في إثر إنقلاب 7 نوفمبر من عام 1987 إضطر بعض أصحاب المحلات التجارية في تونس إلى تغيير عناوين الواجهات التي ترتفع فوق محلاتهم إتقاء لشر المنقلبين الجدد وكان الجزارون وباعة اللحوم من بين هؤلاء الذين نحتوا لافتات جديدة كبيرة رسم فوقها بخط عريض : مجزرة 7 نوفمبر. سرّ لذلك المنقلبون الجدد ولكن سرعان ما إكتشفوا أن التونسيين تأولوا تلك اللافتات على نحو يفيد بأن الحكم الجديد سينفذ مجزرة في البلاد في القريب العاجل ولما تعالت الغمزات بذلك أمر المنقلبون الجدد بإستبدال أسماء جديدة بتلك اللافتات المريبة.
الإنتفاضة في تونس بين السحق بالرصاص والإغتصاب السياسي
تلك هي رسالة هذه الكلمة الحرة بإختصار شديد. ظهر علينا في بداية الإنتفاضة التي عمرت إلى حد اليوم شهرا كاملا .. ظهر علينا رئيس العصابة ( بن علي ) متوعدا ومهددا ظنا منه أن ذلك الخطاب الخشبي التعيس كفيل بتجفيف منابع الإنتفاضة فما زادها ذلك إلا إنتشارا. واليوم بعد السحق المتواصل بالرصاص الحي مما أودى إلى حد اليوم بما لا يقل عن 30 شهيدا ظهر علينا جحش آخر من الجحوش التي تستخدمها العصابة عرابا لسياسات النهب والسلب والإفساد وهو المدعو ( سمير لعبيدي وزير الإتصال والناطق بإسم الحكومة ) .. ظهر علينا برسالة جديدة هي ( وصلت الرسالة ). أي : أن الحكومة إستمعت جيدا إلى مطالب المنتفضين وهي بصدد حل الأزمة بما يفيد أنه لم يعد هناك داع لمواصلة الإنتفاضة.
ماذا يعني ذلك؟
ذلك يعني أن الإنتفاضة التي لم يفلح في لجمها خطاب التهديد والوعيد لرئيس العصابة ( بن علي) سيقع التعامل معها بسياسة ماكرة خبيثة قد تتمثل في إطلاق وعود أخرى كاذبة من مثل العناية الجادة بالمناطق الداخلية المحرومة والشباب العاطل المسحوق أو من مثل تحوير وزاري آخر ( وهو الثاني إذا تم في غضون عمر هذه الإنتفاضة ). تحوير وزاري قد يطعم الفريق الحكومي بوجوه كانت يوما ما معارضة أو هي الآن “ معارضة “ أو محسوبة على المعارضة بأي صورة من الصور. العصابة النهابة السلابة في تونس لا تعدم ويا للأسف الشديد وجوها شائهة كالحة عجفاء من أولئك الذين ندموا على فعل المعارضة “ القبيح “ أو من أولئك الذين أحرجتهم الإنتفاضة ذات المطالب مرتفعة السقف ناهيك أنها تطالب برحيل رئيس العصابة وأصهاره من الطرابلسية كما أنها تفرض إصلاحات سياسية إلى جانب الإصلاحات الإجتماعية سيما أن الأمرين لا يمكن فصل بعضهما عن الآخر إلا في أذهان السذج أو الخبثاء ممن يرتبطون بالعصابة بأي وجه من وجوه الإرتباط.
الإنتفاضة التي لم ينهكها السحق بالرصاص مهددة جديا بالإغتصاب السياسي
ناكية النواكي اليوم في تونس أن المعارضة نفسها تشكو تفرقا وتمزقا جعلها بكماء صماء على إمتداد شهر كامل إذ لم توفق إلى بيان مشترك بخصوص الإنتفاضة إلا بعد أن سحقت السلطة ما لا يقل عن 30 شهيدا ناهيك عن الجرحى ومن أكرهتهم ظروف الوحشية الجشعة للعصابة على قتل أنفسهم سائلين الله لهم الرحمة.
لقد أثبت الشارع التونسي أنه هو من يحمل قضيته محققا القالة العربية الشهيرة ( ما حك جلدك غير ظفرك فتول أمرك بنفسك ). لقد أثبت أنه هو وحده من يقبض على الجمر الحامي ويتلظى به جوعا وفقرا وخصاصة ألجأته على إمتداد سنوات طويلات ومازال إلى الإلقاء بنفسه في شواطئ المتوسط ليكون فريسة للقروش والحيتان.
تلك هي رسالة الحوار.نت إليكم بإختصار شديد. العصابة عازمة على الإلتفاف على مطالبكم وإنتفاضتكم وإغرائكم ببعض الترضيات من خلال تسمية هذا وزيرا أو ذاك مشيرا حتى إذا تأخرتم ورضيتم عادت حليمة إلى عادتها القديمة. عادة النهب والسلب وإمتصاص الدماء.
لا مناص من إنضمام التلاميذ والطلبة إلى الإنتفاضة
كلما توسعت الإنتفاضة وخاصة بإنضمام الطلبة والتلاميذ وهم بالآلاف عسر على العصابة إغتصاب الإنتفاضة من خلال ترضيات تقدمها لمعارضين متقاعدين أو نخبة نادمة على حرف واحد حبرته يوما ضد السلطة إن كانت قد فعلت ذلك أصلا.
التجمع الديمقراطي الدستوري هو كذلك مدعو إلى الإنضمام إلى الإنتفاضة
أجل. التجمع أيضا مدعو لذلك. بسبب أن رئيس العصابة ( بن علي ) ومن معه في دفة الحكم لم يعول يوما عليكم بمثل ما كان الحال يوما في عهد بورقيبة . التجمع كما يعلم كل تجمعي هو طابور خامس لا يدعى إلا إلى تكثير السواد في الإجتماعات العامة المعدة للتصفيق وبذل النفاق سخيا. التجمع فيه رجال كثيرون سيما من قواعده المحلية والوسطى لجديرون بدعم الإنتفاضة بأي صورة يرونها مناسبة.
الجيش والبوليس وقوات الأمن كلها كذلك مدعوة لعدم معارضة الإنتفاضة
لن يزال التونسيون ما حيوا ذاكرين أن الجيش التونسي الذي دعاه بورقيبه في إنتفاضة 1984 إلى تفريق شمل ثورة الخبز يومها .. لم يورط نفسه في ذلك بل ظل يملأ الشوارع وهو مؤيد لثورة الخبز من خلال إشارات النصر التي كان يطلقها الجنود بأيديهم. ذلك موقف محمود للجيش التونسي وما ذاك عليه بغريب فهو إبن الشعب التونسي دون ريب.
ويمكن للبوليس التونسي كذلك اليوم أن يقف الموقف الوطني الشجاع ذاته. يمكن له أن يتعامل مع المنتفضين بما ييسر إنتفاضتهم لأن نجاح الإنتفاضة يحمل خيرا للبلاد. يحمل خيرا للبوليس التونسي نفسه وكل قوات الأمن وليست تونس إلا لكل أبنائها. معلوم عندكم جميعا أن بن علي وعصابته سيرحل يوما بمثل ما رحل بورقيبة وبقي الشعب وبقيت الأرض وبقي البوليس.
تحية لإتحاد الشغل على تبنيه الإنتفاضة
قالت العرب ( وهو كذلك حديث نبوي شريف ) : الرائد لا يكذب أهله. رائد تونس بحق هو إتحاد الشغل الذي أبى في نهاية المطاف عن طريق السيد البريكي أحد قياداته المركزية العليا إلا أن يعبر بصوت عال عن تبني الإتحاد للإنتفاضة.
لكل تلك الأسباب فإن الإنتفاضة مرشحة للإغتصاب
1 إنتفاضة لم يؤخرها وعيد بن علي وتهديه. 2 إنتفاضة لم ينل منها الرصاص الحي. 3 إنتفاضة تبناها إتحاد الشغل. 4 إنتفاضة تتوسع مع مطلع كل شمس جديدة. 5 إنتفاضة شعبية تلقائية جماهيرية. 6 إنتفاضة جعلت العصابة تغير خطابها من خلال الجحش سمير لعبيدي.
تلك إنتفاضة لا يعني سوى أنها مرشحة لإغتصاب سياسي يتوخى الترضيات الفارغة.
ألا فاحذروا أن تغتصب إنتفاضتكم.. ألا فاحذروا أن تغتصب إنتفاضتكم.. ألا فاحذورا أن تغتصب إنتفاضتكم..
مجزرة 7 نوفمبر : تأخرت عقدين كاملين ثم تحققت. وصدق الجزار التونسي وبائع اللحم مرة أخرى فهو أدق بصرا منا جميعا وهو أحد إستشرافا من كل معارض أو مدع للمعارضة.