أرسلت الخضراء جحافل من بنيها من غير تدبير و لا ترتيب هي فقط انتفاضة قلوب مكلومة ضاقت عليها الأرض بما رحبت و أحاطت بها مدلهمات الخطوب من كل حدب و صوب، أثقلت كواهلها بغلاء الأسعار و قهرت نفوسها من القمع و الاستبداد و احتبست أنفاسها داخل أرض نمت فيها أحلامهم و تعلقت بها أوداجهم، غير أنها استحالت من أخضر فاتح إلى أسود كالح. فقد تبين جليا كيف أن الظلم الظلمات . واليوم تنتفي كل الالوان ليتحول الكل إلى أحمر قاني ملأ الشوارع بدم شباب ذنبهم الوحيد أنهم قالوا لا في وجه الاستبداد . لم تكن حكاية أشقائنا في تونس، قضية سياسية و لا مسألة طائفية إنما هي فقط حكاية بسيطة انطلقت أحداثها من عربة للخضر سلبت من صاحبها الذي عانى الأمرين لتوفير مصدر للرزق، و بما أن معظم النار من مستصغر الشرر؛ فقد شاءت الأقدار أن تتحول الحادثة إلى قضية وطن نضجت ثمارها بدماء بناة المستقبل، فكانت النتيجة و إن بعد جهد الإطاحة برأس المصائب . 23 سنة من الجبروت و الطغيان انتهت اليوم بفضل إصرار الشعب الابي الذي أراد الحياة فاستجاب له القدر . و الدرس الذي يجب أن يتعلمه طغاة العالم هو أن حبل الظلم مهما طال فلابد أن يقطع من أطرافه، و أن الضغط يولد الانفجار فالانكباب على المصالح الخاصة و السعي وراء تجميع الثروات على حساب كرامة البسطاء مهما طال به الأمد لابد أن تأتي نهايته. و اسألوا الأمم السابقة تخبركم عن أباطرة سحقوا شعوبا بأكملها فانتهى بهم المطاف إلى مزبلة التاريخ . و في خبر السابقين عبرة لطغاة ما كان يجرؤ أحد حتى على ذكر أسمائهم فانتهوا أذلة تنهشهم أنياب حاشيتهم التي كانت في زمن القوة تزين لهم أعمالهم ( السبع إلى شرف كاينقزو عليه القرودة ) . ففي أحداث تونس اليوم رسالة إلى كل من سولت له نفسه أن يركب على مأساة شعوب لا حول لها و لا قوة إلى كل من أملى عليه ضميره الميت العبث بمستقبل بلد بنيت حضارته ب عرق أبنائه الأبرار إلى كل من ظن أن الكرسي لا يزول رسالة مفادها أن ما بعد السكون إلا العاصفة و ما بعد الصمت إلا الاحتراق . فكل زعيم عليه اليوم أن يفطن الى مصير قد ينتظره إن هو أصاخ السمع الى حاشية السوء التي تدبر له الأمر و تجعله دمية يتلهى بها العالم من أجل تحقيق أطماعهم و حين تتنفض الشعوب يقلبون الطاولة على زعيمهم و يسلمونه إلى مصيره المجهول/المعلوم . فقد ولَى زمان السيطرة و الاستبداد و حان وقت العمل و الجد و إلا سيأتي اليوم الذي يردد فيه كل طاغية أكلت يوم أكل الثور الأبيض فما ينفعه حينها إصلاح و إلى تغيير. و نحمد الله على وطننا الغالي حيث قيادته الشريفة كلها أمل و عمل . فملك البلاد تحدوه رغبة جامحة في إصلاح الشأن الداخلي للبلد و الرقي بمستوى عيش المواطن البسيط و القضاء على رؤوس الفساد الذين عاثوا في أرض المغرب خبولا . بيد أن أصحاب الأطماع يقفون سدا منيعا أمام المواطن المسكين حتى لا يستفيد من خيرات وطنه ، فمتى يا ترى سيمتلئ برلماننا بنواب و مستشارين وحكومة همها الأوحد تطبيق توجيهات صاحب الجلالة و التفكير في مستقبل واعد لأبناء مملكتنا الشريفة ؟ ( تسنا الجن حتى يطيب اللبن ) .