جئناك يا سيدي وأنت القريب رغم البعد وأنت الحاضر رغم الغياب وأنت الساكن فينا رغم موتك ، ورغم أحزاننا وطول ليالينا فأنت العلم رغم تغير الألوان والقلم المنير رغم أبواق الدعاية والعمالة وزمن الخيانة والاستكانة . جئناك يا سيدي نزور مسقط راسك على ثرى البروة مرتع الطفولة لشاعر يحمل بين أضلعه قضية وهوية من الميلاد إلى الممات , أيام الطفولة الحلوة في البروة والبئر والمدرسة وبساطها الأخضر وفضائها الرحيب ، وطابون الأم وحبل الغسيل , ذكرياتك التي خلدتها رغم المنفى وصروف الزمان بشعر عبقري الوجدان ما كان مثله شعر ولا يكون . جئناك نقرئك السلام , لم يغادرنا طيفك ونحن نقرا على أهل البروة الأجلاء آيات طيبة النفحات من سورة الفاتحة ، وآثار تشهد على ثبات وجذور شعب له ماض وحاضر ومستقبل رغم القتل والتشريد والتضييق والشتات . على ارض البروة يا سيدي مشى بأثرك شاعر وكاتب وأديب شدهم طيفك المحلق في سماء الدنيا المهيمن على فضاء البروة , تحكي قصة شعب نقشته بشعرك وبعثت فيه الحياة بصدق وروية وحب وهوية وانتماء وقضية ، دون تنازل أو تهاون ودون أن ترضى بالأصفر اللماع ودون أن تغريك الأوسمة والمناصب القيادية ، فأنت درويشنا الذي عرفناه لا تساوم على أرضك ولا تتنازل عن حقك ولا تحابي في قضيتك ، ولا تستكين حتى تعود وتفتح أبواب العودة حيا وميتا لتوسد تراب الارض السمراء التي أحببتها وأحبتك. جئناك يا سيدي وكيف لا ؟ وأنت الذي علمتنا حب الأرض والهوية وأعلنت بكل جرأة وجسارة (سجل أنا عربي ورقم بطاقتي خمسون ألف ) باستعلاء وإباء ، رغم سوط الجلادين والتشريد والزنازين وحفرت في ذاكرتنا - حتى لا ننسى- صوتك ينادي: ( احن إلى خبز أمي وقهوة أمي ولمسة أمي ) وقرعت أجراس العودة وطرد الغزاة عن حبل غسيلنا وعن الحصان والبئر وعن العائدين من الجنوب . محمود درويش يا عزة الشعر وفارسه وراية الحق ومشعله وهيبة الحرف ووقار الكلمة , أنت الذي جعلت الشعر أقوى من مجنزرة وأمضى من السيف وأجرأ في الفعال . ما ذا عساني أقول يا سيدي وأنت الذي بذكره يتم المقال وأنت الذي تحكي قصة التاريخ ومراحل النضال ، وأنت المصاب والمحكوم والشاهد الذي يدون الملحمة ويحكي قصة شعب ووطن بروحه ودمه وقلمه ، جاعلا دنيا السلاطين تحت النعال فلا المنصب يغريه ولا الإمساك بثنيه عن حب هذا الشعب وعشق هذه الأرض , أنت يا سيدي اسم على مسمى محمود في الناس ودرويش العيش صاحب قضية وهوية . ماذا عساني أقول يا سيدي ؟؟ وأنت الدرس والمعلم والكتاب, وأنت القدوة والمثال , تعلمنا على يديك منذ كنا صغارا دروس الولاء والانتماء وارتوينا من نمريك العذب حب البلاد ، وخلدت في ذاكرة الشعوب اسم بلادنا عاليا كالمنارة ، وشهدت بفضلك الأعداء قبل غيرهم من أحبائك وأبنائك وأترابك ومعجبيك ، فالفضل يا سيدي ما شهدت به الأعداء . ماذا يصنع الحصان بعدك يا محمود ؟ وكيف للبئر إن تمد للأرض الحياة ؟ المصدر بريد الفجرنيوز