بسم الله الرحمن الرحيم ما يزال العمل السياسي المستقل في المغرب الرسمي يواجه بالمنهجية القمعية، ويعاني من التهميش والإقصاء، ويستضاف قادته السياسيون في السجون والمنافي.. مما يجعل المسافة التي تفصلنا عن توصيات الإنصاف والمصالحة هي مسافة إرادة لا يمتلكها دعاة إعاقة الديمقراطية المتنفذين.. وقد كانت تجربتنا، في حزب الأمة، تجربة مريرة مرارة الحنضل، لننظاف إلى لائحة الضحايا الطويلة، والمليئة بالآلام والأحزان والآهات؛ فلم نجد منذ البدء مساحة من جغرافية الوطن تحتضننا، ومضينا فوق الأشواك، وعلى الجراح مشينا خطواتنا الأولى، لكنهم لم يمهلونا طويلا، فقد أطلقوا رصاصتين؛ الأولى حكمت على حزبنا بالإعدام، والثانية رمت بأمينه العام الأستاذ محمد المرواني-حفظه الله- وراء القطبان.. ولم تكن تهمتنا سوى أننا تجرأنا على صانع الخرائط السياسية، وجعلنا سياسة التعليمات وراء ظهورنا، لأننا كنا نريد أن ننتزع شهادة ولادتنا السياسية القانونية، لا شهادة وفاتنا.. كنا نصرخ حد الصوت لمن تنكر لتوصيات الإنصاف والمصالحة نطالب بحقنا في التعبير والتنظيم، لأنه حق شرعي وطبيعي وقانوني.. وبحقنا في المعارضة والاحتجاج، لأن المغايرة والاختلاف أسلوبان حضاريان، وهما أساس روح الحداثة السياسية وجوهرها.. وبحقنا في مقاومة الفساد والتصدي لناهبي المال العام، قصد تعزيز آليات الشفافية والمحاسبة والحكامة الأمنية والحقوقية.. فالمواطنة في وعي المناضلين منذ ابن بركة وزروال وسعيدة ومرورا بالفقيه البصري والقائد السياسي ابن سعيد والنقيبان ابن عمرو والجامعي ووصولا إلى القائد الصلب محمد المرواني.. حق ينتزع، وليست منحة تعطى.. وعهدا سنبقى صامدين عند جدار حقوقنا، وفي عيوننا يلمع الأمل في مغرب أفضل، تشرق فيه شمس الحرية والعدالة.. إن الحكومات كما الأنظمة عندما لا تخدم العدالة، وتسمح بتجاوزات حقوقية، كما حدث في سنوات الجمر والرصاص ببلادنا، وما يزال يحدث في زمن العهد الجديد، الذي قيل عنه أنه طوى صفحة الماضي الأليمة، ودبجت في ذلك قصائد عصماء.. وإن استمرار أساليب اختطاف الأبرياء تبعا لأجندات أمنية قيل أنها استيباقية، وتعرضهم للتعذيب في مخافر سرية، وإدانتهم بجرائم لم يرتكبوها وبأحكام قاسية.. لهو حجة ودليل على تخلف نسقنا السياسي الرسمي، وعدم تأهيله على خوض تجربة ديمقراطية جديدة ومتميزة في محيط عربي مليء بالوحوش السياسية، والأهوال والفضائح الحقوقية، التي تدنس الكرامة الإنسانية في وحل الاستبداد المتعفن.. فهل هكذا خيارات تخدم مفهوم العدالة الانتقالية؟.. وهل كهذا سلوك يمكننا أن نرسخ مفاهيم الانتقال الديمقراطي؟.. أم هناك عائق انطولوجي ما يجعل من الممتنع، بأي حال، حصول تطابق أو تكامل أو مصداقية بين الشعارات والممارسة؟.. لنجد أنفسنا أمام مشهد فسيفسائي فيه بسط في الشعار، وانقباض وانكماش في الممارسة.. والشعار السياسي في دلالته الرسمية يراد له أن يؤدي وظيفة طمس الحقائق، وتغييب الوقائع،حتى تبدو الحقيقة أقل حقيقة، والوعود أقل شفافية، والواقع أقل مثولا، والكائن أقل انكشافا.. فغياب الإرادة السياسية يؤدي إلى صرف ما يطرح بضده،فالذين تغنوا بالعهد الجديد، عهد الحداثة والديمقراطية، لم يحسنوا سوى لعب دور الإعاقة، لأنهم طرحوا الفكرة مجردة عن كل قيد وشرط، من تعديل دستوري وفصل بين السلط واستقلال للقضاء وعدالة انتقالية وعدم الإفلات من العقاب، وقدموا الانتقال الديمقراطي كسلعة تشبه الوجبات السريعة التي ينبغي بلعها بدون هضم، لأنها لا طعم لها ولا رائحة، فلم يحصدوا سوى الاستبداد، وقد تاهت سيمفونيتهم مع العاصفة، أدراج الرياح- كما يقال- وهاهم الآن، وقد سقط القناع عن القناع، يعاقبون أصحاب كل رأي مخالف أو مغاير، ويريدون المواطن منسحقا متفرجا وليس فاعلا، عازفا وليس مشاركا، يائسا وليس متفائلا، وإرهابيا وليس مناضلا، لأن الحاكمون ببلادنا ما يزالون لا يرون إلا أنفسهم، ولا يسمعون إلا صوتهم، ولا يقبلون إلا رأيهم، في عالم تغير فيه كل شيء، وسقطت فيه الكثير من الأصنام السياسية والأقنعة السياسية.. لقد خسرت الدولة المغربية رهان الانتقال الديمقراطي، لأنها لم ترد أن تؤدي مستحقاته، لذلك لجأت إلى تحريك الملفات القمعية لخلط الأوراق، والاتخاذ من موضوعة "الإرهاب" شماعة تعلق عليها فشلها الذريع، ووصل الأمر إلى حد أن وضع صوت الاعتدال والحكمة السياسية في قفص الاتهام، ليسقط باطل الأجهزة القمعية سياسيا وحقوقيا وثقافيا،وليكون القائد محمد المرواني الصخرة التي كسرت أمواج القمع المتهافتة.. وحسبوا ألا تكون فتنة، فعموا وصموا، وهاهم اليوم وجها لوجه أمام قائد لا يقبل الظلم، ولا يستسيغ الهزيمة، عنوان مسيرته منذ أن عرفناه نعم لمغرب الحريات، ولا لمغرب الاستبداد، وقد جعل روحه على كفه منذ خطى خطواته الأولى، وكان أول من يحضر وآخر من ينصرف، وثمة حلم صاحبه ولم يفارقه في أية لحظة هو أن وطن أخر أفضل هو ممكن مغربي، وها هو اليوم يتقدم صفوفنا في الألم والشدة، ويؤدي بالنيابة عنا ضريبة النضال المستمر، بل يرفع سقف التحدي ليخوض معركة الأمعاء الفارغة المفتوحة، عنوانها العدالة أو الاستشهاد.. فماذا أنتم فاعلون يا دعاة الإعاقة؟.. فكل سجونكم لا تحبس أفكاره، لأنها كطيور الفينك تنبعث من رمادها، وتخرج من بين الأسلاك والشبابيك، لتعانق عالم الأحرار.. لأن المرواني هو عنوان المرحلة.. وكل قيودكم المنتجة محليا من حديد الوطن، والمستوردة من فلاذ القوى الامبريالية، لن تستطيع أن تحرف سبابته عن اتجاهها المسطور.. لأن المرواني هو عنوان المرحلة.. والآن هاهو القائد ممددا، وقد وهن جسده واستعلى بروحه وإرادته، يريد أن يحق حقا سيكون بمشيئة الله مفعولا، وها هو الآن قعيد كرسي متحرك، وقد بح صوته، وقلمه سيال، يزرع في حقولنا أبجدية الانعتاق والتحرر.. فمتى يتحرك الضمير الوطني والدولي لوقف هذا النزيف؟.. لقد ارتكبت بالأمس أخطاء فادحة، وكان حصادها المر، الكثير من الضحايا، والمقابر الفردية والجماعية، ومجهولي المصير، وجاءت شعارات الإنصاف والمصالحة لتقطع مع وطن اختطفته الأجهزة القمعية، واغتالت إرادة شعبه سياسات الاستبداد والاستفراد، فهل من الحكمة والمعقولية أن نعيد إنتاج هذا الزمن الأسود والمظلم؟.. أم تقتضي الحكمة أن يتسع الوطن لكل أبنائه؟.. فيا حماة الضمير الوطني والإنساني، ودعاة حقوق الإنسان، أوقفوا هذه المهازل.. الجديدة في 5/11/2010