بقلم : سليم عزوز (كاتب وصحفي مصري ) نطلق علي شهر سبتمبر في مصر، ومنذ أن قام الرئيس المصري الراحل أنور السادات، باعتقال أكثر من ألف مصري من كل القوي الوطنية والتيارات السياسية المختلفة، سبتمبر الأسود ، وان كنا قد تراخينا الآن في استخدام هذا الوصف الأسود ، فبعضنا يترحم علي أيام السادات، حتي قتلته، راجع مقال القيادي بالجماعة الإسلامية ناجح إبراهيم في هذا الصدد!. سبتمبر هذا العام، كان اسود بالثلاثة، إذ شهد ثلاثة أحداث، مثلت خصما من الهامش المحدود لحرية الصحافة، وان كان احد هذه الحوادث مثل إهانة للصحافة المصرية، وانتقل بها من الضحية إلي الجلاد، علي النحو الذي سنبينه بعد قليل. الواقعة الأولي، تمثلت في القرار الحكومي بإلغاء ترخيص جريدة الزهور ، والثانية كانت بالحكم الذي صدر بحبس رئيس تحرير جريدة الدستور شهرين، أما الواقعة الثالثة، فنتج عنها قيام وفد من نقابة الصحفيين بالذهاب إلي مكتب شيخ الأزهر، طالبا منه التنازل عن قضية مرفوعة منه ضد جريدة الفجر بتهمة إهانته والحط من قدره، وقد رفض الشيخ الوساطة، وأصر علي الحصول علي حقه بالقانون!. ثمة واقعة رابعة، تتمثل في قرار المجلس الاعلي للصحافة بإلغاء الموافقة المبدئية لجريدة الشروق ، بحجة وجود اثنين من الصحفيين، ضمن المؤسسين، في حين أن قانون نقابتهم يحظر عليهم ملكية الصحف، وقيل إن هذا جري، لان نجل الكاتب المعروف محمد حسنين هيكل ضمن المؤسسين، وفي واقعة مشابهة، وفي نفس جلسة المجلس الاعلي المذكور، تقرر منح صحيفة أخري الموافقة النهائية علي الصدور، علي أن تقنن أوضاعها، فيخرج من بين المؤسسين عضو نقابة الصحفيين، وينضم إليهم آخر، لا مانع من ان يكون حلاقا، أو سباكا، فالمهم ألا يكون صحفيا، والأصل في الصحفيين ان يكونوا أجراء، كما ينص قانون النقابة، وهو يحتوي بالمناسبة علي نصوص مسخرة، مثل النص الذي يحظر ممارسة العمل الصحفي لغير أعضاء النقابة، في الوقت ذاته يشترط لقيد الصحفي في جداول النقابة ان يكون صحفيا محترفا !. ليس هذا موضوعنا، فنحن أمام قانون نحس، يكفي ان نعلم أنه آخر قانون اعتمده الرئيس جمال عبد الناصر قبيل وفاته، وهو القانون الذي جعل عقدة النكاح في النقابة بيد ما كان يسمي بوزير الإرشاد القومي، وكان يشغل هذا الموقع وقتها الأستاذ محمد حسنين هيكل، الذي يقدمه دراويشه في هذه الأيام علي انه كان الراعي الرسمي لحرية الصحافة والصحفيين!. يقال إن ما جري مع جريدة الشروق هو مجرد تلاكيك وقتية، سرعان ما يتم حلها، لتحصل الشروق علي الموافقة للصدور، وإذا كان هيكل قد علم انه السبب، فقد بذل قصاري جهده، ليؤكد عدم مسؤوليته عن التجربة، وأوشك ان يقول عدم علمه بها، فهو لا يتدخل في نشاط أبنائه، فقد اكتفي بتربيتهم والسلام، علي النحو الذي جاء في دردشته مع أديبنا الكبير يوسف القعيد. واقعة الحكم بحبس إبراهيم عيسي رئيس تحرير الدستور هي الأحدث، وإذا كنت اكتب هذه السطور بعد ساعات من صدوره، فلا أعلم ما إذا كان سينفذ أم لا، وان كان من الناحية القانونية، واجب النفاذ، لا يوقف تنفيذه نقض أو إبرام، لكن كل شيء جائز في بلدي!. من قبل صدر حكم قضائي بحبس مصطفي ومحمود بكري، من محكمة الجنايات فأصدر النائب العام قرارا مدهشا بإرجاء التنفيذ، إلي حين تقدمهما بالنقض، وعندما فعلا صدر قرار من النائب العام أيضا بوقف التنفيذ إلي حين نظر النقض، وعندما نظرت محكمة النقض الأمر وأقرت الحكم بالحبس، دعيت احدي دوائر محكمة أدني لتوقف التنفيذ، إلي يوم يبعثون!. عندما كان الحديث عن الإصلاح موضة اتصل الرئيس مبارك بنقيب الصحفيين جلال عارف هاتفيا، ووعده بإلغاء الحبس في قضايا النشر، وكان هذا قبيل ذهاب النقيب إلي النقابة لحضور الجلسة الافتتاحية للمؤتمر العام الرابع للصحفيين، وفي كلمته أعلن وعد الرئيس ، وبعد ثلاث سنوات جرت التعديلات علي قانون العقوبات، وألغت عقوبة الحبس في بعض المواضع وتم الإبقاء عليها في مواضع أخري!. بعد وعد الرئيس، لم يتم تنفيذ أحكام الحبس في قضايا النشر، وقد صدر حكم بحبس الزميل احمد عز الدين بتهمة سب وقذف وزير الزراعة، ونائب رئيس الوزراء، والأمين العام للحزب الحاكم، يوسف والي ولم ينفذ، وصدر حكم آخر ضد زميل آخر في قضية نشر خاصة بالفنانة هالة صدقي، لأنه نشر أن طليقها لم يجدها عذراء في ليلة الدخلة ، وأيضا لم ينفذ!. لكن الجديد في حكم إبراهيم عيسي انه صدر بعد إقرار التعديلات علي قانون العقوبات، وبعد ان قال الإعلام الحكومي ان ما جري هو تنفيذ لوعد الرئيس، الذي وعد فأوفي!. إبراهيم فعل المستحيل حتي لا يصدر حكم بحبسه، لأنه من المقرر ان حكما بالحبس لن يكون اقل من عام، ولهذا فقد تحالف مع الأستاذ مكرم محمد احمد عندما ترشح نقيبا للصحفيين، لأنه وعده بوقف سير الدعوي، وهي الخاصة بنشره شائعة مرض الرئيس، وكان في الجبهة الاخري لتيار الاستقلال النقابي، والذي رشح رجائي الميرغني نقيبا، وبذل عيسي جهودا مضنية من اجل دفعه للتراجع والتنازل عن الترشيح، ولما فشل سعي لإثارة الفتنة والخلافات في الجبهة الاخري، فنشر في اعلي جريدته خبرا بشكل بارز يقول انه تقرر ترشيح جمال فهمي نقيبا للصحفيين، ولم يكن الخبر صحيحا، وعندما تم إبلاغه بالحقيقة، ولم تكن غائبة عنه لم ينف ما نشره!. المهتمون بالأمر، بمن فيهم هيئة الدفاع عن عيسي استقر رأيهم بين البراءة أو الحكم بالحبس سنة علي الأقل، إذا كان الهدف هو الانتقام. وفي تقديري أن أهل الحكم كانوا في ورطة حقيقية، فهم من ناحية يعلمون ان حكما بالحبس سيؤلب عليهم البيت الأبيض، وبدلا من ان كوندوليزا رايس تندد بما يجري لأيمن نور، ستندد كذلك بما جري لمستر عيسي. ومعلوم انه بمجرد استدعائه للنيابة هبت المنظمات الدولية والمحلية منددة بما يجري للصحافة المصرية، فإبراهيم امة!. قبل سنوات تم حبس مجدي احمد حسين، وصلاح بديوي، سنتين، وتم حبس الفنان عصام حنفي سنة، بتهمة رسمه كاريكاتيرا، قيل انه يمثل إهانة ليوسف والي في قضية المبيدات المسرطنة، ولم تتحرك المنظمات الدولية ولا البيت الأبيض.. حظوظ!. ومن ناحية أخري، فان أهل الحكم يريدون حكما للردع، فلا يقترب احد من الحديث عن صحة الرئيس ولو بالباطل، وعندما يكون بالامكان نفي المنشور عمليا، مخافة ان يأتي اليوم الذي يصبح فيه من المستحيل النفي!. الواقعة الثانية، كانت في السابقة التي أقدم عليها أولو الأمر منا بإلغاء ترخيص مجلة الزهور بعد أيام من الترخيص لها، وهذا الإجراء يمثل جريمة حقيقية في حق حرية الصحافة، وانتهاكاً صريحاً للنص الدستوري الذي ردده القانون بعد ذلك، والذي يحظر وقف الصحف أو إغلاقها، بالطريق الإداري، أو حتي الطريق القضائي! وفي مواجهة هذا الانتهاك الصريح، سكت الجميع، لان المستهدف هو زميلنا صلاح عبد المقصود وكيل نقابة الصحفيين، ورئيس مجلس الإدارة، والتهمة انه من الإخوان المسلمين، مع أن المجلة اجتماعية- نسائية، وليست سياسية أو دينية! أما الواقعة الثالثة، فهي الخاصة بتدخل مجلس نقابة الصحفيين بقيادة النقيب، لدي شيخ الأزهر، ليتنازل عن دعواه، في مواجهة صحيفة الفجر التي نشرت صورته بملابس قسيس، وعلي صدره الصليب، وإذا كان المكتوب مثل سبا وقذفا، فإن المرسوم حط من القدر، وهذا وذاك مجرم بنص القانون، والمثير ان كاتب الموضوع، يقوم بتدريس الصحافة في كلية الإعلام، وما كتبه يتنافي مع تقاليد مهنة الصحافة وقوانينها، ومن عجب انه فعل هذا بشجاعة، فلما ذهب الشيخ للقضاء ارتعد هو ورئيسه عادل حمودة، كأنه لابد من وجود نصوص الحبس لتردع المتطاولين علي أقدار الناس وأعراضهم. ان الصحافة في الأولي والثانية كانت ضحية، أما في الثالثة فمثلت دور الجلاد، الذي يخاف ولا يختشي!. المشكلة في أن البعض يعطي مبررا للإبقاء علي عقوبة الحبس في قضايا النشر، فيحدثون بأدائهم فتنة لا تصيبن الذين ظلموا خاصة.