مسؤولة بمعهد الإحصاء تكشف عن عدد السكان وفق التقديرات الأخيرة    أبطال إفريقيا: تاريخ مواجهات الترجي الرياضي والأهلي المصري في القاهرة    فظيع: غرق شخص ببحيرة جبلية بجهة حمام بورقيبة..    قبلي: الإطاحة بمروج مخدرات وحجز كمية من المواد المخدرة    الكرم الغربي: حاول سرقة محل تجاري تحت طائلة التهديد بأسلحة بيضاء فوقع في قبضة الأمن    الشاعر مبروك السياري والكاتبة الشابة سناء عبد الله يتألقان في مسابقة الدكتور عبد الرحمان العبد الله المشيقح الأدبية    تونس : أنواع و أسعار تقويم الأسنان    بطولة الرابطة المحترفة الثانية: برنامج الجولة الثالثة و العشرين    هذه تأثيرات الأمطار الأخيرة على المراعي و الموارد المائية.. إتحاد الفلاحة يوضح    قريبا: انخفاض في أسعار الدجاج والبيض    علي باقري وزيرا للخارجية في إيران    تونس تسجيل 2500 عودة طوعية لمهاجرين أفارقة.    فقدان 23 تونسيا في سواحل قربة..وهذه التفاصيل..    ليلى عبد اللطيف توقّعت سقوط طائرة الرئيس الإيراني    التجاري بنك يوقّع اتفاقيّة شراكة إستراتيجية مع الصندوق العالمي للطبيعة بشمال إفريقيا    الأولمبي الباجي أمل جربة ( 2 1) باجة تعبر بعناء    العداء التونسي "محمد أمين الجهيناوي" يلتحق بركب المتأهلين إلى أولمبياد "باريس 2024"    اشادات دولية.. القسّام تتفاعل وإعلام الكيان مصدوم...«دخلة» الترجي حديث العالم    هام/ هذه نسبة امتلاء السدود..    بطولة اسبانيا: برشلونة يحرز المركز الثاني بالفوز على فايكانو    تونس تقدم التعازي في وفاة الرئيس الايراني    فيديو وصور يوثّقان المشاهد الأولى لحطام طائرة الرئيس الإيراني    سمير ماجول : ''القطاع الفلاحي هو مستقبل البلاد''    تونس تتوج ب 26 ميداليّة في المسابقة العالميّة لجودة زيت الزيتون في نيويورك    بداية من اليوم : إنطلاق تحيين السجل الإنتخابي للتونسيين المقيمين بالخارج    يهم التونسيين : اجراءات جديدة قد ترى النور تتعلق البنوك وغلق الحسابات    عصابة الاستيلاء على الأراضي الاشتراكية بقبلي .. تعود من جديد والنيابة العمومية تضرب بقوة    %70 معاملات في السوق الموازية.. قانون جديد لتنظيم التجارة الالكترونية    استدعاء ثلاثة لاعبين لتشكيلة البرازيل في كوبا أمريكا واستبدال إيدرسون المصاب    هذه أول دولة تعلن الحداد لمدة 3 أيام على وفاة الرئيس الايراني..#خبر_عاجل    تحذير من موجة كورونا صيفية...ما القصة ؟    في رحلة "الموت" .. السيراليوني "حاجي" مهاجر كألف وألف في البحر (بورتريه)    التوقعات الجوية لهذا اليوم الاثنين 20 ماي..    مجلس صيانة الدستور في إيران يعلن عن إجراءات جديدة عقب مصرع رئيسي    أريانة : انطلاق بناء قاعتي تدريس ومدرج بمدرسة النصر1 بتمويل من "فاعل خير"    المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بسيدي بوزيد تستعد للموسم الثقافي والصيفي 2024    القصرين : الوحدات العسكرية تشارك أبناء الجهة احتفالاتها بالذكرى ال68 لإنبعاث الجيش الوطني التونسي    المنستير: الدورة الثانية لمهرجان القريدفة، تأصيل للتراث المحلي لبني حسان    البرلمان : يوم دراسي حول انضمام تونس إلى بروتوكول اتفاقية المنظمة العالميّة للتجارة بشأن حقوق الملكيّة الفكرية المتصلة بالتجارة    نهائي "الكاف": حمزة المثلوثي رجل مباراة الزمالك ونهضة بركان    من هو المرشح الأول لخلافة الرئيس الإيراني؟    "دبور الجحيم"..ما مواصفات المروحية التي كانت تقل رئيس إيران؟    4 تتويجات تونسية ضمن جوائز النقاد للأفلام العربية 2024    هام: انخفاض أسعار هذه المنتوجات..    سفيرة الامارات في زيارة لصالون الفلاحة والصناعات الغذائية بصفاقس    القنصل العام للجزائر في زيارة الجناح الجزائري بالصالون المتوسطي للفلاحة والصناعات الغذائية    في عيده ال84.. صور عادل إمام تتصدر مواقع التواصل    اليوم العالمي لأطباء الطب العام والطب العائلي : طبيب الخط الأول يُعالج 80 بالمائة من مشاكل الصحة    المجلس المحلي بسكرة يحتجّ    كأس تونس : النجم الساحلي يلتحق بركب المتأهلين للدور ربع النهائي    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    السبت..ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة    دار الثقافة بمعتمدية الرقاب تحتفي بشهرث الثراث    نحو 20 % من المصابين بارتفاع ضغط الدم يمكن علاجهم دون أدوية    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار الطرشان وصمت الأموات بين السلطة والمعارضة (الجزء السادس )


بسم الله الرحمان الرّحيم
حوار الطرشان وصمت الأموات بين السلطة والمعارضة
كيف تحقيق الأمن و السلم الاهلي في رمضان
العودة حق واسترداده واجب
لا حياة كريمة بدون المحافظة على الهوية العربية الاسلامية
الحكمة تقتضي ترك عقلية تبسيط الأمور و استعجال النتائج و الاستخفاف بالآخر
لا تنمية بدون ضمان حقوقّ المواطنة
(الجزء السادس )
"واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرّقوا واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم أعداءا فألّف بين قلوبكم" (آل عمران 103)
"قل هذه سبيلي ادعو الى الله على بصيرة انا ومن اتبعني وسبحان الله" (سورة يوسف 108)
" ادع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة"(النحل - 125)
" يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها و بث منهما رجالا كثيرا و نساء، و اتقوا الله الذي تساءلون به و الأرحام إن الله كان عليكم رقيبا، " (النساء - 1)

باريس في 5 سبتمبر 2008
بقلم : عبد السّلام بو شدّاخ، احد مؤسسي الحركة الاسلامية في تونس
قول في الكارهين للمصالحة: تحت هذا العنوان كتب الاخ فاضل البلدي: " إذا كانت الطريق إلى المصالحة هي بيان إمكانيتها وجدواها ثم إشاعة ثقافة المصالحة وتعبئة الرأي العام من أجلها ودفع كل ما من شأنه أن يعيقها.
وإذا كنت مؤمنا بالمصالحة وحريصا على تحقيقها فلن يثنيني أو يفل في عزيمتي ، تشكيك أو تثبيط أو مزايدة ، فأنا أعلم أن هذا المركب صعب وأن الكارهين للمصالحة كثيرون. وسأحاول في مقالتي هذه أن أفصل الحديث في ذلك ملتزما ما استطعت بالموضوعية والأدب دون أن أجامل أو أظلم.
ولكن قبل ذلك ، يحسن التنبيه إلى أني ملتزم بمنهاج واضح يقوم على تحديد كسب الحركات والأحزاب والأشخاص وفي مقدمتهم الإسلاميين أي مسؤولية هؤلاء فيما يقع من خصومة أو تدافع أو تشابك.
وهذا لا يعني بأية حال أني أقلل من مسؤولية السلطة أو النظام فذلك أمر بديهي وهو من سنن التدافع وشواهد التاريخ. وكل سلطة - من الناحية الموضوعية – تدافع عن سلطانها وهيبتها وأشخاصها ومنافعها – ودفاعها يتدرج بين اللين والبطش بحسب وعيها وثقافتها ومسؤوليتها الدينية أو الحضارية والأخلاقية من ناحية.
ومن جهة أخرى بحسب وعي المعارض وثقافته ومنهاجه وسلوكه في المعارضة ومسؤوليته أيضا وحتى أكون أكثر وضوحا أقول
أ- إن مما يعين الفاعلين أو المعارضين أو الطالبين للإصلاح والتغيير هو أن يتفهموا موقف الأنظمة والأحزاب الحاكمة في الدفاع عن نفسها وعن مصالحها وامتيازات المرتبطين بها. وأن يدركوا أن ذلك من طبيعة الأنظمة وجبلة فيها.
ب- إن المعارض أو الطالب أو المصلح سواء كان شخصا أو حزبا أو منظمة أو حركة مدعو لأن يحسن تقدير السلطة التي أمامه ويعرف ما يحكمها من توازنات ويقدر الظروف الموضوعية التي يعمل فيها ويبحث عن مفاتيح التغيير الفاعلة ويتقن فن الممكن إحسانا للمعارضة والمطالبة وابتعادا عن تضييع الوقت والجهد في غير وقته أو محله واهتداءا لأفضل الطرق والمناهج حتى يبلغ بها هدفه في الإصلاح أو التغيير بأقل الخسائر.
ج- إن المعارضة لا تعني بالضرورة شتيمة أو سبابا أو إبرازا مغلظا للعورات أو حدة وعنفا في المطالبة فذلك يسد النفوس ويدفع إلى المكابرة ويستدعي الصلف والبطش ويستعدي الأنظمة فلا تعود قادرة على حسن الإصغاء أو الفهم فضلا عن أن تستجيب للنصائح والمطالب.
د- إن الرفق يزين الأعمال وإن الكلمة الطيبة العادلة تبلغ القلوب والعقول وإن حسن الطلب حري بالإجابة وهذا إذا كان الطالب أو المعارض أو المصلح مؤمنا بقضيته ملتزما بها مستعدا للتضحية من أجلها غير قابل للشراء لا يتعب ولا يكل قادرا على الصبر والمصابرة والمرابطة دون استعجال ولا استعداء. يحسن استغلال الفرص والظروف.
وهذا لا يعني سكوتا على الظلم أو قبولا بالدنية أو تفريطا في الحقوق أو كسلا في المطالبة ولكن تعديلا في المنهاج ونهوضا بالمسؤولية وتقليلا للأخطاء. أعود بعد هذه التوضيحات إلى تفصل الحديث في الكارهين للمصالحة فأقول
أول الكارهين للمصالحة هم المستفيدون من التشابك وتأبيد التدافع أي الذين استفادوا ولا يزالون مستفيدين ماديا وهؤلاء لا تعنيهم غير أنفسهم ولا يكترثون بآلام وجراحات الغير ولا يهمهم الاستقرار والوئام الاجتماعي لأن هذا يذهب بالحوافز ويقلل الحاجة إليهم.
ويدخل في هؤلاء رجال الأمن وتجار الحروب وصناع مناخات التشابك مثلهم مثل أصحاب شركات المال والسلاح في الشأن الدولي الذين يدفعون بالسياسيين لصناعة الحروب والأزمات حتى تزدهر صناعتهم وتجارتهم.
ثاني الكارهين للمصالحة هم الذين يريدون للإسلاميين أن يبقوا ملاحقين متابعين منهوكين مشغولين بتضميد الجراحات خائفين مهمومين لا يكادون يفرغون من محنة حتى تأتي أخرى لأن ذلك كله يحرمهم من فرص التعافي وإصلاح البناء واستثمار النتائج المتراكمة عبر الزمن ، والتفرغ للعطاء فتتوسع حركتهم ويتضاعف تأثيرهم ويغدون طرفا أساسيا في الواقع الثقافي والسياسي والاجتماعي ، مقبولا بهم حبا أو كراهية ويدخل في هؤلاء الكارهين كل الخصوم السياسيين وعلى رأسهم اليسار لأنهم لا يثقون في قدرتهم على المنافسة الديمقراطية لو توفر مناخها وكان للإسلاميين حضور ودور فيها.
وهؤلاء الكارهون قادرون على صناعة أجواء التوتر ومناخات التشابك متوسلين في ذلك بالاندساس وتوظيف الدولة أو بركوب مركب حقوق الإنسان والجمعيات الاحتجاجية أو بالمعارضة "الجذرية" إلى غير ذلك من الفنون التي أتقنوها واستدرجوا الإسلاميين المضطهدين إليها.
وثالث الكارهين للمصالحة دعاة الفسق والفجور وطلاب الشهوة والمنادون "بالحرية" في الدين والأخلاق والقيم أي الذين يحرجهم وجود حركة اجتماعية أو ثقافية أو سياسية قوية تشيع قيم الدين والأخلاق والطهارة والنظافة نظافة القول ونظافة السلوك.
ولا أحد يستطيع أن ينكر ما أصاب المجتمع في غياب الحركة الإسلامية كما أنه لا أحد ينكر ما كانت عليه الأوضاع عندما كان للإسلاميين حضور قوي في واقع البلاد لذلك فالكارهون للمصالحة من هذا الصنف يسوؤهم أن تتعافى الحركة الإسلامية وأن تتم مصالحة تكون هي أكبر المستفيدين منها إشاعة للقيم وحضورا معنويا وواقعيا يفرض الحياء ويمنع طلاب الشهوة من إشاعة الفساد فضلا عن الدعوة إليه.
ورابع الكارهين للمصالحة هو الأجنبي وإن بدا أنه ينادي بالديمقراطية ويبشر بها ويسند جمعيات حقوق الإنسان والمدافعين عن الحرية ويفتح بلدانه للمضطهدين طلاب اللجوء السياسي. وهذا الأجنبي يكره المصالحة لأن المصالحة توفر الوئام والسلم الاجتماعي وتقي الوطن من الهزات وتوفر مناخ البناء وهذا يساعد على النهوض والتطور والتحرّر. والتحرّر يعني استقلالا حقيقيا وقرارا سياديا وحسن استغلال للطاقات والإمكانات فيما ينفع الأوطان دون غيرها.
وقد يبدو أن الفاعل الأجنبي يستفيد من وضعية الاستقرار التي عليها الوطن رغم هشاشتها وهو ما يجعله يدعم النظام ويحسن الموازنة بين هذا الدعم وما يظنّ أنه مساندة لدعاة حقوق الإنسان والمنادين بالديمقراطية. ولكن الحقيقة أن لا أحد يحب الخير للوطن أكثر من أهله وهو ما يحتاج إلى وعي وفهم كبيرين ولا أظن الناس قاصرين على إدراك ذلك.
وخامس الكارهين للمصالحة بعض الإسلاميين وإن ادعى هذا البعض أنه سعى إليها وطلبها ووسط الوسطاء من أجل تحقيقها. لأن المصالحة في فهمي اقتناع وتقدير دقيق للمصلحة ثم سلوك يظهر في القول والممارسة وسعي مطرد من أجل ذلك بكل شجاعة وجرأة ومسؤولية دون إصدار أحكام مسبقة على النتائج أو اتهام للنوايا أو تعلل بمراعاة مشاعر القاعدة إلى غير ذلك من الحجج والعلل. ولا أحب أن أتحدث عن المنافع وغيرها لأن هذا موضوع حساس ومؤذ وأنا لا أريد أن أؤذي نفسي وأصحابي. وفي الأخير أنا أحب لهؤلاء الكارهين جميعا أن يكونوا في مستوى المسؤولية التاريخية والوطنية وأن يتحولوا من موقع الكاره للمصالحة إلى موقع الطالب لها والساعي من أجلها توفيرا لشروطها وإعدادا للوطن للمحطات المقبلة حتى تتوفر له شروط الانتقال الديمقراطي في كنف من الوئام والسلم والأمن والعطاء والوطن مؤهل ذلك وأهل له.
مسؤولية السلطة في الواقع التونسي :كتب الاخ غبد المحيد الميلي من فرنسا في 30 أوت 2008 عن النقد الواقع للحركة الاسلامية وما وقعت فيه منذ عقدين من الزمن الربع والمحنة التي يعيشها أعضاء الحركة وأنصارها مع العلم أن أبناء الحركة الإسلامية لا يرون أن تجربتهم وقعت في أخطاء و يرون ببساطة أن مسؤولية ما وقع تقع كاملة على الطرف ألأخر.
وكانت قيادة النهضة في المهجرالتي نصبت نفسها طيلة المرحلة الماضية منذ 1995 من هذا الموضوع خطا أحمر, أما الذين أصروا على ضرورة المراجعة والتقييم والوقوف على الأخطاء كمقدمة للخروج من مأزق المواجهة وفتح أفاق جديدة للتيار الاسلامى غير آفاق السجون والمنافي تعرضوا للمحاصرة والتجميد والتهميش والاتهام بالتساقط والتواطى الموضوعي مع السلطة و كنت من المصنفين في هذا الصنف.
أما اليوم يقول الخ عبد المجيد الميلي فالمطلع على ما يدور من حوارات داخل الصف الاسلامى يدرك أن صفحة من تاريخ الإسلام السياسي في تونس قد طويت وأننا اليوم أمام مرحلة جديدة, تشكل محاكمة المرحلة السابقة وخيارات وأداء أحد العناصر المؤسسة لها و منهم من يضع المسؤولية الكاملة عليه.
بل منهم من يذهب ابعد من هذا فمنهم من يرى هذا العنصر المؤسس لم يبقى له الا احد الخيارين اما الخيار الذي اختاره الاستاذ احمد المستيري بعد هزيمته في انتخابات 1989 أو الخيار الثاني وهو الخيار الاشد وهو خيار الرئيس الباكستاني مشرف اذ خيّر بين الاستقالة بهدوء او المحاكمة والمسائلة على جميع الاخطاء التي ارتكبها و هو اعلم بها. و كلا الخيارين صعيبان على النفس.
وبقطع النظر عن الأسماء, إن كان هذا الأمر تصحيحا داخليا أو انشقاقا أو انقلابا فإننا حتما أمام ميلاد تيار جديد سواءا لمضمون هذه الأدبيات بما فيها من إقرار بقصور وخطا ألمرحلة الماضية وما تضمنته من دعوة إلى خيارات وأداء مغاير لها جذريا ثم للطيف الذي التف حولها في الداخل والخارج متمثلا في القطاع الأوسع من الإطارات الإسلامية والكوادر التنظيمية.
مع العلم ان تسعة من عناصر مجلس شورى الحركة لم يذكر الاخ عبد المجيد أسمائهم انضموا لهذه المبادرة وهذا أمر لم يسبق أن حصل في الماضي. والفكرة الأساسية لهذا التيار ومشروعه السياسي هو إخراج علاقة الحركة الإسلامية مع السلطة من معادلة المغالبة والصراع و تطبيع وجودها حركة وطنية إسلامية تقوم بدورها في خدمة الوطن ضمن قوانين البلاد وقواعد العيش المشترك .
إن اغلب ابناء الحركة الإسلامية سواء في الداخل او الخارج اصبح لديهم قناعة ان الخركة لم تجن شيئا من هذه المواجهة بل هي باعدت بينها وبين أهدافها و عزلتها عن ساحة فعلها و شوشت على علاقاتها مع مكوّنات المجتمع التونسي عموما.
إذا الهدف هو تفكيك أصول هذه ألازمة وقطع اوصالها بالتخلص من المنظّر و منفيذيها و تطهير الحركة من الداعمين و الداعين لمثل هذا التوجه الفاشل و قد اثبتت الايام فشله اذ لا بدّ لكل توجه من رجال يسهرون عليه و يخولونه الى واقع معاش.
ولهذا اننا نرى ان الأسلوب هو طريق الحوار و إقناع الأخر نعني به السلطة الحاكمة بالبحث عما يمكن أن يكون القاسم المشترك و عن المصالح المشتركة التي تخدم الاستقرار السياسي والاجتماعي وتساهم في خدمة البلاد و العباد.
فالحركة الإسلامية حسب ما كتبه الاخ عبد المجيد هي قد قطعت مع التصور الذي يعتبر السلطة هي الخصم وهى العدو ولم تعد تر نفسها بديلا عنها بل ترى فيها شريكا يجب التعاطي معه من اجل دفع البلاد نحو مزيد من التنمية البشرية والاقتصادية في ظل احترام الحقوق الأساسية للمواطن وهوية البلاد العربية الإسلامية.
و يواصل الاخ عبد المجيد في التوضيح اذ يكتب :"الحركة الإسلامية ليست حركة ترتسكية تقوم على الاحتجاج والمزايدة وتعيش على وهم الثورة المستمرة بل هي حركة بناء واعمار تتعاطى بايجابية مع وضعها.وهى تعمل على تحرير السياسي من ربقة المطلق وإعادته إلى دائرة الممكن والمستطاع ضمن مقاربات واقعية تجعل مصلحة تونس والتونسيين فوق كل اعتبار". و هذ كلام جديد يصدر عن صاحبه و لم يكن معهودا عنه في السابق.
كما كتب الاخ محمد شمام بتاريخ 28 أوت 2008 ضمن سلسلة متواصلة من الحلقات بعنون :" حتّى لا يشوش على الواجب الشرعي" في الحلقة رقم 11 (بتصرّف): " خلاصة ومحاكمة :ما يحتاج إلى التوقف ثلاث: ثبات وصمود مسيرة النبوة في الدعوة إلى الله حتى أثناء وعقب خطة الاستئصال / وسر هذا الثبات والصمود / وضرورة فهم التكامل للأحداث ومراحل السيرة لسلامة الاستفادة منها.
" ثبات وصمود مسيرة النبوة على محورية الدعوة إلى الله في أثناء وعقب خطة الاستئصال: رأينا ماذا كان موقف الرسول صلى الله عليه وسلم تجاه آخر محاولات القريشيين قبل وفاة أبي طالب حيث قال :‏ (‏أرأيتم إن أعطيتكم كلمة تكلمتم بها، ملكتم بها العرب، ودانت لكم بها العجم‏)‏ ، فقال أبو جهل‏:‏ ما هي‏؟‏
" وأبيك لنعطيكها وعشر أمثالها، قال‏:‏ تقولون‏:‏ (‏لا إله إلا الله ، وتخلعون ما تعبدون من دونه‏)‏‏.‏ فقالوا يأسا من تحوله عن دعوة الإسلام :‏ (إنه والله ما هذا الرجل بمعطيكم شيئًا مما تريدون، فانطلقوا وامضوا على دين آبائكم، حتى يحكم الله بينكم وبينه‏.‏)
" كان هذا مشهد آخر من ثباته صلى الله عليه وسلم وأبو طالب على فراش الموت، وقد كان بعد خطة استئصالية كانت لها أضرارها الكبيرة، ومنها حال عمه أبي طالب طريح الفراش. ومع ذلك لم يحدثهم إلا في القضية الواحدة، قضية الدعوة وقضية الإسلام حتى عبر عليها بالكلمة الواحدة، رغم أنهم عبروا بوضوح أنهم جاؤوا للأخذ والعطاء، فلم يأخذ ولم يعط بل عرض دعوة الإسلام في كلمة واحدة.
" إنه نفس الثبات الذي رأيناه في أول مشهد وأبو طالب في عنفوانه. وما بينهما كان ثباتا كله ، مع ثبات الصدع بالحق كاملا وتبليغه، بعيدا عن كل أساليب المراوغة والكذب والخداع التي يمارسها أهل السياسة اليوم، والتي بدأت تأخذ طريقها حتى لدى حركة النهضة.
" لقد اشتهر الرسول صلى الله عليه وسلم بالصدق والأمانة حتى لقّب في الجاهلية بالأمين. وبعد بعثته تعامل وفي ظروف الشدة وغيرها بذلك الصدق وبتلك الأمانة ، بكل وضوح وبكل الصدع المطلوب منه، حتى وصفه المولى سبحانه وتعالى " وإنك لعلى خلق عظيم " (سورة القلم)
"إن السياسة من ساس يسوس ، أي قاد يقود ، فلا شك أن الرسول صلى الله عليه وسلم – وخاصة وأنه مسدد بالوحي – كان أمهر القادة أي أمهر الساسة والسياسيين، وكذلك كانت سياسته في الفترة المكية ، رافضا أي سياسة لا تحفظ المبدأ أو تضره أو تأتي عليه ؟
" فأين هذه المحورية للدعوة في حركة النهضة ؟
" بل على العكس من ذلك فقد تحولت هذه المحورية للعمل السياسي مجردا عن المبدأ ، بل قد بدأ يراودها الأخذ والعطاء فيه والمساومة به كما مر ذكره في الجزء السابق .
" تضييع حركة النهضة لمصادر ثباتها وصمودها وقوتها الأساسية : لقد تعرضت حركة النهضة إلى خطة استئصال سرعان ما انصرف في أثنائها عنها كل نصير خارجي، وانهارت كافة امكانياتها وقواها الذاتية، واستنزفت إلى حد الشلل والعجز، ونال منها الاستئصاليون ما لم ينالوا منها في أي وقت سابق، وانغلقت الأوضاع وانسدت إلا من الله سبحانه وتعالى. ومع ذلك فماذا فعلت هذه الحركة؟ هل لجأت إليه سبحانه أم طفقت تجاهد في الأبواب المغلقة ؟
" لقد كان ثبات هذه الحركة وثيات أبنائها عموما في الجملة ثباتا بطوليا إلا أنه كان ثباتا في السياسة، فلماذا لم يكن ثباتا بنفس الدرجة في الدين؟
" إن أكبر الأبواب الذي دخل منه على حركة النهضة الضعف والوهن والخلل، ليس مجموع ما أصابها من البلاءات مما سبق ذكره، ولكن تفريطها في القرآن ومدده وشحنه وفي العمق الإيماني للأحداث والأعمال.
" لقد رأينا أن سر ثبات وصمود مسيرة النبوة هوعيشها مع القرآن ، بكل أعماقه وآفاقه بما في ذلك آفاق التمكين في الآخرة وأيضا في الدنيا، ليس بالمعنى العجول الذي يعاصره المبتلون ولكن بالمعنى المجرد عن حظوظ المعاصرة له.
" لقد حرمت حركة النهضة نفسها من المصدر الحقيقي للزاد والطاقة خاصة في وقت الشدائد، وهو المصدر الذي لا يقدر أحد أن يحول بينه وبينها بخلاف كل ما سواه. وهذا الزاد وهذه الطاقة كما هما قوة ثبات وصمود هما قوة وصل وصهر ووحدة للحركة، وهما أيضا قوة دفع وعمل. إنه بحرمان هذه الحركة نفسها منه آل حالها إلى نفاذ الطاقة لدرجة العجز والشلل، وأصبحت مهددة في وحدتها، وأيضا في ثباتها وصمودها حتى في الجانب السياسي نفسه. وأخطر من كل ذلك أصبحت مهددة في هويتها وصفتها الإسلامية.
" لقد سجنت نفسها في عالم السياسة مجردا عن عمقه الإسلامي فأصابها الإحباط وسكنها اليأس. ولامخرج لها مما تردت فيه إلا بتوبة إلى الله صادقة تقوّم الزيغ وتستعيد ما ضاع....
" وهذا التضييع للقرآن والعمق الإسلامي لم يعرض حركة النهضة إلى ما ذكرنا فقط ، ولكن أيضا إلى انغلاق أبواب الانفراج دونها، وانسداد الآفاق أمامها. لقد كانت الأبواب – بمنطق الأسباب الظاهرة - مغلقة أمام مسيرة النبوة، ولكن أتى الله لها بالفرج من حيث لم يحتسب أحد، فرجا فتحت معه آفاق عظيمة. ولم يكن لها ذلك إلا بعد عمل دؤوب في الدعوة وفي العبادة وفي تلك الأغوار والأعماق الإيمانية ...
و هنا يستخلص الاخ محمد شمام " فأين حركة النهضة من كل هذا بعد تضييعها وإهمالها تلك الأعماق والأغوار، وسجن نفسها في تسطيح سياسي غير منفك عن كثير من عفونات الواقع، والذي لا يمكن أن يفلح في شيئ يرضاه الله بحال؟"([1])
ويتسائل الاخ عبد المجيد الميلي فيما نشررته تونس نيوز يوم 30 أوت 2008 كيف ستتعاطى السلطة مع هذا التيار الجديد؟
يقول : " لا يخفى على أحد أن السلطة تمسك بكل أوراق الحياة السياسية في البلاد فالعمل الثقافي والسياسي لا يمكن أن يتحرك في فراغ أو في عالم النات الوهمي بل لا يتحرك إلا في مساحة الحرية التي تتيحها السلطة .
"من هنا فهي تتحكم في حياة وموت الأفكار والتيارات وتتحمل بذلك مسؤولية ما يمكن أن يؤول إليه الوضع بالبلاد.
"فهل ستختار المصلحة الوطنية التي تقتضى تمكين التيار الاسلامى من أن يتحول إلى قوة بناء وطني يساهم في التنمية وفى تأكيد هوية البلاد والحفاظ على مكاسبها وترشيد ظاهرة التدين وحماية الشباب من الانزلاق نحو خيارات اليأس و تقوية الصف الداخلي في مواجهة تحديات العولمة وانعكاساتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية.
"أم ستركن إلى الخيار الأسهل, خيار الانغلاق وتجاهل هذا العمل الشجاع الذي استطاع أن يتعالى على جراحاته وآلامه ويقدر مصلحة البلاد العليا و ترد هذه اليد الممدودة. السلطة في تونس اعتادت المعالجة الأمنية للملفات السياسية ولكنها اليوم تقف عند محدودية هذا الأسلوب فهل ستجد في نفسها الشجاعة للبحث عن معالجة سياسية لا مناص منها أم ستستهويها سياسة الهروب إلى الإمام والتمنع من تلبية استحقاقات المرحلة القادمة في الانفتاح والمصالحة الوطنية وهى بذلك تغامر بدفع البلاد في دوامة من اليأس تضع مكاسب البلاد ومصالحها على كف عفريت.
يواصل الاخ عبد المجيد الميلي " في مطلع التسعينات رفضت السلطة يد الأستاذ عبد الفتاح موروو الممدودة وأجبرته هو وثلة من إخوانه على اعتزال العمل السياسي وترتب على ذلك استمرار هذه ألازمة عقدين كاملين
ولو قبلت به (الاستاذ عبد الفتاح مورو) شريكا لامكن إذابة جليد الأزمة ولما تواصلت المأساة الإنسانية ولما انتظر التونسيون عقدين حتى يصبح لهم الحق في إذاعة للقرآن الكريم وبنك اسلامى وقناة تلفزية تعمل على ترشيد وعيهم الديني. وإذا اغترت اليوم السلطة بقوتها واختارت ردّ اليد الممدودة لهذا التيار الجديد و أجبرت بذلك دعاته على اعتزال العمل السياسي والتخلي عن الاهتمام بالشأن العام فهي تغامر بان لا تجد بعد ذلك في كل هذا الجيل الاسلامى من يقبل أن يمد لها مرة أخرى يده أوان يقبل يوما يدها الممدودة ولن تجد بذلك أمامها إلا دعاة المزايدة والغوغائية إن لم يكن دعاة المواجهة والصدام.
ثم يواصل الاخ عبد المجيد " فسياسة التيئيس من المساهمة في الشأن العام لن تخدم إلا أصحاب الأفكار الهدامة والمصلحة الوطنية تقتضى إيجاد قنوات للتاطير الشعبي في ضل الشعور بالمسؤولية الوطنية وخدمة المصلحة العليا للبلاد. فالتيار الاسلامى لا يريد استجداء السلطة واستعطافها ولكنه يريد تحريك حسّها السياسي ويستحثها لمغادرة الاستئناس بالحلول الأمنية ويتعاون معها في معالجة سياسية وحضارية لازمة الحريات وتمثيل قطاع واسع من التونسيين في الحياة العامة.
فالمأزق الذي وقعت فيه البلاد صنعه طرفان كذلك الخروج من هذا المأزق لا يصنعه طرف لوحده فهذه ايدى الإسلاميين ممدودة وثقتنا بان التونسيون قادرون على تقدير المصلحة العليا لبلادهم ولنظامهم السياسي." مع العلم ان الاخ تراجع عن خيار جرّبه و اكتشف فشله و قد ذهب ضحية هذا الخيار الاخوين محرز بو دقة و بو لبابة دخيل اذ نفذ فيهما حكم الاعدام.
ان الحركات الإسلامية في العالم كسبت كل هذه الشعبية لتبنيها المنهج الذي يلتقي مع توجهات الغالبية من أبناء الأمة، ليس من زاوية الدين والتدين فحسب بل من زاوية رفضها للفساد والاستبداد، وسعيها لاستعادة أمجاد الأمة ومقاومة الهجمة الصهيونية والغربية عليها، وإذا كان ذلك كله سينتهي لسلطة في دولة قطرية بائسة، مع التبعية للغرب الحقود والغاصب للأرض و الثروة، فلماذا ستتبعهم الجماهير إذن؟! وصدق الله العظيم اذ قال في كتابه العزيز من سورة المائدة :" يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضلّ اذا إهتديتم" (المائدة -105)
و صدق الله العظيم اذ قال في سورة آل عمران: "ولتكن منكم أمّة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون" (آل عمران 104) و قال تعالى "مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" (النحل:97). و الله هو الهادي إلى سواء السبيل لا رب غيره و لا معبود سواه. وللحديث بقية ان شاء الله.
باريس في 5 سبتمبر 2008
بقلم : عبد السّلام بو شدّاخ، احد مؤسسي الحركة الاسلامية في تونس

[1] - حتى لا يشوش على الواجب الشرعي (الحلقة الحادية عشرة)أدعو إلى محاكمة للأحداث وفق المنهج القرآني( 6) فشل خطة استئصال مسيرة النبوة ثم انفراج وانفتاح الآفاق- 28 أوت 2008 -
المصدر بريد الفجرنيوز


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.