ليفربول يعلن رسميا خليفة كلوب    منوبة.. إيقاف شخص أوهم طالبين أجنبيين بتمكينهما من تأشيرتي سفر    رئيس الاتحاد يشرف على اختتام الصالون المتوسطي للفلاحة والصناعات الغذائية بصفاقس    تحويل ظرفي لحركة المرور على مستوى جسري الجمهورية والقرش الأكبر    مطالبة بتوفير 10 مليارات وحصد التتويجات: هيئة «السي. آس. آس» تحت الضّغط    الدّورة الثّالثة لمؤتمر مستقبل الطّيران المدني: وزيرة التّجهيز تقدّم رؤية تونس في مجال الطّيران المدني في أفق 2040    الثلاثاء: حالة الطّقس ودرجات الحرارة    المسابقة العالميّة الكبرى لجودة زيت الزيتون بنيويورك 26 ميداليّة لتونس    ما هي الدول التي أعلنت الحداد العام على رئيسي ومرافقيه؟    المهدية .. الملتقى الوطني لفنون الصّورة والسّينما والفنون التّشكيلية .. عروض ثريّة للإبداعات والمواهب التلمذيّة    رئيس الحكومة في زيارة ميدانية للشمال الغربي للبلاد التونسية    سجن سنية الدهماني .. يتواصل    مع الشروق .. إدانة... بنصف الحقيقة    القيروان: انتشال جثة إمرأة من قاع فسقية ماء بجلولة    رقم مفزع/ من 27 جنسية: هذا عدد الأفارقة المتواجدين في تونس..    هل فينا من يجزم بكيف سيكون الغد ...؟؟... عبد الكريم قطاطة    التضامن.. الإحتفاظ ب3 اشخاص وحجز كمية من المواد المخدرة    الليلة: سحب عابرة ورياح قوية والحرارة تتراوح بين 16 و26 درجة    عاجل: وسائل إعلام رسمية: انتخابات الرئاسة في إيران ستجرى في 28 جوان    فقدان 23 تونسيا في'حَرْقة': ايقاف 5 متهمين من بينهم والدة المنظّم واحد المفقودين    مدير عام ديوان تربية الماشية: النحل يساهم في ثلث غذاء الإنسان    بنزرت تستعد لاستقبال أبناء الجالية المقيمين بالخارج    والي بن عروس: فخور ب"دخلة" جماهير الترجي وأحييهم ب"عاطفة جيّاشة"    أغنية لفريد الأطرش تضع نانسي عجرم في مأزق !    النادي الصفاقسي : اصابة وضّاح الزّايدي تتطلب راحة باسبوعين    إضراب عن العمل بإقليم شركة فسفاط قفصة بالمظيلة    بودربالة يوجه الى نظيره الايراني برقية تعزية في وفاة إبراهيم رئيسي    وزارة التربية: هذه هي الانشطة المسموح بها بالمؤسسات التربوية خارج أوقات التدريس    وزيرة السعادة تحافظ على مركزها ال9 في التصنيف العالمي    أبطال إفريقيا: الكشف عن مدة غياب "علي معلول" عن الملاعب    تقرير يتّهم بريطانيا بالتستر عن فضيحة دم ملوّث أودت بنحو 3000 شخص    سيدي بوزيد: تواصل فعاليات الدورة 15 لمعرض التسوق بمشاركة حوالي 50 عارضا    كيف قتل "رئيسي"..خطأ تقني أم ضباب أم حادث مدبر..؟    تزامنا مع عيد الاضحى : منظمة ارشاد المستهلك توجه دعوة لقيس سعيد    نحو الترفيع في حجم التمويلات الموجهة لإجراء البحوث السريرية    وزارة التشغيل تمدّد في آجال التسجيل في برنامج مساندة المؤسسات الصغرى المتعثرة إلى غاية يوم 16 جوان القادم    فظيع: غرق شخص ببحيرة جبلية بجهة حمام بورقيبة..    الشاعر مبروك السياري والكاتبة الشابة سناء عبد الله يتألقان في مسابقة الدكتور عبد الرحمان العبد الله المشيقح الأدبية    تونس : أنواع و أسعار تقويم الأسنان    انطلقت أشغاله الميدانيّة: التعداد السكاني دعامة للتنمية الاقتصادية    اشادات دولية.. القسّام تتفاعل وإعلام الكيان مصدوم...«دخلة» الترجي حديث العالم    تونس تقدم التعازي في وفاة الرئيس الايراني    دول إفريقية مستعدّة لتنظيم عودة منظوريها طوعيا من تونس    هذه أول دولة تعلن الحداد لمدة 3 أيام على وفاة الرئيس الايراني..#خبر_عاجل    استدعاء ثلاثة لاعبين لتشكيلة البرازيل في كوبا أمريكا واستبدال إيدرسون المصاب    بينهم زعيم عربي.. زعماء دول قتلوا بحوادث تحطم طائرات    تحذير من موجة كورونا صيفية...ما القصة ؟    نهائي "الكاف": حمزة المثلوثي رجل مباراة الزمالك ونهضة بركان    المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بسيدي بوزيد تستعد للموسم الثقافي والصيفي 2024    القصرين : الوحدات العسكرية تشارك أبناء الجهة احتفالاتها بالذكرى ال68 لإنبعاث الجيش الوطني التونسي    المرشح الأول لخلافة الرئيس الإيراني..من هو ؟    4 تتويجات تونسية ضمن جوائز النقاد للأفلام العربية 2024    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    دار الثقافة بمعتمدية الرقاب تحتفي بشهرث الثراث    نحو 20 % من المصابين بارتفاع ضغط الدم يمكن علاجهم دون أدوية    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العقول العربية المهاجرة.. "مكاسبُ قليلة وخسائرُ فادحة"
نشر في الحوار نت يوم 15 - 10 - 2009

حذّر الخبير السياسي والأكاديمي المصري الدكتور عبد السلام على نوير، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الملك سعود، من خطورة استمرار تجاهُل نزيف العقول والأدمغة العربية المُهاجرة إلى الغرب، مؤكّدا أن الدول النامية عموما والعربية منها على وجه الخصوص، هي التي تدفع الثمن، خصمًا من رصيدها الفكري وقدراتها البشرية، وأن المستفيد الأكبر من هذا النزوح الجماعي، هو الدول الغنية والمتقدمة عموما، والغربية منها على وجه الخصوص.
ودعا الدكتور عبد السلام نوير، جامعة الدول العربية إلى وضع "إستراتيجية عربية" للتعامل مع هذه المشكلة الحيوية، وأخذ الأمر مأخذ الجد، واعتبار هذه القضية "قضية أمن قومي عربي"، مطالبًا في الوقت ذاته، بالتعاون العربي، سواء من خلال الجامعة العربية أو مراكز البحوث والجامعات أو مؤسسات الأعمال والقطاع الخاص، مع وضْع الضوابط اللازمة التي تحُول دون بقاء أعضاء البِعثات في الخارج وخضوعهم لإغراءات تقدّم لهم.
وقال الدكتور نوير في حوار خاص مع swissinfo.ch : "في الوقت الذي بدا فيه الاتفاق بين منظِّري التنمية في العالم على أهمية قطاع البحوث والتطوير، بوصفه قاطرة التنمية ومحرّكها وتصاعدت الدعوات مؤكدةً على أهميته وأولويته، كانت قوافل العقول والأدمغة العربية تنزح من الدول النامية، متّجهة ناحية الشمال والغرب، فيما عُرف باسم هجرة العقول التي تعطي مَن يملك الكثير، خصماً ممّن لا يملك إلا القليل، بفعل جاذبية الحياة الأفضل والإمكانات الأكبر والشُّهرة العالمية الواسعة".
وأضاف نوير: "لقد عانت مصر والدول العربية النامية من ذلك النزوح، الذي سلَبها جزءً كبيراً من رصيدها الفكري وقدراتها البشرية، وبرغم كل المحاولات لتنظيم هجرة العقول ودعوة الطيور المهاجرة إلى العودة، إلا أن جاذبية الغرب لا تزال تُسيطر على ما يحدُث في هذا المجال‏.‏ فبرغم الاستثمارات الضّخمة التي توفِّرها بعض الدول العربية للتعليم الجامعي، إلا أن جزءً كبيراً من عائده يتِم إهداره من خلال عمليات الهجرة التي تستقطِب علماءنا وباحثينا، بل ومفكِّرينا أحياناً‏، حيث تحتفظ العواصم الغربية والمدن الأمريكية الكبرى بكواكب لامِعة ونجوم ساطعة من أبناء العالم العربي، الذين يرصِّعون سماء العالم مُخترقين سُحب الاغتراب والابتعاد عن الوطن، حتى بلغ بعضهم آفاقاً عالمية بالحصول على جائزة نوبل وما في مستواها من درجات التقدير الدولية".
مزيد من التفاصيل في نص الحوار.
الخبير السياسي والأكاديمي المصري؛ الدكتور عبد السلام على نوير؛ أستاذ العلوم السياسية بجامعة الملك سعود.
swissinfo.ch: هجرة العقول العربية للخارج.. هل يمكن القول بأنها تحوّلت اليوم لِما يمكن وصفه بالظاهرة؟
د. عبد السلام نوير: للأسف الشديد، فإنها قد أصبحت ظاهرة مستفحلة، كما أن الدراسات والإحصاءات، الرسمية وغير الرسمية، تُشير إلى أنها في ازدياد مطَّرد، وليست في تراجع أو تناقص، والمجتمعات العربية – للأسف - أصبحت بيئات طاردة للكفاءات والأدمغة العِلمية العربية، وليست جاذبة أو حاضنة. وتكشف دراسات للجامعة العربية أن 54% من الطلاب العرب، الذين يدرسون في الخارج، لا يعودون إلى بلدانهم الأصلية، لدرجة أن الأطباء العرب أصبحوا يمثِّلون 34% من إجمالي عدد الأطباء في المملكة المتحدة.
وتشير هذه الدراسات إلى أن الوطن العربي يُساهم بنحو 31% من الكفاءات والعقول المهاجرة من الدول النامية ككل، كما أن نحو 50% من الأطباء و23% من المهندسين و15% من العلماء من مجموع الكفاءات العربية، يهاجرون متوجِّهين إلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وكندا بوجه خاص. وتوضِّح هذه الدراسات أن نحو 75% من الكفاءات العِلمية العربية مُهاجرة إلى ثلاث دول غربية بالتحديد وهي: بريطانيا وأمريكا وكندا.
ما هي أكثر الدول العربية التي تعاني من الظاهرة.. ولماذا؟
د. نوير: يقول تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية في الوطن العربي لعام 2002، إن أكثر من مليون خبير واختصاصي عربي من حَمَلة الشهادات العُليا أو الفنِّيين المَهَرة، مهاجرون ويعملون في الدول المتقدمة ليُسهِم وجودهم في تقدّمها أكثر ويعمِّق رحيلهم عن الوطن العربي آثار التخلّف والارتهان للخبرات الأجنبية.
وتُعتبر مصر الخاسر الأكبر من هجرة الكفاءات والعقول بصفة إجمالية. ففي أمريكا أكثر من 320 كفاءة مصرية وفي كندا 110 وفي أستراليا 70 وفي بريطانيا 35 وفي فرنسا 36 وفي ألمانيا 25 وفي سويسرا 14 وفي هولندا 40 وفي النمسا 14 وفي إيطاليا 90 وفي إسبانيا 12 وفي اليونان 60؛ كما هاجر من العراق 7350 عالمًِا في مختلف المجالات في الفترة من 1991- 1998، وذلك بسبب الأوضاع التي كانت سائِدة في العراق وظروف الحصار الدولي، التي طالت الجوانب العِلمية في البلاد.
ويشكِّل الواقع السياسي عُنصراً مهِماً من عناصر هجرة الأدمغة إلى الخارج، حيث تعاني غالبية البلدان العربية من اضطرابات سياسية وحروب أهلية تَطال أهْل العِلم والمعرفة، ويتسبّب عدم الاستقرار السياسي في نزيف أهل العِلم والفِكر المُحتاج إلى استقرار يمكِّنه من الإنتاج. وقد نجمت عن حالة الاضطراب هذه خلال العقود الأخيرة، موجات هائلة من نزوح الأدمغة، خاصة في بلدان مثل مصر والعراق والجزائر ولبنان، وهو نزيف يتّجه إلى التصاعد بالنظر إلى تواصل هذا الاضطراب السياسي.
ما هي برأيك أهم أسباب هجرة الأدمغة والعقول العربية للخارج؟
د. نوير: على الرغم من أن لكل واحد من هذه العقول والأدمغة العربية المهاجرة للغرب أسبابه ودوافعه الخاصة للهجرة، إلا أن هناك العديد من الأسباب العامة التي تتَشابه في الكثير من الدول العربية، والتي يكمُن إجمالها في عدم احترام العِلم والعلماء وعدم توفر بيئة مناسبة للبحث العِلمي والإبداع، إضافة إلى ضعف الإنفاق على البحث العلمي.
وبشيء من التفصيل، يمكن القول بأن الأسباب التي تدفع العقول والأدمغة العربية إلى الهجرة عديدة، منها عدم توافر فُرص العمل المُتاحة لتخصّصات التوعية، وتولد شعور بالإحباط واليأس لدى هذه العقول والكفاءات، إهمال الدولة ومؤسساتها، وكذلك القطاع الخاص لهذه العقول وتخصصاتهم، إحباط هذه الكفاءات عندما يرون كيف تتِم الاستعانة بخبراء أجانب لقضايا تتوافر فيها الكفاءات اللاّزمة محلياً.
ومن هذه الأسباب أيضًا، ندرة وجود مراكز مجهّزة للبحث العِلمي، فضلا عن عدم وصول المجتمع العربي إلى مرحلة الرّبط بين النشاط العِلمي والتكنولوجي، واحتياجات المجتمع وعدم وجود استراتيجيات أو سياسات واضحة ومحدّدة لدى مُعظم الدول العربية في مجال البحث العِلمي، إضافة إلى ضعف المخصّصات المالية المرصودة في مُوازنات معظم الدول العربية.
يبدو أن الأسباب المتعلقة بالحرية عموما، (السياسية والفكرية والتعبير عن الرأي..) وحرية البحث العلمي والأكاديمي خصوصا، حاضرة بقوة في أسباب الهجرة. فهل تشاطرون هذا التقييم؟
د. نوير: بلا شك. فقد أرجع التقرير الأول التابع لجامعة الدول العربية حول العمل والبطالة، ارتفاع معدّل الهجرة إلى تزايُد القيود المفروضة على حرية ممارسة البحث العِلمي والفكري الحر في أغلب الدول العربية، ما يترتّب عليه شعور مُتزايد بالإغتراب للكفاءات العلمية والفكرية العربية داخل أوطانها وترقّبها فرص الهجرة إلى الخارج، حيث يُهاجر نحو 20% من خرِّيجي الجامعات العربية إلى الخارج، بسبب القيود المفروضة على حرية البحث العِلمي والتفكير الحُر.
يُضاف إلى ذلك، واقع حرية الرأي والتعبير التي تُعاني تقييداً وقمْعاً، وهي أمور ذات أهمية كبيرة يحتاج فيها الباحث إلى الحرية في البحث والتحقيق وتعيين المُعطيات وإصدار النتائج، ولا يزال العالم العربي يتعامل مع الأرقام بصِفتها مُعطيات سياسية، ذات حساسية على موقع السلطة.
وتشير تقارير عربية إلى تدخّل السلطة السياسية في أكثر من ميدان، لمنع إصدار نتائج أبحاث أو دراسات، تكون الدولة تكبّدت مبالغ لإنجازها، وذلك خوفاً من أن تؤثِّر نتائج الدِّراسات في الوضع السياسي السائد.
ما هي أبرز الآثار السلبية لهجرة العقول العربية إلى الغرب على واقع ومستقبل التنمية في الوطن العربي؟
د. نوير: تُفرز هجرة العقول العربية إلى البلدان الغربية عدّة آثار سلبية على واقع التنمية في الوطن العربي، ولا تقتصر هذه الآثار على واقع ومستقبل التنمية الاقتصادية والاجتماعية العربية فحسب، ولكنها تمتدّ أيضاً إلى التعليم في الوطن العربي وإمكانات توظيف خرِّيجيه في بناء وتطوير قاعِدة تِقنية عربية، ومن أهم الانعكاسات السلبية لنزيف العقول العربية:
1. ضياع الجهود والطاقات الإنتاجية والعِلمية لهذه العقول، التي تصُب في شرايين البلدان الغربية، بينما تحتاج التنمية الوطنية لمثل هذه العقول في مجالات الاقتصاد والتعليم والصحة والتخطيط والبحث العلمي.
2. تبديد الموارد الإنسانية والمالية التي أنفقت في تعليم وتدريب الكفاءات، التي تحصل عليها البلدان الغربية دون مقابل.
3. ضُعف وتدهور الإنتاج العلمي والبحثي في وطننا، بالمقارنة مع الإنتاج العِلمي للعرب المهاجرين في البلدان الغربية.
ما هو حجم الخسائر التي مُنيت بها الدول العربية جرّاء هجرة العقول العربية للخارج؟
د. نوير: من الثابت الذي لا ينكره عاقل، أن خسارة القدرات البشريّة المتخصّصة تفقد العرب مورداً حيوياً وأساسياً في ميدان تكوين القاعدة العلمية للبحث والتكنولوجيا وتبدّد الموارد المالية العربية الضخمة، التي أُنفقت في تعليم هذه المهارات البشريّة وتدريبها، والتي تحصل عليها البلدان الغربية بأدنى التكاليف. ففي وقت يهاجر فيه أو يُضطر أو يُجبر على الهجرة مئات الآلاف من الكفاءات العربية إلى الولايات المتحدة وكندا وأوروبا الغربية، تدفع البلدان العربية أموالاً طائلة لاستجلاب خِبرات دولية!
بلغت الخسائر التي مُنيت بها البلدان العربية من جرّاء هجرة الأدمغة العربية في عقد السبعينيات فقط 11 مليار دولار، فيما يقدّر الخبراء إجمالي الخسائر نتيجة هذه الظاهرة اليوم، بأكثر من 200 مليار دولار. والغريب، أنه في حين تخسر الدول العربية، وفي مقدمتها مصر، من ظاهرة هجرة العقول، فإن إسرائيل المستفيد الأول من هذه الظاهرة بفعل الهجرة عالية التأهيل القادمة إليها من شرق أوروبا وروسيا وبعض الدول الغربية.
ومن الخسائر التي مُنيت بها الدول العربية، أن هجرة العقول إلى الخارج تسبّبت ولا تزال في تخلّف حقول المعرفة في العالم العربي وإضعاف الفِكر العلمي والعقلاني، وعجْزه عن مجاراة الإنتاج العلمي العالمي في أي ميدان من الميادين، لكن الخسارة الكبرى، تتبدى في الأثر السلبي الذي تتركه هذه الهجرة على مستوى التقدم والتطور المطلوب في المجتمعات العربية في الميادين العِلمية والفكرية والتربوية والاقتصادية والاجتماعية، وهو أثر يؤثر سلبياً على مشاريع التنمية والإصلاحات، مما يزيد التخلّف السائد أصلاً في هذه المجتمعات، وذلك بعدما بات مِقياس التقدّم متّصلاً اتصالاً وثيقاً بمدى تقدّم المعرفة وإنتاجها.
ما هي أكثر الدول استقطابا للأدمغة والعقول العربية.. ولماذا؟
د. نوير: لا شك أن الدول الغربية عمومًا هي الرابح الأكبر من هجرة ما لا يقِل عن 450 ألفًا من العقول العربية، فيما تحظى الولايات المتحدة بالنّصيب الأكبر من الكفاءة والعقول العربية بنسبة 39%، تليها كندا 13.3%، ثم إسبانيا بنسبة 1.5%، كما أن 34% من الأطباء الأكفاء في بريطانيا، ينتمون إلى الجاليات العربية، وتتضمّن هذه الأرقام، العديد من الفئات في مِهَن وتخصصات مختلفة.
وتتجلى الخطورة في أن عدداً من هؤلاء يعملون في أهم التخصّصات الإستراتيجية، مثل الطب النووي والجراحات الدقيقة والهندسة الإلكترونية والميكرو إلكترونية والعلاج بالإشعاع والهندسة النووية وعلوم الليزر وتكنولوجيا الأنسجة والفيزياء النووية وعلوم الفضاء والميكروبيولوجيا والهندسة الوراثية.
وقد أوضحت دراسة حديثة عن عواقب هجرة العقول والأدمغة العربية إلى الدول المتقدمة، أعدّها مركز الخليج للدراسات الإستراتيجية، أن العديد من الدول المتقدِّمة تشجِّع العقول والأدمغة العربية النابغة على البقاء في الدول التي هاجروا إليها. وضرب التقرير مثالا على ذلك، بقرار أصدره الكونغرس الأمريكي بزيادة نسبة الحصول على بطاقات الإقامة للمتخرِّجين الأجانب في مجال التكنولوجيا المتطوّرة من 90 ألفا في السنة إلى 150 ألفا، ثم إلى 210 ألفًا في العام الحالي.
وأشارت الدراسة إلى أن حوالي 60% ممّن درسوا في الولايات المتحدة خلال الثلاثين عامًا الأخير، لم يعودوا إلى بلادهم، وأن 50% ممّن درسوا في فرنسا، لم يعودا أيضًا لبلادهم.
برأيك.. أليست هناك أية آثار إيجابية لهجرة العقول العربية للخارج؟
د. نوير: لا نستطيع أن ننكر أن هناك بعض الآثار الإيجابية لهجرة العقول العربية إلى الدول المتقدمة، تأتي في مقدِّمتها تنمية قدراتهم وكفاءاتهم العقلية والعِلمية، بفضل الحرية المتاحة في الغرب والميزانيات الكبيرة المفتوحة أمام البحث العلمي، فضلا عن توفر أحدث المعامل والمراكز والأدوات والأجهزة البحثية، إضافة إلى الاهتمام الكبير الذي يلمسه الباحثون العرب من المسؤولين عن المنظومات البحثية في الغرب، غير أن هذا كله لا ينفي أن الخسائر التي مُنيت بها الدول العربية فادِحة، ولا تقارن بما يمكن تسميته بالمكاسب أو الإيجابيات!
ماذا استفاد العالم المتقدِّم في أوروبا وأمريكا من العقول العربية التي هاجرت إليها؟
د. نوير: لا ينكر المُنصفون في الغرب أن هذه العقول المهاجرة تُعتبر رصيداً إضافياً لها في مجال الريادة العلمية والفكرية، وأنها تساهم إسهاماً فاعلاً في التقدّم الصناعي والتكنولوجي وتسرّع من حركة التنمية الشاملة فيها، ولعل أكبر دليل على ذلك، حصول بعض العلماء العرب المهاجرين للغرب على جائزة نوبل في تخصصاتهم الدقيقة، ونذكر منهم على سبيل المثال الدكتور أحمد زويل، الحاصل على جائزة نوبل في الكيمياء لعام 1999 لإنجازاته العلمية الهائلة في دراسة وتصوير ذرّات المواد المُختلفة خلال تفاعلاتها الكيميائية، باستخدام ثانية "الفيمتو المطيافية".
وكيف السبيل إلى وقف نزيف هجرة العقول العربية للخارج؟ وهل هناك تجارب أخرى ناجحة (مثل الصين والهند وغيرها)؟
د. نوير: للأسف الشديد، فليس هناك خطة عربية واضحة لوقْف نزيف هجرة العقول والأدمغة العربية إلى الخارج أو تشجيع العلماء المهاجرين على العودة إلى بلادهم. والواجب، يقتضي أن تقوم الجامعة العربية بدراسة مكثّفة عن واقع العقول العربية المهاجِرة وعن واقع الهجرة القائمة حالياً، والتي تستنزف أعدادًا هائلة من الأكفاء وشحذ روح الحس الوطني لديهم، بدلاً من نِسيانهم، وذلك يتمثّل بتشجيع إقامة تجمّعات واتِّحادات وأندية تجمعهم، وتُتيح لهم فرص التعرّف على بعضهم البعض، ناهيك عن أن مثل تلك الاتحادات تُمكِّن المتخصصين في الوطن العربي الاتصال بهم والتعاون معهم، كل في مجال تخصصه.
أعتقد أن توطين التقنية ونقل المعرفة من الدول المتقدمة صناعيا، مثل أمريكا واليابان وجنوب شرق آسيا وأوروبا، يحتاج إلى قناة اتصال أساسها العنصر البشري، لذلك، فإن وجود عقول عربية ذات خِبرات وكفاءات متميِّزة في الدول المتقدِّمة، يساعد في الإسراع في عملية النقل، وخير شاهد على مثل هذا التوجّه، استفادة كل من الهند من علمائها المهاجرين، وكذلك الصين.
إن هذا يعني أن وجود العقول العربية المهاجرة، يُعتبر عُنصر شراكة بين الغرب والعالم العربي، حيث أنها زُرعت في العالم العربي ثم آتت أكلها في الدول الغربية.
إذا أردنا الحديث عن نهضة حقيقية للبحث العلمي في الوطن العربي، فما هي في تقديرك "روشتة" (وصفة) النهضة؟
د. نوير: أعتقد أن روشتة النهضة الحقيقية للبحث العلمي تتلخص في:
1. المشاركة الفعّالة للقِطاع الخاص في تمويل الأنشطة العلمية.
2. استثمار البحوث العِلمية استثمارًا حقيقيًا في خدمة المجتمع.
3. تحسين وتيسير التّواصل بين قطاع البحث العِلمي والمُنشآت الصناعية.
4. مضاعفة الإنفاق العربي على البحث العِلمي إلى 11 ضعفا عن المعدّلات ‏الحالية.
5. تطوير السياسات المشّجعة على تطوير البحث العِلمي في كل قطاعات المجتمع.
6. تفعيل الاستفادة من الأعمال البحثية والتعليمية، لتحسين المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
7. إنشاء قاعدة عِلمية قوية تتبنّى إستراتيجيات لتطوير البِنية التحتية لمؤسسات البحث العِلمي.
8. زيادة الدّعم المالي المخصّص لمؤسسات البحث العلمي، وتقديم المِنح السخية لبرامج البحث العلمي والتطوير.
9. تفعيل العلاقات بين الجامعات ومراكز البحث من جهة، والقطاع الخاص من جهة أخرى سعيًا وراء حل مسائِل تكنولوجية محدّدة.
10. تسهيل التّواصل بين الباحثين والمنشآت الصناعية، ومنح صلاحيات مناسبة تمكِّن الباحثين من الاستفادة المباشرة من أعمال وبرامج المنشآت الصناعية.
11. استقلال الجامعات والمؤسسات البحثية من نفوذ السلطة، وإعطاء الحرية الكاملة للمؤسسة العِلمية في رسْم سياساتها وبرامجها، وتعيين مَن تشاء في سُلَّمها الوظيفي.
هل تبذل بلدان عربية جُهودا معيّنة لاستعادة العقول والخِبرات المهاجرة، أم أنها يئِست من ذلك تماما؟
د. نوير: هناك محاولات بُذلت في هذا الصّدد من بعض الدول العربية، كالكويت والعراق وليبيا، حيث وضعوا برامِج وخططا وافتتحوا مراكز للبحث العلمي، لتشجيع العقول العربية المهاجرة على العودة، إلا أن هذه المحاولات لم تنجح إلا في استقطاب القليل من الخِبرات، نظرا لعدم شمولية المعالجة وعدم النجاح في التمهيد العِلمي لها بإيجاد بيئة علمية مستقرة.
وأعتقد أن أية دولة عربية تنشُد الاستفادة من العقول العربية المهاجرة أو تنشد نقل وتوطين التقنية بصورة عامة عليها، أن تُعدّ العِدّة وتكون جاهزة لذلك من خلال المؤسسات الجامعية ومراكز البحث العلمي والتطوير داخلها وخارجها، ناهيك عن الجهات المعوّل عليها في نقل المعرفة العلمية والتكنولوجية وتوطينها، لذلك، فإنها مَنوطة بتبنّي نظام مبْني على التعليم والتدريب والبحث، ذلك أن تلك الأساليب هي الأكثر ملاءمة للتّحديث على المدى القصير والبعيد.
مصدر الخبر : سويس انفو
a href="http://www.facebook.com/sharer.php?u=http://alhiwar.net/ShowNews.php?Tnd=1094&t=العقول العربية المهاجرة.. "مكاسبُ قليلة وخسائرُ فادحة"&src=sp" onclick="NewWindow(this.href,'name','600','400','no');return false"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.