كاتب الدولة لدى وزير الفلاحة: اعداد خطة عمل بكافة الولايات لتفادي توسع انتشار الحشرة القرمزية ( فيديو )    انس جابر تغادر بطولة مدريد من الربع النهائي    اسقاط قائمتي التلمساني وتقية    عين دراهم: إصابات متفاوتة الخطورة في اصطدام سيارتين    الحكومة تبحث تقديم طلب عروض لانتاج 1700 ميغاواط من الطاقة النظيفة    تأخير النظر في قضية ما يعرف بملف رجل الأعمال فتحي دمّق ورفض الإفراج عنه    كمال دقّيش يُدشن مركز إقامة رياضيي النخبة في حلّته الجديدة    باقي رزنامة الموسم الرياضي للموسم الرياضي 2023-2024    القصرين: ايقافات وحجز بضاعة ومخدرات في عمل أمني موجه    تراجع عدد الحوادث المسجلة ولايات الجمهورية خلال الثلاثي الأول لسنة 2024 بنسبة 32 %    طلبة معهد الصحافة في اعتصام مفتوح    بمناسبة عيد الشغل: الدخول إلى المتاحف والمواقع الأثرية مجانا    هذه تأثيرات السجائر الإلكترونية على صحة المراهقين    على متنها 411 سائحا : باخرة سياحية أمريكية بميناء سوسة    نجلاء العبروقي: 'مجلس الهيئة سيعلن عن رزنامة الانتخابات الرئاسية إثر اجتماع يعقده قريبا'    القبض على شخص يتحوّز بمنزله على بندقية صيد بدون رخصة وظروف لسلاح ناري وأسلحة بيضاء    الليلة: أمطار غزيرة ورعدية بهذه المناطق    صفاقس: اضطراب وانقطاع في توزيع الماء بهذه المناطق    قفصة: تواصل فعاليات الاحتفال بشهر التراث بالسند    تحذير رسمي من الترجي التونسي لجمهوره...مالقصة ؟    الترجي الرياضي: نسق ماراطوني للمباريات في شهر ماي    تحذير من برمجية ''خبيثة'' في الحسابات البنكية ...مالقصة ؟    بنزرت: حجز أكثر من طنين من اللحوم    وزيرة النقل في زيارة لميناء حلق الوادي وتسدي هذه التعليمات..    سوسة: حجز كمية من مخدر القنب الهندي والإحتفاظ بنفرين..    أسعار لحم ''العلوش'' نار: وزارة التجارة تتدخّل    عاجل/ "أسترازينيكا" تعترف..وفيات وأمراض خطيرة بعد لقاح كورونا..وتعويضات قد تصل للملايين..!    مختص في الأمراض الجلدية: تونس تقدّمت جدّا في علاج مرض ''أطفال القمر''    يوم 18 ماي: مدينة العلوم تنظّم سهرة فلكية حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشّمس    مدينة العلوم بتونس تنظم سهرة فلكية يوم 18 ماي القادم حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشمس    خبراء من الصحة العالمية يزورون تونس لتقييم الفرص المتاحة لضمان إنتاج محلي مستدام للقاحات فيها    اتصالات تونس تفوز بجائزة "Brands" للإشهار الرمضاني الأكثر التزاما..    عاجل/ تلميذ يعتدي على أستاذته بكرسي واصابتها بليغة..    إحداث مخبر المترولوجيا لوزارة الدفاع الوطني    الحماية المدنية: 18 حالة وفاة خلال ال24 ساعة الأخيرة    فرنسا تشدد الإجراءات الأمنية قرب الكنائس بسبب "خطر إرهابي"..#خبر_عاجل    زيادة ب 14,9 بالمائة في قيمة الاستثمارات المصرح بها الثلاثي الأول من سنة 2024    تونس: تفاصيل الزيادة في أسعار 300 دواء    هام/ هذا موعد اعادة فتح معبر رأس جدير..    تفاقم عدد الأفارقة في تونس ليصل أكثر من 100 ألف ..التفاصيل    بطولة إيطاليا: جنوى يفوز على كلياري ويضمن بقاءه في الدرجة الأولى    عاجل : الأساتذة النواب سيتوجّهون إلى رئاسة الجمهورية    هدنة غزة.. "عدة عوامل" تجعل إدارة بايدن متفائلة    مفاوضات الهدنة بين اسرائيل وحماس..هذه آخر المستجدات..#خبر_عاجل    توزر...الملتقى الجهوي للمسرح بالمدارس الاعدادية والمعاهد    صدر حديثا للأستاذ فخري الصميطي ...ليبيا التيارات السياسية والفكرية    في «الباك سبور» بمعهد أوتيك: أجواء احتفالية بحضور وجوه تربوية وإعلامية    الخليدية .. أيام ثقافية بالمدارس الريفية    محاكمة ممثل فرنسي مشهور بتهمة الاعتداء الجنسي خلال تصوير فيلم    الاحتفاظ بالمهاجرة غير النظامية كلارا فووي    درة زروق تهيمن بأناقتها على فندق ''ديزني لاند باريس''    قيس الشيخ نجيب ينعي والدته بكلمات مؤثرة    جائزة مهرجان ''مالمو'' للسينما العربية للفيلم المغربي كذب أبيض    ثمن نهائي بطولة مدريد : أنس جابر تلعب اليوم ...مع من و متى ؟    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا تقدم بدون ضمان حرية التفكير والتعبير.. (الجزء2/5)
نشر في الفجر نيوز يوم 05 - 05 - 2008

بقلم : عبد السّلام بو شدّاخ، احد مؤسسي الحركة الاسلامية في تونس
بسم الله الرحمان الرّحيم
كيف الاحتفال بيوم الشغل والعمل بين ثقافة الانبطاح
و ثقافة الاصلاح على مرّ السنين
الحياة في ضلّ الهوية العربية الاسلامية والحريات الشخصية نعمة
و المحافظة عليها واجبة وضرورة
الحقّ في العمل و الشغل واجب و احترام الحقوق المنزوعة و المهدورة ضرورة
من وحي معاناة البطالة و الفقر و الخصاصة والحرمان و عجزالقطاع الفلاحي والنزوح وزحف العمران
لا تقدم بدون ضمان حرية التفكير والتعبير.. دون حد ادني من التنمية السياسية.. ولا تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية)
"واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرّقوا واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم أعداءا فألّف بين قلوبكم" (آل عمران 103)
"قل هذه سبيلي ادعو الى الله على بصيرة انا ومن اتبعني وسبحان الله" (سورة يوسف 108)
(الجزء2/5)
باريس في 5 ماي 2008
بقلم : عبد السّلام بو شدّاخ، احد مؤسسي الحركة الاسلامية في تونس
ارتفاع الأسعار... إلى أين : كلما تحدثت للناس في الشارع أو في المقهى أو في المكتب، وكلما جالستهم من كل المستويات وفي كل الأماكن في المدن والأرياف هذه الأيام إلا وكان موضوع ارتفاع الأسعار حاضرا بقوة. الكل يشكو من هذا الارتفاع الذي شمل كل شيء تقريبا من المحروقات ومواد الطاقة ، والمنتوجات الفلاحية من حبوب وأعلاف وخضر وغلال وأسماك، ومواد البناء والأراضي المعدة للسكن والمساكن الجاهزة، والملابس والأحذية التي لم تتأثر من المواد والخدمات التي يستهلكها المواطن وخاصة الشرائح الفقيرة والمتوسطة.
ان المعهد الوطني للإحصاء قدر نسبة الزيادة في مؤشر الأسعار منذ بداية سنة 2008 ب5.7 في المائة وهو أعلى مستوى منذ 6 سنوات تقريبا. وقد سجلت المواد الغذائية ارتفاع بنسبة 9 في المائة على سبيل المثال أما مواد الطاقة فكانت الزيادة ب8.1 في المائة وفق ما نشره المعهد.
وأن الطبقة الوسطى في تونس فقدت 25 في المائة من مقدرتها الشرائية على امتداد 24 سنة أي من 1983 إلى 2007 رغم أن الأجر الأدنى للعامل قد سجل زيادة 27 مرة خلال نفس الفترة. وقد يرجع ذلك إلى عدد من الأسباب أهمها عدم التكافؤ بين زيادة الأجور والأسعار.
وأنّ المستهلك التونسي "أصبح غير قادر على الشراء لأنّه لم يعد لديه وفرة مالية تمكّنه من الاستهلاك، و أنّ التجار الصغار أصبحوا على حافة الإفلاس من ذلك أنّ 10 آلاف صناعي صغير ومتوسّط ممن ينتجون للسوق الداخلية أصبحوا في حيرة واضطراب".
إنّ ارتفاع أسعار الأراضي المعدة للبناء والمساكن الجاهزة من سعر المتر المربع قد قفز من 300 دولار إنّ ارتفاع الأسعارهو حديث كل الناس وكل الأوساط ونحن على أبواب مفاوضات اجتماعية لتعديل الأجور. وممثلو الأجراء سيحاولون التركيز على تدهور المقدرة الشرائية للأجراء طيلة الفترة السابقة مع التذكير بما يسجله الاقتصاد التونسي من نسب نمو محترمة وفق البيانات الرسمية وهو نتاج مجهود مشترك لكل الأطراف ومن العدل أن يتمتع الكل بمردود النمو.
الأطراف الأخرى ستركز على الصعوبات التي يمر بها الوضع الاقتصادي وما تشهده الأسواق العالمية من اضطراب وارتفاع مشط وغير مسبوق لأسعار كل المواد الأولية.
إن استمرار التعديل الدوري للأجور مع تحرير الأسعار وربطها بالأسعار في السوق العالمية والبحث عن صيغ للتخلي عن سياسة التعويض وصندوق التعويض ليست بالخيار الأسلم للاقتصاد لأنها عنصر أساسي للتضخم فإننا في حاجة للبحث عن آليات أخرى وأساليب أخرى أكثر واقعية وأكثر جدوى. ومع ذلك فإن التعديل إذا حصل لا يشمل إلا الأجراء، أما البقية ممن ليس لهم دخل على غرار صغار الفلاحين والتجار والصناعيين والحرفيين فإنهم يتحملون الزيادة في الأسعار بدون مقابل ثابت وحقيقي. إنهم يمثلون جزءا مهما من المجتمع.
إنّ ارتفاع الأسعار حديث كل الناس وكل المجالس فالبعض يشكو العجز وقلة ذات اليد أمام متطلبات الحياة والبعض يتهم سياسة اقتصاد السوق ومجتمع الاستهلاك ويؤكد أن ما يجري هو إفراز طبيعي لهذه السياسة الذي ستنتجه والبعض الآخر يؤكد أننا مقبلون على مرحلة تقسيط في العديد من المواد باسم ترشيد الاستهلاك كما حصل إبان أزمة الحليب.
أما الحكومة والجهات الرسمية فإنها تجد في ارتفاع الأسعار في السوق العالمية مادة لتبرير كل ما يحصل كما أنها تؤكد دائما على استمرار سياسة التعويض للكثير من المواد والخدمات مع إمكانية ترشيدها حتى يقوم التعويض بدوره. غير أن هذا الخطاب لم يعد يقنع الكثير ولاسيماؤلائك الذين يتابعون من الفضائيات ما حصل في مصر من أزمة خبز وغيرها ويخافون تكرارها في أكثر من بلد عربي بما فيها تونس.
لا أحد يشكك في ارتفاع الأسعار في السوق العالمية ولا أحد يشكك في أن الحكومة تعالج وضعا صعبا نسبيا ولكن على عاتقها تقع مسؤولية الحفاظ على السلم الاجتماعي من خلال الحفاظ على المقدرة الشرائية للمواطن.
لا يمكن أن يستمر ارتفاع الأسعار الداخلية باسم ارتباطها بالسوق العالمية مع الحفاظ على السلم الاجتماعي لأن المواطن يمكن أن يتخلى عن كل حقوق المواطنة لكنه لا يقبل أن يكون كذلك إذا هدد بالجوع أو الفقر. إنها مرحلة صعبة ودقيقة لا يفيد معها الخطاب السياسي والشعبوي أحيانا تستوجب حلولا وخيارات صعبة وتضحيات جساما حتى لا يشعر الناس بأنهم مدفوعون للفقر.
على الحكومة أن تبحث عن حلول وأن تضع سقوفا معقولة للأسعار الداخلية عند الاستهلاك لكي تتفادى ما لا يحمد عقباه ولكي تستعد للفترات الصعبة قبل فوات الأوان.
الموضوع ليس خطابا سياسيا أجوف ولا وضعا يمكن ركوبه للمزايدة أو الهرسلة ولكنه موضوع مجتمعي يستوجب إعطاءه ما يستحق من أهمية ومواجهته مواجهة صحيحة.و صدق رسول الله صلى الله غليه وسلّم اذ قال : "كاد الفقر أن يكون كفرا". و في الحديث الذي رواه احمد والطبراني عن ابي ذرّ الغفاري رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله غليه وسلّم قال : " اوصاني خليلي صلى الله عليه وسلّم بسبع : بحبّ المساكين وأن أدنو منهم و أن أنظر الى من هو اسفل منّي و لا أنظر الى من هو فوقي وان اصل رحمي و ان جافاني و أن أكثر من قول لا حول ولا قوّة الا بالله و أن أتكلّم بمرّ الحقّ و لا تأخذني في الله لومة لائم و أن لا أسأل النّاس شيئا" وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه "لو كان الفقر رجلا لقتلته بسيفي".
كل هذا يدلّ على خطورة الفقر الذي يدفع صاحبه للقيام بأشياء لا يعلمها الا الله اذ هو شيء في منزلة الكفر بالله. والفقر في عصرنا وفي ظروفنا مرتبط بالقدرة الشرائية للمواطن أمام ارتفاع الأسعار. إن الأمر ليس أمر مؤشرات تصاغ في مكاتب مغلقة واعتمادا على معادلات نظرية جامدة…
تبدو الحكومة التونسية مقبلة على مرحلة لا تحسد عليها، نتيجة ارتفاع حاجياتها الاستهلاكية من الحبوب بجميع أنواعها، حيث بلغ حجم استهلاكها من هذه المادة، إلى نحو 31 مليون قنطار خلال العام الماضي، مقابل 25 مليون قنطار العام 2006. وترافق هذا الارتفاع، مع تطور واردات الحبوب التي مرت بسرعة من 19 مليون قنطار العام2006 إلى24.7 مليون قنطار سنة 2007.
وحسب التقديرات الرسمية، من المتوقع أن يبلغ إنتاج البلاد من الحبوب خلال العام الجاري، معدّل 13 مليون قنطار، منها مليونا قنطار فقط من القمح اللين، المستخدم بكثرة في صناعة الخبز وشتى أنواع العجين التي تستهلك بكثرة في تونس، سيما منها المكرونة والكسكسي، اللذان يعدّان أحد أشهر وأفضل الأكلات التونسية والأوسع انتشارا في كامل البلاد.
ولقد قال مدير ديوان الحبوب في تونس، إن كمية 13 مليون قنطار من الحبوب، لن تغطي سوى %47 من إجمالي حاجيات تونس الاستهلاكية من الحبوب خلال العام الجاري، مقابل%24 العام 2007، موضحا أن ذلك سيؤثر على حجم واردات البلاد من الحبوب، إلى نحو 14.5 مليون قنطار، بعد أن كانت في حدود 21 مليون قنطار العام المنقضي.ويتوقع أن تصل نفقات الدعم الحكومي لواردات الحبوب خلال السنة الجارية، إلى حوالي413 مليون دينار، بعد أن تم حصر الأمر في حدود240 مليون دينار العام 2007.
من الغريب اننا نعيش في عالم من الظلم المعولم والحروب الاقليمية المتفجرة والتهديد باللجوء إلى السلاح النووي وتفشي الأوبئة وتفاقم الفقر وتصحر البيئة ونقصان المياه وتقلص الأخلاق ، وكأنما كل هذا لا يكفينا فالهجرات البشرية و اللاجئين بالملايين وحركات العنف ولا ضحايا التمييز والعنصرية، فجاءت ثورات الخبز في عدة بلدان تنذر بالشر وتعلن تمرد المواطن العادي لا من بدافع ايديولوجي أو المزاحمة على السلطة أو بتحريك من الأحزاب بكل عفوية لأنه لم يعد يأكل إذا جاع ولم يعد يشرب إذا عطش.
عجزقطاع التعليم الفلاحي وزحف العمران : نحن لسنا في مأمن حصين من هذه الهزة القوية، نحن ننتمي إلى النصف الجنوبي المحروم من نعمة انتظام الأمطار ومن قلة الموارد الطبيعية ونعاني من سوء الخيارات التربوية والاقتصادية التي عصفت بمستقبل مجتمعاتنا العربية حين أساءت اخياراتها منذ الحصول على استقلالها فأهملت زراعتها وغيرت طبيعتها الحضارية باحتضان خيار السياحة أو خيار الصناعة الثقيلة على حساب خدمة الأرض وتنويع الزراعات وتكوين الكوادر المهندسة والخبيرة في الفلاحة التي هي وحدها الكفيلة بضمان الاكتفاء الغذائي الذي هو سر الاستقلال الحقيقي.
والنتيجة كما نرى اليوم بعد نصف قرن من الاستقلال ارتهان متفاوت المخاطر في خبزنا اليومي لأننا مضطرين اما للاستيراد أو للمعونة الغذائية من دول أوروبا والولايات المتحدة. كما أن للسياحة مساوئ بدأت تهدد التوازن الاقتصادي وأيضا الأصالة الحضارية والمصالح الحيوية، لأن قضية الماء أصبح مطروح في البلدان التي أعطت الأولوية للقطاع السياحي على حساب الزراعة، فالسائح يستهلك مابين المسبح والاغتسال يوميا من الماء الصالح للشراب ما تستهلكه أسرة كاملة لمدة أسبوع كما أن ملء مسبح للاستحمام يستهلك من المياه ما يصلح لري هكتار من الأرض، بالاضافة إلى أن أغلب الفنادق شيدت على أراض زراعية.
وزيادة على هذه الأخطاء الفادحة كذلك الخيارات التربوية الخاطئة الى جانب تقلص الأراضي الزراعة و الفلاحية حيث كان الاتجاه منذ عقود لتخريج جيوش من الموظفين و احتقار الزراعة في توجيه الشباب غير المتفوق أو الميؤوس منه ليدرس علوم وتقنيات خدمة الأرض بينما هي الأصل وهي الجوهر، بل أصبح من العار وبأن نعت "فلاح" يعني سبة واهانة وحطا من الكرامة!
ونلاحظ اليوم عزوفا للشباب من كل ما يتعلق بالأرض نتيجة خياراتنا التي أساءت التقدير وقلبت الأولويات. وبالطبع فان أسباب الأزمة الغذائية الحادة لا تقتصر على هذه الخيارات الخاطئة والتي يمكن تلافيها من قبل الحكومات والمجتمعات المدنية، فان الأسباب الهيكلية تتصل بتناقص المساحات المعدة للزراعة في كثير من البلدان حيث خصصت لانتاج محاصيل تصلح كوقود بديل للسيارات أملا مغشوشا في تعويض طاقة النفط، ثم في تزايد الطلب في المجتمعات الصاعدة كالصين والهند على المواد الغذائية الأساسية من رز وقمح وسكر وزيوت مما رفع من أسعار هذه المواد إلى درجة المضاربة فيها وتخزينها والاتجار غير المشروع فيها.
الماء الصالح للشراب: أن قضية الماء أصبح مطروح في البلدان التي أعطت الأولوية للقطاع السياحي على حساب الزراعة، فالسائح يستهلك مابين المسبح والاغتسال يوميا من الماء الصالح للشراب ما تستهلكه أسرة كاملة لمدة أسبوع كما أن ملء مسبح للاستحمام يستهلك من المياه ما يصلح لري هكتار من الأرض، بالاضافة إلى أن أغلب الفنادق شيدت على أراض زراعية.
التشغيل في تونس : أفادت دراسة ان القطاع الحكومى في تونس يستقطب 52 بالمائة من اليد العاملة فى البلاد بينما يستقطب القطاع الخاص 48 بالمائة المتبقية من مواطن العمل. ويستقطب القطاع الصناعي 27 بالمائة من اليد العاملة يليه القطاع التجاري ب 17 بالمائة بينما يوفر قطاع الصحة 16 بالمائة من مواطن الشغل وتسعى الدولة التونسية الى التقليل من الاعتماد على القطاع العام في التشغيل مقابل دعم انشاء مؤسسات ومشروعات صغيرة ومتوسطة لحساب القطاع الخاص.
كفاءات تونسية وراء الحدود : كفاءات تونسية مرموقة موزعة بين قارات العالم تؤكد قيمة المعدن الذي ما فتئت البلاد تراهن عليه كأهم رافعة لتنميتها ونهوضها وذكاء ابنائها.
هذه الكفاءات متنوعة الاختصاص ومتنوعة المقاربات والاتجاهات الفكرية ايضا ولكن اعتقد ما يجمعها هو ارتباطها بأصولها التونسية التي تشدها الى معنى التعريف والهوية والمشاعر والاهتمام بأحوال الوطن ورهاناته مهما بعدت المسافة او توسعت مجالات الحركة والأدوار.
مع العلم إن 33% من الأطباء التونسيين يشتغلون في الخارج و كان الأطباء الجامعيون قد حملوا الشارة الحمراء منذ يوم 18 جوان 2007 و عبروا في مداخلاتهم عن أسفهم الشديد من عدم استجابة سلطة الإشراف لمطالبهم رغم المرونة التي أبداها المكتب الوطني للنقابة العامة و قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل.
للتذكير فإن الإضراب الذي تم تنفيذه يوم 20 جوان2007 كان من المزمع تنفيذه في 5 جويلية 2006، إلا أنه ألغي نظرا لإبداء سلطة الإشراف استعدادها للمفاوضات و دراسة مطالب الجامعيين.
رجال الاعلام في تونس : الاعلام التونسي بالمهجر يظل مشدودا لحال اعلام بلاده متطلعا الى أحواله مهما انغمس في نحت تفاصيل تجربته الذاتية خارج الوطن في أرقى المؤسسات الاعلامية. رجل الأعمال التونسي بالمهجر يظل مشدودا لحال اقتصاد بلاده مهما انغمس في تفاصيل اعماله خارج حدود الوطن. الطبيب التونسي بالمهجر يظل منتبها الى الخدمات الصحية ببلاده مهما طالت به رحلة تجربة المهجر، الجامعي المثقف، الكاتب، الفنان، الرياضي جميعا بنفس الانجذاب الواقعي والعاطفي مهما ابتعدت المسافات.. فتلك اشياء لا تشترى
هذه الثروة التونسية بالخارج تحتاج الى تخطيط جيد لاحتضانها خارج دائرة الآليات التقليدية التي اثبتت قصورها وآحاديتها في فتح ابواب البلاد امام الاستفادة من كفاءات ابنائها.
الادارة التي تعرقل والنسق الذي تعوزه جرأة التجديد وحيوية الاستيعاب ومفاهيم الحزبية الضيقة والفرز على قاعدة الولاءات بشكل صارم لا مرونة فيه يجعل من هذه الاستفادة محدودة مقارنة بالآفاق التي تفتحها سياسة الاستثمار للذكاء التونسي المهاجر.
ولقد انتقد النائب ثامر إدريس الصحف التي وصفها بأنّها "اختصّت في الخروج عن حدود النقد الموضوعي، واللياقة الأدبية، والذوق العام، متخصّصة في الهجاء المهجور". واعتبر أنّ وجود مثل هذه النوعية من "الصحف المتطرّفة" يسيء للحرية و للممارسة الديمقراطية، ويضرّ أيّما ضرر بالروح الوطنية، فهي تشدّ إلى الوراء حسب عبارته.
و في سياق الإعداد لقانون ، يتعلق "بالمجلس الأعلى للاتصال"، وهو مؤسسة سيكون من مهامها "متابعة أداء المؤسسات الإعلامية، وخصوصا منها المرئية والمسموعة، وتقويم برامجها واقتراح التصورات لتطويرها"، بحسب ما جاء في تقديم مشروع القانون.
وفي إشارة إلى التضييقات التي يتعرض لها الصحافيون وبعض صحف المعارضة، قال النائب إن "الحلّ لا يتمثّل في تشديد العقوبات القانونية، أو تقييد حرية الصحافة والصحافيين، أو التضييق على قنوات توزيع الصحف المعارضة وسحبها من الأكشاك، بل الحلّ في مزيد من الحرية ومزيد من الديمقراطية". وكشفت استبيانات نشرت في وقت سابق عن تراجع عدد مشاهدي التلفزة التونسية بشكل كبير، مقارنة مع القناة الخاصة "حنبعل"، التي بحسب مراقبين تبدي جرأة أكبر في تناول ومعالجة القضايا، لاسيما الاجتماعية منها.
ولاء واحد وحيد قادر على اقناع التونسي، هو الولاء لدينه و لوطنه ارض الطفولة والذكرى والنشأة والبدايات وهذا ما ينبغي ان يركز عليه الاستقطاب للكفاءات بعيدا عن خطاب الدعاية السياسية الفجّة المتخشّبة وعراقيل بيروقراطية ادارية صمّاء تجعل ضحاياها يلعنون اللحظة التي خامرتهم فيها فكرة جعل كفاءتهم على ذمة وطنهم.
في الحقل الاعلامي تغمرني دوما مشاعر الاعجاب بأداء اعلاميينا التونسيين الناشطين بالمهجر رغم الاختلاف في الرأي والمقاربات الفكرية والسياسة المباشرة لكن تونسيتهم ثم كفاءتهم تفرض علينا شعور بالمرارة لعدم استفادة الوطن منهم مختلطة بثبات مشاعر الافتخار بأدائهم وتألقهم.
اضراب الجوع لرجلي الاعلام: أعلن رشيد خشانة رئيس تحرير صحيفة الموقف الأسبوعية المعارضة و منجي اللوز مدير تحريرها يوم السبت26 أفريل 2008 أعلنا دخولهما في إضراب مفتوح عن الطعام احتجاجا على ما سمياه "الحصار التوزيعي والقضائي والمالي الذي يستهدف الصحيفة "لسان حال الحزب الديمقراطي التقدمي احد أحزاب المعارضة في تونس.
وقال رشيد خشانة في الندوة الصحفية التي عقدت في مقر جريدة "الموقف " بالعاصمة تونس:نعلن عن دخولنا في إضراب مفتوح عن الطعام كردّ على أسلوب الابتزاز الذي يهدف إلى دفع صحيفتنا الحرة والمستقلة -والتي تعيش على مبيعاتها فحسب -إلى الاحتجاب ."
و تحدث رشيد خشانة عن "تصعيد جديد من قبل الحكومة في سلسلة التضييقات التي تمارسها على الصحيفة مما اضطره وزميله منجي اللوز إلى اللجوء إلى الإضراب عن الطعام كمحاولة للدفاع عن "الموقف".
وتتحدّث الصحيفة منذ أسابيع عن تضييقات وحجز ومصادرة لأعدادها من الأكشاك ، في حين تنفي السلطات التونسية تلك الأنباء وتعتبرها" تضليلا إعلاميا ينتهجه الحزب الديمقراطي التقدمي المعارض مالك الصحيفة."
هذا وقد رُفعت ضدّ جريدة الموقف مؤخرا عدة قضايا عدلية في ما يعرف ب"قضية الزيت الفاسد". وكان رشيد خشانة مدير تحرير الصحيفة (55 عاما) قد تحدث في إحدى افتتاحياته عن اكتشاف مخابر جزائرية لكميات من الزيوت الفاسدة المروجة انطلاقا من تونس و توزع في الأسواق . و تحتوي "الزيوت الفاسدة" على نسبة عالية من الرصاص مما قد يشكل خطرا على صحة المواطنين.
وقد دعا رشيد خشانة رئيس تحرير صحيفة الموقف الأسبوعية حينها إلى فتح تحقيق في الموضوع و"محاسبة المسئولين عن ترويج الزيوت الفاسدة". وتطالب خمس شركات متخصّصة في تصدير الزيت وتعليبه بتعويضات قدرها 500 ألف دينار تونسي الأمر الذي اعتبره المضربان "محاولة لخنق الصحيفة ماليا ودفعا نحو احتجابها وإخماد صوتها الحرّ".
من جهته هاجم منجي اللوز مدير تحرير صحيفة (59 عاما) الموقف وعضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي التقدمي ما سماها "التقنيات الشيطانية التي تنتهجها الحكومة ضدّ الصحيفة الحرة ".و ربط اللوز بين الدعوات المتكررة التي يطلقها" الديمقراطي التقدمي " تجاه السلطة في تونس للحوار والمسائلة في سياق الاستعداد للاستحقاق الانتخابي 2009." و اعتبر منجي اللوز أن دعوة الحزب إلى مناظرة تلفزيونية وحوارات في قضايا الحرية وحقوق الإنسان والتشغيل والتداول السلمي على السلطة جوبهت برد الحكومة برفع 5 قضايا ضد صحيفتنا ."
وردّا على سؤال بخصوص دور نقابة الصحفيين التونسيين وحالة الصمت التي انتهجتها منذ بداية الأزمة بين كل من صحيفة "الموقف" و الحكومة قال رشيد خشانة الذي يشتغل مراسلا لصحيفة "الحياة "اللندنية :"منظمتان دوليتان تعنيان بحرية التعبير في العالم هما مراسلون بلا حدود و لجنة حماية الصحفيين أصدرتا بيانات مساندة ودفاع عن حق صحيفتنا في نشر الآراء الحرة والأخبار ، أما بالنسبة للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين فمن المفروض أن تتحرك للردّ على هذه التضييقات التي تستهدف صحيفة قانونية في البلاد ،أدعو النقابة و كل الصحفيين الأحرار إلى الخروج عن صمتهم والتضامن مع زملائهم في هذه الظروف."
من جهة أخرى، قال أحمد نجيب الشابي الذي كان حاضرا بالندوة الصحفية و هو المدير المسئول للجريدة وأحد المسئولين الذين رفعت ضدهما القضايا العدلية الخمس أن تصرفات الحكومة هي التي تدفعنا إلى التضحية بأعز ما نملك وهي أرواح و صحة زملائنا المضربين. وأضاف: "نحن مستعدون للتراجع عن الإضراب في أية لحظة شريطة أن ترفع الحكومة يدها عن صحيفتنا وتسقط الدعاوى المرفوعة ضدنا" .
ومن المتوقع أن يلقي الإضراب الذي أعلن عنه الصحافيان التونسيان بضلاله على الزيارة المرتقبة التي سيقوم بها الرئيس الفرنسي ساركوزي إلى تونس والتي يرافقه فيها وفد إعلامي كبير. و تأمل عدد من الجمعيات و المنظمات الحقوقية و الأحزاب السياسية التونسية أن يتضامن الرئيس الفرنسي مع ما تتعرض له من "تضييقات و انتهاكات "على حد تعبيرها.
المطلوب، الكف عن مصادرة حق الفئات الاجتماعية المتضررة من ديناميكيات التجويع العالمية بتعزيز السياسة الاجتماعية وتطوير آلياتها التضامنية وتوسيع مظلتها الحمائية وتنويع أشكالها بالقطع مع الخطاب الحزبوي لأنه لا يليق بشعب يحب الحياة ولنفتح المجال لخطاب تضامني يصالح بين المجتمع والدولة ويجمع الطاقات في مواجهة التحديات.و صدق الله العظيم اذ قال في سورة آل عمران: "ولتكن منكم أمّة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون" (آل عمران 104) و قال تعالى "مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" (النحل:97).
(وإلى الحلقة القادمة إن شاء الله وهو الهادي إلى سواء السبيل لا رب غيره و لا معبود سواه )
باريس في 5 ماي 2008
بقلم : عبد السّلام بو شدّاخ، احد مؤسسي الحركة الاسلامية في تونس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.