واجب الثوار الأول : الحيلولة دون التدخل الأجنبي في ليبيا ألا ما أشنع هذا التعبير السائد اليوم : سقط شهيد. تعبير مخالف بالتمام والكمال لإتجاه الإسلام الذي يرفع الشهيد إلى درجة تلي درجة النبوة والصديقية مباشرة. إذا كان القرآن الكريم ينهانا عن مجرد التعبير بلفظ الموت عمن يموت في سبيل الله فكيف نستبيح لألسنتنا وأقلامنا أن تهذر بقولنا : سقط فلان شهيدا. الشهيد حي لم يمت ومن ذهب بدنه وبقي رغم ذلك حيا بل حيا يرزق عند ربه مستبشرا بمن لم يلحق به لا يقال عنه : سقط. كان ذلك على مستوى المبنى وأي عبرة لمبنى إذا لم يشيد ما يناسبه من المعنى. المعنى من ذلك هو أن أثر الشهيد سيما شهيد الساحة بمثل ما يحدث اليوم في ليبيا وحدث قبل ذلك في تونس ومصر لا بد أن يكون أثرا محمودا. هو كذلك حتما وبالضرورة ولكن المشكلة الوحيدة أننا نستبطئ أو نستعجل أو نتجاهل ونتناسى. الأثر المحمود للشهيد هو أن الله الذي أخذه إليه لا بد أن يعوض الناس عنه كلما إلتزموا نهجه المجاهد المقاوم خيرا ومجدا وسؤددا. ذلك هو مسار التاريخ حتى عند غير المسلمين الذين لم يتحرروا إلا بعد تقديم القرابين البشرية بسخاء. كيف تحررت أروبا من دكتاتورية الأباطرة ماليا وسياسيا متحالفة مع تيوقراطية دينية مسيحية كنسية؟ بالدعاء؟ لا أبدا. ولكن بالمقاومة ذلك هو مسار التاريخ أي مسار المقاومة لأجل التحرر. الحاصل من ذلك هو أن الله سبحانه كتب لحكمة يعلمها ولا نعلمها أن المجاهدين والمقاومين في ليبيا ضد المجرم السفاح القذافي وبطانته وذريته .. كتب أنهم سيبذلون أضعافا مضاعفة من الشهداء قرابين على درب التحرر. وصل العدد إلى حد اليوم آلافا مؤلفة من ثلاثة آلاف حتى ستة آلاف في مجتمع لا يزيد عدد أبنائه عن خمسة ملايين. لم يكتب ذلك سبحانه إلا لأمر يلوح لنا نوره لا يضل عنا أبدا. كتب سبحانه أن المقاومة الليبية ضد المجرم السفاح القذافي ستبذل أضعافا مضاعفة من الشهداء حتى تتبوأ مقاما رفيعا مقدما من بعد إزاحة ذلك المجرم. ليبيا من حيث ثروتها النفطية والإقتصادية وجغرافيتها المنداحة ليست تونس ولا حتى مصر من زوايا أخرى. ليبيا التي تقدم اليوم قوافل الشهداء من بعدها قوافل لا بد أن الأقدار ترتب لها مستقبلا يجعلها منارة إفريقيا العالية تتولى تصدير الحريات والديمقراطية والعدالة وقيم الحق والمساواة شرقا وغربا وشمالا وجنوبا. ذلك هو الأمر الذي نستشرفه من كثرة الشهداء على درب التحرر في ليبيا. أمر يختلف عن مناخات الحزن التي يريد بعض الإعلاميين تسويدها. أمر لا يليق به أن يصف الشهيد بالساقط. الشهيد يرفعه سبحانه إليه حيا بأتم معاني الحياة. حياة تجعله يستبشر بمن لم يلحق به من بعده. إنما الساقط هو من تأخر بنفسه عن ذلك المقاوم الرفيع. موضوع هذه الكلمة الحرة : كلمة واحدة. 1 المجرم السفاح القذافي بعدما بدا يأسه من مواصلة الهيمنة على الشعب الليبي الأبي يحاول أن يرقى إلى ما إرتقى إليه صدام حسين عليه رحمة الله سبحانه. أي مرقى يكون فيه بطلا بسبب أنه كان هدفا ولو في الأيام الأخيرة من حياته السياسية أو البيولوجية للمؤامرات الغربية. الأمر مختلف مع المرحوم صدام حسين الذي تعرض بلده إلى غزو أمريكي صليبي صهيوني عسكري مباشر فلم يكن سوى صاحب موقف وطني قومي لم يتزحزح قيد أنملة وبذلك صدر عنه من الأمة العربية ربما من أكثرها على ما نرى ما يشبه العفو العام لجرائمه السابقة في حق الشعب العراقي العظيم سيما من إعدامات فاجرة. لم يصدر عنه ذلك العفو لأنه صدام حسين عليه رحمة الله سبحانه تلك الرحمة التي لولا ذلك الموقف القومي الوطني البطولي من الغزو الأمريكي الصليبي الصهيوني ما سال بها مداد. لم يصدر عنه ذلك العفو لأنه صدام حسين ولا لأنه عراقي ولكن لأن الوطنية أو قل القومية إن شئت بمعنى وفائها للأهل والعشيرة والقوم والرحم والأرض التي أنجبت وتاريخها وتراثها ولا عبرة ولا مشاحة في المصطلحات صدر عنه ذلك العفو العربي وربما الإسلامي أيضا بسبب تلك الوطنية. المجرم السفاح اليوم ( أي القذافي ) فيما يبدو يبحث له عن مصير شبيه بمصير المرحوم صدام حسين. أي أي يبقى بطلا قوميا في عيون الأمة وعيون شعبه لأنه محل إغتيال من القوى المعادية لتاريخ الأمة وحاضرها. 2 القوى الأمريكية والصهيونية والصليبية التي تصدر اليوم مذكرات توقيف وجلب وما إلى ذلك في حق المجرم السفاح القذافي إنما تريد عند التحقيق العميق الهادئ الصحيح أن تبحث لها عن موطئ قدم عند الشعب الليبي وطلائعه التي تبين له أنها ستتسلم قيادة البلاد في الأيام القادمة أو الأسابيع القادمة ولولا ذلك لما ذرفت تلك القوى مذكرة جلب واحدة ضد من تربى في حجرها ورضع من لبنها الخبيث وظلت تراوده حتى سلمها أغلى ما عنده من قوت شعبه أي : ترسانته النووية ولسان حالها يومها يقول : ترسانتك النووية هي رشوتك إلينا إذا كنت تريد فعلا تجنب مصير المرحوم صدام حسين. كل ما يصدر اليوم من الدوائر الأممية التي يهيمن عليها اللوبي الصهيوني والأمريكي والأروبي من مذكرات جلب وبحث وغير ذلك من تهديدات بالتدخل العسكري لما يزعمونه من إنقاذ الشعب الليبي الجريح والشهيد تحت حمم المجرم السفاح القذافي ... كل ذلك لا يقرأ إلا ضمن رشاوى تقدمها تلك الدوائر لما يئست من عودة القذافي إلى الحكم. رشاوى وعلامات حسن نية إلى الشعب الليبي الكبير أملا في عدم قطع الإمداد النفطي والسماح بتبادلات إقتصادية مربحة تستثمر في الأرض الليبية البكر بكارة أبنائها الطيبين وثوارها المقدامين ممن لم يتلوثوا بما تلوثت به شعوب عربية أخرى من خبائث العجرفة الغربية. رسالة واحدة لهذه الكلمة الحرة هي : على المقاومين في ليبيا وطلائعهم مواصلة رفض كل تدخل أجنبي مهما كان نوعه وليكن طريق الشهادة هو السبيل الأكثر بركة ونجاعة وسرعة لتخليص البلاد من المجرم السفاح القذافي وبناء دولة مدنية حديثة ديمقراطية حرة ذات سيادة بحسب ما يتواضع عليه إخواننا الليبيون بمختلف مشاربهم وألوانهم وقبائلهم. عليهم ألا تثقل كواهلهم من كثرة الدماء المهراقة شهادة في سبيل الله سبحانه تحريرا لأرضهم فذلك هو منطق التاريخ الصارم. عليهم ألا يسمعوا لتخويف المخوفين وجزع الجزعين ودموع التماسيح العربية التي ذرفها وزراء خارجيتهم قبل أيام قليلات. دموع حركتها الإدارة الأمريكية وسالت من المآقي العربية المجتمعة في القاهرة والهدف الأسنى منها هو : تخويف الليبيين من كثرة الدماء والحرب الأهلية وبديلهم المسموم هو السماح بتدخل عسكري غربي يخلصهم من المجرم السفاح. تلك نصيحة آثمة لأن العرب لا يريدون خيرا لا لليبيا ولا لتونس ولا مصر ولا لليمن. العرب اليوم يقتلهم الجزع فوق كراسيهم المتهافتة فتراهم يغدقون الرشاوى على شعوبهم كل بما تفتقت عنه قريحته الجريحة. على الثوار في تونس ومصر وعلى مناصري الثورات العربية الراهنة أن يظلوا رافضين هم كذلك لأي ضرب من ضروب أي تدخل أروبي أو أمريكي. عليهم مؤازرة إخوانهم الثوار في ليبيا. المؤازة اليوم بموقف إسلامي وطني قومي مشرف يرفض التدخل الأجنبي ويحول دونه بكل الوسائل .. تلك مؤازة أغلى وأنفع لليبيين من أي تدخل إغاثي أو إنساني على قيمة وقدر التدخلات الإغاثية والإنسانية. الموقفان مطلوبان وهما يتكاملان ولا يتقابلان. لسنا بصدد الإملاء على الثوار في ليبيا بعدما تبين أنهم هم في موضع الإملاء والتعليم ونحن في موضع التعلم والإصغاء إلى الدروس المفيدة في الحياة. ولكننا في موقف النصيحة وموقف التعزير وموقف الخوف على ثورة ليبيا أن يغدرها العرب الجزعون بدبابات وطائرات الغرب الذي يذرف دموع التماسيح على ليبيا بعدما تبين أن عميلهم هناك في طريقه إلى الإلتحاق بالذيلين المقطوعين : بن علي ومبارك. كلمة الختام. أن يبذل الشعب الليبي ألف ألف شهيد على طريق التحرر خير له بل ولنا جميعا من أن تدخل دبابة غربية واحدة أو طائرة عربية واحدة لمحاولة إنقاذهم من المجرم السفاح القذافي. عاقبة الشهداء على كثرتهم عاقبة محمودة. هي عاقبة الحرية والديمقراطية والعدالة والإستمتاع بثروة نفطية غزيرة تبوئ ليبيا إلى مصاف الدول المتقدمة الصناعية العظمى. أما عاقبة التدخل ولو كان عربيا سيما من العرب الموالين لأمريكا فهي عاقبة الذلة والعار والهزيمة والتبعية إلى تلك الأحلاف الدولية التي لا تألونا خبالا ولا ترعى فينا إلا ولا ذمة. الحوار.نت