو تكتشف محيطها أو تنهض أو تتقدم أو حتى توجد على سطح الأرض.
استقرار البلاد بالنسبة للحكام يعني فقط استقرار النظام، ودوام الحال، وحسن المآل، وفرح البال. وطالما ظل النظام مستقرا فالناس يتنعمون بنعمة الأمن والأمان، حتى لو امتلأت السجون بالمظالم، وشاعت الفحشاء، وانتشر الفساد في البر والبحر، وبيعت الأوطان .. فدون ذلك، ولو بالأنين، الفتن والخراب والدمار والخروج عن الطاعة والتسبب بسفك الدماء البريئة، مع أنه ما من نظام نشأ أو استمر إلا وسط بحر من الدماء، وانتهاك للحريات، واستباحة للأعراض، وقهر للعباد.
الحاكم معصوم، لا يُسأل عما يفعل، والكل مسؤول!!! حتى لو أتى بالكبائر، ووقع في المحارم، وقتل من قتل، وظلم من ظلم، وسلب من سلب، وقال ما قال، وفعل ما فعل .. وحتى لو خرج من الملة .. أو كان من خارج الملة .. ومن الغزاة بعينهم .. لا بأس!! فكرامته مصانة حتى لو أهدر كرامة أمة، وولايته شرعية حتى لو نقضها ألف ناقض، ولسانه صادق حتى لو استمرأ الكذب، والاحتفال به واجب .. والنصيحة العلنية له محرمة .. والسرية تطاول ومس في الهيبة .. والاحتجاج على الظلم والجور والفساد وخراب البلاد والعباد وانتهاك حرمات الله فمحرم .. أما التخريب والبلطجة وسفك الدماء والقمع فمن حق الحاكم .. لكن التظاهر السلمي يستوجب قطع الأصابع!!! أو، بالمرة، سحق الجماجم!!! ومن لم يعحبه؛ فإعلان الحرب على الأمة، وسحقها بالدبابات والطائرات وراجمات الصواريخ والبوارج الحربية، واتهامها بالهلوسة والتحشيش .. أو المندسة على الحاكم!!!
لما حان مصيره تبين أن الحاكم لا يستحي .. حتى لو تعرض لطوفان من الإهانات .. وحتى لو انكشف كل ستر فيه .. وحتى لو استنفذت اللغة كل مفردات السباب والشتائم والسخرية بحقه .. وحتى لو صار سيمفونية ساخرة تتغنى بها الأمم والشعوب في كل شبر وبيت ودار وزنجة .. لا يستحي حتى لو قال له كل فرد من شعبه: إرحل .. إرحل .. لا يستحي حتى لو صار مضربا للأحذية من كل حدب وصوب!!! تُرى: من أي طينة أخلاقية خلق هؤلاء الحكام كي يحتملوا كل هذا البغض والكره والتحقير حتى من قبل من هم أشد منهم وضاعة؟ ولأجل ماذا؟ وأي كرامة بقيت لحاكم يقول له شعبه: اتفووو عليك؟!!! لا شيء. فلو كان يستحق الاحترام سابقا لما كانت نهايته مذلة على هذا النحو. لذا فالسؤال المطروح: ماذا فعل خلال ولايته حتى يستحق هذه النهاية المخزية؟
سقط الحاكم!!! لكن قبل إحالته إلى سيرة كان يا ما كان في قديم الزمان !!! بدأت الدفاتر تكشف في الأحرف الأولى من صفحاتها عن كوارث ومصائب كانت قبل قليل، عند الحواشي الفاسدة والمفسدة، مجرد إشاعات مغرضة من مندسين ومهلوسين وفوضويين ومخربين خرجوا على ولي الأمر بغير حق!!! ولي أمر لم يكن في يوم ما ليحترم دين، أو خلق، أو قيمة، أو يفكر بحلال يحفظ له نهاية كريمة، أو بحرام قد يخلع عنه، في يوم ما، كل فضيلة .. ولم يكن أمثال هؤلاء المرقعون للظلم أكثر من خِرَقٍ نجسة لم تعرف طهارة ولا عفة.
أي مصداقية يتمتع بها الحكام العرب؟ وأية ثقة أبقاها هؤلاء للحوار؟ وعلى ماذا تتحاور الشعوب مع مثل هذه النظم؟ فهل كذبت صحيفة الغارديان البريطانية لما قالت بأن ثروة الرئيس المصري المخلوع تقدر بنحو 70 مليار دولار؟ وهل كذب الأمريكيون لما أعلنوا وحدهم عن أكثر من 31.5 مليار دولار على ذمة مبارك وأسرته فقط في المدن الأمريكية!! فكم بحوزتهم من المليارات الخفية في دول العالم؟ وكم هي ، إذن، المليارات المنهوبة من قبل الرئيس التونسي بن علي بعد أن اكتشف التوانسة خزائنه الخفية في ضاحية سيدي بو سعيد وهي معبأة بالمليارات من الدولارات والنفائس والمخدرات والخمور الفاخرة؟ وكم بيد الرئيس اليمني علي عبد الله صالح الذي أرسل حفيده للولايات المتحدة محملا بأربعين مليار دولار على ذمة العائلة، وقبل أن ينخلع بقليل؟
هل يظن المشرعون، زورا، لولاية الأمر، والمهددون بسحق الجماجم أنهم بمنأى من ساعة الحساب لقاء ما فرطوا به من حقوق الأمة والدين؟ أو لقاء التحريض الصريح والمجنون على القتل؟ أو لقاء ما ضللوا بفتاواهم الأمة؟ أو لقاء إعانتهم للظالم على ظلمه؟
ثم أي دجل هذا المسمى بالانتقال السلمي للسلطة؟ بالأمس يفتن مبارك الأمة، ويفتك بها، ويزور انتخابات على الملأ، ويذلها بين الأمم، ثم يتحدث، بصفاقة، عن حوار وإجراءات وانتقال سلمي للسلطة بلا ترشح أو توريث لها!!! ومن بعده يطل علي صالح على الشعب اليمني بدستور مفصل على مقاسه كرئيس للأبد؛ واليوم يكرر ذات الاسطوانة حرفا حرفا !!! كيف يمكن للشعب اليمني أن يثق بمن ليس له أي تاريخ إلا التاريخ الساقط أخلاقيا مذ كان شاويشا يقدم خدماته المنحطة لضباطه الذين نصبوه، أميا لا يقرأ ولا يكتب، في قمة رأس السلطة، وتواروا خلفه إلى حين، فإذا به يغدر بهم؟ كيف يثقون بمن هو أفسد الزعماء الذين يتربعون على واحد من أفسد النظم السياسية في العالم؟
حتى الآن سقط اثنين من الحكام، وثمة اثنين في الطريق إلى السقوط. والحكام الأربعة أخرجوا ثروات بلادهم من حيز الانتفاع والتداول بين شعوبهم واستأثروا بها في الخارج. وأبقوا شعوبهم تحت خط الفقر يتجرعون القحط والمهانة والظلم. السؤال: هل بن علي ومبارك والقذافي وعلي صالح أنجاس وغيرهم أطهار؟ وهل يظن هؤلاء أن شعوبهم أقل غضبا من غضب الليبيين الذين فضلوا التعرض لمذبحة على البقاء تحت حكم القذافي؟ فليتعظ من لم يتعظ قبل أن ينفذ الحوار!!!
18/2/2011


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.