باريس – مع إحالة الرئيس الفرنسي السابق "جاك شيراك" لمحاكمته في قضية "الوظائف الوهمية" يثبت القضاء الفرنسي أن لا حصانة لأي شخص مهما كانت سلطته وأهميته أمام القانون. وتأتي إحالة شيراك أمام القضاء بعد أقل من أسبوع من الحكم على وزير الداخلية الأسبق "شارل باسكوا" في قضية "أنجولا جيت" وأقل من شهر من حكم آخر أصدرته محكمة فرنسية ضد الوزير الأول السابق "دومينيك دوفيلبان" في قضية "كليستريم". ففي سابقة هي الأولى من نوعها في عهد الجمهورية الفرنسية الخامسة أصدرت القاضية الفرنسية "أكسافير سيميوني" قرارها الجمعة 30 – 10 – 2009 بإحالة الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك أمام "محكمة الجنح" بتهم "اختلاس أموال عامة" واستغلال الثقة بعد خلق وظائف وهمية لواحد وعشرين موظفا والتمتع بعائداتها ما بين عامي 1977 و1995 حينما كان شيراك رئيسا لبلدية باريس. "الوظائف الوهمية" وتمتع الرئيس جاك شيراك (76 سنة) بالحصانة الكاملة بعد الكشف عن عمليات الاختلاس المزعومة بعد وصوله للإليزيه باعتباره رئيسا للجمهورية وذلك لمدة 12 سنة منعت محاكمته في تلك الفترة غير أن نهاية عهدته الرئاسية وتحوله إلى "مواطن" جعلت القضاء الفرنسي يفتح ملف "الوظائف الوهمية" من جديد. وإذا ثبتت التهم الموجهة ضد شيراك فإنه من المحتمل أن يقضى عقوبة بالسجن 10 سنوات مع دفع غرامة تقدر ب150 ألف يورو. وقد اختلفت الآراء في الأوساط السياسية حول إحالة رئيس سابق إلى محكمة الجنح؛ فقد أعرب مساعد المتحدث باسم حزب "التجمع من أجل حركة شعبية" الحاكم دومينيك باييه عن "الأسف لهذه النهاية"، معتبرا إياها "اختبارا مؤلما" للرئيس السابق. ورأت الزعيمة الاشتراكية سيجولين رويال أن إحالة شيراك إلى المحكمة "لن تكون جيدة لصورة فرنسا"، ومن جهتها أعربت أحزاب سياسية فرنسية معارضة عن ارتياحها لإحالة شيراك إلى القضاء وهو ما اعتبرته تعبيرا عن مساواة جميع المواطنين الفرنسيين؛ أغنياء وفقراء، أصحاب سلطة ومواطنين بسطاء، أمام القانون وحكم القضاء المستقل. ويملك الرئيس شيراك (76 عاما) منذ خروجه من قصر الإليزيه رصيدا طيبا لدى الرأي العام الفرنسي، حتى أنه احتل في أغسطس الماضي المرتبة ال29 في لائحة الشخصيات المفضلة لدى الفرنسيين، بحسب استطلاع أجرته مؤخرا صحيفة "لجورنال دو ديمانش" الفرنسية. وتأتي إحالة الرئيس الفرنسي جاك شيراك بعد أقل من أسبوع من الحكم على وزير الداخلية السابق "شارل باسكوا" بعام سجن نافذا وسنتين مع وقف التنفيذ بعد تورطه في قضية "أنجولا جيت" في منتصف التسعينيات والتي تتعلق ببيع أسلحة مهربة من أوروبا الشرقية إلى أنجولا عبر فرنسا وساهم في عملية التهريب شخصيات فرنسية. وطلب "شارل باسكوا" بعد الحكم عليه "التعقيب على الحكم"، مشيرا إلى أن مسئولين آخرين فرنسيين كانوا على علم بالصفقة مثل الرئيس الفرنسي "جاك شيراك" ورئيس الوزراء الأسبق "ادوار بالادير" ورئيس بلدية بوردو "ألان جيبي". "أنجولا جيت" وفي قضية "أنجولا جيت" يعتقد أن وزير الداخلية السابق شارل باسكوا، والمسئول السابق في جهاز الاستخبارات الفرنسي جان شارل ماركياني، وكريستوف ميتران نجل ومستشار الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتيران قد يكونون تلقوا رشاوى من منظمي عملية التهريب التي أشرف عليها رجل الأعمال الإسرائيلي – الفرنسي "أركادي جاديماك". وتأتي المحاكمة التي شملت وزير الداخلية السابق "شارل باسكوا" والمحاكمة التي تنتظر "جاك شيراك" في الوقت الذي عاشت فيه فرنسا طوال الشهر الماضي وقائع محاكمة قضية "كليستريم" التي حكم فيها على عدة أشخاص بتهمة تتعلق بتكوين "قائمة بأسماء لشخصيات عديدة من بينها الرئيس الفرنسي الحالي نيكولا ساركوزي في مصرف كليستريم للإيهام بأنهم يملكون أرقام حسابات سرية بقصد تشويههم". وحكم على رئيس الوزراء السابق " دومينيك دوفيلبان " ب18 شهرا مع وقف التنفيذ مع دفع غرامة تقدر ب145 ألف يورو بتهمة "المشاركة في التدليس المفسد" وقد اتهم دوفيلبان بعد هذا الحكم ساركوزي بأنه وراء عملية محاكمته. واكتفي ساركوزي بالتعليق أمام هذه المحاكمات التي شملت الرئيس السابق بالقول إن "القضاء بفرنسا مستقل بمقتضى الفصل بين السلطات" وإنه "لا يملك التعليق على الأحكام القضائية".