أحزاب «الوسط» الجديدة تنقصها الخبرة.. والبقية عينها على الاستحقاقات تونس:أشهر قليلة تفصلنا عن الاستحقاق الانتخابي للمجلس التأسيسي، وأسابيع فقط تفصلنا عن بداية الحملة الانتخابية لهذه المحطة المفصلية في تاريخ البلاد ورغم ذلك مازالت قوى سياسية عديدة لم تظهر بعد ولم تبدأ العمل في هذا الاتجاه.ولاحظ المتابعون ظهورا مكثفا لاستقطابين واضحين هما التيار الاسلامي واليسار الماركسي في الساحة والتي رافق تحركاتها جدل دائم، ولوحظ أيضا غياب يكاد يكون كليا ل"أحزاب الوسط" في هذا الزخم السياسي المتواصل بعد الثورة. ولكن وقبل الولوج في تفاصيل هذا الموضوع يجب الإشارة إلى أن المقصد من "أحزاب الوسط" هو بمعزل عن التصنيف السياسي الكلاسيكي، ويعني هنا الأحزاب غير الراديكالية المتموقعة على يسار اليمين ويمين اليسار وفي الوسط. وامتلأت الساحة السياسية بعد 14 جانفي بالأحزاب السياسية بمختلف تصنيفاتها وبلغت أكثر من مائة حزب متشكل يعمل منها 54 قانونيا إلى الآن، ورغم ذلك فان عددا من هذه الأحزاب لا يتعدى أصابع اليد حضر بانتظام في الساحة السياسية وخاصة منها الأحزاب الراديكالية اليمينية واليسارية وأثار ذلك تساؤلات حول أسباب غياب البقية؟ غياب للخبرة واعتبر مصطفى بدري أحد مؤسسي حركة الإصلاح والعدالة الاجتماعية أن الحزب "فاعل في الساحة وله نشاط كثيف" ويطرح مواقف من مختلف القضايا في البلاد. ومن ناحية أخرى لم يجر هذا الحزب سوى اجتماعين فقط مع أنصاره أحدهما في سيدي بوزيد والثاني في العاصمة. ولا تختلف أغلب الأحزاب المؤسسة حديثا بعد 14 جانفي عن هذه الحركة، إذ أن عددا منها مازال لم ينظم هياكله المركزية إلى اليوم، واخرا ينتظر التقنين، في حين أن البقية لم تعرف أصلا بنفسها. و لاحظ البعض من المتابعين أن هذه الهياكل الحزبية مازالت تتحسس الساحة السياسية، وليس لها الخبرة الكافية في هذا الميدان إذ ذهب محمد القوماني عن حزب "الإصلاح والتنمية" إلى أنّ هذه الأحزاب "مازالت لم تعرف بنفسها إلى حد اليوم" حتى أنها غابت تماما في استطلاعات الرأي وفي القضايا الكبرى المطروحة في البلاد. ويبدو أن العدد الكبير لهذه الأحزاب الجديدة جعلها تتشتت مما غيب تباينها وتمايزها عن بعضها البعض في معالجة القضايا السياسية، بل اقترب أغلبها من نفس التوجه والموقف، ورغم هذا أعلن عدد منها عن تموقعه ضمن أحزاب الوسط. وخلافا لهذه الأحزاب الجديدة، فان عددا من أحزاب الوسط التي لم تكن راديكالية سوى لتوصيف تموقعها في صف معارضتها للنظام الاستبدادي أيام بن علي تعمل في الساحة بإرث سياسي أكثر نضج، غير أنها مازالت لم تعبر عن نفسها كما انتظر الملاحظون. تعمل بحذر وأكد إبراهيم بالربيحة عضو المكتب السياسي لحزب "التكتل من أجل العمل والحريات" أن التكتل انطلق في هيكلة نفسه والتحم بمختلف التحركات الجماهيرية التي تبنى الحزب أهدافها، وشدد على أنه وخلافا للمتداول فان أغلب الأحزاب الوسطية التي تعمل منذ زمن النظام السابق، وكانت تعارضه بصدق لها وجود فعلي في الساحة السياسية وتأثير لا يمكن أن ينكره أحد. ولا حظ المتابعون أن كلا من حركة التجديد والحزب الديمقراطي التقدمي، خفت بريقهما وحضورهما في الساحة السياسية والإعلامية بعد مرحلة أولى كان نشاطهما كثيفا. ويعتبر عدد من المتابعين أن هذه الأحزاب بدأت مرحلة ما بعد هروب بن علي مباشرة متموقعة في الحكومة الانتقالية الأولى التي قادها محمد الغنوشي التي توازى عملها انتقادات لاذعة واحتجاجات على تركيبتها. وتقلد الحزب الديمقراطي التقدمي وزارة التنمية الجهوية والمحلية وحركة التجديد وزارة التعليم العالي والتكتل من أجل العمل والحريات وزارة الصحة.ورغم تعلل كل من التجديد والديمقراطي التقدمي بعدم ترك فراغ قد يؤدي إلى رجوع الدكتاتورية إلا أنها انسحبت لتتفرغ للتحضير للاستحقاقات القادمة. وخلافا لتحركات معتادة لهذه الأحزاب، فإنها لم تسرع في عجلة نشاطها وفرض ألوانها في هذه المرحلة التي تسبق انتخابات المجلس التأسيسي، بل لاحظ المتابعون لها "حذرا في التحرك" قد يكون سببه ممارسات تعرضت لها هذه الأجسام السياسية في عدد من تحركاتها. احتكار وبعيدا عن الندوات والبيانات والاجتماعات الحزبية، ومختلف عادات وتقاليد العمل الحزبي الكلاسيكي تشهد الساحات العمومية في عدد من جهات البلاد ظهورا لأنشطة جديدة على الساحة التونسية من حلقات نقاش جماهيرية أحيانا، وتكوينا لمجالس محلية وجهوية احتكرتها أحزاب التيار الديني والماركسية ولكن تغيب عنها أحزاب الوسط. ورغم أن مواقف سياسية واضحة مخالفة لنهج اليمين الديني واليسار الماركسي، ورغم التباين الذي يمكن أن تحققه هذه الأحزاب لو التحمت بالجماهير في الساحات والجهات، فان أحزاب الوسط تغيب عن مثل هذه النشاطات، رغم تأكيد المتابعين لقيمتها الكبيرة في التعريف بأي تنظيم سياسي وتحديد الموقف منه سلبا أو ايجابا. وفي نفس السياق، تعرضت عدد من الأحزاب إلى عمليات عنف طالت نشاطاتها في الجهات، حيث تعرض كل من الديمقراطي التقدمي والتجديد إلى تشويش ومنع لعدد من اجتماعاتها وهو ما أثار حفيظة أغلب المتابعين للشأن العام التي رفضت العنف واعتبرته نتيجة للتعصب والراديكالية والعقائدية المفرطة التي تنفي الآخر ولا تحتمل وجوده. وتجدر الإشارة أن ظاهرة العنف لم تشمل الخصوم السياسيين فقط إنما ظهر بوجوه أخرى من بينها افتكاك الساحات العمومية، وتعطيل حركة المرور ورفع شعارات معادية للجمهورية وللحرية والديمقراطية التي أصر التونسيون للانتقال إليها ودفع من أجلها الشهداء. الصباح