تعتبر قضية الحجاب من القضايا المثيرة في تركيا، حتى إنها -منذ عدة سنوات- حالت دون دخول النائبة مروة صفاء قاوقجي, إلى "البرلمان " التركي، كما كان الحجاب سببًا في موقف المؤسسة العسكرية والمعارضة في تركيا أكثر من مرة لمنع تبوأ عبد الله جول، وزير الخارجية السابق, منصب الرئاسة، نظرًا لحجاب زوجته, بعدما رشّحه حزبه( العدالة والتنمية) لهذا المنصب، إلى أن فاز بالمنصب الرفيع، بعد مصابرة وعناء. وعلى الرغم مما يُثَار سياسيًّا عن الحجاب في تركيا، إلا أنّ كثيرًا من الأسر المسلمة تفضل لبناتها ارتداء الحجاب، حتى في السن الصغيرة، بهدف تنشئتهن على التربية الإسلامية، وهو ما قد يعوقهن بعد ذلك دراسيًّا, في ظل رفض القانون السابق السماح للطالبات بدخول المدارس والجامعات بالحجاب، حتى صدرت تعديلات دستورية جديدة، سمحت بارتداء الحجاب في الجامعات وأماكن العمل. إلا أن فرحة المحجبات بتركيا، لم تدم طويلا، عندما أصدرت المحكمة الدستورية العليا في أنقرة قبل عدة أسابيع قرارًا بإسقاط هذه التعديلات؛ لتعود ظاهرة الحجاب مرة أخرى مثار جدل مع العلمانيين والعسكر، كما كانت قبل صدور التعديلات. هذه الحالة من الحجاب في تركيا، تعكس مدى الموقف العلماني المتشنج والمتواصل ضد الحجاب في تركيا، ولاسيما من أصحاب ميراث مصطفى كمال أتاتورك. إلا أن كل هذه المواقف، لا تعكس الرغبة الشعبية الجارفة في الإقبال على ارتداء الحجاب حيث يؤكد عددٌ كبير من السيدات أن اختيارهن الحجاب لبناتهن نابعٌ من ضرورة إيمانية، وفي الأساس إسلامية، وأنهن لا يمكن بحال أن يتنازلنَ عن هذه السمة الإيمانية، مهما كانت التحديات التي تواجههن. وتَشُدُّ بعض السيدات الأيدي على رئيس الجمهورية عبد الله جول, الذي واجه العديدَ من الصعوبات بسبب حجاب زوجته، وتبنيه فكر حزب العدالة والتنمية الذي ينادي بتطبيق الديمقراطية, في الوقت الذي يُصَنَّفُ فيه من قِبَل العلمانيين على أنه حزب إسلامي جدير بالحظر! وتؤكد السيدات أن جول يكفيه فخرًا وشرفا أنه ظل متمسكًا بثوابته طوال إجراء الاقتراع على انتخابه رئيسا للجمهورية، مما يعكس مدى اعتزازه بدينه، والانتماء إليه، وتطبيقه له، وعدم اختزاله للدين في السياسة، أو الهبوط به إلى هوة الترخص والتميع. وحسب إحصاءات غير رسمية، فإن ثلاثا من كل خمس سيدات مسلمات في تركيا يلتزمن ارتداء الحجاب ، مما يعكس تمسكا من التركيات المسلمات بفريضة الحجاب. وتشير التقديرات الرسمية إلى أن 65 % من النساء في تركيا يرتدين الحجاب, وعلى الرغم من ارتفاع هذه النسبة، إلا أن القانون لا يسمح للمرأة التي ترتدي الحجاب بدخول المؤسسات التابعة للدولة، مثل المدارس والجامعات والمكاتب الحكومية. وترفض المحجبات في تركيا إطلاق وصف "العادة" على حجاب المسلمات، خاصة وأنه حسب قولهن، "الحجاب فريضة كتبها الله عز وجل عليهن"، وأنهن لذلك يُنَشِّئن بناتهن على ارتداء الحجاب منذ الصغر، وَفْقَ إعداد المجتمع المسلم، الذي يعكسه الحضور اللافت بالمساجد في تركيا، والتي تشهد حضورا بارزًا من جانب المصلين رجالًا ونساء، خاصةً في صلوات الجمع والأعياد والتراويح في شهر رمضان المبارك. وتؤكد كثير من السيدات أن الالتزام الديني يُعَدُّ من الأمور السائدة في تركيا، ف"هو التزام فطري، وليس للعادة دورٌ فيه, فالمجتمع مسلم, ويتمسك بإسلامه، مهما كانت تحديات العلمانية"، ومن هنا فإن الزائر للمدن التركية، يلاحظ جليا ذلك العدد الكثيف من المحجبات في البلاد. وفي مؤسسات العمل نفسها، تبدو ظاهرة الحجاب، وإن كان ارتداؤه ممنوعا بها، إلا أنها لا تزال موجودة في بعض المصالح, وخاصةً في بعض المصالح التي يسيطر عليها إسلاميون، أو من أنصار حزب العدالة والتنمية، وفي بعض المصالح يدخل السيدات المحجبات إلى عملهن محجبات، وأثناء العمل يرفعن الحجاب، حتى إذا خرجن منه ارتدين حجابهن مرة أخرى! والعاصمة نفسها، وإن كانت تشهد حضورا كثيفا للمحجبات، فإن المدن التركية الأخرى، تكاد تنتشر فيها الظاهرة بشكل أكثر، وخاصة في مدينة كونيا، ذات الأغلبية المسلمة، والتي يسيطر عليها أعضاء حزب التنمية والعدالة الحاكم؛ حيث ينتشر الحجاب بشكل يفوق غيرها من المدن التركية . وفي مدينة كأزمير، والتي يسيطر عليها أصحاب التيار العلماني, تكاد تختفي في المقابل ظاهرة الحجاب بشكل لافت؛ حيث تعتبر بعض الأسر "المسلمة" ارتداء بناتهن للحجاب عيبًا ينبغي تجنبه وفق عادات وموروثات تشبعت بها المدينة نتيجة للعلمانية المستحكمة . ومن الطرائف المبكية المضحكة أنّ كثيرا من المحجبات يذهبن إلى زيارة ضريح مؤسس الدولة التركية العلمانية مصطفي كمال أتاتورك، صاحب الثورة على الحجاب، والمظاهر الإيمانية، واللغة العربية.. إذ يشهد مدفنه ومتحفة القائم في ربوة عالية بأنقرة، حضورًا لافتا من جانب المحجبات، حيث يحرصن على زيارة ضريحه، والتوقف عند مقتنياته، التي يضمها متحفه، الملاصق لضريحه! وتدافع المؤسسة العسكرية- التي تتمتع بنفوذ واسع- بقوة عن الهوية العلمانية العامة للدولة، وضرورة فصل الدين عن الدولة، ولذلك فهي تقف موقفا معاديًا من الحجاب، ويحرص البعض في تركيا على إظهار هذا الموقف أمام العالم, ويريدون الإيحاء بأن الدولة التركية دولة علمانية حديثة غربية التوجهات. وبعد تشديد الحظر على الحجاب في العام 1997 بدأ عدد متزايد من النساء في السفر إلى الخارج للالتحاق بالتعليم الجامعي, فمثلا بعد منع سمرة باتور البالغة من العمر 24 عاما من التعليم في الجامعات التركية بالحجاب، واصلت هي وكثيرات من زميلاتها التعليم في أذربيجان. وتقول سمرة: "إنه أمر صعب بالطبع، لكننا اضطررنا لعمل ذلك, لقد فعلت ما كان يجب أن أفعله؛ لأنني كنت أريد استكمال تعليمي, ولنا الحق في التعليم." وتقول إحدى المنظمات التركية: إنه منذ فرض الحظر على ارتداء الحجاب مُنِعَتْ أكثر من عشرة آلاف طالبة في أسطنبول وحدها من دخول الجامعات. وحسب وكالات الأنباء يقول جولدن سونميز، المسئول في منظمة مازلومدر: "حتى رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان يعاني؛ لأن ابنته ترتدي الحجاب, وإنه يمكنه مع امتلاكه الأموال إرسالها إلى الولاياتالمتحدة من أجل التعليم، ولذلك يمكنها الاستمرار في ارتداء الحجاب, وعمومًا فالسيدات في تركيا يشعرن بإحباط كبير". وكثيرا ما يوجه العلمانيون انتقاداتٍ حادةً إلى زوجات الوزراء بسبب ارتدائهن الحجاب خلال مناسبات رسمية, وهو ما يُشْعر حزب العدالة والتنمية بالقلق الشديد، إزاء مخاوف يبديها أعضاؤه من العودة إلى حظر الحجاب في الجامعات والمصالح الحكومية، تلك المخاوف التي تدفع كثيرًا من الشابات الإسلاميات إلى خلع الحجاب خارج بوابات الجامعة وارتداء شعر مستعار بدلا من ذلك..في دولةٍ كانت مَهْدَ الضياء، وموئل الخلافة في الدنيا كلها...كانت!!