حملت سنة 2007 معها ملفات تحمل منذ استقلال البلاد، منتصف خمسينات القرن الماضي، ملفات التنمية والديمقراطية والوحدة الترابية. كل هذه الملفات بقيت طابع الحياة السياسية المغربية، تتحرّك بنفس العنوان على مدى العقود الخمس الماضية، وفي حركتها الكثير من الجديد الذي يرفض البعض أن يوسِّموه بالجديد ويعتبره قديما يرتدي زيّا جديدا، ويرفض البعض الآخر أن يحمل الجديد أي قديم، حتى لو حملت الملفات نفس العنوان. التنمية والهجرة السرية في التنمية، غابت 2007 بعد أن حفلت أيامها بقدوم مليارات الدولارات من دول ومستثمرين خليجيين ومليارات اليورو من دول وشركات أوروبية، للاستثمار في ميادين النقل والسياحة والعقار. وبعد أن شهدت افتتاح الميناء المتوسطي، الذي سيكون أكبر ميناء في حوض البحر المتوسط، وتدشين الطريق السيار بين الدارالبيضاء ومراكش (200 كلم)، بالإضافة إلى 60 كلم للطريق السيار بين الدارالبيضاء وطنجة و20 كلم من طنجة إلى تطوان. لكنها غابت، وبقيت وراءها أزمات التنمية المغربية، حيث ارتفاع عدد العاطلين عن العمل وزيادة نسبة الفقر واستفحال مظاهره وتخلّف في الإصلاح الإداري وفساد وصَل إلى داخل القصر الملكي، مارسه كبار المسؤولين الأمنيين أو المرافقين الشخصيين للعاهل المغربي الملك محمد السادس، الذي حرص على أن لا تبقى معالجة هذا الفساد والتعاطي معه في إطار القصر، بل حوّله للقضاء ليأخذ مجراه دون أية حَصانة للمتّهمين به. للتنمية وأزمتها علاقة بملف شغل المغرب طوال 2006، وهو ملف الهجرة السرية الذي تراجعت حِدّته، ليس بسبب انتعاش التنمية وتطوّر الوضع الاقتصادي لتشغيل العاطلين عن العمل، بقدر ما كان بسبب تكثيف التعاون مع دول أوروبا الجنوبية، خاصة إسبانيا التي كانت تستقبل شواطِئها مئات المهاجرين السريين المغاربة أو من دول إفريقيا جنوب الصحراء القادمين من المغرب، الذي استند إلى سلسلة إجراءات اتُّخذت في مؤتمر وزراء خارجية إفريقيا وأوروبا حول الهجرة، الذي احتضنته العاصمة المغربية الرباط في شهر يوليو 2006. تراجع أعداد المهاجرين السرّيين لم يُرافقه ارتفاع عدد المهاجرين الشرعيين أو زيادة دعم مشاريع تنموية في المغرب أو دول إفريقيا، كما وعدت أوروبا في مؤتمر الرباط، بعد أن وجهت اهتمامها التنموي إلى دول أوروبا الشرقية (الشيوعية سابقا) وفتحت أسواقها في إطار توسيع فضاء شنغن والاتحاد الأوروبي بوجه القادمين من أوروبا الشرقية. وكان المغرب يأمل، بتعاونه الأمني مع إسبانياوفرنسا لمكافحة الهجرة السرية والإرهاب، أن تذهب الدولتان معه بعيدا في ملف وِحدته الترابية، وإذا كانت الدولتان لم تخلا بالتزاماتها معه فيما يتعلّق بملف نزاع الصحراء الغربية بتمسك فرنسا ساركوزي بمواقف فرنسا جاك شيراك، فإن إسبانيا خوسي لوي ثاباتيرو، التي اقتربت منه كثيرا في بدايات الصيف، عادت في نهاياته إلى اللجوء إلى موقف محايد يريح الجزائر ولا يعادي المغرب، وأرفقت ذلك بموقف غير ودّي تُجاه الوِحدة الترابية المغربية في الشمال، أي تجاه وضعية مدينتي سبتة ومليلية، اللتين تحتلهما إسبانيا منذ أكثر من خمسة قرون، والمغرب لا زال يأمل بإنهاء هذا الاحتلال بالحِوار والتفاهم بين البلدين والابتعاد عن النَّهج الذي حكم التعاطي مع أزمة جزيرة ليلى 2002، الذي كاد أن يؤدّي بالعلاقة بين مدريدوالرباط إلى المواجهة المسلحة. والزيارة التي قام بها العاهل الإسباني الملك خوان كارلوس للمدينتين هذا العام، اعتبرها المغرب خُطوة غير ودّية من القصر الإسباني ومن الحكومة الإسبانية أيضا، إذ كانت المرة الأولى التي يزور فيها عاهل إسباني المدينتين منذ بداية القرن الماضي. فالملك خوان كارلوس تربطه علاقة حميمية مع الأسرة الملكية المغربية وأيضا ما كان له أن يزور المدينتين، وِفق الدستور الإسباني، دون موافقة أو اقتراح من الحكومة. الوحدة الترابية وملف الوحدة الترابية المغربية، ملف مفتوح دائما منذ الاستقلال، ولا يبدو أنه سيُغلق قريبا. فحين استقل المغرب عام 1956، بقيت أجزاء عديدة منه تحت الحماية أو الاستعمار الإسباني، يستردّها جزءا جزءا، واعتقد أنه يمكن أن يستعيد سبتة ومليلية كما استعاد طرفاية عام 1958 وسيدي إيفني عام 1969، إلا أن المسألة مُختلفة وموقف إسبانيا منذ أن نص دستورها على إسبانية المدينتين، أصبح محكوما بتوازن قوى، إقليمي ودولي، ممزوجا بتوازن قوى داخلي إسباني. لكن المؤرق للمغرب في ملف وِحدته الترابية، هو انسداد آفاق حل سلمي لنزاع الصحراء الغربية، رغم ما لقيته مقاربته للحل بمنح الصحراويين حُكما ذاتيا تحت السيادة المغربية من تأييد دولي، لكنه لم يكن كافيا لحسم النزاع سلميا بعد رفض جبهة البوليساريو والجزائر لهذه المبادرة والتمسك باستفتاء يُقرر الصحراويون من خلاله مصيرهم في دولة مستقلة أو الاندماج بالمغرب. واعتبر المغرب تنصيص قرار مجلس الأمن الدولي 1754 الصادر في أبريل الماضي على ايجابية مقاربته دون أن يتبناها مكسبا هاما، وإن كان ليس كافيا يسعى لتدعيمه من خلال المفاوضات مع جبهة البوليساريو، التي ترعاها الأممالمتحدة، وجرت منها جولتان في منتجع مانهاست، إحدى ضواحي نيويورك في يونيو وأغسطس الماضيين، ومن المقرر أن تجري الجولة الثالثة في السابع من يناير 2008 بنفس المنتجع، واكتفاء الأطراف المشاركة أو الراعية للمفاوضات بالتقدّم النفسي في هذه الجولات، التي هدّدت جبهة البوليساريو في مؤتمرها الثاني عشر، الذي اختتم في 21 ديسمبر الجاري، بالعودة إلى الهجمات المسلحة إذا ما استمرت هذه المفاوضات بفشلها. وأثار المغرب اختيار جبهة البوليساريو لمنطقة تيفاريتي مكانا لعقد مؤتمرها، كونها منطقة عازلة وِفق قرار وقف إطلاق النار عام 1991 ومزج إثارة مسألة المكان مع التهديدات بالعودة للهجمات المسلحة، التي أطلقها عدد من قادة الجبهة وأورد رسائل للأمين العام للأمم المتحدة بان جي مون، يحتَج فيها على الموقف السلبي لقواتها المنتشرة بالمنطقة، لكن هذا الأخير لم يرُد على هذه الرسائل. وأسفر مؤتمر جبهة البوليساريو عن أزمة في العلاقات بين المغرب والسنغال، أكثر الدول الإفريقية دعما للمغرب منذ اندلاع النزاع منتصف سبعينات القرن الماضي، وذلك بعد احتجاج المغرب على مشاركة الحزب الاشتراكي السنغالي المعارض بالمؤتمر، باستدعاء سفيره من دكار للتشاور، وردّت السنغال باستدعاء سفيرها من الرباط، وإن كان المراقبون يتحدثون عن غيوم في علاقات التعاون الاقتصادي بين البلدين، لم يكن مؤتمر البوليساريو إلا كاشفا لها. حقوق الإنسان حقوق الإنسان، التي سجّل المغرب في 2006 تقدّما ملحوظا فيها بالانتهاء من قراءة الماضي والانتهاكات الجسيمة التي عرفها في ميدان حقوق الإنسان وطي صفحته، لم يعرف عام 2007 تقدّما مُلفتا، إلا أن السّنة عرفت مواصلة الدولة سَن القوانين المشِّجعة على الانفتاح من خلال تجريم التعذيب وأعمال القانون في عدد من الملفات، وإن كانت المنظمات الناشطة في الميدان تتحدّث عن تراجعات في ميدان الحريات الصحفية ومتابعة عدد من الصحفيين والصحف وتقديمهم للمحاكمة في قضايا النشر. وسجلت هذه المنظمات انتهاكات لحقوق الإنسان مسّت معتقلي التيارات الأصولية المتشددة، بعد أن عرفت مدينة الدارالبيضاء في ربيع العام، هجمات انتحارية استهدفت نادي للإنترنيت والقنصلية الأمريكية، لم تسفر إلا عن مقتل منفِّذي الهجمات. وسجلت محكمة الاستئناف بمدينة سلا، المتخصِّصة بالنظر في ملفات مكيّفة في إطار قانون مكافحة الإرهاب، ارتفاعا في عدد القضايا التي تنظر فيها، وإن كانت في جلِّها قضايا استئنافية، أي أنه نظر فيها وحَكم بها في السنة الماضية، وتشمل الانتماء لتنظيمات محظورة أو استقطاب ناشطين للالتحاق بالعراق لمقاتلة القوات الأمريكية أو تشكيل خلايا مسلّحة. مفاجأة العام إلا أن المفاجأة التي أتت بها سنة 2007، كانت الانتخابات التشريعية التي جرت في السابع من سبتمبر وتداعياتها. وأول ما توقّف عنده المعنِيون بهذه الانتخابات، النسبة المرتفعة للمقاطعة التي بلغت 63% من المسجلين ونِسبة الأوراق اللاغية، التي وصلت إلى حوالي 20%. وحملت هذه النِّسب إلى الأحزاب السياسية المغربية وتراجع دورها وفاعليتها في المجتمع وعزوف المواطن عن السياسة، والأبرز، فشل جل رموز الحياة السياسية بالوصول إلى مقعد بالمجلس المُنتخب ليتّفق الجميع على أن مجلس نواب 2007 يُعتبر الأضعف في تاريخ المجالس النيابية، منذ انطلاق مسلسل الانتخابات التشريعية بالمغرب في منتصف السبعينات. وعلى صعيد النتائج، التي لم يُحقِّق فيها أي حزب أغلبية مريحة (حاز حزب الاستقلال، الذي احتل المرتبة الأولى على 50 مقعدا من 325 مقعد) واحتل الإسلاميون الممثلون بحزب العدالة والتنمية المرتبة الثانية، بعد أن كانت استطلاعات الرأي تُعطيهم فوزا ساحقا، وتراجع الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية اليساري، الذي كان يحتل منذ عام 1997 المرتبة الأولى، إلى المرتبة الخامسة. تراجع نسبة المشاركة و"بلقنة" الخارطة السياسية، حفّزا صناع القرار على تهميش دور الأحزاب في تشكيل الحكومة، رغم اختيار زعيم حزب الاستقلال للوزارة الأولى وعودة جُل أحزاب الأغلبية السّابقة إلى مقاعد الحكومة، فإضافة لاحتلال التكنوقراط أو وزراء القصر على نصيب الأسد في هذه الحكومة، فإن كلاما لم ينْفِ تردّدا عن دور أساسي لمستشاري القصر الملكي في اختيار أسماء الوزراء وتوزيعهم على الحقائب. وكان من أبرز تداعيات الانتخابات وتشكيل الحكومة، الأزمة الخانقة التي تفجّرت في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والتي أفرزت عن مغادرة أمينه العام محمد اليازغي لموقعه الحزبي وتجميد عُضويته في المكتب السياسي، إلى حين عقد مجلسه الوطني المتوقع يوم 11 يناير القادم، فيما تعيش بقية الأحزاب أزمات صامتة أو خافِتة، تنتظر وقتها لتنفجر وتُعلن. مقاطعة الانتخابات التشريعية ونتائجها وتداعياتها، كشفت عن حالة تمييع في الحياة الحزبية المغربية، قلّصت دور الأحزاب وتأثيرها في أوساط المجتمع المغربي، وهو ما لم تستطع كل سنوات القَمع في ستينات وسبعينات القرن الماضي أن تحقِّقه، لينجَح مُناهضو الأحزاب القائمة في إنهاء دورها بتفكيكها بواسطة التمييع واستقطاب أطرها. 2007، سنة مغربية أخرى تمضي وتترك للسَّنة القادمة ملفّات حمَلتها من السنة التي سبقتها، تضع أوراقا منها في المستودعات بعد قراءتها والبت فيها، وأيضا تضيف لها أوراقا على السنوات القادمة أن تواصل مهمتها، دون أن تتوقّف القراءة...