)وفاء مني لبلاد آوتني بضع سنين، وشكرا لله على ابتلاء سرنا فيه في الأرض راغمين، فتفتحت أعيينا على حقائق لشعوب وأمم شتى، أكتب بعون الله هذه الشهادة بما تيسر لي من فهم لواقع تلك البلاد( توطئة: برزت في الأسبوع الأخير أزمة ساحل العاج إلى السطح، فمن نوادر الزمن أن ترى دولة يعلن فيها رئيسان فوزهما في الانتخابات الرئاسية في وقت متزامن، ويؤدي كل منهما اليمين الدستورية على حدة وكمحاولة لفهم ما يجري، أردت التطرق إلى تقاطعات التاريخ والجغرافيا التي ساهمت في تعقيد الوضع لهذه الدرجة تقع دولة ساحل العاج في إفريقيا الغربية، يحدها شمالا دولتا مالي وبوركينا فاسو، وجنوبا المحيط الأطلسي وشرقا غانا، أما من الغرب، فدولتا غينيا وليبيريا. وتمتد ساحل العاج على مساحة خضراء، خالية من الصحراء تماما قدرها 322 ألف كلم مربعا. وهي غنية جدا بالمياه، تتنوع من أنهار وبحيرات عذبة تمسح آلاف الهكتارات، وهي لا تعتمد في فلاحتها على أي منها حيث تكتفي بالاعتماد على مياه الأمطار الموسمية الغزيرة. ولعل أهم زراعاتها على الإطلاق هو الكاكاو، حيث تتصدر إنتاجه عالميا بواقع 40 بالمائة من مجمل الإنتاج على وجه البسيطة
ومع أنها تصدر الغاز الطبيعي، فهي تحوي احتياطيا هاما من البترول غير المستخرج حاليا، كما أنّ احتياطيها من الذهب والألماس، يجلب لها المطامع الدولية المتنفذة
أما السكان، فهم شديدو التنوع، ونكتفي بالإشارة إلى أنّ هذا البلد يقطنه أكثر من ستين (60) إثنية، لا تجتمع اثنتان منها في لغة واحدة، ولعل هذا يعود لانقطاع كل قبيلة في أرضها وانعدام التواصل بين أجزاء البلد حتى تاريخ قريب. إلا ما كان من رحلات المسلمين من قبائل (الديولا)، حيث كانوا يجلبون الملح للقبائل المنعزلة في الغابات ليبادلوه بالعاج والذهب ولكن المؤرخين يرجعون أصول هذه القبائل إلى أربع مجموعات إثنية
أ : الماندي وأهمها البامبرا والمالنكي، تقطن شمال غرب البلاد. ولها امتداداتها في غينيا ومالي.
ب الأكان: وأهمها: الباولي، والأني، وتقطن الجنوب الشرقي والوسط ولها امتدادها في غانا
ج الفلتانيون: وأهمهم: السينوفو واللوبي، ولهم امتدادات في بوركينا فاسو يقطنون شمال البلاد
د الكْرُو: وأهمها: البيتي: وتقطن الشمال الغربي والجنوب الغربي ولها امتدادات في ليبيريا. (قبائل للرئيسين روبار قييي، ولوران قباقبو) وقد قام المستعمر برسم حدود هذه الدول، قافزا على عوامل الجغرافيا البشرية والطبيعية، فانشطرت القبائل بين الدول، لتكون فتيلا لحروب قادمة تعيشها أجيال اليوم. كما أنّ الاقتتال العرقي ينتقل إلى الدول المجاورة أحيانا كما حدث بين القيري والياكوبا عندما انتقل قتالهم من ساحل العاج إلى ليبيريا سنة2005 م .
لقد عاش هذا البلد في وئام تام بين مكوناته الدينية والعرقية والثقافية، حتى أطل الرجل الأبيض الذي ترك الإدارة لمن خدموه، ليعيشوا في وهم العنصرية التي شربوها على يديه، حتى صدقوا بما نفخ فيهم المستعمر أنهم أرقى درجة من غيرهم لما اعتنقوا دينه وتكلموا لغته. ولقد حدثني باحث من أبناء البلد، إنّه اكتشف أنّ القاطنين بالبلد مهاجرون من الدول المجاورة عبر التاريخ، وتعد قبائل المسلمين أول من سكن البلاد، وما تغريب المسلمين إلا دعاية رخيصة تعتمدها بعض الأحزاب المفلسة، للوصول إلى السلطة، مع العلم أنّ الباحث مسيحيّ من الجنوب...
إننا نسجل بلا تحفظ، نجاح المستعمر في وضع الألغام التي تضمن له التحكم الاستراتيجي في الدول التي قرر تصفية وجوده المباشر فيها. وذلك حسب القاعدة المعروفة: فرق تسد!... في هذا الواقع المعقد، جاء الحسن واتارا