الدكتور عثمان قدري مكانسي قبل شهر ونيف يعلن بشار لصحيفة أمريكية أن ما يحصل في تونس ومصر لن يمتد إلى سورية ، فليس في سورية – على زعمه – احتقان من النظام وحاكمه . ولا أدري كيف يقول ما قاله وهو يعلم أن نظامه يعامل السوريين بأسوأ مما كان ابن علي يعامل شعبه ، ولعلي لا أبالغ في الابتسام بمرارة حين يستغفل الحاكم نفسه قبل أن يستغفل الآخرين ، وكأن مستمعه أو محدثه يجهل الحقيقة . أو لعل حاكم سورية يرجم بالغيب أو يتمنى الأماني ولا بأس أن يكذب على نفسه أولاً وهو يحرك يديه اللتين تساعدانه على فلسفته الممجة التي اعتادها مستمعه منه . وما الفارق بين النظام الحاكم في سورية والنظامين البائدين حديثاً في تونس ومصر ؟ ألا يجمعهم قانون الطوارئ الذي يتنفسون به ويسلطونه على شعوبهم؟ وهل يُصَدق عاقل أن الحاكم الذي يحكم بالنار والحديد ويكتم الأنفاس ويحصي الكلمات يحبه شعبه ويفديه بالروح ؟ إن الحيوانات لتنفر ممن يضربها ويؤذيها وتعرف الرحيم من البشر والظالم فيها ، أفلا تكون الشعوب أرقى من الحيوانات ؟ وهل يجرؤ حاكم سورية أن يلغي قانون الطوارئ هذا ثم يبقى على كرسيه - بعد أن ينال الشعب حريته - شهراً ؟! ولماذا ينبغي أن يكون حزب البحث هو الحزبَ الحاكم الوحيد الذي يختار أمينه العام رئيساً أوحد للبلاد إذا اطمأنّ الحاكم إلى حب شعبه إياه؟ ألا يدل هذا على أنه لا يثق باختيار الأمة له ، فيقيس الدستور على مقاسه ؟ ولو كان الشعب يحبه ويفديه بأرواح أبنائه حقيقة فلماذا لا يسمح للآخرين أن يقدموا من يرونه أهلاً لقادة الأمة ؟ وهل عقمت الأمهات أن يلدن مثل حاكم البلاد وسارق العباد ومذل أبناء وطنه؟ وإذا كان حاكم سورية محبوباً – كما تدّعي أبواق إعلامه – فلماذا كمُّ الأفواه ولماذا كثرةُ الأجهزة الأمنية التي تنتشر في أنحاء الوطن ، لاهمّ لها سوى متابعة أنفاس المواطنين تحصي عليهم حركاتهم وسكناتهم؟ وتعتقل مئات اللآلاف وتغيّبُ عشرات الآلاف عقوداً طويلة ولا من سميع ولا من مجيب ، فالداخل فيها مفقود والخارج منها بعد عقود قاسية – إن خرج- محطم مقهور ومريض عليل ؟ ولماذا يخشى الحاكم اللطيف المحبوب !! المظاهرات التي تطالب بالحرية والحياة الإنسانية الكريمة ويتابعها بحشد كلابه وزبانيته والتصدي لها بطائراته ودباباته؟! يرميها مرتزقة القناصة المدربين بالرصاص والراجمات والقنابل الحارقة كما يفعل العدو بعدوه والمحارب في أرض المعركة؟ أليس هؤلاء – كما يدّعي رأس النظام – رعيته التي عليه أن يحافظ عليها ويهيئ لها الحياة الكريمة ؟ وهل بقاء الحاكم في السلطة رغم إرادة شعبه دليل على ديموقراطية هذا الحاكم ، وهل القتل والاعتقال والتعذيب سبيل الحاكم الشريف لقيادة أمته والحفاظ على كرامتها؟ وإذا كان الحاكم يسعى بكل الطرق الجهنمية للبقاء في السلطة أرضيَ الشعب أم كره فهو ديكتاتور لا يستحق البقاء لحظة في سدّة الحكم بلْهَ البقاء على قيد الحياة ، وهل يرضى المكروه المنبوذ أن يعيش وسط من لا يريدونه ولا يثقون به؟ إلا إذا كان ساقط المروءة ، وضيعَ الأصل ، دنيء النفس خبيث الطوية . وهل يرضى بشار الأسد أن يكون هذا الإنسان؟! والمعروف أن الحاكم الشريف يصطلح مع شعبه - أوّلاً - لأنه عدته وعتاده به ، به يقاتل ، وبقوته يفاوض وبحريته يتقدم الأمم . فإذا سار على هذا الدرب فكان خادماً لشعبه سوّده عليه ، وحفظ له حسن خدمته إياه ولم يتخلّ عنه ، فجعله قائده مدى حياته ، والحاكم يريد أن يكون رئيساً مدى حياته فحب الرئاسة آخر ما يُنزع من الإنسان ، لكنّ الحاكم النغل يبسط سلطانه على أمته بالنار والحديد ويفقرهم ويسلبهم ويعتبر شعبه عبيداً في مزرعته يفعل به ما يشاء ، ولا أعتقد أن مثل هذا جدير أن يحكم إسطبلاً ، ناهيك عن أمة عريقة لها امتداد حضاري رائع . والعجيب – ثانياً – أن الحاكم الجائر حين يتخذ من شعبه عدواً ، فيسلبه ويسرقه ويقهره لا يجد معيناً له سوى العدو التاريخي للأمة فيرتمي بأحضانه ويخدمه ، فيصبح خائناً ينفذ أجندة العدو ويمشي في ركابه . ألا ترون حاكمَ سورية يتصل بالدولة العبرية – والأحداث شاهدة على ذلك – ويقدم لها التنازل تلوَ التنازل ويستقبل مسؤوليها وهو في الوقت نفسه يحارب الأحرار ويحاكمهم بتهمة النيل من هيبة الدولة أو التخابر مع الأعداء أو الخيانة – فالتهم المفبركة جاهزة دائماً – ويصدق في حاكم سورية المثل المشهور : رمتني بدائها وانسلّتْ . ولا ننس – ثالثاً – أن مليارات الدولارات في بنوك أوربا - باسمك يابشار- فاحت رائحتها التي تنبي عن لص عريق في السلب والنهب حتى التصقت بك المقالة المعروفة : حاميها حراميها . ومن ثَمّ نجد الكثير ممن باعوا آخرتهم بدنيا غيرهم – وهؤلاء أغبى الناس - يرضون أن يكونوا أذناب البقر وحثالة المجتمع ، بهم يضرب الظالم وعليهم يعتمد ، فإذا سقط أو هرب تركهم غير عابئ بهم ، تدوسهم أقدام الأحرار وتطؤهم جحافل الثوار كما يُفعل بالفئران المذعورة .. سقط جزار تونس ، وسقط خائن مصر ، وسيتبعه كثيرون ممن سار سيرتهما أمثال مجنون ليبيا ، ولن يكون مصيرك - يا ابن بائع الجولان – غير مصيرهم . فهل تعي الأمر فترحل ؟ أم ينطبق عليك قول الله تعالى " ونذرهم في طغيانهم يعمهون " إن العمى عمى البصر ، والعمه َ عمى البصيرة . وما أظك ترتفع بتفكيرك عمن سبقك ، فالفراعنة ليس لهم راحم - حين يسقطون – ولا تبكي عليهم البواكي .. ولن يفهموا ما يحل لهم لأن الله ختم على قلوبهم . رحم الله شهداء سورية الكرام وأدخلهم فسيح جناته ، ونصر شعبنا على الطغاة والطغام ، وأنقذ شعبنا الحر وبلادنا الجميلة من كل سوء وكحّل عيون أبنائها بنصر قريب .... وما ذلك على الله بعزيز .