عضو بمجلس هيئة الانتخابات: لا يمكن تجاوز هذا التاريخ كأقصى موعد للرئاسية    آمر المركز الأول للتدريب بجيش الطيران صفاقس: قريبا استقبال أول دورة للجنود المتطوّعين    المبادلات التجارية الجزائرية - الأوربية تلامس 47 مليار دولار    قريبا.. الحلويات الشعبية بأسعار اقل    الوطن القبلي.. صابة الحبوب تقدر ب 685 ألف قنطار    رئيس إتحاد الفلاحة: أسعار الأضاحي 'معقولة'    تسمّم تلاميذ بالحلوى: الإحتفاظ ببائع فواكه جافّة    افتتاح معرض «تونس الأعماق» للفنان عزالدين البراري...لوحات عن المشاهد والأحياء التونسية والعادات والمناسبات    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    شبهات فساد: الاحتفاظ بمعتمد وموظف سابق بالستاغ وإطار بنكي في الكاف    سبيطلة : القبض على مجرمين خطيرين    مصر: رفع اسم أبوتريكة من قائمات الإرهاب والمنع من السفر    المهرجان الدولي للمشمش بحاجب العيون في دورته الثانية ...مسابقات وندوات وعروض فروسية وفنون شعبية    قراءة في أعمال ومحامل تشكيلية على هامش معرض «عوالم فنون» بصالون الرواق .. لوحات من ارهاصات الروح وفنطازيا الأنامل الساخنة    عاجل : مسيرة للمطالبة بإيجاد حلول نهائية للمهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء    تحذير: عواصف شمسية قوية قد تضرب الأرض قريبا    كرة اليد: الاصابة تحرم النادي الإفريقي من خدمات ركائز الفريق في مواجهة مكارم المهدية    صفاقس اليوم بيع تذاكر لقاء كأس تونس بين ساقية الداير والبنزرتي    فقدان 23 تونسيا شاركو في عملية ''حرقة ''    مدير عام الغابات: إستراتيجيتنا متكاملة للتّوقي من الحرائق    وزارة الصناعة : ضرورة النهوض بالتكنولوجيات المبتكرة لتنويع المزيج الطاقي    بنزرت: جلسة عمل حول الاستعدادات للامتحانات الوطنية بأوتيك    المنستير: إحداث أوّل شركة أهليّة محليّة لتنمية الصناعات التقليدية بالجهة في الساحلين    بلاغ مروري بمناسبة مقابلة الترجي والأهلي    خبير في التربية : ''تدريس الأولياء لأبنائهم خطأ ''    بسبب الربط العشوائي واستنزاف المائدة المائية .. قفصة تتصدّر خارطة العطش    تضم منظمات وجمعيات: نحو تأسيس 'جبهة للدفاع عن الديمقراطية' في تونس    الحماية المدنية: 8 وفيّات و 411 مصاب خلال ال 24 ساعة الفارطة    كأس تونس: النجم الساحلي يفقد خدمات 4 لاعبين في مواجهة الأهلي الصفاقسي    نهائي دوري ابطال إفريقيا: التشكيلة المتوقعة للترجي والنادي الاهلي    هذه القنوات التي ستبث مباراة الترجي الرياضي التونسي و الأهلي المصري    ليبيا: إختفاء نائب بالبرلمان.. والسلطات تحقّق    عاجل/ القسّام: أجهزنا على 15 جنديا تحصّنوا في منزل برفح    والدان يرميان أبنائهما في الشارع!!    ضمّت 7 تونسيين: قائمة ال101 الأكثر تأثيرا في السينما العربية في 2023    طقس اليوم: أمطار و الحرارة تصل إلى 41 درجة    ألمانيا: إجلاء المئات في الجنوب الغربي بسبب الفيضانات (فيديو)    قانون الشيك دون رصيد: رئيس الدولة يتّخذ قرارا هاما    إنقاذ طفل من والدته بعد ان كانت تعتزم تخديره لاستخراج أعضاءه وبيعها!!    جرجيس: العثور على سلاح "كلاشنيكوف" وذخيرة بغابة زياتين    5 أعشاب تعمل على تنشيط الدورة الدموية وتجنّب تجلّط الدم    مدرب الاهلي المصري: الترجي تطور كثيرا وننتظر مباراة مثيرة في ظل تقارب مستوى الفريقين    الكاف: انطلاق فعاليات الدورة 34 لمهرجان ميو السنوي    منوبة: إصدار بطاقتي إيداع في حق صاحب مجزرة ومساعده من أجل مخالفة التراتيب الصحية    كاس تونس لكرة القدم - نتائج الدفعة الاولى لمباريات الدور ثمن النهائي    وزير الصحة يؤكد على ضرورة تشجيع اللجوء الى الادوية الجنيسة لتمكين المرضى من النفاذ الى الادوية المبتكرة    نحو 20 بالمائة من المصابين بمرض ارتفاع ضغط الدم يمكنهم العلاج دون الحاجة الى أدوية    تضمّنت 7 تونسيين: قائمة ال101 الأكثر تأثيرًا في صناعة السينما العربية    القدرة الشرائية للمواكن محور لقاء وزير الداخلية برئيس منظمة الدفاع عن المستهلك    معلم تاريخي يتحول إلى وكر للمنحرفين ما القصة ؟    غدا..دخول المتاحف سيكون مجانا..    البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يدعم انتاج الطاقة الشمسية في تونس    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    التحدي القاتل.. رقاقة بطاطا حارة تقتل مراهقاً أميركياً    منها الشيا والبطيخ.. 5 بذور للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كلمة المواقع التونسية في يوم القدس العالمي السادس على الإنترنت
نشر في الفجر نيوز يوم 17 - 09 - 2008

نحو وضع قضية القدس في إطاراستراتيجية حضارية شاملة
بسم الله الرحمن الرحيم

كلمة المواقع التونسية في يوم القدس العالمي السادس على الإنترنت
نحو وضع قضية القدس في إطاراستراتيجية حضارية شاملة

السبيل أونلاين - حماسنا - يوم القدس العالمي على الأنترنت

1 - القدس هي مسرى الرّسول صلى الله عليه وسلم ووصل بالنبوات السابقة ووراثتها
قال تعالى: "سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنّه هو السميع البصير" (سورة الإسراء الآية1).
بتمجيد نفسه وتعظيم شأنه لقدرته على ما لا يقدر عليه أحد سواه، ثمّ بالحديث عن عبده الذي كان معه في إسرائه بعنايته وتوفيقه، والذي اجتباه سبحانه لإمامة رسله وأنبيائه المُجمّعين في بيت المقدس بإيلياء صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين، افتتح الله سبحانه وتعالى سورة الإسراء، ثمّ بيّن سبحانه أولى أغراض حدث الإسراء بقوله: "لنريه من آياتنا"، منبّها النّاس إلى أنّه هو السميع البصير كي يقتصدوا في أقوالهم فلا يذهبوا إلى التكذيب بهذه الآيات العظام كما فعل كبار كفّار قريش ، فكل مجزيّ بما عمل وبما اجترح...
كان الله سبحان وتعالى قادرا على أن يعرج برسوله الكريم صلّى الله عليه وسلّم إلى السماء رأسا من مكّة، غير أنّ هذا العروج قد سبق حادثة المعراج لتدرك أيّها المسلم متانة العلاقة بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى، فتحبّ وتدافع وتهفو إلى الثاني حبّك ودفاعك وهفوّك إلى الأول، إذ هو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ، والطريق الذي سلكه نبيّك الخاتم إلى السماء حيث فرضت عليه وعلى أمّته الصلاة (عماد الدّين)... وإذا كان في القبلة استحضار لعظمة الله وتأسيس لوحدة المسلمين، فإنّ في استقبال بيت المقدس الذي سبق استقبال المسجد الحرام، زيادة معنى الوصل بالنبوات السابقة ووراثتها.
2 - لماذا وقع عزل بني أسرائيل عن ريادة البشرية؟ وبماذا تأهلت أمة الإسلام الناشئة؟
يرى الإمام ابن عاشور رحمه الله أنّ في الإسراء إكمالَ الفضائل للرّسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه بأن أحلّه الله بالمكان المقدّس الذي تداولته الرّسل من قبل ليتقدّمهم إماما قائدا، على أنّ هذا الإحلال قد جاء بعد أن هُجر المسجد الأقصى وخُرّب بسبب تسلّط الأعداء على بني إسرائيل الذين فسدوا يومئذ وأفسدوا فهانوا وفشلوا، إيماءا منه سبحانه وتعالى إلى أنّ أمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم هي التي ستجدّد مجد الأقصى، وتحفظ حرمته؛ أي أنّ اليهود – كما قال صاحب الرّحيق المختوم - سيُعزلون عن منصب قيادة الإنسانية لِمَا ارتكبوا من الجرائم...
* وهذا معنى جليل حَريّ بنا وبكلّ منتمٍ إلى أمّة محمّد عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام أن نتدبره بعين الرهبة استجلاءا للسبب الذي به وقع العزل وبه وقع التكليف. إنّ الذلّة التاريخيّة التي لاحقت اليهود لم تمنع الموصوفين بها من الانتصار على حَمَلة لقب الإسلام الدين الخاتم، ذلك أنّ الإسلام لا يتشرّف أبدا بمن يتّخذه شعارا أجوفَ يتوشّح به!...
- إنّ وجود المسجد الأقصى من جديد تحت طائلة مفسدي اليهود، إنّما هو دلالة على فساد المسلمين وإفسادهم في الأرض، حتّى لكأنّ بني إسرائيل قد باتوا أصلح منهم وأفضل، بل فيه إشارة إلى أنّنا نحن المسلمين لم ننصر الله سبحانه، إذ لو كان منّا النصر له لكان منه النصر لنا، قال تعالى: "يا أيّها الذين آمنوا إن تنصروا اللهَ ينصركم ويثبّت أقدامكم والذين كفروا فتعسا لهم وأضلّ أعمالهم "... فنصر الله هو نصر دينه بإقامته، ونصر رسوله صلّى الله عليه وسلّم باتّباع سنّته. لقد قصّرنا وقعدنا وتقاعسنا عن القيام بذلك، حتّى صار منّا من يمنع الحجاب بالمناشير والمراسيم، وحتّى صار منّا من يركل المصحف ويرمي به في المراحيض، وحتّى صار منّا من يسجن بلا قانون ثمّ يقتل لحماية القانون، وحتّى صار منّا عبدة الشياطين ودعاةٌ شياطين، وحتّى صار منّا من يوجّه بندقيّته إلى صدر أخيه فيقتله ثمّ يغتصب أهله ويملكهم باليمين!...
- إنّ الحال الذي تردينا إليه أصبح حائلا دون تحرير الأقصى وتجديد مجده وحفظ حرمته، إلاّ أن نعود عودة صادقة إلى ربنا ومولانا. إنه لا بدّ لنا من عودة صحيحة إلى تعاليم ديننا تبدأ بإزالة الأصنام التي عادت تملأ علينا الأرجاء، فلا مجال لخوف من غير الله سبحانه وتعالى، ولا مكان للمجاملات القاتلة للدّين التي تقضي على فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الجذور، ولا..، ولا..
- ولا يعتذرنّ أحد بأنّ هذا الأمر ليس وقته ولا ظرفه، وأنه ليس أولوية المرحلة بالنظر لشدة هجمة الأعداء علينا. وهذه اعتذارات أصبح يعتذر بها حتى بعض الإسلاميين، وهي اعتذارات من أكثر ما يعبر على مدى التردي الذي بلغناه، ومن أكثر ما يؤزّ المسلمين أزّا أن يزدادوا بعدا عن ربّهم مصدر قوتهم ووحدتهم وعزهم.
- قد كان ظرف الإسراء ظرف شدة وانغلاق وإطباق على دعوة الإسلام وقتها إلاّ من الله سبحانه، فلما كان العوْدُ إليه ذلك العودَ الشهير- الذي عبر عليه دعاؤه صلّى الله عليه وسلّم العظيم (عقب فشل دعوة أهل الطائف)- كان نصر الله لعبده بالإسراء والمعراج. لقد كان ذلك منحة كبيرة ودعما قويّا من الله سبحانه وتعالى لرسوله الكريم المستضعف، الفاقد للسند بعد موت الزوجة المثبّتة والعمّ الحاضن. لقد أسرى به سبحانه إلى المسجد الأقصى، ثمّ عرج به إلى السماء، ليلقى الترحاب والتأييد، والإقرار بالنّبوّة من كلّ الأنبياء الذين قابلهم في السماوات السبع، وليدنو من ربّه العليّ العظيم الحنّان المنّان.
لقد كان في هذا الحدث تأييدا ربّانيا قرّب إلى العقول معنى قوله تعالى "إنّ مع العسر يسرا إنّ مع العسر يسرا" . ولم يتم فيه من تكليف غير ما يوثق صلة المسلمين بربّهم ويضاعف عوْدَهم إليه (الصلوات الخمس). وبكل ذلك امتلأ صلّى الله عليه وسلّم قوة ويقينا وثقة وآفاقا، سما بها عن كل الواقع الذي كان يعيشه، فأسرع مباشرة بعد الحادثة ليحدث بها قريشا والناس جميعا، أي ليحدثهم – بمنطق الماديين والدنياويين والتسطيحيين - باللامعقول والجنون.
3 - القدس من صميم الدين:
وهكذا نرى بما تقدم مدى ارتباط القدس برموز دينية نابعة من صميم الدين: المسجد الأقصى، والإسراء والمعراج، وقبلة الصلاة الأولى. ومن الآيات المهمة التي أصلت هذه الرموز قوله تعالى:(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) (الإسراء: 1).. فهذه الآية تشير إلى أرض فلسطين وإلى المسجد الأقصى باعتبارها هدفا لرحلة الإسراء ومنطلقا لرحلة العروج إلى السماء..
- وتربط الآية أيضا بين المسجدين: المسجد الحرام والمسجد الأقصى . بل أكثر من ذلك ، فإنّ الآية تربط بين المساجد الثلاثة: فتسمية الأقصى هي تسمية قرآنية مستحدثة، وكان فيما قبل يدعى مسجد بيت المقدس، وهي تسمية لها دلالة على مواقع المساجد الثلاثة. يقول في ذلك الشيخ الطاهر ابن عاشور: {في هذا الوصف – بالأقصى - بصيغة التفضيل... ، معجزةٌ خفية من معجزات القرآن، إيماءا إلى أنه سيكون بين المسجدين مسجد عظيم هو مسجد طيبة الذي هو قَصِيٌ عن المسجد الحرام، فيكون مسجد بيت المقدس أقصى منه حينئذٍ. فتكون الآية مشيرة إلى جميع المساجد الثلاثة المفضلة في الإسلام على جميع المساجد الإسلامية، والتي بيّنها قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: "لا تُشدّ الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي" (متفق عليه)} (التحرير والتنوير ج 15/ص 15)..
- وتؤكد الآية مباركة الأرض حول المسجد وهي فلسطين وأرض الشام عموما، وهي التي يعنيها قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآَتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ * يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ)(المائدة: 20/21).. جاء في تفسير القرطبي: ("المقدسة" معناه المطهرة. قال مجاهد: المباركة، والبركة التطهير من القحط والجوع ونحوه. قال قتادة: هي الشام. ومجاهد: الطور وما حوله. وابن عباس والسدي وابن زيد: هي أريحاء. قال الزجاج: دمشق وفلسطين وبعض الأردن. وقول قتادة يجمع هذا كله) (تفسير القرطبي ج 6 / ص125).. ومعنى البركة: (نماء الخير والفضل في الدنيا والآخرة بوفرة الثواب للمصلين فيه وبإجابة دعاء الداعين فيه (التحرير والتنوير ج 15 / ص 19). (وبارك الشيء إذا جعل له بركة وهي زيادة في الخير، أي جُعلت البركة فيه بجعل الله تعالى، إذ قَدّرَ أن يكون داخلُهُ مُثاباً ومحصّلا على خيْر يبلغه على مبلغ نيته، وقدّر لمجاوريه وسكّان بلده أن يكونوا ببركة زيادةِ الثَّوابِ ورفاهية الحال، وأمر بجعل داخله آمناً، وقدّر ذلك بين النَّاس فكان ذلك كلّه بركة) (التحريروالتنوير ج 4 / ص 16).
-وأسباب بركة المسجد الأقصى كثيرة كما أشارت إليه كلمة "حوله". منها أنّ واضعه إبراهيم عليه السلام، ومنها ما لحقه من البركة بمن صلى به من الأنبياء من داود وسليمان ومن بعدهما من أنبياء بني إسرائيل، ثم بحلول الرسول عيسى عليه السلام وإعلانه الدعوة إلى الله فيه وفيما حوله، ومنها بركة من دُفن حوله من الأنبياء، فقد ثبت أنّ قبريْ داود وسليمان حول المسجد الأقصى. وأعظم تلك البركات حلول النبي صلى الله عليه وسلم فيه ذلك الحلول الخارق للعادة، وصلاته فيه بالأنبياء كلهم.) (التحرير والتنوير ج 15 / ص 20).
ومن فضائل المسجد الأقصى أنه كان القبلة الأولى للمسلمين في صلاتهم قبل تحويلها باتجاه المسجد الحرام بمكة؛ فقد أخرج البخاري ومسلم عن البراء ابن عازب رضي الله عنه قوله: (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا حتى نزلت { قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ }(البقرة: 144)..
- ومن فضائله أن الصلاة فيه تساوي أضعافا مضاعفة للصلاة في غيره، فقد جاء في الحديث الذي رواه الطبراني عن أبي الدرداء والبيهقي عن جابر بسند حسن قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: (صلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، وصلاة في مسجدي ألف صلاة، وصلاة في بيت المقدس خمسمائة صلاة).. ومن فضائله أنه أول مسجد بني بعد المسجد الحرام ففي الحديث النبوي: (أول مسجد وضع في الأرض المسجد الحرام ثم المسجد الأقصى وبينهما أربعون سنة ثم أينما أدركتك الصلاة بعد فصل فإنّ الفضل فيه) (رواه البيهقي والنسائي)..
- ومن فضائل تلك الأرض المباركة - بيت المقدس وما حولها من أرض فلسطين والشام - أنها ستكون أرض المحشر يوم القيامة لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح (الشام أرض المحشر والمنشر)، (وعن ميمونة بنت سعد مولاة النبيّ صلى الله عليه وسلم قالت: (يا نبي الله افتنا في بيت المقدس؟ فقال: أرض المحشر والمنشر)..
4 – القدس راسخة في قلوب المسلمين:
بكل ما تقدم، من الطبيعي جدا أن تحتل قضية القدس- وقضية فلسطين عموما - موقعا لها راسخا في قلوب المسلمين. والصراع الدائر حوله، وما يحصل فيه من مآسي، من الطبيعي جدا أن تضاعف المشاعر تجاهه، وترسخ مكانته وترفعها في القلوب. ومن مظاهر تلك المكانة تعاطف المسلمين المتواصل مع الفلسطينيين في كلّ المحن والنكبات التي مروا بها. ومن مظاهرها أيضا صور المسجد الأقصى التي تجاور صور المسجد الحرام في كثير من بيوت المسلمين حول العالم. ولقد أدهشنا مشهد رأيناه ورآه العالم إبان بداية انتفاضة الأقصى سنة 2000 عبر قنوات الأخبار: صور لمظاهرة آلاف من نساء اندونيسيا وشاباتها تضامنا مع الانتفاضة، وخاصة منها صورة لفتاة محجبة في عمر الزهور- وقد ركزت عليها الكاميرا - وهي ترفع يديها بالدعاء لفلسطين وتبكي بكاءا حارا!!. إنه لمشهد عجيب: فتاة في أقاصي الدنيا بعيدة آلاف الكيلومترات عن القدس!!.. وربما لا تعرف الكثير من المعطيات عن القدس وعن فلسطين.. وقد لا تعرف موقعها على الخريطة أصلا.. لكنها مع ذلك تحضر وتشارك في المناصرة.. ولا تكتفي بذلك بل وتبكي بالدموع!! سبحان الله من أين أتى هذا الشعور؟؟ ومن أين جاءت هذه العاطفة الجياشة، رغم بعد المسافات.. ورغم اختلاف اللغات والقوميات.. ورغم طول العهد على النكبات..؟؟
5 - تعلق التونسيين بالقدس:
والتونسيون كشأن بقية المسلمين متعلقون بالقدس وبفلسطين عموما، بل يمكننا أن ندّعي أنّ لهم تعلق خاص بتلك الأراضي. ومما يدل على ذلك مشاركتهم في حرب 48 على أرض فلسطين، حيث شارك عشرات التوانسة متطوعين في تلك الحرب باعتبارها جهادا في سبيل الله. ولم يثنهم عن ذلك كون بلادهم أيضا محتلة، إذ يرون أنّ المعركة واحدة، وأنّ الشأن الخاص للبلد لا يمثل عائقا للمساهمة في الشأن العام للأمة، وأنّ الأرض المباركة والمقدسة في القرآن تمثل أولوية للمسلم رغم ظروفه المحلية، كما لم يثنهم بعد المسافات عن الوصول لساحة المعركة للقيام بواجب النصرة.
ومن دلائل تعلق التونسيين بالقدس وحضورهم المبكر في هذه القضية حتى قبل حرب 48: المساهمة الجليلة للشيخ عبد العزيز الثعالبي أحد أكبر رموز الحركة الوطنية والإصلاحية التونسية. فالشيخ الثعالبي بعد أن ضيّق عليه الاستعمار في تونس لم يجد وجهة خارج البلاد إلاّ إلى القدس حيث أقام لسنوات. وفي أثنائها توثقت علاقته مع مفتي القدس الشيخ أمين الحسيني فصار مستشارا له، وعملا سويا لعقد المؤتمر الإسلامي للقدس أواخر سنة 1931، حيث تنادى قادة العالم الإسلامي للاجتماع في القدس لتدارس أوضاع قضية فلسطين في تلك الأوقات المبكرة من اندلاعها. وقد اختير الشيخ عبد العزيز الثعالبي عضوا في اللجنة الدائمة للمؤتمر الإسلامي للقدس.
- ولا يزال هذا الحضور لقضية القدس وفلسطين عند التوانسة – بفضل الله - قائما إلى الآن لم تمسه أو تؤثر عليه كل محاولات التطبيع أو التمييع. ولا أدل على ذلك من وجود عدد من الشهداء التونسيين الذي استعيدت جثامينهم ضمن (في) صفقة تبادل الأسرى الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل... كانوا ثمانية (شهداء) قدموا أنفسهم دفاعا عن فلسطين خلال السنوات العشرين الأخيرة.
- ورغم ما يشق التونسيين من صراعات واختلافات في الهوية والدين والسياسة، فإنّ قضيّة القدس وفلسطين هي من القضايا القليلة التي بقيت تجمعهم . إنه قد لا تجد في تونس قضية محل إجماع بين التونسيين بمختلف مشاربهم وأفكارهم مثل إجماعهم والتقائهم على قضية فلسطين.
6 - القلب مع القدس.. فأين العقل؟؟
على أنّ تعلق عموم المسلمين بالقدس وقضية فلسطين تشوبه - مع الأسف - شائبة الارتباط العاطفي البحت بعيدا عن المعرفة الدقيقة بمجريات الأمور، وبعيدا عن التفاعل العملي اليومي والمدروس والمخطط. وقد تابعنا قبل سنوات حملة تعريفية قامت بها إحدى المؤسسات الفلسطينية لتعريف الناس بأنّ القبة المعروفة في المسجد الأقصى بلونها الذهبي المتميز ليست في الحقيقة قبة المسجد الأقصى بل هي قبة مسجد الصخرة، وأنّ المسجد الأقصى تحديدا له قبة خضراء اللون مختلفة تماما عن قبة الصخرة، وأن الحرم القدسي الشريف يضم داخله أربعة عشر مسجدا من بينها المسجد الأقصى ومسجد الصخرة والمصلى المرواني وغيرها. ولم يكن الدافع وراء هذه الحملة الترف المعرفي بل الخشية أن تمتد يد التخريب اليهودي للمسجد الأقصى مع عدم المساس بقبة الصخرة فتمر الأمور على الجميع ظنا منهم أنّ المسجد لم يلمس باعتبار أنّ المسجد الأقصى لازال قائما لأنّ القبة الذهبية المعروفة لم تلمس بسوء!!!.
- ومن مظاهر تلك العلاقة العاطفية بقضية فلسطين أن شكل تفاعل المسلمين معها يأخذ طابع الهبّة القوية الحماسية في شكل مسيرات ومظاهرات حاشدة لكنها سرعان ما تنطفئ وتذوي بلا مردود عملي يؤثر على مجريات الأمور. والملاحظ أيضا أنّ تلك الهبّات لا تقع إلاّ كرد فعل وليس كمبادرات، وهي لا تقع إلاّ تفاعلا مع أحداث كبيرة ولا علاقة لها بمجريات الأحداث اليومية التي تؤثر بالتراكم، وهي أيضا تقع على فترات متباعدة، وتكاد تفاجئ الجميع بمعنى أنها غير متوقعة في كثير من الأحيان.
ورغم أهمية كل تلك الهبّات وضخامتها العددية وتوسعها الجغرافي في طول العالم الإسلامي وعرضه، ورغم ضرورتها لتأكيد الحضور المساند لقضايا الشعب الفلسطيني في وقتها، إلاّ أن ذلك لا يعدو كونه حماس قد لا يتجاوز مردوده وقت وجوده.
7 - نحو ترشيد دورنا تجاه القدس:
كيد الأعداء حقيقة، ولكن معها حقيقة أهم منها تتمثل في كون أنّ ما نعيشه الآن هو من عند أنفسنا وبسبب ما نحن عليه، فما كان ليقدر علينا أحد لو لم نُقدرْه ونمكنه من أنفسنا... ومع هاتين الحقيقتين هناك حقيقة ثالثة أهم منهما وهي أنّ هذا الواقع إذا أردنا تغييره فمدخله وأساسه هو تغيير ما بأنفسنا، وبغير هذا التغيير لا جدوى – إلا قليلا - من كافة الجهود والمحاولات التي نقوم بها، الأمر الذي يعني أن لا جدوى من مجاهدات مكائد العدو – إلاّ قليلا - إذا لم يصحبه توجه إلى تغيير الذات.
هذه حقائق ثلاثة هامة وخطيرة، كيد العدو هي أقلها وأهونها، فأين نحن منها؟
إن الجواب عن هذا السؤال يمكن أن نراه بوضوح في السلوك السائد تجاه هذه القضية كما رأينا في الفقرة السابقة، وفي الخطاب الإسلامي السائد المعبر عنه. يقدم هذا الخطاب هذه الحقائق في الغالب منكوسة الترتيب، بل قد يصل إلى إسقاط الحقيقتين الأهم ليكون الطغيان لحقيقة كيد الأعداء. إنه سلوك وخطاب فاقدين لأي إستراتيجية، فقدانا قد أدى إلى شيوع الفوضى، وتفشي الانفعالية والارتجالية، واعتماد سياسة (التثوير والتهييج) بدلاً من (البناء والتشييد) .
وبدلاً من أن تقوم المؤتمرات والتظاهرات والمنابر بدورها الصحيح فقد تحولت في أكثر جهودها إلى أدوات للانفعالات، ومواقع ومناسبات لردود الأفعال.
- الخطاب الإسلامي في حاجة إلى أن يخرج من "شرنقة" دغدغة مشاعر الناس على حساب الحقائق، وعلى حساب ترسيخ المبادئ والقيم في النفوس... إنّ معالجة القضايا لا يكون بالصوت العالي والكلمات الرنانة التي يسمع لها صدى ولا يرى لها أثرًا. ويوم أن عالج المسلمون قضية القدس بالخطب الرنانة من قبيل إلقاء إسرائيل ومن ورائها أمريكا إلى البحر، ضاعت كل القدس وضاعت معها فلسطين.. ففراغ المحتوى والآفاق والنهج والأسلوب لا يجبره شيء آخر مهما كان.
- إنّ قضية القدس لا تحتاج إذن إلى من يلهب المشاعر، ويلهب الظهور بسياط التخاذل والقعود، أكثر من حاجتها إلى إستراتيجية حضارية توضع في إطارها، وإلى عملية توعية وترشيد وتوجيه، وإلى من يربي ويعلم ويأخذ بأيدي الناس من متاهات العصيان إلى صراط الواحد المنان.
- إنّ المطلوب تحويل ذلك الرصيد العاطفي العميق الذي رأيناه عند المسلمين تجاه قضية القدس إلى أرصدة معرفية وعملية خادمة لها بشكل واعٍ، وترشيد كل ذلك والتحركات الظرفية واليومية، للأفراد والجماعات، إلى أن تصبح مندرجة في توجهات إسترتيجية حضارية.
إذا وعى المسلمون مثل هذا الوعي، وصلحوا مثل هذا الصلاح، ورشدوا مثل هذا الرشد، فستعود القدس ويظهر صلاح الدين يقودنا من جديد، بإذن الله تعالى.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8)} (سورة محمد)
السبيل أونلاين
[email protected]

للإطلاع على الكلمة في موقع حماسنا اضغط هنا
السبيل أونلاين (وحماسنا) ، بتاريخ 17 رمضان 1429 هجري الموافق ل17 سبتمبر 2008 ، بمناسبة يوم القدس العالمي السادس على الأنترنت


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.