رصد مستشرق هولندي دخل إلى السعودية في عام 1885 م بصفته مسلماً مظاهر الاحتفاء بعيد الفطر لدى أهالي مكةالمكرمة، والاستعدادات التي يقوم عليها أهالي البقعة التي يقدسها كافة المسلمين في شتى أنحاء العالم، خاصة وأنها تستقبل أحد العيدين الذي يستقبل بحفاوة كبيرة كما استقبل قبله شهر رمضان. ويقول "كرستيان سنوك هورخرونيه" المستشرق الهولندي الذي قضى في مكة سبعة أشهر بعد أن تسمى بالحاج عبد الغفار في كتابه الذي أصدره عن رحلته للحجاز بعنوان "صفحات من تاريخ مكةالمكرمة" إنني سكنت في منطقة سوق الليل الواقعة بالشرق الشمال للمسجد الحرام، وشاهدت تلك الفرحة الملازمة للسكان والأهالي والتي يترجمون من خلالها مدى حماسهم لاستقبال العيد، فهم يظلون ينتظرون رؤية هلال شهر شوال، ويتجمع الناس لهذا الغرض في المسجد الحرام ليلة التاسع والعشرين، وكل منهم ينظر للسماء بهدف رؤية الهلال الذي في حال رؤيته يسري خبره في البيوت كالنار في الهشيم. ووصف مؤلف الكتاب أسواق مكة بأنها مليئة بالناس الذين يتجولون هنا وهناك لشراء حاجياتهم التي تأخروا في تأمينها لآخر لحظة، حيث إن من مهام رب الأسرة في ذلك الوقت شراء الملابس الجديدة لجميع أفراد عائلته، والحلوى والعطور لزواره، واستبدال حاجات المنزل القديمة بأخرى جديدة، مردفاً أن الناس في ليلة العيد يذهبون إلى الحلاق ويظلون ينتظرون على المقاعد أدوارهم لحلاقة رؤوسهم وتشذيب شواربهم ولحاهم أو إزالتها، وبعضهم على ظهره كوب أو اثنان للحجامة، مشيرا إلى أن كل شخص من أهل مكة حتى ولو كان مصابا بفقر دم، عليه أن يقوم بالحجامة مرة واحدة في العام لإخراج الدم الفاسد. وأبان المستشرق الهولندي أن الأسر وربات البيوت يتمثل نشاطهن في المنازل خاصة ليلة العيد في أعمال الطبخ حيث تكون الجارية حينها على قدم وساق، ويتم أيضا تزيين غرف الاستقبال، وإعداد غرفة واسعة لطعام الإفطار الذي يبدأ بعد صلاة العيد مباشرة. ولفت إلى أن أهل مكة يحرصون في صلاة العيد على التوجه إلى الحرم قبل شروق الشمس كي يتمكنوا من الحصول على أماكن مناسبة لهم، ولا يتركون المسجد بعد صلاة الفجر لانتظار صلاة المشهد – أي صلاة العيد-، مشيراً إلى أن مما رصد في مشاهدته عن صلاة العيد هو حينما ينادى بعد نصف ساعة من الشروق لصلاة العيد، في ظل غياب مكبرات الصوت التي تمنع سماع صوت الخطيب الذي يعتلي المنبر بعد الصلاة، كما أن الرجال الأحدث سنا من أهل مكة يقومون بعد الصلاة بزيارة أقربائهم الأكبر، ثم الجيران، وفي العادة يذهب الرجل مع أصدقائه لزيارة أقربائهم ومعارفهم الذين لا يعرفهم شخصيا، لافتاً إلى أن الناس متواضعي الحال يزورون من يعملون عندهم بقصد الحصول على العيدية. وأبان المستشرق أن الزيارات في العادة تكون قصيرة وسريعة ويتناولن في أغلبها الشاي، وعندما يهم الضيوف بمغادرة المنزل يأتي رب الدار بالمبخرة أو المرش الذي يحوي ماء الورد ليتعطر الضيوف، وفي بعض الأحيان يقدم المضيف طبقا عليه لفائف مغموسة بزيت عطري نفاذ، حيث يقوم الضيوف بغمس أصابعهم في هذه اللفائف ومسحها تحت أنوفهم، كاشفاً أن الأطفال كانوا يلهون باللعب من خلال المراجيح، في الوقت الذي تستمر فيه المناسبة إلى اليوم الثالث من العيد، ويقوم الرجال حينها بمزيد من الزيارات للمعارف والأصدقاء، كما يتم ترتيب العديد من لقاءات السمر للاحتفاء بهذه المناسبة. أما النساء في ذلك الحين فيؤكد المستشرق أنهن لا يخرجن إلى الشوارع لأن عليهن مهام القيام بتجهيز كل ما يقدم للضيوف من أطعمة وأشربة والإشراف عليه. مشيرا إلى أن عيد النساء يبدأ من اليوم الرابع بعد أن يفرغن من خدمة ضيوف أزواجهن واحتفالهم بالعيد، ولا يقتنع النسوة في زيارتهن بمثل الرجال بالجلوس لبضع دقائق، بل يجلسن أوقاتا طويلة يشربن القهوة والشاي، ويتحدثن في مختلف المواضيع، ولا يقتصر الأمر على ذلك بل يتعداه إلى الخروج من المنزل بقصد النزهة والتسلية بصحبة أطفالهن، حيث يقمن بما يسمى عند أهل مكة ب"القيلة".