جندوبة : جلسة عمل لإحداث خط حافلات يربط بين هذه المدن    مشاريع بالجملة لفائدة المستشفى الجهوي بجندوبة تنتظر تجاوز اشكاليات التعطيل    قفصة: نقطة بيع من المنتج إلى المستهلك لبيع الأضاحي    المكسيك: مصرع 9 وإصابة نحو 50 شخصا في انهيار مسرح خلال تجمع انتخابي    ذعر ووجوه ملطخة بالدماء.. تفاصيل فيديو "المجندات بقبضة حماس"    كولومبيا تعتزم فتح سفارة لها في رام الله    اليوم: درجات الحرارة تصل إلى 42 درجة مع ظهور الشهيلي    قرقنة : قتيل في حادث مرور ثالث في أقل من اسبوع    الحرارة تصل اليوم إلى 42 درجة مع ظهور الشهيلي    4 ألوان "تجذب" البعوض.. لا ترتديها في الصيف    وزارة الشؤون الاجتماعية: خلاص 382,8 مليون دينار لفائدة كافة منظوري "الكنام" من مضمونين اجتماعيين ومسدي الخدمات في القطاعين العمومي والخاص    الحكم بالسجن مدة سنة في حق برهان بسيّس ومراد الزغيدي    الرئاسة الإيرانية تكشف تفاصيل جديدة في حادث تحطم مروحية رئيسي    إيرلندا وإسبانيا والنرويج تعترف بدولة فلسطين.. وإسرائيل تستدعي سفراءها وتتوعد    بطولة العالم لالعاب القوى لذوي الاعاقة: برونزية لمحمد نضال الخليفي في سباق 100 متر كراسي (فئة تي 53)    اياب نهائي كاس رابطة ابطال افريقيا : وفد الترجي الرياضي يشد الرحال الى العاصمة المصرية القاهرة    مجموعة تفادي النزول : صراع البقاء يزداد تعقيدا بعد فوز مستقبل سليمان على مستقبل المرسى واتحاد تطاوين على اتحاد بنقردان    قفصة: تقديرات أولية بإنتاج 153 ألف قنطار من القمح الصلب هذا الموسم    اتحاد الفلاحة: الفلاحون يبيعون قرابة 150 الف اضحية فقط وفق الوزن في ظل سوق اكتسحه السماسرة    الشركة التونسية للملاحة تفتتح خطا بحريا جديدا باتجاه وجهتين ايطاليتين جديدتين انطلاقا من ميناء حلق الوادي.    انطلاق أولى رحلة للحجيج التونسيين نحو المدينة المنورة لموسم الحج 1045 ه-2024 م    الكرم الغربي: براكاج دموي لتاكسيست باسلحة بيضاء    تفكيك شبكة للتنقيب والإتجار في الآثار بمنطقة الزهروني وحجز 240 قطعة نقدية أثرية (بلاغ)    بشخصية نرجسية ومشهد اغتصاب مروع.. فيلم عن سيرة ترامب يثير غضبا    مهرجان كان : الجناح التونسي يحتضن مجموعة من الأنشطة الترويجية للسينما التونسية ولمواقع التصوير ببلادنا    الفيلم الفرنسي "Goliath" يفتتح الدورة السابعة لمهرجان الفيلم البيئي بتونس    مجلس الوزراء يصادق على مشروع قانون يتعلق بتنقيح أحكام الفصل 411 من المجلة التجارية    وزارة الصحة: جلسة عمل حول تركيز مختبر للجينوم البشري لتعزيز جهود الوقاية والعلاج من الأمراض الوراثية والسرطانية    المؤتمر الوطني العاشر لجراحة التجميل ينعقد بالعاصمة يومي 24 و25 ماي الجاري    تضاعف المخزون الاستراتيجي للحليب مقارنة بالعام الماضي    "ليكيب" تكشف كواليس لقاء بين ماكرون ورئيس ريال مدريد    خامنئي لهنية.. مخبر سيتبع نهج رئيسي وسيتحقق وعد فلسطين من البحر للنهر    «دربي» الشغب في كرة اليد الترجي يفوز على الافريقي في ذهاب نهائي البطولة ويقترب من اللقب    المنستير: الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي المعزز في قطاع الصحة أبرز محاور الأيام الوطنية الثالثة للابتكار البيداغوجي    وزارة الاقتصاد.. لا نيّة لخوصصة شبكة الكهرباء أو التفويت في الستاغ    موفى مارس: تسجيل فائض بقيمة 1،3 مليار دينار على مستوى الميزانية    غار الدماء: السيطرة على حريق أتى على هكتارين من حقول القمح    روسيا تنفي وجود مقاتلتين لها في جزيرة جربة    وفاة منصف درغوث الطبيب المختص في جراحة العظام    عاجل/ هذا ما تقرّر في حق سعدية مصباح    صفاقس : إحباط عملية تحضير لإجتياز الحدود البحرية خلسة    بمسرح الهواء الطلق بقرمبالية ..عرض انيستي عزة" للممثلة كوثر بالحاج    اتحاد الفلاحين يؤكد أهمّية احداث مجلس أعلى للسيادة الغذائية    وزيرة الصناعة: "لا زيادة في اسعار المحروقات حتى آخر السنة"    المرسى: منحرف خطير في قبضة الأمن    مسرحية "السيدة المنوبية" تفتتح الدورة الرابعة لأسبوع المسرح البلدي بتونس    عضو بمجلس إدارة البنك المركزي : تعيين لمياء جعيدان مزيغ عوضا عن ليلى البغدادي    التونسي هيكل الشيخاوي يحرز رابع أهدافه في البطولة الاماراتية    عاجل : الترجي يقدم هذه التوصيات لأحبائه الذين سيحضرون مباراته مع الأهلي    غوارديولا يفوز بجائزة أفضل مدرب في البطولة الإتقليزية الممتازة لهذا العام    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الاربعاء 22 ماي 2024    انتصرت لها تونس خيمة لسينما غزّة في «قلب كان»... رغم رفض «المهرجان »    سعاد الشهيبي تستعد لإصدار "امرأة الألوان"    هل فينا من يجزم بكيف سيكون الغد ...؟؟... عبد الكريم قطاطة    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوحدة العربية وإمكانية التلاشي : عزيز العرباوي
نشر في الفجر نيوز يوم 05 - 11 - 2008


كاتب مغربي
بدأت فكرة الوحدة العربية عندما صاغ الحزب القومي السوري بعد 1945 برنامجه صياغة منفتحة على العروبة، مدعيا أنها عبارة عن خطوة نحو تكثل عربي أوسع، تتزعمه سوريا بلد الحزب المذكور، هذه القومية أو الوحدة العربية كانت مدعوة في أول الأمر لتشمل جميع البلدان العربية التي كانت سريانية اللغة كسوريا والعراق، وظهر بعد ذلك مفكرون ومنظرون نظروا للقومية العربية من أمثال ساطع الحصري وزكي الأرسوزي اللذين كرسا حياتهما وكتاباتهما للقومية والوحدة العربية. وتأثرا تأثرا فكريا بالأفكار الغربية التي كانت تدعو إلى الوحدة على أساس العاطفة والوطنية والولاء.

وقبل ذلك كان ميشيل عفلق مؤسس حزب البعث العربي القومي قد بنى مبادئ حزبه على نفس الأسس التي أتى بهما الحصري والأرسوزي، متصورا الوحدة العربية كفكرة جوهرية تسبق فكرة الاشتراكية المبدأ الفكري والاقتصادي الذي أسس عليهما الحزب المذكور ، فكانت نظرية ميشيل عفلق التي تعتبر الفرد العربي واحدا لا يتغير ولا يختلف حسب اللون والفكر والدين، وميزته الأصل والعنصر متوحدا تحت وحدة اللغة والروح والتاريخ. ومع وصول الحزب المذكور إلى الحكم في فترة محو الاستعمار الغربي، ظهرت في بداية الخمسينات من القرن الماضي "ثورة 23 يوليوز" بزعامة جمال عبد الناصر فسجل أول رؤية قومية لثورته بخطاب له قال فيه : "إن القومية العربية نداء عاطفي ورابطة تاريخية ومصلحة مشتركة، ثم هي بعد ذلك ضرورة استراتيجية ". وفي هذا الخطاب توضح ذلك التقاطع بين الأسس النظرية التي أسس عليها عفلق حزبه وبين نظرية الأرسوزي والحصري وبين مبادئ ثورة عبد الناصر، فكل هذه التوجهات القومية تأثرت بالأفكار التي تدعو إلى الوحدة على أساس العاطفة والوطنية والولاء.

لكن هزيمة 5 أكتوبر غيرت العديد من الرؤى الفكرية السابقة في مواجهة النقد. وخلقت العديد من التوجهات الفكرية التي دعت إلى إعادة بناء النظرية القومية ومراجعتها لتخليصها من الشوائب والإديولوجيات المتحكمة في العديد من المؤثرات الفكرية للقومية العربية، ونستحضر هنا من بين الانتقادات التي وجهت للفكرة القومية ، عبد الله العروي في كتابه "العرب والفكر التاريخي" حيث ادعى فيه أن إحباط الإديولوجية العربية بمقولة التأخر، وغياب تراث ليبرالي بنيوي أدى إلى حداثة ملتوية ومفوتة. كما تبنى العديد من المفكرين العرب في ذلك التاريخ وبعد النكسة العربية (1967) قد كشفت عن الوعي الواضح للمفكرين العرب في مواجهتها ونقد تداعياتها.

غير أن فكرة الوحدة العربية التي أسس لها العديد من النخب العربية والتي كانت تواقة إلى رؤيتها على أرض الواقع مجسدة، على الأقل اقتصاديا وسياسيا، في انتظار المقومات الحياتية الأخرى، هذه الوحدة ما إن خرجت إلى الواقع حتى وجدت أمامها صعوبات جمة منها التجزئة الاستعمارية للعالم العربي في إطار سياسي وحقوقي على أسس لغوية محلية ودينية مذهبية وطائفية وعرقية لا أساس لها إلا في مخيلة صقور الاستعمار آنذاك، وهدفا منه في الإبقاء على سيطرته ووجوده في الوطن العربي إلى الأبد لمراقبة مصالحه ومصالح حلفائه القريبين منه. وبعد القضاء على الاستعمار وإخراجه من المنطقة العربية ، وبعد تأسيس الفكرة القومية الجديدة سواء مع ساطع الحصري أو زكي الأرسوزي أو حتى ميشيل عفلق، فقد تعرضت الفكرة القومية إلى النقد من جديد، ثم جاءت ثورة جمال عبد الناصر لتؤسس لقومية ووحدة عربية على أساس تاريخي باعتبار الأمة فكرة تاريخية، فقد اصطدمت هي الأخرى بهزيمة الجيوش العربية المنضوية تحت لواء عبد الناصر في 1967، وانتهت معه الرؤية التقليدية للوحدة العربية على الأساس التاريخي أو الشخصاني عند عفلق أو العاطفية والولاء والوطنية عند الحصري والأرسوزي...

كل هذه الاصطدامات وأخرى كانت إعلانا عن خلق إطار نظري للقومية والوحدة العربية، ولكن على أساس فكري بطيء السرعة. بل كانت الدعوات إلى عدم التورط في تجارب وحدوية دون دراسة وتمحيص دقيقين.

لم يكن هناك أي مسوغ لتحقيق الوحدة العربية على أي أساس من الأسس، سواء على أساس عاطفي أو ولائي أو وطني ومن دون التفكير في تأسيس نظرية تنبني على دراسة وتحليل عميقين وعلى تحديد الأهداف والنتائج المرجوة التي يفضلها يمكن الانطلاق نحو تأسيس كيان عربي موحد ولو من جانب واحد، ولهذه الأسباب جميعها فشلت كل مبادرات الوحدة العربية التي تزعمها السابقون سواء بتأسيس حزب ميشيل عفلق أو بقيام الوحدة المصرية السورية في زمن جمال عبد الناصر مهندسها الأول. ولا يمكننا أن نستبعد أسبابا خارجية أخرى كانت وراء الانهيار القومي الوحدوي لهذه المشروعات المبتدئة التي ذكرناها آنفا. فالإمبريالية الصهيونية كان لها اليد الطولى في تفنيد أي محاولة لخلق أي وحدة عربية قد تكون وبالا عليها مستقبلا، لذلك عملت المستحيل سرا وجهرا لتقويض أي محاولة للتوحد العربي.

إن الاتحاد الأوربي الذي نرى وتعيش وحدته البادية وتكتله المثير للاستغراب حقا بحكم الاختلاف الفكري والعقدي والسياسي والاقتصادي لأطرافه، وحتى الاختلاف اللغوي والتاريخي، بدأ مشروعه الوحدوي على أساس الحوار والمناقشة والتوصل إلى الحلول بالدراسة والتحليل وإقناع الشعوب وترك الحرية لمن أراد الحياة بعيدا عن هذا الاتحاد دون تكفيره أو تخوينه أو نفيه. عكس ما كان يحاك في عالمنا العربي أيام الوحدة العربية الأولى التي ضمت سوريا ومصر. فكان تخوين المعارض وتكفيره بأغلظ العبارات وشتمه بالموالاة للصهيونية والإمبريالية، فالأساس العاطفي فشل فشلا ذريعا في تحقيق الوحدة العربية لذا كان لا بد من التفكير في نمط جديد يكون أكثر اختلافا ويجمع جميع المكونات والتوجهات العربية المنتشرة في العالم العربي دون إقصاء أي أحد، ولكن للأسف،لا شيء من هذا قد حصل.

إن خلق دولة إسرائيل، مختلفة عن المحيطين بها من العرب ثقافيا وتاريخيا وسياسيا وأخلاقيا ودينيا، كان لا بد له أن يقوض أي مبادرة لوحدة عربية ممكنة. والخطر الصهيوني دائم التأثير في أي لحظة ممكنة مستقبلا للوحدة العربية ، بحكم تدخله في كل شادة وفادة تخص الدول العربية وسياساتها، فيعمل على تأجيج العالم ضد دول عربية بعينها تارة بالهجوم عليها عسكريا واقتصاديا ، وتارة باتهامها بأنها وراء عدم الاستقرار في المنطقة ووقوفها ضد عمليات السلام المنحازة إلى إسرائيل بامتياز. وهذا الكيان الذي خلق في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي، كان دافعا نحو إطلاق مشروع الوحدة العربية في المشرق العربي وظهور الاتجاه القومي العربي بنفس المنطقة ، لكن للأسف، كان وجوده سياسة تقويضية لهذا المشروع، وكان خطره واضحا بانتقاله من حدود أرض فلسطين إلى باقي الأقطار العربية المجاورة التي ظهرت فيها التوجهات القومية والوحدوية، حتى وصل الأمل إلى الدخول في حرب مفتوحة سياسيا وعسكريا أدت إلى الهزيمة الكبيرة للمشروع العربي الوحدوي في 1967.

ومن هنا لا يمكننا أن نستبعد النتائج الخطيرة لخلق الكيان الإسرائيلي في المنطقة العربية، هذه النتائج كانت سببا في تجزئتها وتفتتها سياسيا واقتصاديا، وتحققت القبضة الحديدية على المنطقة العربية في ظل سياسة الحظر الاقتصادي والسياسي على كل بلد عربي كان يعلن أو لازال يعلن الخروج على الشرعية الصهيونية العالمية.

ولكن، أيمكن لمثل هذه النتائج أن تحبط من استمرار البحث عن أسس لبناء الوحدة العربية ؟
إن الجواب على هذا السؤال ، يبقى نسبيا، ما دمنا نعيش داخل بعض البلدان العربية المتجاورة في تكتلات سياسية واقتصادية ، من مثل دول الخليج العربي التي دخلت في اتحاد ضم أغلب دول منطقة الخليج بزعامة المملكة العربية السعودية، وليس هذا المثال هو الوحيد في العالم العربي، فإن دول المغرب العربي هي الأخرى تمكنت من تأسيس اتحاد لها، رغم ما يشوب تفعيله من مشاكل إقليمية لا نستبعد الإمبريالية أيضا من خلقها حتى تقوض هذا الاتحاد الفتي.

إن مشروع اتحاد المغرب العربي والذي يعتبر مشروعا إقليميا بامتياز في انتظار انضمام دول أخرى إليه، لم يتم تفعيله بشكل يليق بوزن كل دولة عضو فيه. فظهور هذا الاتحاد في سنة 1989 بالإضافة إلى مجلس التعاون الخليجي في سنة 1981 قد واكبتهما أفكار كانت منطلقا لظهورهما في وقت كان العالم يعيش الكثير من التحولات. أهمها بداية انهيار الاتحاد السوفييتي والذي قضى نحبه في نفس الفترة وانهيار جدار برلين. هذه الأفكار كانت أهمها فكرة قيام وحدة عربية بين بعض الأقطار المتقاربة جغرافيا واقتصاديا سيؤدي إلى توليد قوة دفع مستمرة في اتجاه التكامل والتنسيق فيما بينها (حسن نافعة ، تجربة التكامل والوحدة الأوربية). وعلى فكرة الانطلاق من نموذج السوق الأوربية المشتركة والتي كانت مثالا بارزا على نجاح المنهج الوظيفي في تذليل العقبات والصعوبات التي ثقف حجرة عثرة أمام الوحدة السياسية على المستوى الإقليمي. (نقلا عن المصدر نفسه).

لكن هاتين الفكرتين واجهتا انتقادات واسعة النطاق من منطلق أن مسألة المقارنة واجبة بين السوق الأوربية المشتركة وأسباب ظهورها وبين الوحدة العربية الإقليمية التي تخلق اختلافات واضحة وظروف محلية ووطنية وإقليمية ودولية، الشيء الذي يؤدي إلى تقويض العمل في حرية تامة وتفعيل المبادرات بطريقة أكثر تقدما، وهذا واضح في المثالين الآنفي الذكر. فمجلس التعاون الخليجي مازال لم يصل إلى ذلك التوحد الذي يمكن أن يكون، ونتمنى منه أن يحصل بين بلدانه، وخاصة في المجال الاقتصادي، وبشيء من التحليل فإننا نرى أن المبادلات التجارية بين دولة تنتمي إلى المجلس مع دولة خارجية أخرى أكبر بكثير من مبادلاتها مع دولة أخرى تنتمي إلى نفس المجلس. وكذلك هنا لا نستبعد اتحاد المغرب العربي الذي يضم خمسة دول هي المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريطانيا، لكن ما يعاب على هذا الاتحاد الفتي، هو دخوله في متاهات سياسية خلقها هذا الطرف أو ذاك من أجل إيقاف عجلة تطوره وتقدمه إن من الداخل أو من الخارج فلا فرق.

ويبقى الحديث عن اتحاد المغرب العربي، وحسب رأينا فإنه نموذج الوحدة العربية من خلال الاطلاع على بنود تأسيسه بين دول تنتمي إقليميا إلى نفس المنطقة التي تسمى شمال إفريقيا. ولكن المشكلة الرئيسية والتي من خلالها عشنا تقويضا فعليا لتفعيل هذا الاتحاد. هي الأجواء السياسية التي خلقتها أطراف تنتمي إلى هذا الاتحاد، وأطراف أخرى خارجية هدفا منها إلى الدفع به إلى الانهيار. وسيكون من المجحف حقا لو ساير أعضاء هذا الاتحاد مثل هذه الاستفزازات السياسية، ولكن إلى أي حد يمكن لطرف من هذه الأطراف أن يقبل باستفزازات متواترة خاصة إذا كانت تهدده وتهدد استقراره ووحدته أو أي شيء من هذا القبيل تصعب معه الثقة في الطرف الآخر ؟

وهل يمكننا الحديث في هذا المقام بأنه مازالت هناك أفكار قومية منتشرة بين النخب العربية وباقي مكونات المجتمع العربي الأخرى؟ وما هي الرؤية الجديدة عند أغلب العرب بعد انهيار حزب البعث الحاكم في العراق وإخراجه من الوجود السياسي وحل تنظيماته نهائيا، وكذا بعد كل ما يحاك ضد حزب البعث العربي الاشتراكي القومي في سوريا ؟

يبقى الحديث عن الوحدة العربية ذي شجون، فالوحدة على الأساس الولائي أو العاطفي أصبحت متجاوزة تجاوزا واضحا لما يمكن أن نسميه فقدان الثقة في المشروع القومي بكل تجلياته التي ظهر بها أو من خلال ما يمكن أن ينهض به البعض الآن، كما هو الحال في سوريا أو في العراق على يد فلول حزب البعث المنحل الذين مازالوا يؤثرون في الساحة العراقية ويقحمون أنفسهم في صف المقاومة العسكرية والسياسية.

إن فكرة القومية على الأسس التي ذكرنا أصبحت تجربة من المفروض أن تكون في متحف الفكر العربي البائد، وتعوض بأفكار جديدة على أساس اقتصادي وسياسي وثقافي واستبعاد العاطفة والولاء ومسألة الدين الواحد والمصلحة الواحدة والقيم الواحدة، فالاختلافات بين الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج، ثقافيا ومجتمعيا وسياسيا واقتصاديا، واضحة وضوح الشمس. وبالتالي، فالقيود الثقافية والاجتماعية التي يمكن استحضارها في مسألة الوحدة العربية تبقى مرفوضة من طرف الكثير من الشعوب العربية وخاصة منها الأقليات التي تعيش داخل الأوطان العربية، واستبدالها بمسألة الوطنية تبقى ضرورة ملحة للاستقرار داخل كل وطن عربي ...

على أنه من المؤكد بالنسبة لأغلب النخب العربية المفكرة والمثقفة تمثل في ذهنها استبعاد الوحدة على أسس العاطفة والرومانسية السياسية والقومية والدينية. كما أنه من المؤكد أن تجربة حزب البعث السوري القومي وحزب البعث العراقي، تعتبر لاغية من حيث المبدأ حاليا في محاولة لإخراج نظرية الوحدة العربية ، فالمطلوب هنا والآن، بالنسبة لتجربة الوحدة أن تكون هناك نيات سليمة من الأفكار الرومانسية والعاطفية والولائية لأي جهة أو أي شخص، لتتبوأ قيادة هذه التجربة التي تعتبر ضرورة اقتصادية وسياسية في آن معا، وفي وقت أصبحت التكثلات الاقتصادية والسياسية في العالم تتسع يوما بعد يوم. وقد تغتر بالوحدة التي أقامتها دول أمريكا الجنوبية مؤخرا، ورغم اختلافنا معها في النظرة والإيديولوجية الفكرية والسياسية التي أقيمت عليها هذه التجربة الوحدوية، والتي توضح بجلاء الأهداف غير المعلنة من ورائها، خاصة التي تهم علاقاتها مع الدول الإمبريالية والرأسمالية، وبوجه التحديد الولايات المتحدة الأمريكية شرطي العالم، فإن العمل الوحدوي ، وفي أية منطقة من مناطق العالم يبقى سنة محمودة لباقي الدول الأخرى التي تتجاور جغرافيا وثقافيا وتاريخيا ولغويا...

وما يهمنا هنا الآن بالدرجة الأولى هو الدعوة إلى تفعيل كل المبادرات التي تروم الوحدة العربية قطريا ومحليا، وضرورة تدارك البتر الذي تتعرض له العديد من الدول العربية باسم تقرير المصير أو غيره من الشعارات التي تحمل المنطقة إلى نهاية محتومة تنهي وجودنا التاريخي والذي عرفنا خلاله تكتلات ووحدة متماسكة، رغم ما يمكن أن يوجه إلى تلك التكتلات من انتقادات واستنكارات لأغلب الدول التي حكمت العالم العربي والإسلامي تحت راية الدين الواحد والخليفة الواحد والشعب الواحد ....
عزيز العرباوي
كاتب مغربي
المصدر بريد الفجرنيوز


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.