تتحفظ الجزائر على مشروع الرئيس الفرنسي لإنشاء اتحاد من أجل المتوسط، وهو ما يفسر حسب مصدر دبلوماسي جزائري سبب ''التريث'' الذي يطبع موقفها النهائي من المبادرة والالتحاق بركب دول عربية أخرى أعلنت تأييدها لها. وتبرر الجزائر ''عدم استعجالها للانضمام للمبادرة'' بخشيتها من أن تقع ضحية لمنطق ''الوصاية والأبوية'' التي تحن إلى ممارسته فرنسا. وأوضح نفس المصدر في تصريح خاص ل''الخبر''، أن الجزائر لم تطلب أي منصب في هياكل الاتحاد المتوسطي، لأنها ''تنتظر اتضاح رؤى أصحابه وأهدافه ووسائل تحقيقها خاصة بعد أن عرف المشروع تغييرا من طرف الاتحاد الأوروبي، وإن كانت ترحّب من حيث المبدأ بأي فضاء''. إذ اضطر الرئيس ساركوزي من أجل الحصول على موافقة الدول الأوروبية المطلة على البحر المتوسط، توسيع عضوية الاتحاد المتوسطي لتشمل جميع دول الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى تحويل تسميته إلى الاتحاد من أجل المتوسط. وتم تبرير ذلك برغبة الدول الأوروبية في عدم تقسيم مصالح الاتحاد الأوروبي. وكشف نفس المصدر أن وزراء خارجية الاتحاد المغاربي سيبحثون خلال اجتماعهم نصف السنوي، المرتقب قبل نهاية جوان القادم، مسودة المشروع الذي سيعرض أوراقه أمام رؤساء الدول المعنية بالمبادرة الفرنسية في 13 جويلية القادم في باريس. وقبل ذلك، ينتظر أن يجتمع مجلس الشورى المغاربي في دورة عادية أواخر هذا الشهر لبحث مختلف جوانب المشروع. وخلال مباحثاته مع المسؤولين الجزائريين، وفي مقدمتهم وزير الخارجية مراد مدلسي، حاول آلان لوروا، السفير الفرنسي المكلف بملف الاتحاد من أجل المتوسط، عندما زار الجزائر منتصف أفريل الماضي، طمأنة نظرائه الجزائريين على أهدافه، وأبلغ مدلسي بأن ''المشروع سيوفر للبلدان المغاربية الخمسة فرص عمل لا تقل عن 40 ألف منصب، بالإضافة إلى 70 ألف منصب آخر في بلدان الاتحاد الأوروبي. كما تعهّد بأن تتكفل دول شمال ضفة البحر المتوسط بحماية البيئة ومكافحة تلوث مياهه. ويقول مصدرنا: ''باختصار، حاول السفير الفرنسي نقل رسالة مفادها أن الاتحاد المتوسطي سوف لن يكون مثل مسار برشلونة الأورومتوسطي.'' وما أقلق المسؤولين الجزائريين، مثلما أوضح ذات المصدر، هو ما قاله السفير لوروا حول واحد من أدوار الاتحاد المتوسطي، حيث أشار في سياق حديثه إلى أن ''فرنسا ستكون خير محاور لدول الضفة الجنوبية للمتوسط مع دول الاتحاد المتوسطي.'' وأضاف المسؤول الفرنسي أن ''باريس ترى في حضور الجزائر في الاتحاد ضرورة ودعم المبادرة في آن واحد''. وبخصوص تأثير مواقف الدول المغاربية الأخرى على الموقف الجزائري، أوضح مصدر دبلوماسي مغاربي، بأنه باستثناء الجزائر وليبيا، فإن مواقف تونس وموريتانيا والمغرب، بالإضافة إلى مصر والأردن، تسير في الاتجاه الذي ترغب فيه باريس، بحكم أنها بلدانا ترتبط مع إسرائيل إما باتفاقيات سلام أو بعلاقات تجارية مباشرة. وفي هذا السياق، أشار إلى أن شكوكا كثيرة تحوم حول مشروع الاتحاد، ومنها الانعكاسات على العلاقات العربية - العربية في ضوء الانقسام الذي سيكرسه المشروع من خلال الفصل بين مجموعة الدول الخليجية ونظيرتها الواقعة في إفريقيا وغرب آسيا مثل سوريا ولبنان والأردن، خاصة وأنه يضع إسرائيل في قلب الاتحاد باعتبارها ستكون عضوا كامل العضوية فيه. الجدير بالذكر أن مرتكزات مشروع ساركوزي لجمع الدول المطلة على البحر المتوسط تحت مظلة ''اتحاد'' تتلخص في اعتبار حوض المتوسط ملكية مشتركة لكل الدول التي تقع على ضفافه شمالا وجنوبا، والتراث الحضاري المشترك بين الضفتين.